غرام خارج الوزن

  قصائد "غرام خارج الوزن" بصوت الشاعر شربل بعيني

**

حب في لندن


ـ1ـ

قولي: أُحبُّكَ..

لأَخْلَعَ جارَةَ التَّايْمزْ

وَأُتَوِّجَكِ مَكانَها مَلِكَةً

عَلى بَقايا الشَّمْسِ وَالضَّبابِ..

ـ2ـ

بلاطُ بَاكِينْغَهامْ يَتُوقُ لِمُوسيقى الدَّلَعِ

الْمُنْطَلِقَةِ، كَنَبَضاتِ قَلْبِي،

مِنْ وَقْعِ خَطَواتِكِ.

أَحْذِيَتُكِ الْمُطَعَّمَةُ بِوُرودِ سِيدْنِي

سَتَغْزُو إِمْبَراطورِيَّةً لَمْ يَغْزُها ابْنُ امْرَأَةٍ..

وَحِينَ تَلْتَقِيكِ،

سَيَلُفُّ لُنْدُنَ الْهُتَافُ،

وَتُسْكِرُها النَّشْوَةُ.

حَتَّى سَناجِيبُ حَديقَةِ هَايدْ بَارْك

سَتَهْجُرُ أَوْكارَها،

لِتَعيشَ زَمَنَكِ الْمُضِيءَ.

ـ3ـ

قُولِي: أُحِبُّكَ..

لِتَتَراقَصَ عَقَارِبُ ساعَةِ بِيغْ بَانْ

بَعْدَ حِدَادٍ طَوِيلٍ..

وَتُعْلِنَ أَمامَ حُرّاسِ قَصْرِكِ

إِنَّ ساعَةَ دُخولِي عَلَيْكِ قَدْ حانَتْ.

**

قرميد جبال الألب


ـ1ـ

القِرْميدُ السّويسْرِيُّ

سَمَّرَ أَلْوانَهُ عَلَى السُّطوحِ

وَاشْرَأَبَّ لِرُؤيَتِكِ..

ـ2ـ

جِبالُ الأَلْبِ خَلَعَتْ عَباءَتَها الثَّلْجِيَّةَ

وَانْحَنَتْ لالْتِقاطِ أَنْفاسِكِ..

ـ3ـ

سَاعاتُ (اللّونْجين) الشَّهيرَةُ

ضَبَطَتْ وَقْتَ وُصُولِكِ

كَما تَضْبُطُ السَّنَةُ فُصُولَها،

حَتَّى لا يَتَفاجَأَ نَهْرُ الرّايْنِ..

وَيَثورَ!

ـ4ـ

بُحَيْرَةُ لُوسَارْن..

أَعْطَتْ أَسْماكَها إِجازَةً

لا تَتَعَدَّى مُدَّتُها لَحْظَةَ مُرُورِكِ عَلَى ضِفَافِها..

كَيْ تَتَعَلَّمَ السِّباحَةَ

في بَحْرِ عَيْنَيْكِ..

ـ5ـ

غَرِيبٌ وُجُودِي مَعَكِ..

لا سْويسْرا رَحَّبَتْ بي،

وَلا ابْتِسامَتُكِ الْخَجُولَةُ..

حَدِّقي بي..

فَالأَعَيْنُ السّويسْرِيّةُ لا تَراني

إِلاّ مِنْ خِلالِ حَدْقَتَيْكِ.

**

غوندولا البندقيّة


ـ1ـ

لا تَخَافي يا حَبيبَتِي..

شَخْتورَةُ (الْغُونْدُولا) لَنْ تَغْدُرَ بِكِ..

لَنْ تَغْرَقَ..

إِنَّهَا رَفيقَةُ الْمِياهِ الْهادِئَةِ

مُنْذُ تَكَوَّنَتِ الْبُنْدُقِيَّةُ..

ـ2ـ

اصْعَدِي..

لِيُغَنِّي لَكِ بَحَّارُها

عَلَى وَقْعِ مِجْذَافٍ مِغْناجٍ،

أُغْنِيَةً لَحَّنَها الْمَوْجُ

وَغَنَّتْها إِيطالْيا.

ـ3ـ

سَواقي الشَّوارِعِ تَأَهَّبَتْ لاسْتِقْبالِكِ..

أَسْرابُ الْحَمَائِـمِ

حَرَسَتْ مَرَافِىءَ الطُّرُقاتِ،

وَالْيَابِسَةُ خَطَّطَتْ لإِبْحارِكِ..

هاتِي يَدَكِ..

أَبْحِري مَعِي..

فَالرِّحْلَةُ لَنْ تَبْدَأَ إِلاَّ مَعَكِ.

**

درّاجات أمستردام


ـ1ـ

دَرَّاجَاتُ أَمِسْتِرْدَام

تَحْفَظُ دَوْرَها جَيِّداً:

تَرَاكَضِي أَمَامَ عَيْنَيْها،

لِتُعْجَبَ بِكِ!!

ـ2ـ

دَواليبُها الْهَوائِيَّةُ

تَلْتَقِطُ عَنِ الطُّرقاتِ ظِلالَ جَسَدِكِ

لِتَنْصُبَها في الرِّيحِ خَيْمَةً

تَأْوي إلَيْها عَصافِيرُ الْحُقُولِ

الْمُجَرَّحَةِ بِخَنادِقِ الْمِياهِ.

ـ3ـ

رُكّابُها يَتَسابَقُونَ نَحْوَكِ..

يُلَوِّحُونَ لَكِ بِقُبَّعاتِهِم

الْمُرَقَّطَةِ كَجُلُودِ أَبْقارِهِم،

وَيَدْعونَكِ لِلتَّنَزُّهِ فَوْقَ صَفْحَةِ الْمَدينَةِ

على بِسَاطِ رِيحٍ جَديدٍ،

لَـمْ تَرْكَبْهُ شَهْرَزاد،

وَلَـمْ تَلِدْهُ مُخَيّلَةُ أَديب.

ـ4ـ

يا ابْنَةَ الشَّرْقِ..

يا حَفيدَةَ الشِّعر والسّهر..

هُولَنْدا سَتَحْتَفِظُ بِحُبَيْباتِ الْعَرَقِ

الْمُتَصَبّبَةِ مِنْكِ،

لِتُنْعِشَ بِها أَزْهارَ الْعاشِقيَن

ساعاتِ الْجَفاف.

**

فتيات الكان كان


ـ1ـ

شارِعُ الشّانْزَليزِيهْ مُثْقَلٌ بِمَقاهِيهِ،

بِزُجاجاتِ الْعِطْرِ،

وَبِتَصْفيفاتِ شُعورِ نِسائِهِ.

تُزَيِّنُهُ أَجْسادُ الْعاشِقِينَ،

وَتُفْرِحُهُ أَنّاتُهُم.

ـ2ـ

تَعالَيْ نَدْخُل (اللِّيدُو)

لِنُغْرِقَ أَعْيُنَنا بِصُدُورِ فَتَياتِ (الْكَانْ كَانْ)،

وَنَجْمَعَ مِنْ تَحْتِ أَقْدامِهِنَّ

رَقَصاتٍ تَناثَرَتْ كالزُّجاج.

لَقَدْ تَغَزَّلْتُ بِصَدْرِكِ كَثيراً،

فَحَقَّت لَكِ الْمُقارَنَةُ..

وَحَقَّ لي الإدْراكُ أَنَّهُ الأَجْمَل،

وَأَنَّ النِّساءَ الْبَارِيسِيّات تَعَلَّمْنَ مِنْهُ الشُّموخَ

وَالْعِفَّةَ.

ـ3ـ

شامِخٌ صَدْرُكِ كَبُرْجِ إِيفِل..

وَمُسْتَديرٌ كَساحَةِ قَوْسِ النَّصْر..

وَأَنا ضَائِعٌ بَيْنَ الاسْتِدارَةِ

وَالشُّموخِ،

تُقَزِّمُنِي الظُّنونُ،

وَيُرْكِعُنِي الْخَوْفُ..

هَلاّ اقْتَرَبَتْ ساحَةُ الْكُونْكُورْد مِنّي..

هَلاّ أَشْفَقَتْ عَلَيّ..

حُبّي لَكِ أَوْسَعُ مِنَ السَّاحاتِ،

وَأَعْلى مِنَ الْبُرْج.

**

غريب أنا في ألمانيا


ـ1ـ

أَرَدْتُ أنْ أُهْدِيَ جَسَدَكِ الْمَيّاسَ

قِنّينَةَ عِطْرٍ،

فَإذا الْعِطْرُ حَزينٌ كَمَحَلاّتِ (هَايْدِلْبيرغْ)،

وَكَقَلْعَتَها التَاريخيّةِ.

ـ2ـ

كَئيبَةٌ هِيَ أَلْمَانْيَا يَوْمَ الْجُمْعَةِ الْحَزينَةِ..

كُلُّ ما فِيها يُعَانِي الوَحْشَةَ،

حَتَّى قَلْبِي الزَّائِر،

وَكُحْلَة عَيْنَيْكِ.

ـ3ـ

وَحْدَها كَنيسَةُ (كُولُونْ)

رَفَضَتْ أَنْ تَقْفِلَ أَبْوابَها

كَأَفْواهِ الْمَارَّةِ..

تَرانيمُها الْحَزينَةُ جَرَّحَتْ حَناجِرَ الْمُصَلِّينَ،

وَأَوْقَعَتْهُمْ في الأَلَمِ.

ـ4ـ

إيماني أَجْبَرَنِي عَلَى الدُّخولِ..

حَمَلَنِي إِلَيْها

كَما أَحْمِلُكِ بَيْنَ يَدَيَّ..

وَلَكِنَّ كاهِناً مُتَسَلِّطاً كَالْقِرْدِ،

أَمَرَنِي بِالإبْتِعادِ عَنْ مَقاعِدِ الْمُصَلّينَ،

وَأَرْكَعَنِي في الزَّاوِيَةِ..

ـ5ـ

غَريبٌ أَنا في أَلْمَانْيا..

لا حِجارَةُ الْكَنائِسِ تَعْرِفُنِي،

وَلا اسْتِبْدادُ الْكَهَنَةِ..

عَرِّفيهِمْ بِي..

قُولي لَهُم: هذا حَبيبِي،

أَحِبّوهُ كَما تُحِبُّ السَّماءُ،

وَيُشْرِقُ وَجْهُ اللّـهِ..

لُغَتُكِ الأَلْمَانِيّة مُتَماسِكَةٌ كَأَيْدينا،

وَابْتِسامَتُكِ الْمَلائِكِيَّة تَمْحو الْكُرْهَ

بِزَقْزَقَةٍ يَتيمَةٍ..

وَأَنْتِ أَشْبَه ما تَكُونِينَ

بِنِسَاءِ أَلْمَانْيا السَّاحِرات.

ـ6ـ

كَلِمَةٌ واحِدَةٌ مِنْكِ..

تُقَرِّبُ الْعيدَ،

وَتَقْلُبُ الْحُزْنَ فَرَحاً..

وَتُعيدُ الأضْواءَ للمَحَلاّتِ التِّجاريّةِ.

أُريدُ قِنِّينَةَ عِطْرٍ..

وْما لي سِوَى لُعَابِكِ!

**

لو لم يحرقوا الحلم 

في جزيرة (بالي)..


ـ1ـ

قبلَ أَنْ يَدُبَّ الرّعبُ في أَجْنِحَةِ

 الْعَصافير..

وَقْبلَ أَنْ تَرْكَعَ أَشْجارُ (الْبَاباوْ)،

وَتَنْفَصِمَ ظُهُورُها..

أَهْدَيْتُكِ الْفَرَحَ فِي (بَالِي).

ـ2ـ

لَوْ لَمْ يَمُتِ (السَّارِي كْلوبْ)،

وَيْغْرَقْ فِي دِماءِ الأبْرِياء،

لأَخْبَرَ الْكَوْنَ قِصَّتَنا:

كيفَ رَوَّضْنا حَلَبَةَ الرَّقْصِ بِأَرْجُلِنا.

وَكَيْفَ انتَفَضتْ قِنِّيناتُ الْخَمْرِ

وَتَأَفَّفَتْ

حِينَ رَشَفْتُ لُعابَكِ.

ـ3ـ

سُكَّانُ جَزيرَةِ (بالي)

أَحَبُوكِ مِنَ النَّظْرَةِ الأُولى.

سَلامُهُمْ عَلَيْكِ

كانَ تَرْحيباً بكِ.

عُقُودُ الأَزْهارِ التي أَهْدوها لِعُنُقِكِ

أَبَتِ الذّبُولَ بَعْدَ أُسْبُوعٍ مِنَ الدّلالِ،

وَالتَّأَرْجُحِ فَوْقَ نَهْدَيْكِ.

عُقُودُهُمْ زَيّنَتْكِ،

بَرَّجتْكِ،

أَرْجَعْتُكِ أَميرَةً شرقية،

يَخْشَى الغربُ مُبارَزَتَها.

ـ4ـ

لَوْ لَمْ يُحْرِقُوا الْحُلْمَ في (بالي)..

لاقْتَفَيْتُ خُطُوَاتِكِ،

وَلَجَمَعْتُها واحدَةً واحِدَةً في حَقيبَتِي.

لَنْ أَعُودَ إلى سيدْنِي،

وَشَاطِىءُ (نُوسَا دْوَا)

يَحْتِفِظُ بِغُبارِ رِجْلَيْكِ!

أُفٍّ ما أَغْلَظَ مِياههُ البلوريّة الهادئة،

فَلَقَد سرَقَتْكِ منّي،

وَحَمَّمَتْكِ مِئَةَ مَرّةٍ في الدقيقة،

دونَ أن تُعيرَنِي انْتِباهاً،

أَوْ أنْ تَعْتَرِفَ بِصُحْبَتي لكِ!.

ـ5ـ

(كُوتَا) اللّذيذَةُ كَعَسَلِها

لَمْ تَتَدَخَّلْ.

أَهْدَتْنا شَوارِعَها،

مَحَلاّتِها التِّجاريّةَ،

وَمَطْعَمَيْ (الْبِيتْزَا هَاتْ)

وَ(الْمَاكْدُونَالْد)..

وَهَمَسَتْ فِي آذانِنا:

لا تَخافوا الأشباحَ،

فَالْمُؤمنُ لا يَخافُ.

وَفَجْأَةً تَسَلَّلَ الأشْباحُ

إلى (كُوتا)

وَمَحَوا ابْتِسامَتَها الْمَلائكيّةَ الْمُشرِقَةَ

بِلَهيبِ حِقْدِهِم الْمُميت.

بَعْد سَنَتَيْن مِنْ رِحْلَتِنا إلى جَزيرةِ (بالي)،

أَعْلَنَتْ (كوتا) خَوْفَها.

ـ6ـ

هاتِي عُقُودَ الأزْهارِ الّتِي تَحْتَفظينَ بِها،

لأُعيدَها إلى (بالي)..

جَزيرَتُنا حزينَةٌ،

يا حبيبَتِي،

كَأُمَّهاتِنا اللبنانيات،

يَلُفُّ الألـمُ وَجْهَها الأخضرَ،

يُجَرّحُ قلبَها النابضَ بالحب،

وَيَحْصُدُ بِمِنْجَلِ الرُّعْبِ

وُجُوهَ زائِريها.

أينَ النَّاسُ؟

أَسْمَعُ حَشْرَجاتِ قَلْبِها،

سَقْسَقاتِ دُموعِها،

لَنْ تَعُودَ الْحَياةُ إلى (بالي)،

إنْ لَمْ نَعُدْ نَحْنُ إلَيْها..

وَنَمْسَحْ بِرَقَصاتِنا الْمُؤمِنَةِ

بَصَماتِ هَمَجِيَّةٍ

كافِرَةٍ.

**

وريقات اعتراف

كتبتها بعمر 16 سنة


ـ1ـ

الْحُبُّ إِلَهٌ يَتَجَسَّدُ فِي الْقُلُوبِ.

الْحُبُّ هُوَ الَّذي خَلَقَنَا.

ـ2ـ

الْيَوْمَ..

بَدَأْتُ أَشْعُرُ أَنِّي وُلِدْتُ مِنْ جَديدٍ،

كُنْتُ كَالسَّرَابِ،

كَالْخَيَالِ..

وَالآنَ، أَصْبَحْتُ حَقِيقَةً،

أَصْبَحْتُ إِنْساناً يَشْعُرُ،

يَعْطفُ

وَيُحِبُّ.

ـ3ـ

حَبيبَتي..

أُريدُها لِوَحْدِي..

فَهِيَ كُلُّ حَيَاتي،

وَحَياتي لَيْسَتْ مُلْكاً لأَحَدٍ.

ـ4ـ

كَمْ أَوَدُّ لَوْ أَغْمُرُها بِيَدَيَّ،

لَوْ أَعْصُرُها بِطَهارَةٍ،

وَأَغْرِفُ مِنْ عَيْنَيْها نُورَ حَياتي.

ـ5ـ

أَحْلُمُ بِها كُلَّ لَيْلَةٍ..

يُؤَرِّقُني طَيْفُها الْجَميلُ،

يَنْقُلُني إِلى عالَمٍ مُخْمَلِيِّ الثَّواني،

زِئْبَقِيِّ النَّبَضَاتِ.

إِلى عالَمٍ..

لا يَصِلُهُ إِلاَّ مِنْ يُحِبُّ.

ـ6ـ

أُريدُ أَنْ أَقُولَ لَها 

عَلى شاطِىءِ بَحْرٍ خَيالِيٍّ:

يا قَمَري..

مِنْكِ أَسْتَمِدُ نُورَ عُمْرِي.

الْحَياةُ بِدُونكِ عَلْقَمٌ.

كَمْ أَوَدُّ لَوْ أَغْسُلُ قَدَمَيْكِ بِدُمُوعي،

وَأَغْزُلُ شَلْحَتَكِ مِنْ ضَوْءِ الصَّباحِ.

كَمْ أَوَدُّ لَوْ أَغْفُو كَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ

بَيْنَ ذِرَاعَيْكِ

وَأَتَنَشَّقُ عَبِيرَ وَجْهِكِ الرَّيَّان.

ـ7ـ

حُبُّكِ، يا حَبِيبَتي، مُقَدَّسٌ عِنْدي.

حُبُّكِ إِلَهٌ أَعْبُدُهُ،

وَقَمَرٌ أَسْتَلْهِمُ مِنْهُ كِتابَتي.

حُبُّكِ زَهْرَةٌ أسْقِيها بَدَمْعي،

وَصُورَةٌ أَرْسُمُها بِدَمي.

ما أَحْبَبْتُ يَوْماً هَكذَا..

الْقَلْبُ يَدْعُوكِ،

الْقَلَمُ يَكْتُبُ عَنْكِ،

والْفِكْرُ مَعَكِ،

وَكُلُّ شَيْءٍ فِيَّ لَكِ.

أَنْتِ أَنا يا حَياتي.

ـ8ـ

هَلْ سِمِعْتِ بِقِصَّةِ قَيْسِ الْعَامِرِيِّ

مَجْنُونِ لَيْلى؟

أَوْ بِأُسْطُورَةِ رُومْيُو وَجُولْيِيتْ؟

جَمِيعهُمْ ماتُوا لِيَحْيُوا بِالْحُبِّ..

أَمَّا أَنا فَحَيٌّ،

وَحُبُّكِ يُمِيتُني شَوْقاً إِلَيْكِ.

ـ9ـ

يَداكِ..

جَبَلَهُما الْجَمالُ بِضَوْءِ الْقَمَرْ.

يَداكِ..

مِنْ أَجْلِهِما سَأَتَحَدَّى الْقَدَرْ.

يا حَبيبتي،

إِيَّاكِ أُحِبُّ، وَإِيَّاكِ أَعْبُدُ..

لأَنَّني أَشْعُرُ أَنَّ فِي قَلْبِكِ حَناناً،

وَفي عَيْنَيْكِ حُبّاً،

وَفي رُوحِكِ بَهْجَةَ الْعُمْرِ،

وَبَيْنَ جَفْنَيْكِ يَتَغَلْغَلُ الأَزَلُ.

**

قبعة مكسيكية


ـ1ـ

عندما اشرأبت أشجار "الكاكتس" لتراكِ، شعرتُ بالغيرةِ.

وقرّرتُ أن أتركَ "المكسيك"

بأسرعِ وقتٍ ممكنٍ.

ـ2ـ

هل يُعقَلُ أن تحبَّ الأشجارُ؟

هل يُعقلُ أن ترميَ أزهارَها

الجميلةَ الملوَّنةَ

عند قدميّ امرأة؟

هذا ما حصل..

وهذا ما أردتُ أن أتخلصَ منه!

لنْ أسمحَ حتّى للأشجارِ أن تحبَّك

أكثرَ مني.

ـ3ـ

أجل.. أجل..

لن أزورَ "المكسيك" بعد اليوم

فحينَ وضعَ عازفُ الغيتارِ

قبعتَه المكسيكية على رأسكِ،

انفجرَ رأسي..

وحين دعاكِ للرقص

تراقص قلبي في صدري

وراح يدوزنُ دقاته

على وقع قدميك.

ـ4ـ

زهرة "الكاكتس"،

والقبّعةُ المستديرة

التي حجبتْ وجهَك عنّي

لنْ أصطحبَهما معي إلى "سيدني"

فمن المستحيل أن أعيش في بيت

تسكنه الظنونُ والغيرة.

فاتركي "الكاكتس" والقبعة في المكسيك

وتعالي إلى صدري.. 

أنتِ لي وحدي.

**

إبنة مصر


ـ1ـ

لَوْ لَـم أَزُرْ مِصْرَ لَمَا تَمَكَّنْتُ مِنْ فَهْمِ جَمَالِكِ.

النِّيلُ.. عَيْنَاكِ،

وَضَفَّتَاهُ.. شَفَتَاكِ،

وَالنَّخِيلُ.. شَعْرُكِ،

وَالأَهْرَامَاتُ.. 

ارْتِفَاعُ الْعِفَّةِ فَوْقَ صَدْرِكِ.

أَمَّا لُؤْلُؤُ ثَغْرِكِ، 

فلَقَدْ وَجَدْتُهُ يَتَرَاقَصُ بِإِبَاءٍ

عَلَى أَفْوَاهِ الْمِصْرِيِّينَ.

آهٍ.. 

كَمْ أَنْتِ جَمِيلَةٌ يا ابنة مصر!

ـ2ـ

جبلُ المقطّم انحنى إجلالاً لطلتك،

قلعتُه التاريخية أضاءتْ شموعَها

فوقَ أسوارِها الشامخة،

احتفالاً بقدومك.

سجنُها المليء بالذكريات الأليمة

حين لامستْ يداك أحجارَه الباردة

تبرّأ من الحكام الظالمين

على مرّ العصور.

كنتِ الدفءَ الذي لم يشعرْ بِهِ أبداً.

كنتِ الحنانَ الذي افتقده،

من كثرة صراخِ المساجين

وزئيرِ الجلادين.

كنتِ الرحمةَ 

في زمنٍ ضاعتْ به الرحمة.

ـ3ـ

يا ابنةَ مصر..

لقبٌ أطلقتُه عليكِ كي أزيدَك فخراً

وامنحَك جمالَ كليوباترا

وحبّ أنطونيو.

آهٍ، كم هي رائعةٌ القاهرة

حينَ أعطتْكِ الأمانَ،

حين ضمتْكِ إلى صدرها،

وقبّلتْ جبينَك الطاهر.

هناك فقط شعرتُ بمربحي

وأنني اخترتُ أجملَ نساءِ الأرض

لأسمعَها كل صباح:

أحبك.. أجل أحبك.

**

ملاك في دبي


ـ1ـ

قَبْلَ أنْ تزوري "دُبَي"

كُنْتِ الملاكَ

وَكانَ حُبُّك سَمائي.

خُذي مِفتاحَ قَلْبي

وادخُلي خِيامي خَيْمَةً خَيْمة

لأستقبلك بَطلة

ترتجّ الكتبُ من خَطَواتِها.

ـ2ـ

ها أنا أمُدُّ يَدي

دَعي قَصائدك تنتظرني

وَكُلَّ دَواوين الشُّعراء

مؤلـمٌ ضَياعي بدونِك

خُذي بِيَدي

وارسُميني ابتسامةً.

ـ3ـ

لم يعُدْ هناك شيءٌ أخسرُهُ،

"دُبي".. سرقتْكِ منّي!

شوارعُها،

بناياتُها،

أبراجُها،

فتحتْ أفواهَها حين رأتكِ.

وأنا تائهٌ في الصحراء.

أعدُّ رمالَها حبّةً حبّة..

وأشكو لها بعدَكِ عنّي.

ـ4ـ

كيف لي أن أعودَ إلى سيدني بدونك؟

كيف لي أن أجرَّ مدينةً بأكملها

لأجرَّكِ معها؟

بربِّكِ قولي: لمنْ أشكو "دُبي"

وهي الجميلةُ رغم أنفي..

والحنونةُ رغمَ تذمري،

والمعطاء رغم بخلي..

صدّقيني أنها تعلمُ 

أنّ بخلَ الحبيبِ فضيلة.

لنْ أقدّمَكِ لها،

سأظلُّ أتمسكُ بكِ

إلى أن تضجر مني ومنك

وتطردنا معاً.

**

وهبتك لبنان


ـ1ـ

رَيْ، حَبِيبَتِي، جَنَّةَ خُلْدِي

وَاشْكُرِي اللَّـهَ عَلَى نِعَمِهِ الْكَثِيرَةِ.

فَفِي حَدَائِقِهَا الْمُعَلَّقَةِ أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ،

أَطْيَارٌ مُنْشِدَةٌ،

وَيَنَابِيعُ مِنْ عَسَلٍ،

كَوَّنَتْ عِنْدَ الْتِقَائِهَا نَهْراً،

لَـمْ يَعْتَمِدْ بِهِ إِلاَّكِ،

تَحْرُسُ ضَفَّتَيْهِ مَلْيُونُ حُورِيَّةٍ،

يَحْمِلْنَ بِأَيْدِيهِنَّ الصُّنُوجَ،

وَقِنِّينَاتِ مَاءِ الْوَرْدِ.

جَنَّتِي هَذِهِ، اسْمُهَا.. لُبْنَان.

ـ2ـ

هنا يا حبيبتي، كان لقاؤنا،

وهنا سننتهي..

ما منْ جنّة أجملَ من وطني

"فغابةُ أرزِه" حديقتي،

و"قلعةُ بعلبكه" قصري،

و"جبيله" منبتُ حرفي

ومن ينابيعِهِ دمي

فكيف لا أهبُكِ إياه

وأنتِ المالكةُ الحقيقيةُ له؟!

إنتِ ابنتُه وفلذة كبدهِ

فلا تبخلي عليه بأبنائكِ.

ـ3ـ

عودي له، كي يعودوا..

أحبيه، كي يحبّوه..

أطعميهم من مأكله،

شرّبيهم من تراثه،

وألبيسهم حبيباتِ ترابه

فغبار الوطن مقدّسٌ يا حبيبتي

دعيهم يدغدغونه بأرجلهم وهم حفاة.

لقد استودعتُك وطني،

مثلما استودعتُك أجيالي..

فكوني الأم الصالحة.

**

لقد استعمرت هونغ كونغ


ـ1ـ

عندما وصلنا إلى "هونغ كونغ"

كانت "الصين" تتأهّب للإنقضاض عليها.

وكان الإنكليز يوضّبون حقائبَ 

الخروج منها، بعد ستة أشهر.

إلى أن وصلتِ أنتِ..

فأحسَّ الشعبُ أن استعماراً جديداً

قد حلَّ بمدينتهم..

وأن الصين وإنكلترا

سترفعان الأيدي استسلاماً لك.

وجودُك..

غيّر المعادلات الدولية

وجمّل الاستعمار.

ـ2ـ

جمالُك الساحر كبّلهم

سمّرهم بالشوارع كعواميد الكهرباء

أجبرهم على التخلي عن عيونهم..

التي أهدوها لك..

ولم يتبقَّ على وجوههم غير النظّارات.

ـ3ـ

وحدها "كولون" أزعجتني،

فعندما دخلنا محطتها

وجدت أن القطارات قد توقفت

لتشبعَ النظرَ منك!

مئات الناس احتشدوا 

داخل مقصورتك،

علّهم يحظون بملامسة جسدِك الطاهر.

وأنا أقفُ عاجزاً عن حمايتك.

ـ4ـ

الشيءُ الوحيدُ الذي أضحكني

هو مطاردة رجال الشرطة 

للبائعين المتجولين..

ومطاردتك أنتِ لبائع 

سرق مالَك وهرب..

كنتُ أضحك وتضحك معي الشوارع،

وعندما قرّرنا العودة،

حزنت "هونغ كونغ"

وفرحت "الصين"

أما "إنكلترا"

فلقد استقلت طائرتنا

كي لا تتركك وحيدة.

**

زهرة بروكسل


ـ1ـ

ـ جميلة هي "بلجيكا"..

همستك هذه لن أنساها ما حييت..

فلقد كان صوتُكِ مفعماً بالحنان،

ومليئاً بالحب.

لدرجة أنّ أحجارَ الساحات رددتها

مثلما رددتْ أغنيات الجنود

العائدين من الحرب.

ـ2ـ

لستُ أدري لماذا اندهشتِ 

بمعرض الأزهار في "بروكسل"؟

وأنت الزهرةُ الأجمل!

ألم ينهرْك ذلك الشيخ الجليل

بصوته الأجشّ،

كي تخرجي من بين أزهاره

حين رأى أن الأعينَ تتسمّرُ بكِ

وتتجاهلُ ألأزهار؟

ألمْ يستقبلْكِ طفلُ السبيل المائي

برقصةٍ وبشربةِ ماء؟

اندهاشك كان بهمسة..

أما اندهاشهم فكان بقصائد.

ـ3ـ

النفنافُ يتساقطُ بغزارةٍ،

وأنتِ تحاولينَ التقاط حبيباته

بيديكِ الصغيرتين..

وكلما أمسكتِ بواحدةٍ،

تحوّلت إلى جمرة حارقةٍ،

والحقّ ليس عليها،

بل على جسمك المشتعلِ أنوثةً.

ـ4ـ

بلجيكا كانت مضجرةً بالنسبة لي

فلقد أمضيتُ وقتي

وأنا أركضُ وراءكِ

كحارسٍ شخصيٍّ

أزمجرُ كلّما اقتربَ منكِ رجلٌ

وأبتعدُ كلّما اقتربتْ أنثى.

هكذا أنا يا حبيبتي

أغار عليكِ حتّى من نفسي

فلا تغيّريني..

كي لا تخسري اهتمامي بك.

أحبُّك على ذوقي

وهذا ما فهمته "بروكسل"

من النظرة الأولى.

**

أميرة سنغفورة


ـ1ـ

جزيرةُ "سانتوزا" السياحية،

تشهدُ على فصل الرعبِ 

الذي عشناه معاً..

فما أن امتطينا ذلك "التلفريك" اللعين

المعلّق بين السّماءِ والماء،

حتى هبّت العواصف الهوجاء،

وتساقطت الأمطارُ بغزارةٍ

وبدأ الرعدُ يعانقُ اللمع،

وأنتِ تصرخين وتستنجدينَ بي

وأنا واقفٌ قبالتَك كأبي الهول

لا أقدرُ على السير خطوةً

مخافةَ أن يقذفني جنونُ الطبيعةِ

خارجَ الكبسولة.

وحين وصلنا إلى برّ الجزيرة

تغيّرتْ نظرتُكِ لي،

ورحتِ تبتعدين عنّي

وتحملينني وزرَ الأخطارِ التي واجهتنا.

ـ2ـ

"سنغفورة" حزنتْ لحزنِكِ،

وراحت تعملُ جاهدةً لمراضاتِك،

فقدمتْ لكِ أزهارَها وأطيارها،

لا بل أهدتْكِ شارعاً من زهر "الأوركد" الملوّن الجميل..

حتّى أنّ عمالَ الفندق

بدأوا يعاملونَكِ كأميرة،

ويرشون حولَك مئات الابتسامات

وعبارات الترحيب.

وأنتِ ما زلتِ حزينةً وخائفةً،

وأنا أشيحُ بوجهي عنكِ

كي لا تري دموعي.

ـ3ـ

..وفي اليوم الثالث..

أشرقتْ شمسُ ابتسامتِك

ورحتِ تهمسين في أذني:

ـ إستيقظْ يا حبيبي، فأمامنا يومٌ طويل.

وعلى حين غفلة..

جذبتُكِ نحوي، ورحتُ أقبلكِ كمجنونٍ،

وأنتِ تضحكين.. وتصرخين:

ـ أحبّكَ.. أحبّك.

ـ4ـ

الآن غفرتُ لجزيرة "سانتوزا"

جميعَ سيّئاتِها..

خاصةً حين حضنتِ 

ذلك الرجلِ الغريب،

وأنتِ تركبينَ خلفهُ

فيلاً ضخماً،

مخافةَ السقوط.

وغفرتُ لها أيضاً،

ساعةَ دخولك حديقة حيواناتها

ومطاردتك لذلك الديك الرومي

بغيةَ احتضانه وتقبيله.

هي المرّةُ الألفُ التي تتناسين بها

أن قبلاتك ملك لي وحدي،

ولن أفرّطَ بواحدة منها حتّى للطيور.

وحدها "سنغفورة" عرفت لماذا بكيت.

**

طيفك في تايلاند


ـ1ـ

المرةُ الأولى التي أذوقُ بها

طعمَ ثمرةِ "الباباو"

كانت في "تايلاند"

وكان الطقسُ ممطراً

والفتياتُ يتركضنَ أمامي

كأشباحٍ ملوّنةٍ.

فلقد أغمضتُ عينيَّ

كي أرى طيفَك فقط.

"بانكوك" تفاعلتْ مع أحاسيسي

فأهدتني الاتصالَ بك.

ـ2ـ

صوتُك جاء متقطعاً

كنبضات قلبي.

دموعُ شوقِك انهمرت من سمّاعة الهاتفِ

التي أتكلمُ منها.

تراكضَ نحوي عمّالُ الفندقِ

صاحوا بصوت واحدٍ: 

طائرتُك ستقلعُ قريباً وأنت هنا

هيّا إلى المطار.

ـ3ـ

سائق التاكسي لم ينظر إليّ

بل راح يحدّق بالطريقِ

ويسرعُ.. يسرعُ

كشوقي إليكِ.

وعندما دخلت الطائرة

قبّلت صورتَكِ.. وابتسمتُ:

سأكون في سيدني بعد ساعات

فهيئي القبلات.

**