وريقات اعتراف


شربل بعيني

Charbel Baini


وريقات اعتراف

Wourayqat Itiraf

Confession papers


قصائد مختارة من كتب الشاعر

Cover by Randa Baini 

**

حب في لندن


ـ1ـ

قولي: أُحبُّكَ..

لأَخْلَعَ جارَةَ التَّايْمزْ

وَأُتَوِّجَكِ مَكانَها مَلِكَةً

عَلى بَقايا الشَّمْسِ وَالضَّبابِ..

ـ2ـ

بلاطُ بَاكِينْغَهامْ يَتُوقُ لِمُوسيقى الدَّلَعِ

الْمُنْطَلِقَةِ، كَنَبَضاتِ قَلْبِي،

مِنْ وَقْعِ خَطَواتِكِ.

أَحْذِيَتُكِ الْمُطَعَّمَةُ بِوُرودِ سِيدْنِي

سَتَغْزُو إِمْبَراطورِيَّةً لَمْ يَغْزُها ابْنُ امْرَأَةٍ..

وَحِينَ تَلْتَقِيكِ،

سَيَلُفُّ لُنْدُنَ الْهُتَافُ، وَتُسْكِرُها النَّشْوَةُ.

حَتَّى سَناجِيبُ حَديقَةِ هَايدْ بَارْك

سَتَهْجُرُ أَوْكارَها، 

لِتَعيشَ زَمَنَكِ الْمُضِيءَ.

ـ3ـ

قُولِي: أُحِبُّكَ..

لِتَتَراقَصَ عَقَارِبُ ساعَةِ بِيغْ بَانْ

بَعْدَ حِدَادٍ طَوِيلٍ..

وَتُعْلِنَ أَمامَ حُرّاسِ قَصْرِكِ

إِنَّ ساعَةَ دُخولِي عَلَيْكِ قَدْ حانَتْ.

**

قرميد جبال الألب


ـ1ـ

القِرْميدُ السّويسْرِيُّ

سَمَّرَ أَلْوانَهُ عَلَى السُّطوحِ

وَاشْرَأَبَّ لِرُؤيَتِكِ..

ـ2ـ

جِبالُ الأَلْبِ خَلَعَتْ عَباءَتَها الثَّلْجِيَّةَ

وَانْحَنَتْ لالْتِقاطِ أَنْفاسِكِ..

ـ3ـ

سَاعاتُ (اللّونْجين) الشَّهيرَةُ

ضَبَطَتْ وَقْتَ وُصُولِكِ

كَما تَضْبُطُ السَّنَةُ فُصُولَها،

حَتَّى لا يَتَفاجَأَ نَهْرُ الرّايْنِ..

وَيَثورَ!

ـ4ـ

بُحَيْرَةُ لُوسَارْن..

أَعْطَتْ أَسْماكَها إِجازَةً

لا تَتَعَدَّى مُدَّتُها لَحْظَةَ مُرُورِكِ عَلَى ضِفَافِها..

كَيْ تَتَعَلَّمَ السِّباحَةَ

في بَحْرِ عَيْنَيْكِ..

ـ5ـ

غَرِيبٌ وُجُودِي مَعَكِ..

لا سْويسْرا رَحَّبَتْ بي،

وَلا ابْتِسامَتُكِ الْخَجُولَةُ..

حَدِّقي بي..

فَالأَعَيْنُ السّويسْرِيّةُ لا تَراني

إِلاّ مِنْ خِلالِ حَدْقَتَيْكِ.

**

غوندولا البندقيّة


ـ1ـ

لا تَخَافي يا حَبيبَتِي..

شَخْتورَةُ (الْغُونْدُولا) لَنْ تَغْدُرَ بِكِ..

لَنْ تَغْرَقَ..

إِنَّهَا رَفيقَةُ الْمِياهِ الْهادِئَةِ

مُنْذُ تَكَوَّنَتِ الْبُنْدُقِيَّةُ..

ـ2ـ

اصْعَدِي.. 

لِيُغَنِّي لَكِ بَحَّارُها

عَلَى وَقْعِ مِجْذَافٍ مِغْناجٍ،

أُغْنِيَةً لَحَّنَها الْمَوْجُ

وَغَنَّتْها إِيطالْيا.

ـ3ـ

سَواقي الشَّوارِعِ تَأَهَّبَتْ لاسْتِقْبالِكِ..

أَسْرابُ الْحَمَائِـمِ

حَرَسَتْ مَرَافِىءَ الطُّرُقاتِ،

وَالْيَابِسَةُ خَطَّطَتْ لإِبْحارِكِ..

هاتِي يَدَكِ..

أَبْحِري مَعِي..

فَالرِّحْلَةُ لَنْ تَبْدَأَ إِلاَّ مَعَكِ.

**

درّاجات أمستردام


ـ1ـ

دَرَّاجَاتُ أَمِسْتِرْدَام تَحْفَظُ دَوْرَها جَيِّداً:

تَرَاكَضِي أَمَامَ عَيْنَيْها، لِتُعْجَبَ بِكِ!!

ـ2ـ

دَواليبُها الْهَوائِيَّةُ

تَلْتَقِطُ عَنِ الطُّرقاتِ ظِلالَ جَسَدِكِ

لِتَنْصُبَها في الرِّيحِ خَيْمَةً

تَأْوي إلَيْها عَصافِيرُ الْحُقُولِ

الْمُجَرَّحَةِ بِخَنادِقِ الْمِياهِ.

ـ3ـ

رُكّابُها يَتَسابَقُونَ نَحْوَكِ..

يُلَوِّحُونَ لَكِ بِقُبَّعاتِهِم

الْمُرَقَّطَةِ كَجُلُودِ أَبْقارِهِم،

وَيَدْعونَكِ لِلتَّنَزُّهِ فَوْقَ صَفْحَةِ الْمَدينَةِ

على بِسَاطِ رِيحٍ جَديدٍ، 

لَـمْ تَرْكَبْهُ شَهْرَزاد،

وَلَـمْ تَلِدْهُ مُخَيّلَةُ أَديب.

ـ4ـ

يا ابْنَةَ الشَّرْقِ.. يا حَفيدَةَ الشِّعر والسّهر..

هُولَنْدا سَتَحْتَفِظُ بِحُبَيْباتِ الْعَرَقِ

الْمُتَصَبّبَةِ مِنْكِ،

لِتُنْعِشَ بِها أَزْهارَ الْعاشِقيَن 

ساعاتِ الْجَفاف.

**

فتيات الكان كان


ـ1ـ

شارِعُ الشّانْزَليزِيهْ مُثْقَلٌ بِمَقاهِيهِ،

بِزُجاجاتِ الْعِطْرِ،

وَبِتَصْفيفاتِ شُعورِ نِسائِهِ.

تُزَيِّنُهُ أَجْسادُ الْعاشِقِينَ، وَتُفْرِحُهُ أَنّاتُهُم.

ـ2ـ

تَعالَيْ نَدْخُل (اللِّيدُو)

لِنُغْرِقَ أَعْيُنَنا بِصُدُورِ ف

َتَياتِ (الْكَانْ كَانْ)،

وَنَجْمَعَ مِنْ تَحْتِ أَقْدامِهِنَّ

رَقَصاتٍ تَناثَرَتْ كالزُّجاج.

لَقَدْ تَغَزَّلْتُ بِصَدْرِكِ كَثيراً،

فَحَقَّت لَكِ الْمُقارَنَةُ..

وَحَقَّ لي الإدْراكُ أَنَّهُ الأَجْمَل،

وَأَنَّ النِّساءَ الْبَارِيسِيّات تَعَلَّمْنَ مِنْهُ الشُّموخَ وَالْعِفَّةَ.

ـ3ـ

شامِخٌ صَدْرُكِ كَبُرْجِ إِيفِل..

وَمُسْتَديرٌ كَساحَةِ قَوْسِ النَّصْر..

وَأَنا ضَائِعٌ بَيْنَ الاسْتِدارَةِ وَالشُّموخِ،

تُقَزِّمُنِي الظُّنونُ، وَيُرْكِعُنِي الْخَوْفُ..

هَلاّ اقْتَرَبَتْ ساحَةُ الْكُونْكُورْد مِنّي..

هَلاّ أَشْفَقَتْ عَلَيّ..

حُبّي لَكِ أَوْسَعُ مِنَ السَّاحاتِ،

وَأَعْلى مِنَ الْبُرْج.

**

غريب أنا في ألمانيا


ـ1ـ

أَرَدْتُ أنْ أُهْدِيَ جَسَدَكِ الْمَيّاسَ 

قِنّينَةَ عِطْرٍ،

فَإذا الْعِطْرُ حَزينٌ كَمَحَلاّتِ (هَايْدِلْبيرغْ)،

وَكَقَلْعَتَها التَاريخيّةِ.

ـ2ـ

كَئيبَةٌ هِيَ أَلْمَانْيَا يَوْمَ الْجُمْعَةِ الْحَزينَةِ..

كُلُّ ما فِيها يُعَانِي الوَحْشَةَ،

حَتَّى قَلْبِي الزَّائِر، وَكُحْلَة عَيْنَيْكِ.

ـ3ـ

وَحْدَها كَنيسَةُ (كُولُونْ)

رَفَضَتْ أَنْ تَقْفِلَ أَبْوابَها كَأَفْواهِ الْمَارَّةِ..

تَرانيمُها الْحَزينَةُ جَرَّحَتْ حَناجِرَ 

الْمُصَلِّينَ، وَأَوْقَعَتْهُمْ في الأَلَمِ.

ـ4ـ

إيماني أَجْبَرَنِي عَلَى الدُّخولِ..

حَمَلَنِي إِلَيْها كَما أَحْمِلُكِ بَيْنَ يَدَيَّ..

وَلَكِنَّ كاهِناً مُتَسَلِّطاً كَالْقِرْدِ،

أَمَرَنِي بِالإبْتِعادِ عَنْ مَقاعِدِ الْمُصَلّينَ،

وَأَرْكَعَنِي في الزَّاوِيَةِ..

ـ5ـ

غَريبٌ أَنا في أَلْمَانْيا..

لا حِجارَةُ الْكَنائِسِ تَعْرِفُنِي،

وَلا اسْتِبْدادُ الْكَهَنَةِ..

عَرِّفيهِمْ بِي.. قُولي لَهُم: هذا حَبيبِي،

أَحِبّوهُ كَما تُحِبُّ السَّماءُ،

وَيُشْرِقُ وَجْهُ اللّـهِ..

لُغَتُكِ الأَلْمَانِيّة مُتَماسِكَةٌ كَأَيْدينا،

وَابْتِسامَتُكِ الْمَلائِكِيَّة تَمْحو الْكُرْهَ

بِزَقْزَقَةٍ يَتيمَةٍ..

وَأَنْتِ أَشْبَه ما تَكُونِينَ

بِنِسَاءِ أَلْمَانْيا السَّاحِرات.

ـ6ـ

كَلِمَةٌ واحِدَةٌ مِنْكِ.. تُقَرِّبُ الْعيدَ،

وَتَقْلُبُ الْحُزْنَ فَرَحاً..

وَتُعيدُ الأضْواءَ للمَحَلاّتِ التِّجاريّةِ.

أُريدُ قِنِّينَةَ عِطْرٍ.. وْما لي سِوَى لُعَابِكِ!

**

لو لم يحرقوا الحلم

في جزيرة (بالي)..


ـ1ـ

قبلَ أَنْ يَدُبَّ الرّعبُ في أَجْنِحَةِ

الْعَصافير..

وَقْبلَ أَنْ تَرْكَعَ أَشْجارُ (الْبَاباوْ)،

وَتَنْفَصِمَ ظُهُورُها..

أَهْدَيْتُكِ الْفَرَحَ فِي (بَالِي).

ـ2ـ

لَوْ لَمْ يَمُتِ (السَّارِي كْلوبْ)،

وَيْغْرَقْ فِي دِماءِ الأبْرِياء،

لأَخْبَرَ الْكَوْنَ قِصَّتَنا:

كيفَ رَوَّضْنا حَلَبَةَ الرَّقْصِ بِأَرْجُلِنا.

وَكَيْفَ انتَفَضتْ قِنِّيناتُ الْخَمْرِ

وَتَأَفَّفَتْ حِينَ رَشَفْتُ لُعابَكِ.

ـ3ـ

سُكَّانُ جَزيرَةِ (بالي)

أَحَبُوكِ مِنَ النَّظْرَةِ الأُولى.

سَلامُهُمْ عَلَيْكِ كانَ تَرْحيباً بكِ.

عُقُودُ الأَزْهارِ التي أَهْدوها لِعُنُقِكِ

أَبَتِ الذّبُولَ بَعْدَ أُسْبُوعٍ مِنَ الدّلالِ،

وَالتَّأَرْجُحِ فَوْقَ نَهْدَيْكِ.

عُقُودُهُمْ زَيّنَتْكِ، بَرَّجتْكِ،

أَرْجَعْتُكِ أَميرَةً شرقية،

يَخْشَى الغربُ مُبارَزَتَها.

ـ4ـ

لَوْ لَمْ يُحْرِقُوا الْحُلْمَ في (بالي)..

لاقْتَفَيْتُ خُطُوَاتِكِ،

وَلَجَمَعْتُها واحدَةً واحِدَةً في حَقيبَتِي.

لَنْ أَعُودَ إلى سيدْنِي،

وَشَاطِىءُ (نُوسَا دْوَا)

يَحْتِفِظُ بِغُبارِ رِجْلَيْكِ!

أُفٍّ ما أَغْلَظَ مِياههُ البلوريّة الهادئة،

فَلَقَد سرَقَتْكِ منّي،

وَحَمَّمَتْكِ مِئَةَ مَرّةٍ في الدقيقة،

دونَ أن تُعيرَنِي انْتِباهاً،

أَوْ أنْ تَعْتَرِفَ بِصُحْبَتي لكِ!.

ـ5ـ

(كُوتَا) اللّذيذَةُ كَعَسَلِها لَمْ تَتَدَخَّلْ.

أَهْدَتْنا شَوارِعَها، مَحَلاّتِها التِّجاريّةَ،

وَمَطْعَمَيْ (الْبِيتْزَا هَاتْ)

وَ(الْمَاكْدُونَالْد)..

وَهَمَسَتْ فِي آذانِنا: لا تَخافوا الأشباحَ،

فَالْمُؤمنُ لا يَخافُ.

وَفَجْأَةً تَسَلَّلَ الأشْباحُ إلى (كُوتا)

وَمَحَوا ابْتِسامَتَها الْمَلائكيّةَ الْمُشرِقَةَ

بِلَهيبِ حِقْدِهِم الْمُميت.

بَعْد سَنَتَيْن مِنْ رِحْلَتِنا إلى جَزيرةِ (بالي)،

أَعْلَنَتْ (كوتا) خَوْفَها.

ـ6ـ

هاتِي عُقُودَ الأزْهارِ الّتِي تَحْتَفظينَ بِها،

لأُعيدَها إلى (بالي)..

جَزيرَتُنا حزينَةٌ، يا حبيبَتِي،

كَأُمَّهاتِنا الْفَلَسْطِينِيّات،

يَلُفُّ الألـمُ وَجْهَها الأخضرَ،

يُجَرّحُ قلبَها النابضَ بالحب،

وَيَحْصُدُ بِمِنْجَلِ الرُّعْبِ وُجُوهَ زائِريها.

أينَ النَّاسُ؟ أَسْمَعُ حَشْرَجاتِ قَلْبِها،

سَقْسَقاتِ دُموعِها،

لَنْ تَعُودَ الْحَياةُ إلى (بالي)،

إنْ لَمْ نَعُدْ نَحْنُ إلَيْها..

وَنَمْسَحْ بِرَقَصاتِنا الْمُؤمِنَةِ

بَصَماتِ هَمَجِيَّةٍ

كافِرَةٍ.

**

وريقات اعتراف

كتبتها بعمر 16 سنة


ـ1ـ

الْحُبُّ إِلَهٌ يَتَجَسَّدُ فِي الْقُلُوبِ.

الْحُبُّ هُوَ الَّذي خَلَقَنَا.

ـ2ـ

الْيَوْمَ..

بَدَأْتُ أَشْعُرُ أَنِّي وُلِدْتُ مِنْ جَديدٍ،

كُنْتُ كَالسَّرَابِ، كَالْخَيَالِ..

وَالآنَ، أَصْبَحْتُ حَقِيقَةً،

أَصْبَحْتُ إِنْساناً يَشْعُرُ،

يَعْطفُ وَيُحِبُّ.

ـ3ـ

حَبيبَتي.. أُريدُها لِوَحْدِي..

فَهِيَ كُلُّ حَيَاتي،

وَحَياتي لَيْسَتْ مُلْكاً لأَحَدٍ.

ـ4ـ

كَمْ أَوَدُّ لَوْ أَغْمُرُها بِيَدَيَّ،

لَوْ أَعْصُرُها بِطَهارَةٍ،

وَأَغْرِفُ مِنْ عَيْنَيْها نُورَ حَياتي.

ـ5ـ

أَحْلُمُ بِها كُلَّ لَيْلَةٍ..

يُؤَرِّقُني طَيْفُها الْجَميلُ،

يَنْقُلُني إِلى عالَمٍ مُخْمَلِيِّ الثَّواني،

زِئْبَقِيِّ النَّبَضَاتِ.

إِلى عالَمٍ.. لا يَصِلُهُ إِلاَّ مِنْ يُحِبُّ.

ـ6ـ

أُريدُ أَنْ أَقُولَ لَها

عَلى شاطِىءِ بَحْرٍ خَيالِيٍّ:

يا قَمَري.. مِنْكِ أَسْتَمِدُ نُورَ عُمْرِي.

الْحَياةُ بِدُونكِ عَلْقَمٌ.

كَمْ أَوَدُّ لَوْ أَغْسُلُ قَدَمَيْكِ بِدُمُوعي،

وَأَغْزُلُ شَلْحَتَكِ مِنْ ضَوْءِ الصَّباحِ.

كَمْ أَوَدُّ لَوْ أَغْفُو كَالطِّفْلِ الصَّغِيرِ

بَيْنَ ذِرَاعَيْكِ 

وَأَتَنَشَّقُ عَبِيرَ وَجْهِكِ الرَّيَّان.

ـ7ـ

حُبُّكِ، يا حَبِيبَتي، مُقَدَّسٌ عِنْدي.

حُبُّكِ إِلَهٌ أَعْبُدُهُ،

وَقَمَرٌ أَسْتَلْهِمُ مِنْهُ كِتابَتي.

حُبُّكِ زَهْرَةٌ أسْقِيها بَدَمْعي،

وَصُورَةٌ أَرْسُمُها بِدَمي.

ما أَحْبَبْتُ يَوْماً هَكذَا..

الْقَلْبُ يَدْعُوكِ، الْقَلَمُ يَكْتُبُ عَنْكِ،

والْفِكْرُ مَعَكِ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِيَّ لَكِ.

أَنْتِ أَنا يا حَياتي.

ـ8ـ

هَلْ سِمِعْتِ بِقِصَّةِ قَيْسِ الْعَامِرِيِّ

مَجْنُونِ لَيْلى؟

أَوْ بِأُسْطُورَةِ رُومْيُو وَجُولْيِيتْ؟

جَمِيعهُمْ ماتُوا لِيَحْيُوا بِالْحُبِّ..

أَمَّا أَنا فَحَيٌّ،

وَحُبُّكِ يُمِيتُني شَوْقاً إِلَيْكِ.

ـ9ـ

يَداكِ.. جَبَلَهُما الْجَمالُ بِضَوْءِ الْقَمَرْ.

يَداكِ.. مِنْ أَجْلِهِما سَأَتَحَدَّى الْقَدَرْ.

يا حَبيبتي، إِيَّاكِ أُحِبُّ، وَإِيَّاكِ أَعْبُدُ..

لأَنَّني أَشْعُرُ أَنَّ فِي قَلْبِكِ حَناناً،

وَفي عَيْنَيْكِ حُبّاً،

وَفي رُوحِكِ بَهْجَةَ الْعُمْرِ،

وَبَيْنَ جَفْنَيْكِ يَتَغَلْغَلُ الأَزَلُ.

**

قبعة مكسيكية


ـ1ـ

عندما اشرأبت أشجار "الكاكتس" لتراكِ، شعرتُ بالغيرةِ. 

وقرّرتُ أن أتركَ "المكسيك"

بأسرعِ وقتٍ ممكنٍ.

ـ2ـ

هل يُعقَلُ أن تحبَّ الأشجارُ؟

هل يُعقلُ أن ترميَ أزهارَها

الجميلةَ الملوَّنةَ

عند قدميّ امرأة؟

هذا ما حصل..

وهذا ما أردتُ أن أتخلصَ منه!

لنْ أسمحَ حتّى للأشجارِ أن تحبَّك

أكثرَ مني.

ـ3ـ

أجل.. أجل..

لن أزورَ "المكسيك" بعد اليوم

فحينَ وضعَ عازفُ الغيتارِ

قبعتَه المكسيكية على رأسكِ،

انفجرَ رأسي..

وحين دعاكِ للرقص

تراقص قلبي في صدري

وراح يدوزنُ دقاته

على وقع قدميك.

ـ4ـ

زهرة "الكاكتس"،

والقبّعةُ المستديرة

التي حجبتْ وجهَك عنّي

لنْ أصطحبَهما معي إلى "سيدني"

فمن المستحيل أن أعيش في بيت

تسكنه الظنونُ والغيرة.

فاتركي "الكاكتس" والقبعة في المكسيك

وتعالي إلى صدري..

أنتِ لي وحدي.

**

إبنة مصر


ـ1ـ

لَوْ لَـم أَزُرْ مِصْرَ لَمَا تَمَكَّنْتُ مِنْ فَهْمِ جَمَالِكِ.

النِّيلُ.. عَيْنَاكِ،

وَضَفَّتَاهُ.. شَفَتَاكِ،

وَالنَّخِيلُ.. شَعْرُكِ،

وَالأَهْرَامَاتُ..

ارْتِفَاعُ الْعِفَّةِ فَوْقَ صَدْرِكِ.

أَمَّا لُؤْلُؤُ ثَغْرِكِ،

فلَقَدْ وَجَدْتُهُ يَتَرَاقَصُ بِإِبَاءٍ

عَلَى أَفْوَاهِ الْمِصْرِيِّينَ.

آهٍ..

كَمْ أَنْتِ جَمِيلَةٌ يا ابنة مصر!

ـ2ـ

جبلُ المقطّم انحنى إجلالاً لطلتك،

قلعتُه التاريخية أضاءتْ شموعَها

فوقَ أسوارِها الشامخة،

احتفالاً بقدومك.

سجنُها المليء بالذكريات الأليمة

حين لامستْ يداك أحجارَه الباردة

تبرّأ من الحكام الظالمين

على مرّ العصور.

كنتِ الدفءَ الذي لم يشعرْ بِهِ أبداً.

كنتِ الحنانَ الذي افتقده،

من كثرة صراخِ المساجين

وزئيرِ الجلادين.

كنتِ الرحمةَ

في زمنٍ ضاعتْ به الرحمة.

ـ3ـ

يا ابنةَ مصر..

لقبٌ أطلقتُه عليكِ كي أزيدَك فخراً

وامنحَك جمالَ كليوباترا

وحبّ أنطونيو.

آهٍ، كم هي رائعةٌ القاهرة

حينَ أعطتْكِ الأمانَ،

حين ضمتْكِ إلى صدرها،

وقبّلتْ جبينَك الطاهر.

هناك فقط شعرتُ بمربحي

وأنني اخترتُ أجملَ نساءِ الأرض

لأسمعَها كل صباح:

أحبك.. أجل أحبك.

**

ملاك في دبي


ـ1ـ

قَبْلَ أنْ تزوري "دُبَي"

كُنْتِ الملاكَ

وَكانَ حُبُّك سَمائي.

خُذي مِفتاحَ قَلْبي

وادخُلي خِيامي خَيْمَةً خَيْمة

لأستقبلك بَطلة

ترتجّ الكتبُ من خَطَواتِها.

ـ2ـ

ها أنا أمُدُّ يَدي

دَعي قَصائدك تنتظرني

وَكُلَّ دَواوين الشُّعراء

مؤلـمٌ ضَياعي بدونِك

خُذي بِيَدي

وارسُميني ابتسامةً.

ـ3ـ

لم يعُدْ هناك شيءٌ أخسرُهُ،

"دُبي".. سرقتْكِ منّي!

شوارعُها،

بناياتُها،

أبراجُها،

فتحتْ أفواهَها حين رأتكِ.

وأنا تائهٌ في الصحراء.

أعدُّ رمالَها حبّةً حبّة..

وأشكو لها بعدَكِ عنّي.

ـ4ـ

كيف لي أن أعودَ إلى سيدني بدونك؟

كيف لي أن أجرَّ مدينةً بأكملها

لأجرَّكِ معها؟

بربِّكِ قولي: لمنْ أشكو "دُبي"

وهي الجميلةُ رغم أنفي..

والحنونةُ رغمَ تذمري،

والمعطاء رغم بخلي..

صدّقيني أنها تعلمُ

أنّ بخلَ الحبيبِ فضيلة.

لنْ أقدّمَكِ لها،

سأظلُّ أتمسكُ بكِ

إلى أن تضجر مني ومنك

وتطردنا معاً.

**

وهبتك لبنان


ـ1ـ

رَيْ، حَبِيبَتِي، جَنَّةَ خُلْدِي

وَاشْكُرِي اللَّـهَ عَلَى نِعَمِهِ الْكَثِيرَةِ.

فَفِي حَدَائِقِهَا الْمُعَلَّقَةِ أَشْجَارٌ مُثْمِرَةٌ،

أَطْيَارٌ مُنْشِدَةٌ،

وَيَنَابِيعُ مِنْ عَسَلٍ،

كَوَّنَتْ عِنْدَ الْتِقَائِهَا نَهْراً،

لَـمْ يَعْتَمِدْ بِهِ إِلاَّكِ،

تَحْرُسُ ضَفَّتَيْهِ مَلْيُونُ حُورِيَّةٍ،

يَحْمِلْنَ بِأَيْدِيهِنَّ الصُّنُوجَ،

وَقِنِّينَاتِ مَاءِ الْوَرْدِ.

جَنَّتِي هَذِهِ، اسْمُهَا.. لُبْنَان.

ـ2ـ

هنا يا حبيبتي، كان لقاؤنا،

وهنا سننتهي..

ما منْ جنّة أجملَ من وطني

"فغابةُ أرزِه" حديقتي،

و"قلعةُ بعلبكه" قصري،

و"جبيله" منبتُ حرفي

ومن ينابيعِهِ دمي

فكيف لا أهبُكِ إياه

وأنتِ المالكةُ الحقيقيةُ له؟!

إنتِ ابنتُه وفلذة كبدهِ

فلا تبخلي عليه بأبنائكِ.

ـ3ـ

عودي له، كي يعودوا..

أحبيه، كي يحبّوه..

أطعميهم من مأكله،

شرّبيهم من تراثه،

وألبيسهم حبيباتِ ترابه

فغبار الوطن مقدّسٌ يا حبيبتي

دعيهم يدغدغونه بأرجلهم وهم حفاة.

لقد استودعتُك وطني،

مثلما استودعتُك أجيالي..

فكوني الأم الصالحة.

**

لقد استعمرت هونغ كونغ


ـ1ـ

عندما وصلنا إلى "هونغ كونغ"

كانت "الصين" تتأهّب للإنقضاض عليها.

وكان الإنكليز يوضّبون حقائبَ

الخروج منها، بعد ستة أشهر.

إلى أن وصلتِ أنتِ..

فأحسَّ الشعبُ أن استعماراً جديداً

قد حلَّ بمدينتهم..

وأن الصين وإنكلترا

سترفعان الأيدي استسلاماً لك.

وجودُك.. غيّر المعادلات الدولية

وجمّل الاستعمار.

ـ2ـ

جمالُك الساحر كبّلهم

سمّرهم بالشوارع كعواميد الكهرباء

أجبرهم على التخلي عن عيونهم..

التي أهدوها لك..

ولم يتبقَّ على وجوههم غير النظّارات.

ـ3ـ

وحدها "كولون" أزعجتني،

فعندما دخلنا محطتها

وجدت أن القطارات قد توقفت

لتشبعَ النظرَ منك!

مئات الناس احتشدوا داخل مقصورتك،

علّهم يحظون بملامسة جسدِك الطاهر.

وأنا أقفُ عاجزاً عن حمايتك.

ـ4ـ

الشيءُ الوحيدُ الذي أضحكني

هو مطاردة رجال الشرطة

للبائعين المتجولين..

ومطاردتك أنتِ لبائع 

سرق مالَك وهرب..

كنتُ أضحك وتضحك معي الشوارع،

وعندما قرّرنا العودة، 

حزنت "هونغ كونغ" وفرحت "الصين"

أما "إنكلترا" فلقد استقلت طائرتنا

كي لا تتركك وحيدة.

**

زهرة بروكسل


ـ1ـ

ـ جميلة هي "بلجيكا"..

همستك هذه لن أنساها ما حييت..

فلقد كان صوتُكِ مفعماً بالحنان،

ومليئاً بالحب.

لدرجة أنّ أحجارَ الساحات رددتها

مثلما رددتْ أغنيات الجنود

العائدين من الحرب.

ـ2ـ

لستُ أدري لماذا اندهشتِ

بمعرض الأزهار في "بروكسل"؟

وأنت الزهرةُ الأجمل!

ألم ينهرْك ذلك الشيخ الجليل

بصوته الأجشّ،

كي تخرجي من بين أزهاره

حين رأى أن الأعينَ تتسمّرُ بكِ

وتتجاهلُ ألأزهار؟

ألمْ يستقبلْكِ طفلُ السبيل المائي

برقصةٍ وبشربةِ ماء؟

اندهاشك كان بهمسة..

أما اندهاشهم فكان بقصائد.

ـ3ـ

النفنافُ يتساقطُ بغزارةٍ،

وأنتِ تحاولينَ التقاط حبيباته

بيديكِ الصغيرتين..

وكلما أمسكتِ بواحدةٍ،

تحوّلت إلى جمرة حارقةٍ،

والحقّ ليس عليها،

بل على جسمك المشتعلِ أنوثةً.

ـ4ـ

بلجيكا كانت مضجرةً بالنسبة لي

فلقد أمضيتُ وقتي 

وأنا أركضُ وراءكِ كحارسٍ شخصيٍّ

أزمجرُ كلّما اقتربَ منكِ رجلٌ

وأبتعدُ كلّما اقتربتْ أنثى.

هكذا أنا يا حبيبتي

أغار عليكِ حتّى من نفسي

فلا تغيّريني..

كي لا تخسري اهتمامي بك.

أحبُّك على ذوقي

وهذا ما فهمته "بروكسل" 

من النظرة الأولى.

**

أميرة سنغفورة


ـ1ـ

جزيرةُ "سانتوزا" السياحية،

تشهدُ على فصل الرعبِ

الذي عشناه معاً..

فما أن امتطينا ذلك "التلفريك" اللعين

المعلّق بين السّماءِ والماء،

حتى هبّت العواصف الهوجاء،

وتساقطت الأمطارُ بغزارةٍ

وبدأ الرعدُ يعانقُ اللمع،

وأنتِ تصرخين وتستنجدينَ بي

وأنا واقفٌ قبالتَك كأبي الهول

لا أقدرُ على السير خطوةً

مخافةَ أن يقذفني جنونُ الطبيعةِ

خارجَ الكبسولة.

وحين وصلنا إلى برّ الجزيرة

تغيّرتْ نظرتُكِ لي،

ورحتِ تبتعدين عنّي

وتحملينني وزرَ الأخطارِ التي واجهتنا.

ـ2ـ

"سنغفورة" حزنتْ لحزنِكِ،

وراحت تعملُ جاهدةً لمراضاتِك،

فقدمتْ لكِ أزهارَها وأطيارها،

لا بل أهدتْكِ شارعاً من زهر "الأوركد" الملوّن الجميل..

حتّى أنّ عمالَ الفندق

بدأوا يعاملونَكِ كأميرة،

ويرشون حولَك مئات الابتسامات

وعبارات الترحيب.

وأنتِ ما زلتِ حزينةً وخائفةً،

وأنا أشيحُ بوجهي عنكِ

كي لا تري دموعي.

ـ3ـ

..وفي اليوم الثالث..

أشرقتْ شمسُ ابتسامتِك

ورحتِ تهمسين في أذني:

ـ إستيقظْ يا حبيبي، فأمامنا يومٌ طويل.

وعلى حين غفلة..

جذبتُكِ نحوي، ورحتُ أقبلكِ كمجنونٍ،

وأنتِ تضحكين.. وتصرخين:

ـ أحبّكَ.. أحبّك.

ـ4ـ

الآن غفرتُ لجزيرة "سانتوزا"

جميعَ سيّئاتِها..

خاصةً حين حضنتِ 

ذلك الرجلِ الغريب،

وأنتِ تركبينَ خلفهُ فيلاً ضخماً،

مخافةَ السقوط.

وغفرتُ لها أيضاً،

ساعةَ دخولك حديقة حيواناتها

ومطاردتك لذلك الديك الرومي

بغيةَ احتضانه وتقبيله.

هي المرّةُ الألفُ التي تتناسين بها

أن قبلاتك ملك لي وحدي،

ولن أفرّطَ بواحدة منها حتّى للطيور.

وحدها "سنغفورة" عرفت لماذا بكيت.

**

عودة القطيع


أُمَّاهُ.. أُمَّاه..

هَيِّئِي الْمَاءَ الْبَارِدَ،

وَاسْكُبِي الْحَسَاءَ،

فَالشَّمْسُ اضْمَحَلَّتْ

خَلْفَ الأُفُقِ الْبَحْرِيِّ،

وَالنَّسْمَةُ الْعَلِيلَةُ أَحْدَثَتْ بِي 

شِبْهَ قُشَعْرِيرَةٍ،

وَثُغَاءُ الْخِرَافِ يَنْسَابُ إِلَى أُذُنَيَّ

انْسِيَابَ الضَّوْءِ

مِنْ طَاقَةِ كُوخِنَا الظَّلِيلِ.

أُمَّاه.. هَلُمِّي لِنَرْكُضَ مَعاً

إِلَى الْمُنْعَطَفِ الْغَرْبِيِّ

حَيْثُ نَتَلَقَّفُ بِأَحْضَانِنَا

أَخِي الْعَائِدَ مَعَ الْقَطِيعِ.

**

اليوم الأخير


كَيْفَمَا الْتَفَتُّ أَرَى الضَّبَابَ يَتَكَاثَفُ

وَيَتَعَالَى، كَالْوَهْمِ، نَحْوَ السُّؤْدَدِ،

وَالْوَادِي الْمَلآنَ بِخَابِياتِ الْبُخَار

سَوْفَ يَفْرَغُ بَعْدَ قَلِيلٍ،

وَالأَكَمَةَ الْمَكْسُوَّةَ بِجَنَائِنِ التُّفَّاحِ

سَتَغِيبُ كَالشَّمْسِ عَنِ الْبَصَائِرِ!

فَلِكُلِّ شَيْءٍ ظَاهِرٍ حِجَابٌ يَسْتَتِرُ وَرَاءَهُ،

وَلِكُلِّ جَبَلٍ شَامِخٍ وَادٍ

يَكْفِي لاحْتِضَانِهِ فِي الْيَوْمِ الأَخِير.

**

البحر الأزرق


أَمْسِ،

كُنْتِ هُنَا يَا حَبِيبَتِي،

ما الَّذِي أَبْعَدَكِ عَنِّي،

وَأَنْتِ الضَّوْءُ لِعَيْنَيَّ الزَّائِغَتَيْنِ؟

قُولِي..

هَلْ خَلْفَ الأُفُقِ أُفُقٌ آخَر؟

وَالْبَحْرُ الأَزْرَقُ،

هَلْ غَزَتْهُ مَرَاكِبُ الزَّهْرِ؟

وَهَلْ طَافَتْ عَلَى وَجْهِهِ

بَطَّاتُ الْمَوْسَمِ الْحَالِي؟

عَمَايَ جَعَلَنِي كَثِيرَ الْفُضُولِ،

فَاعْذُرِينِي.

**

غروب الشّمس


مَنْ يَوَدُّ رُؤْيَةَ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ

الْمُضَمَّخِ بِالْغَيْمِ الْهَائِمِ،

فَلْيَنْتَظِرْ غُرُوبَ الشَّمْسِ؟

هُنَاكَ، فَوْقَ الْبَحْرِ،

يُشْنَقُ الضَّوْءُ،

وَتَنْتَهِي أُسْطُورَةُ النَّهَارِ،

لِتَبْتَدِىءَ مَلْحَمَةُ اللَّيْلِ الْمُبْهَمِ،

الْحَاضِنَةُ الرُّعْبَ وَالْجَمَالَ،

الْمَكْتُوبَةُ بِرَذَاذِ النَّدَى

عَلَى وُرَيْقَاتِ الْحَوْرِ وَالزَّيْتُونِ،

الْمَنْشُورَةُ كَالنَّجْمِ السَّاجِدِ لِلْقَمَر.

**

أتربتي العطشى


غَرِيبَةٌ..

وَرَوْضِي يَعْرِفُكِ،

وَأَتْرِبَتِي الْعَطْشَى.

كَلِّمِينِي عَنْكِ،

خَبِّرِينِي أَشْيَاءَ تَافِهَةً

كَالنَّاسِ الْعَاطِلِينَ الْمُتَوَاطِئِينَ

مَعَ الْكَسَلِ وَالْخُمُولِ.

قُولِي إِنَّكِ سِرْوَالِي

وَجَوْرَبِي..

قُولِي إِنَّكِ أَنَا.. وَكَفَى.

**

حفيد الشمس


الْعَرْبَجِيُّ الْمُتَنَقِّلُ مِنْ دَسْكَرَةٍ

إِلَى دَسْكَرَةٍ،

أُصِيبَ بِضَرْبَةِ شَمْسٍ،

وَلَكِنَّهُ أَبَى التَّوَقُّفَ عَنْ عَمَلِهِ

الْمَجْبُولِ بِالْبَرِيقِ

وَالْحَرَارَةِ،

مَخَافَةَ أَنْ يُقَالَ عَنْهُ:

حَفِيدُ الشَّمْسِ خَافَ جَدَّتَهُ!

**

زهرة الغاردينيا


الرَّوْضُ يَبْكِي..

الرَّوْضُ يَبْكِي..

فَزَهْرَةُ الْغَارْدِينْيَا ذَبُلَتْ،

وَجَفَّ الْمَاءُ فِي عُرُوقِهَا.

لِمَاذَا؟.. لِمَاذَا رَبِّي..

وَالْجَمَالُ هُوَ أَنْتَ،

وَالسَّحَابَةُ الْمَشْحُونَةُ بِالْمَطَرِ،

تَنْتَظِرُ إِشَارَةً مِنْكَ؟!

تَبَخَّرِي، قُلْ، وَاهْطُلِي،

لِتَعُودَ الْحَيَاةُ إِلَى الزَّهْرَةِ.

**

آلهة الجمال


سنْدِيَانَتِي هَذِهِ،

لَهَا مِنَ الْعُمْرِ أَرْذَلُهُ!!

تَظَلَّلَتْهَا إِفْرُودِيتُ إِلَهَةُ الْجَمَالِ،

وَتَبَوْدَرَتْ بِرَمَادِ فُرُوعِهَا.

هِيَ لَكِ، يَا حَبِيبَتِي،

تِلْكَ الْوُرَيْقَاتُ الْمَصْرُورَةُ،

فَاحْرُقِيهَا،

وَاسْحَقِيهَا،

وَتَكَحَّلِي بِرَمَادِهَا،

لأُحِبَّكِ أَكْثَر..

**

البيادر


ما أَجْمَلَ الْبَيَادِرَ!

عَرَقُ فَلاَّحٍ، وَجَنَى مَوْسَمٍ،

هِيَ الْبَيَادِرُ.

مَحَطُّ أَنْظَارِ الطَّيْرِ،

وَدَبْدَبَاتُ جَحَافِلِ النَّمْلِ،

هِيَ الْبَيَادِرُ.

صُرَاخُ أَطْفَالٍ عَابِثِينَ بِالْقَمْحِ،

وَدَرْدَشَاتُ عُشَّاقٍ هَائِمِينَ،

هِيَ الْبَيَادِرُ.

عَلَفُ مَاعِزٍ وَدَوَاب،

وَغَلَّةُ فَلاَّحٍ أَسْمَرَ أَعْطَى لِيَأْخُذَ،

هِيَ الْبَيَادِرُ.

**

السّرب الطائر


مَسَاءَ الْخَيْرِ يَا جَدَّة..

مَا لِي أَراكِ وَالذُّرَةَ فِي عِرَاكٍ؟

السِّرْبُ الطَّائِرُ!

مَا بِهِ؟!

هَكَذَا فَقَطْ؟!

سَطَا عَلَى الْحَبِّ أَثْنَاءَ نَوْمِكِ؟!

مِسْكِينَةٌ أَنْتِ يَا جَدَّة..

فَلَوْ كُنْتِ تُطْعِمِينَ الطَّيْرَ

لَمَا كَانَ يُؤذِيكِ..

فَالطَّيْرُ كَالطَّبَقَةِ الْفَقِيرَةِ عِنْدَنَا،

كُلَّمَا جَاعَ، اشْتَدَّ خَطَرُهُ أَكْثَر.

**

الجبل الأكبر


..وَصَعِدْتُ الْجَبَلَ الأَكْبَرَ

بِقَدَمَيْنِ عَارِيَتَيْنِ،

دُونَ خَوْفٍ أَوْ رِعْدَةٍ،

وَالشَّوْكُ الْمُشْرَئِبُّ بِفُضُولٍ

يَلْسَعُنِي بِأَلْسِنَتِهِ الْحَادَّةِ،

وَلَـمْ أَحْفِلْ بِهِ..

كُنْتُ أَتَطَلَّعُ إِلَى الْقِمَّةِ،

وَالْقِمَّةُ عَالِقَةٌ بِالْفَلَكِ الضَّائِعِ.

مَنْ يَسْتَرْخِصْ ذَاتَهُ يَشْقَ.

**

يوم ممطر


الْيَوْمَ..

هَتَنَتِ السَّمَاءُ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي،

لِذَلِكَ تَرَانِي قَابِعاً قُرْبَ النَّارِ،

أُشَنِّفُ أُذُنَيَّ بِزَمْزَمَتِهَا الْمُمَوْسَقَةِ

كَزَفْزَفَةِ الرِّيحِ الآتِيَةِ

مِنْ خَلْفِ الشِّعَافِ الْبَعِيدَةِ،

وَسَفِيرُ الشَّجَرِ يَتَطَايَرُ فِي الْفَضَاءِ،

وَيُجَرِّحُ بِأَنِينِهِ بَدَنَ الْمَطَرِ وَيُدْمِيهِ.

**

الفرح الدّائـم


أَبْرِىءْ سَقَمِي..

خَلِّصْنِي مِنْ خُيُوطِ الْمَلَلِ الْمُتَرَبِّصِ بِي.

فَرُقَادِي يُثِيرُنِي فِي غُرْبَتِي،

يَهُدُّ كِيَانِي،

يُشَوِّهُ وَجْهَ أَحْلامِي،

وَيَقْطَعُ أَنْفَاسِي بِنَشِيجِ أَشْوَاقِي.

ظَلِّلْنِي بِفَرَحِكَ الدَّائِـمِ يَا وَطَنِي.

**

طلسم الحياة


لِمَاذَا لا نَشْعُرُ بِالدِّفْءِ

مَا لَـمْ تُشْرِقِ الشَّمْسُ،

أَوْ نُضْرِمِ النَّارَ؟!

هَلْ أَنَّ فِي أَجْسَادِنَا ثَلْجاً؟!

لِمَاذَا لا نَشْعُرُ بِالإِرْتِوَاءِ

مَا لَـمْ نَعُبَّ الْمَاءَ عَبّاً؟!

هَلْ أَنَّ فِي أَجْوَافِنَا صَحْرَاء؟!

وَلِمَاذَا لا يَعْشَقُ بَعْضُنَا بَعْضاً

مَا لَـمْ تُحَدِّقِ الْعُيُونُ بِالْعُيُونِ،

وَتَرْتَعِشْ فِي الصُّدُورِ قُلُوبٌ؟!

هَلْ أَنَّ فِي ذَوَاتِنَا مِرْآةً؟!

**

حرجي الشّمالي


إِحْمِلْنِي أَيُّهَا الضَّوْءُ إِلَى رُبُوعِ بِلادِي،

فَأَنْتَ أَسْرَعُ مِنَ الصَّوْتِ،

وَأَخَفُّ مِنَ الْهَوَاءِ.

مُشْتَاقٌ أَنَا لِتِلْكَ الأَرْضِ الطَّيِّبَةِ،

الَّتِي زَرَعْتُهَا بِأَشْجَارِ الزَّيْتُونِ الْخَضْرَاءِ.

قُلْ لِي، بِرَبِّكَ،

هَلْ شَاهَدْتَ حُرْجِيَ الشِّمَالِيَّ؟!

وَهَلْ أَعْطَيْتَ الْحَمَامَ بَعْضَ أَغْصَانِهِ؟!

أَنْتَ أَنَانِيٌّ أَيُّهَا الضَّوْءُ،

لأَنَّكَ تَسْتَأْثِرُ بِالسَّلامِ لِوَحْدِكَ.

**

مطلّقة


رَأَيْتُهَا، قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ،

تَرْكُضُ نَحْوَ مَحَطَّةِ الْقِطَارِ

لاهِثَةً خَائِفَةً.

اسْتَوْقَفْتُهَا، وَسَأَلْتُهَا عَنِ اسْمِهَا،

فَأَجَابَتْ: مُنْذُ تَرَكْتُ بِلادِي،

فَارَقَنِي اسْمِي،

فَفِي كُلِّ مَصْنَعٍ دَخَلْتُهُ،

كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَيَّ اسْماً جَدِيداً،

وَمَعَ الأَيَّامِ..

لَـمْ يَبْقَ لِي غَيْرُ اسْمٍ وَاحِدٍ،

أَخْجَلُ مِنْهُ خَجَلِي مِنْ نَفْسِي:

مُطَلَّقَةٌ!

**

زحلاويّ


جَارِي.. رَجُلٌ زَحْلاَوِيٌّ عَجُوزٌ،

تَقْدِرُ، إِذَا أَرَدْتَ،

أَنْ تَقْرَأَ فِي عَيْنَيْهِ مَلْحَمَةَ شَعْبٍ!

عَائِلَتُهُ هُنَا: تَهُزُّ الأَرْضَ،

كَمَا يَقُولُونَ، وَتَمْتَلِكُ الأَحْلامَ وَالْيَقَظَةَ!

وَعَائِلَتُهُ هُنَاكَ: قَبْوٌ،

وَعِشْرُونَ رَأْساً مِنَ الْمَاعِزِ،

وَشَجَرَةُ خَرُّوبٍ وَارِفَةُ الظِّلالِ..

وَمَعَ ذَلِكَ تَرَاهُ يَهْتِفُ كُلَّ يَوْمٍ:

"أَيْنَ مِنْ عَيْنَيَّ هَاتِيكَ الرَّوَابِي؟!"

**

الحمامة الجذلى


غَسِّلِي رِجْلَيْكِ بِالطِّيبِ

يَا حَمَامَةَ الْغَابَةِ الْجَذْلَى،

فَالصَّعْتَرُ فَاحَ،

وَأَخْفَى عَبِيرَهُ فِي قُمْقُمٍ سِحْرِيٍّ

مَرْصُودٍ عَلَى جِذْعِ لَوْزَةٍ.

هَاتِي مِنْ بَهَائِكِ حَفْنَةً

لأَغْزُوَ بِهَا الطَّبِيعَةَ،

وَأَدُوسَ الرِّيَاضَ.

هَاتِي مِنْ جَدَائِلِكِ شَعْرَةً،

لأَخِيطَ بِهَا ثَوْباً

تَنْتَحِرُ عِنْدَ أَذْيَالِهِ الْوُرُودُ!

**

الأرجوحة


مَنْ يَرْكَبُ الأُرْجُوحَةَ؟

أُرْجُوحَتِي عِقْدُ سَوْسَنٍ مُطَعَّمٌ بِالْلازُوَرْدِ.

وَرِثْتُهَا عَنْ بَبَّغَاء عَجُوزٍ،

شَحِيحِ النَّظَرِ، فَاقِدِ النُّطْقِ.

أُرْجُوحَتِي.. 

تَصِلُ الأَرْضَ بِالسَّمَاءِ،

وَالشَّمْسَ بِالْقَمَرِ،

وَالْجَمِيعَ الْجَمِيعَ بِلُبْنَانَ.

**

لبّ أنان


يَا عُقَابَ الأَرْضِ الطَّيِّبَةِ

سَاعِدْنِي..

أَنَا مَلِكَةُ الثَّلْجِ الشَّائِبِ،

تَرَمَّلْتُ مُذْ كَانَ الْخَلْقُ.

أَنْقِذْنِي مِنْ غُرْبَةِ التَّعَبِ وَالْقُنُوطِ.

طِرْ بِي إِلَى أَرْضِ الأَبَدِ،

إِلَى حَيْثُ سَكَنَتْ "دِدِتَّا"..

إِلَى "لُبِّ أَنَانَ"..

فَهُنَاكَ الدَّيْمُومَةُ تَرْقُدُ.

**

أوف.. أوف


قِفْ أَيُّهَا الْعَرْبَجِيُّ.. هَا قَدْ وَصَلْنَا.

مَرْحَى أَيَّتُهَا الْقَرْيَةُ الرَّبِيعِيَّةُ.. مَرْحَى.

فَالشَّوْقُ الَّذِي يُبَرِّحُنِي قَادِرٌ عَلَى قَتْلِي!

كَيْفَ حَالُ السُّنُونُوَّاتِ، 

وَالْقِرْمِيدِ، وَالْهِضَابِ؟

حَبِيبَتِي لَـمْ تَأتِ مَعِي،

وَلَكِنِّي حَمَلْتُ صُورَتَهَا.

أَشْعُرُ أَنِّي غَرِيبٌ..

أَيْنَ النَّاسُ؟!

الْوَحْدَةُ شَكٌّ، وَيْلِي مِنْهَا.

لِـمَ لا أُجَرِّبُ الْغِنَاءَ؟

"أُوفْ.. أُوفْ كَمْ أَنا مُزْعِجٌ!".

لِـمَ لا أُجَرِّبُ الْعَزْفَ؟

الْكَمَان.. هَا هُوَ..

"تَمْ.. تَمْ.. تَمْ.."

الْكَوْنُ بَدَأَ يَتَمَايَلُ.

الْكَمَانُ هُوَ أَنَا..

مَعَ الْعِلْمِ أَنَّنِي أُفَضِّلُ لَوْ أَكُونُ أُرْغُناً!

**

خريفي


خَلَعَ الرَّبِيعُ عَبَاءَتَهُ وَمَشَى،

بَعْدَ أَنْ دَفَنَ بَقَايَاهُ فِي قَعْرِ ذَاتِه.

كُلُّ الْمُرُوجِ تَأَوَّهَتْ،

وَتَأَهَّبَتْ لِلسَّيْلِ الْجَارِفِ

الآتِي مِنْ مُحِيطَاتِ الْغَيْمِ الأَسْوَدِ.

خَيِّمِي عَلَيَّ..

فَخَرِيفِي يَتَلاعَبُ بِي،

يُثِيرُ أَعْصَابِي،

وَيَجُرُّنِي نَحْوَ الْمَجْهُولِ.

مُدِّي يَدَيْكِ وَأنْقِذِينِي.

**

لا تتشاءموا


إذَا مَرَّ السَّحَابُ يَوْماً، وَلَـمْ تُمْطِرِ السَّمَاءُ،

فَلا تَتَشَاءَمُوا..

لأنَّ الْمَطَرَ يَزُورُنَا سَاعَةَ يَنْفَعُ.

عَجِبْتُ لِفَلاَّحٍ زَرَعَ أَرْضاً مُجْدِبَةً

في فَصْلِ الصَّيْفِ، 

وَراحَ يَنْتَظِرُ نُمُوَّ الزَّرْعِ،

وَلَمَّا طَالَ بِهِ الإِنْتِظَارُ،

سَجَدَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَرَاحَ يُصَلِّي

وَيَضْرَعُ لِلرَّبِّ،

وَالْحَبُّ مَا يَزَالُ رَاقِداً تَحْتَ التُّرَابِ

يَنْعَمُ بِالدِّفْءِ، لَوْلا حُشْرِيَّةُ الْخَرِيفِ 

وَرَذَاذُ مَطَرِهِ الْمُنْعِشِ!

عِنْدَئِذٍ تَمْتَمَ الْفَلاَّحُ مُبْتَهِجاً: 

هَا قَد اسْتُجِيبَ دُعَائِي!

**

صفحة عمري


أُنَاوِىءُ حَنِينِي وَأَنْطَوِي أَلَماً..

تَحُوُّلٌ مُفَاجِىءٌ يُسَمِّرُنِي بِغُرْبَتِي،

يَشُدُّنِي إِلَيْهَا..

عَلَّنِي أُدَاوِي، بِقَطَرَاتٍ مِنْ حُرِّيَتِهَا،

هُبُوبَ الشَّرِّ،

وَتَمَايُلَ الأَهْوَاءِ فِي وَطَنِي.

طَأْ، قَلَمِي، صَفْحَةَ عُمْرِي.

فِ حَقِّي عَلَيْكَ،

وَارْسُمْ رُجُوعِي ثَوْرَةً تَبْنِي.

**

زهر الأنوثة


..وَحِينَ تَسَرْبَلْتِ زَهْرَ الأُنُوثَةِ،

تَعَلَّقَ رَوْضِي بِأَذْيَالِ ثَوْبِكِ

وَتَطَيَّبَ!

يَا الرَّاسِمَةُ عَلَى أَوْرَاقِي.. وَجْهَكِ،

السَّابِحَةُ فِي بَحْرِ حَنِينِي،

الطَّالِعَةُ كَالْحُلْمِ مِنْ أَرَقِي الطَّوِيلِ.

عَلَى أَبْوَابِكِ يَحْلُو انْتِظَارِي.

**

هفوة


تَتَجَزَّئِينَ أَمَامِي تَجَزُّؤَ الأَحْلامِ

عَلَى أَعْتَابِ يَقْظَتِي.

ائْتِمَانُكِ سِرِّي..

هَفْوَةٌ لا تُغْتَفَرُ!

أَوْقَعَنِي بِهَا انْبِهَارِي بِسِحْرِ عَيْنَيْكِ،

بِإِشْرَاقَةِ شَفَتَيْكِ،

بِتَوَثُّبِ الْفَرَحِ الْغَامِرِ طَلَّتَكِ.

ائْتِمَانُكِ سِرِّي..

سِرٌّ لَـنْ أَبُوحَ بِهِ!

**

شمس بلادي


غَابَتْ شَمْسُ بِلادِي

بَعْدَمَا شَوَّهَ اللَّيْلُ وَجْهَهَا،

وَقَصَّ جَدَائِلَ شَعْرِهَا الذَّهَبِيِّ الطَّوِيلِ!

غَداً..

تُشْرِقُ الشَّمْسُ مِنْ جَدِيدٍ،

وَتُرْخِي بَهْجَتَهَا عَلَى الْعُيُونِ الْبَائِسَةِ،

وَتُدْفِىءُ الْقُبُورَ الْمُثْقَلَةَ بِثِمَارِنَا.

انْتَظِرْنَا أَيُّهَا الضَّوْءُ..

فَالسُّنُونَ الَّتِي أَبْعَدَتْنَا عَنْكَ،

لَنْ تَمْنَعَنَا مِنَ اللِّحَاقِ بِكَ

وَالانْدِمَاجِ بِشُعَاعِكَ

**

الثقة بالنفس


يَشْزُرُونَنِي بِخُبْثٍ..

يُشَكِّكُونَ بِي وَبِأَعْمَالِي..

يُطْلِقُونَ حَوْلِي الشَّائِعَاتِ،

وَيُثِيرُونَ غَضَبَ الأَمْوَاجِ

وَزَوْرَقِي مُبْحِرٌ!

سَارِيَتُهُ مُسْتَقِيمَةٌ.. أَشْرِعَتُهُ مَتِينَةٌ.

وَأَخْشَابُهُ مَقْطُوعَةٌ 

مِنْ شَجَرَةِ الثِّقَةِ بِالنَّفْسِ،

الَّتِي لا تَقْتَلِعُهَا رِيَاحُ الثَّرْثَرَةِ،

وَلا تُحَطِّمُ أَفْنَانَهَا أَنْوَاءُ الرَّذِيلَةِ.

زَوْرَقِي.. سَيَصِلُ بِإِذْنِ اللَّـهِ،

لأَنَّنِي عَلَى مَوْعِدٍ مَعَ التَّارِيخِ.

**

حسّادي


لَقَدْ كَثُرَ حُسَّادِي أَيَّتُهَا الْوَرْدَةُ..

وَأَنَا وَحِيدٌ مِثْلَكِ،

يَغْتَالُنِي النَّحْلُ بَعْدَ امْتِصَاصِ رَحِيقِي!

كَمْ هِيَ مُقْرِفَةٌ الْحَيَاةُ

عِنْدَمَا تَحْضُنِينَ الْفَرَاشَاتِ

بِوُرَيْقَاتِكِ الرَّيَّانِةِ،

وَرَائِحَةُ أَفْوَاهِهَا تَتَلَصَّصُ عَبْرَ اللُّهَاثِ

لِتَسْرُقَ بَهْجَتَكِ!

لَقَدْ أَعْطَيْتُهُمْ جَمِيعَ مَا أَمْلِكُ،

وَمَعَ ذَلِكَ تَرَيْنَهُمْ يَطْمَعُونَ بِوُجُودِي!

**

غيمة ربيعيّة


أَيّتُهَا الطِّفْلَةُ الْمُلَقَّحَةُ ضِدَّ الْحُزْنِ،

الطَّالِعَةُ مِنْ ضَحِكَاتِ الْوِدْيَانِ

وَوَشْوَشَاتِ السَّوَاقِي،

أَعِيرِينِي خُصْلَةً مِنْ شَعْرِكِ الْحَرِيرِيِّ

لأُمَرْجِحَ الْفَرَاشَاتِ، وَأُغِيظَ السَّنَابِلَ.

أَعْطِينِيهَا.. 

لأُطَيِّرَهَا بِالرِّيحِ غَيْمَةً رَبِيعِيَّةً،

تُبَاهِي بِلَوْنِهَا النَّاصِعِ الْبَيَاضِ

بُقَعَ الثَّلْجِ الرَّاقِدَةَ بِأَمَانٍ

عَلَى صُخُورِ قِرْنَتِنَا السَّوْدَاءِ.

حَنَانُكِ.. يُشَجِّعُنِي عَلَى طَلَبِ الْمَزِيدِ،

فَهَلاَّ تَحَنَّنْتِ عَلَيَّ؟!

**

أحراج الصّنوبر


كُلَّمَا اشْتَدَّ الْحَرُّ،

فَزِعْتُ إِلَى أَحْرَاجِ الصَّنَوْبَرِ

الرَّابِضَةِ فَوْقَ الرَّابِيَةِ الْخَضْرَاء.

لِي هُنَاكَ عِرْزَالٌ

وَفِرَاشٌ مِنَ الْقَشِّ.

أَنْسَى ذَاتِيَ الْمَلِيئَةَ بِالْخَطَايَا،

وَأَسْرَحُ مَعَ الْلاوَعْيِ،

وَأَغْرَقُ بِالصَّمْتِ،

كُلَّمَا دَخَلْتُ حَرَمَ الْجَمَالِ هَذَا،

وَشَمَمْتُ رَائِحَةَ الصَّنَوْبَرِ.

**

الواوي الغريب


الْوَاوِي الْغَرِيبُ الشَّكْلِ

هَجَرَ كَرْمَ الْعِنَبِ بَعْدَ قِطَافِهِ.

إِنَّهُ لَيُذَكِّرُنِي بِرَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الأُمَّ

لِجَفَافِ بَشَرَتِهَا!

آه لَوْ يَدْرِي هَذَا الرَّجُلُ

أَنَّ مَاءَ الْحَيَاةِ الْمُتَلأْلِىءَ

فِي عُيُونِ أَبْنَائِهِ،

كَافٍ لِجَعْلِهَا حُورِيَّةً

وَتَاجَ رَأْسٍ!

**

الدرب المضاء


سَمِعْتُهَا تَقُولُ لِوَحِيدِهَا الْمُسَافِرِ

إِلَى دِيَارِ الْغُرْبَةِ:

سِرْ يَا بُنَيَّ عَلَى بَرَكَةِ اللَّـهِ،

وَاتَّخِذْ لَكَ دَرْباً مُضَاءً

لِئَلاَّ تَنْتَابَكَ الْهَوَاجِسُ،

وَيُقْلِقَكَ الْغُمُوضُ.

وَتَحَلَّ بِالصَّبْرِ وَالْقَنَاعَةِ،

وَلا تَتَسَاءَلْ أَبَداً

إِلى أَيْنَ يُوصِلُكَ هَذَا الدَّرْبُ،

طَالَمَا أَنَّ بِمَقْدُورِكَ الْمَسِيرَ عَلَيْهِ؟

**

طهر الورد


تَغَلْغَلِي بِجُمِّ الْوَرْدِ يَا أَصَابِعِي..

وَلا تَخْشَيْ خَرْبَشَةَ الشَّوْكِ الْمُؤلِمَةَ

وَوَشْمَهُ الدَّامِيَ،

وَانْتَقِي لِلْحَبِيبَةِ زِرّاً،

لَـمْ تَلْفَحْهُ عَيْنٌ بِبَصَرِهَا،

وَلَـمْ تَسْتَحْلِهِ نَحْلَةٌ.

فَطُهْرُ الْوَرْدِ يُضَاهِي،

فِي بَعْضِ الأَحَايِينِ،

أَرِيجَهُ!

**

معموديّة الحبّ


تَلاصَقْنَا، أَنَا وَحَبِيبَتِي،

بُغْيَةَ الإِعْتِمَادِ بِالطَّلِّ،

حَتَّى أَدْرَكَنَا الْهَزِيعُ الثَّانِي مِنَ اللَّيْلِ،

وَانْقَطَعَ الْخُفَّاشُ عَنِ التَّحْلِيقِ

فَوْقَ رُؤُوسِنَا،

وَمُؤَانَسَتِنَا.

بَكَتْ هِيَ..

فَرُحْتُ أَحُثُّهَا عَلَى الْبُكَاءِ بَكَثْرَةٍ،

لأَنَّنِي افْتُتِنْتُ بِانْبِلاجِ الصُّبْحِ

فِي عَيْنَيْهَا!

**

تراب


غَرِيبٌ تُرَابُكِ الْمُنْهَمِرُ مِنْ عَيْنَيَّ مَطَراً،

يَرْوِي سُوَيْعَاتِ النُّعَاسِ

لِتَفِيضَ بِالصَّخَبِ الآتِي.

خُذِ الرُّقَادَ وَهَبْنِي نِعْمَةَ الإِنْتِظَارِ.

إِقْطِفْ أَحْلامِي،

وَاتْرُكْ لِي شَغَفَ الشَّوْقِ

الْمُتَأَجِّجَ فِي دَمِي.

مَصِيري يَتَقَوْقَعُ في غُرْبَتِي،

يَغْتَالُ تَأَمُّلِي

وَفَرَحَ الأَطْفَالِ السَّاكِنَ أَعْمَاقي!.

**

صبيّ الأرز


هَبْنِي الأَمانَ يَا صَبِيَّ الأَرْزِ

لأَتَفَيَّأَ تَحْتَ ظِلالِكَ.

مَحْمُومَةٌ أَنا..

فَهَلاَّ دَاوَيْتَنِي وَأَشْفَقْتَ عَلَيَّ.

هَلاَّ أَسْقَيْتَنِي جُرْعَةً مِنْ ماءِ الْبَخُورِ

الْجَاري فِي أَحْشَاءِ جَبَلِكَ.

رُحْمَاكَ، نَسِّمْ..

نَسِّمْ قَلِيلاً لأَنْتَعِشَ..

يا بَدْءَ الْكَوْنِ وَنِهَايَتَهُ.

**

الظلمة الموحشة


قِفْ.. قِفْ يَا نَهَارِي.

فَالظُّلْمَةُ مُوحِشَةٌ،

وَمَصَابيحُ اللَّيْلِ هَجَرَتِ السَّمَاءَ

بَعْدَمَا شَحَّ بِهَا الزَّيْتُ،

وَانْقَطَعَ الْعَالَـمُ عَنِ الصَّلاةِ.

صَلُّوا لِنَنْعَمَ بِالضَّوْءِ..

فَأَطْفَالُنَا مُشْتَاقُونَ لِهَمَسَاتِ النَّجْمِ،

وَوَشْوَشَاتِ الْكَوَاكِبِ،

أَثْنَاءَ سَهَرَاتِهِمِ الْحَالِمَةِ.

لِـمَ انْقَطَعْنَا عَنِ الإِبْتِهالِ وَالتَّرَاتِيلِ؟

أَلِنَسْتَزِيدَ بِالْحُرُوبِ؟

أَمْ لِنَنْعَمَ بِالسُّكُوتِ وَنُصَابَ بِالْبَلاهَةِ؟!.

**

لا ترحلي


يَقُولُونَ إِنَّ الْغُرْبَةَ قَاحِلَةٌ

كَصَحْرَاءَ يُخَاصِمُهَا الرَّبِيعُ..

وَلَكِنَّ غُرْبَتِي أَزْهَرَتْ

وَعَطَّرَتْ بِعَبِيرِهَا الْفَوَّاحِ

زَوَايايَ النَّتِنَةَ الْبَارِدَةَ،

وَبَدَأْتُ أَشْعُرُ بِدِفْءِ الرَّبِيعِ،

وَبِهُطُولِ اخْضِرَارِهِ

عَلَى الْمُرُوجِ الْبَعِيدَةِ.

قُدُومِكِ إِلَيَّ..

كَانَ رَبِيعاً بِحَدِّ ذَاتِهِ،

فَلا تَرْحَلِي.

**

كفني


قَدَرِي.. أَنْ أَبْقَى فِي غُرْبَتِي،

أَخِيطُ بِنَاظِرَيَّ كَفَناً شَاحِباً

أُخَيِّرُهُ بِيْنَ تُرَابٍ وَآخَرَ!

كَفَنِي.. يَتُوقُ لِتُرَابِي،

وَوَطَنِي بَعِيدٌ وَمُعْتَقَلٌ

لَقَّحَهُ شَعْبِي بِخُمُولِهِ وَخُنُوعِهِ،

فَصَادَرَهُ اللُّصُوصُ.

**

ذكرى


مَهْمَا بَعُدْتِ..

وَابْتَلَعَتِ الْمَسَافَاتُ آثارَ قَدَمَيْكِ،

فَلَسَوْفَ تَبْقِينَ فِي الْعَيْنَيْنِ صُورَةً،

وَعَلَى الشَّفَتَيْنِ لَحْنَاً وَابْتِسَامِةً،

تَتَتَلْمَذُ عَلَيْهِمَا ثُغُورُ الْفَتَيَاتِ.

لَقَدْ كَبُرَ الْقَلْبُ فِيكِ،

فَاحْمِلِيهِ ذِكْرى إِلَى الرُّبُوعِ..

هُوَ كُلُّ مَا أَمْلِكُ فِي غُرْبَتِي!.

**

منحدرات


جَمِيعُ الْمُنْحَدَرَاتِ الَّتِي أَمَامِي،

تَنَازَعَتْهَا السُّيُولُ الْحَاقِدَةُ،

بَعْدَ أَنْ سَلَخَتْ عَنْ أَبْدَانِهَا

بَشَرَتْهَا التُّرَابِيَّةَ،

وَصَلَّعَتْ عِظَامَهَا الصَّخْرِيَّةَ

أَمَامَ عَيْنِ الشَّمْسِ.

لَـمْ يَكُنْ لِلْمُنْحَدَرَاتِ وَقْتٌ لِلْبُكَاءِ،

أَوْ لِلتَّأَفُّفِ،

لأَنَّ دَيْمُومَةَ الْحَيَاةِ كَانَتْ تَدْفَعُهَا بِشِدَّةٍ

إِلَى خَلْقِ بَشَرَةٍ جَدِيدَةٍ،

يَقْدِرُ أَنْ يَفْتَرِشَهَا الرَّبِيعُ بَعْدَ أَسَابِيعَ.

**

أشيائي


هَاجَتِ الأَشْيَاءُ يَا كُلَّ أَشْيَائِي،

يَا احْتِمَائِي مِنْ بَرْدِ الشَّيْخُوخَةِ..

شَرِبَ الْوَجَعُ دَمِي،

وَاشْرَأَبَّتْ أَضْلُعِي لِتَرَى وَجْهَكِ الْمُنْتَظَرَ.

كِبَرِي يُضَاجِعُ شَهْوَتِي،

وَأَنْتِ لَـمْ تَأْتِي بَعْدُ..

لَـمْ تُلَقِّحِي ثَمْرَةَ أَحْشَائِكِ بِنُضُوجِي.

يَا طِفْلَتِي الْمَمْشُوقَةَ كَالنَّخِيلِ،

الصَّافِيَةَ كَعَيْنِ النَّسْرِ،

هَبِينِي شَفَتَيْكِ..

لأَسْتَوْدِعَهُمَا نِيرانِي.

**

عزوبيّتنا


عِنْدَما انْهَمَرَ شَعْرُكِ الْفَحْمِيُّ 

عَلَى صَدْرِي

اخْضَوْضَرَتِ الْحُقُولُ،

وَانْتَشَتِ الطُّيُورُ

وَأَنْشَدَتْنَا بَهْجَتَهَا.

بَيْنَمَا الْفَلاَّحُونَ يَحْصُدُونَ

سَنَابِلَ قَمْحِهِمِ الصَّفْرَاءَ،

لَيَصُوغُوا مِنْ ذَهَبِهَا الْخَالِصِ أُسْوَاراً

وَخَاتَمَيْ زَوَاجٍ،

نَحْبِسُ فِيهِمَا عُزُوبِيَّتَنَا.

**

ثرثارة


الْكَلِمَاتُ الَّتِي تَتَلَفَّظِينَ بِهَا

غَالِيَّةُ الثَّـمَنِ،

فَلا الشُّعَرَاءُ أَتَوْا بِمِثْلِهَا،

وَلا الْفَلاسِفَةُ..

كَالسِّحْرِ تَسْرِي إِلَى أُذُنَيَّ،

تَجْعَلُنِي أَرْتَعِشُ،

أَنْتَعِشُ..

وَالْفَرَحُ يَقْرَعُ أَبْوَابِي.

أُحِبُّكِ،

عَكْسَ جَمِيعِ الاصْطِلاحَاتِ وَالأَذْوَاقِ،

... ثَرْثَارَةً!

**

وريقة خريفية


خَفِّفِي مِنْ عَوِيلِكِ أَيَّتُهَا الرِّيحُ،

فَلَقَدْ جَرَّحْتِ أُذُنَيَّ،

وَمَلأتِهِمَا بِغُبَارِ وَحْشَتِكِ،

وَأَنَا ضَعِيفٌ أَمَامَكِ،

تَتَلاعَبِينَ بِي

كَوُرَيْقَةٍ خَرِيفِيَّةِ الْمَلامِحِ

غَزَا الْيَبَاسُ عُرُوقَهَا،

فَثَكَلَتْهَا الشَّجَرَةُ!

**

اللعنة العظمى


وَاسُوا الأُمَّ الْحَزِينَةَ،

بَلْسِمُوا جِرَاحَهَا،

قُصُّوا عَلَيْهَا حِكَايَاتِ الأَبْطَالِ،

الَّذِينَ يَحْتَضِنُ الْخُلُودُ أَسْمَاءَهُمْ.

أَخْبِرُوهَا أَنَّ ابْنَهَا الشَّهِيدَ لَيْسَ وَحِيداً..

فَلَقَدْ آخَاهُ الْمَجْدُ،

وَأَنْجَبَتْ مِنْهُ الشَّهَادَةُ.

قُولُوا لَهَا أَيَّ شَيْءٍ يُرِيحُهَا،

وَيُعِيدُ الابْتِسَامَةَ لِثَغْرِهَا الْقُرْمُزِيِّ الْجَمِيلِ،

فَاللَّعْنَةُ الْعُظْمَى،

يَفْرُزُهَا دَائِماً حُزْنُ الأُمَّهَاتِ.

**

أديب


دَعِ الأُمُورَ تَأْخُذْ مَجْرَاهَا..

فَالأَشْيَاءُ الَّتِي صَنَعْتَهَا

تَتَعَطَّرُ الرَّوْعَةُ بِقَطَرَاتِ نَدَاهَا.

لا الْغَيْرَةُ تَطْمُسُهَا،

وَلا ثَرْثَرَاتُ الْخَانِعِينَ.

يَا سَاكِنَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ اشْرَئِبَّ..

يَا مَالِكَ السَّعَادَةِ وَالإِبْدَاعِ تَفَجَّرْ..

يَرَاعُكَ تَهَابُهُ السَّلاطِينُ،

وَتَخُرُّ أَمَامَهُ الْحُرُوفُ سَاجِدَةً.

كُنِ الْوَاحِدَ الأَحَدَ،

لِتَكُنْ عَظَمَتُكَ مِنَ عَظَمَةِ اللَّـه.

**

إنسان


كُلَّمَا تَطَايَرَتْ وُرَيْقَةٌ مِنْ شَجَرَةٍ

بَعْدَ نُمُوٍّ وَاخْضِرَارٍ.. أَبْكِي.

لأَنَّنِي أَرَى الإِنْسَانَ فِيهَا،

بِكُلِّ حَنَانِهِ وَضُعْفِهِ،

بِكُلِّ عُنْفُوانِهِ وَجَبَرُوتِهِ.

أَرَاهُ مُسْتَسْلِماً كَالْهِرِّ،

وَمُتَسَلِّطاً كَالطَّاغُوتِ.

يَعْتَدُّ بِنَفْسِه، يَشْمَخُ، يَتَأَلَّهُ،

وَفِي لَحْظَةٍ خَاطِفَةٍ يَذْوِي.

وُرَيْقَةُ الشَّجَرَةِ والإِنْسَانُ يُثِيرَانِ شَفَقَتِي!

**

دم الأزل


.. وَشَرِبْتُ مِنْ دَمِ الأَزَلِ كُؤوساً

سَكِرْتُ بَعْدَهَا، وَرُحْتُ أَضْحَكُ.

النَّعِيمُ.. دُسْتُهُ بِقَدَمَيَّ،

وَشَوَّهْتُ وَجْهَهُ بِالسُّكْرِ.

غَفَوْتُ عَلَى حَجَرٍ، يُقَالُ إِنَّهُ نَيْزَكٌ..

شَمَمْتُ رَائِحَتَهُ: عَنْبَرٌ!

ذُقْتُهُ، فَمَا وَجَدْتُ لَهُ طَعْماً!

وَعِنْدَمَا اسْتَيْقَظْتُ،

وَجَدْتُ رَأْسِي عَلَى زَنْدِ حَبِيبَتِي.

أَنَا، مَا هَمَّنِي مَنْ أَكُونُ

طَالَمَا أَنِّي لا أَدْرِي كَيْفَ أَعِيشُ!

أَبْرُقُ.. ثُـمَّ أَخْتَفِي.

أَرْعُدُ.. وَأَصْمُتُ كَالْحُزْنِ.

سَحَابَةٌ مِنَ الضَّيَاعِ تَلُفُّنِي!!

**

غيوم دكناء


غُيُومٌ دَكْنَاءُ تَتَلَبَّدُ فِي أَجْوَائِنَا،

وَتَشْرَبُ مِنْ مِيَاهِنَا،

دُونَ أَنْ نَدْرِي.

الْحُزْنُ،

كَالْخَطِيئَةِ، يَأْتِي وَيَرْحَلُ سَاعَةَ يَشَاءُ.

هَنِيئاً لأَطْفَالِنَا الصِّغَارِ،

فَالْبَسْمَةُ تُعَشِّشُ وَتَلِدُ فِرَاخَهَا

عَلَى أَفْوَاهِهِمْ.

هَنِيئاً لَهُمْ.. لأَنَّهُمْ رَمْزُ السَّعَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ.

**

رعشة الحبّ


لَـمْ أَكُنْ أَدْرِي أَنَّ لِلْحُبِّ رِعْشَةً كَهَذِهِ!

شُكْراً.. فَفَضْلُكِ عَلَيَّ وَبَعْضُ آثَارٍ.

لَيْلَةٌ وَاحِدَةٌ مُقْمِرَةٌ صَافِيَةٌ

كَصَفَاءِ وَجْهِكِ،

كَانَتْ كَفِيلَةً بِإِرْجَاعِي إِلَى الضَّيَاعِ.

كَمْ هُوَ حُلْوٌ الضَّيَاعُ مَعَكِ،

وَلَذَّتُهُ كَمْ تَفُوقُ لَذَّةَ الْخَمْرَةِ الْمُعَتَّقَةِ

وَأَنَا أُعَاقِرُهَا.

لَـمْ أَكُنْ أَدْرِي.. فَشُكْراً لَكِ عَلَى كُلِّ هَذَا،

وَخُصُوصاً أُمْسِيَةَ نَيْسَانِ الْوَرْدِيَّةَ..

فَلَنْ أَنْسَاهَا.

**

تساؤلات


مَاذَا أَفْعَلُ الْيَوْمَ؟!

أَأَفْلَحُ الْجُنَيْنَةَ الصَّغِيرَةَ؟

أَأُقَلِّمُ بَعْضَ الأَغْصَانِ الفُضُولِيَّةِ؟

أَأَصْطَادُ الطُّيُورَ

وَهَذَا عَيْبٌ وَجَرِيمَةٌ؟

أَمْ أَتَسَلَّقُ الْهَضْبَةَ الْمُعَنَّقَةَ

فَوْقَ الشَّلاَّلِ؟

كَمْ يَبْتَئِسُ الْمَرْءُ

عِنْدَمَا لا يَفْعَلُ شَيْئاً،

وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى فِعْلِ كُلِّ شَيءٍ!

**

إبن الطبيعة


مَعَّازُ الْقَرْيَةِ نَبِيٌّ أَنَا مِنْ أَتْبَاعِهِ.

مَزَامِيرَ يَنْفُخُ مِنْ شَبَّابَتِهِ،

وَآيَاتٌ تَتَهَادَى فَوْقَ لُهَاثِهِ.

هَلُمُّوا يَا أَنْقِيَاءَ الْقُلُوبِ

نَسْتَقِ مِنْ يَنَابِيعِ خَلاصِهِ.

إِبْنُ الطَّبِيعَةِ هُوَ،

وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُ أَحْيَا النُّفُوسَ.

**

خبثاء


تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْخُبَثَاءِ

لأُرِيحَكُمْ مِنْ خُبْثِكُمْ، مِنْ لَوْثَةِ النَّذَالَةِ،

الَّتِي تَجْتَاحُ قُلُوبَكُمُ السَّكْرَانَةَ

بِخَمْرِ الْحَسَدِ وَالضَّغِينَةِ.

تَعَالَوْا إِلَيَّ..

لأُرِيَنَّكُمْ نَمْلَةً تَجْنِي مَؤُونَةً،

وَنَحْلَةً تَفْرُزُ عَسَلاً،

بَعْدَ أَنْ أَرْضَعَتْهَا الزَّهْرَةُ رَحِيقَ بَتَلَتِهَا.

تَعَالَوْا إِلَيَّ..

فَحُضْنِي وَاسِعٌ، وَبَالِي طَوِيلٌ.

**

عيناك


كُلُّ الأَشْيَاءِ تَشُدُّنِي إِلَى الْوَرَاءِ

إِلاَّ عَيْنَاكِ اللَّتَانِ تَزْخَرَانِ

بِطَاقَاتٍ لا تُحْصَى.

فَمِنْ شَمْسِهِمَا أَسْتَمِدُّ نُورِي،

وَأَمَامَ مِرْآتِهِمَا أُشَذِّبُ ذَاتِي،

وَعَلَى شَاطِئِهِمَا أَغْسِلُ فُضُولِي

وَأَنَانِيَّتِي،

وَفَوْقَ أَمْوَاجِهِمَا أَتَأَرْجَحُ كَطِفْلٍ صَغِيرٍ

لا يَحْسُبُ لِلْغَدِ حِسَابَا.

حَدِّقِي بِي.. كُلَّمَا أَحْسَسْتِ بِضُعْفِي.

**

مرابع الشّمس


تَعَالَيْ نَرْكُضْ صَوْبَ مَرَابِعِ الشَّمْسِ،

حَيْثُ الظِّلالُ تَنْدَثِرُ

مُخَلِّفَةً وَرَاءَهَا خُيُوطاً مِنْ ضَبَابٍ.

تَعَالَيْ نُعَانِقِ الْقِرْنَةَ السَّوْدَاءَ،

وَنَحْفُرِ اسْمَيْنَا عَلَى جُذُوعِ صُخُورِهَا

الْمُثْقَلَةِ بِالْعُنْفُوَانِ وَالْمَجْدِ.

يَا أَيَّتُهَا الْبِدَايَةُ..

هُنَاكَ.. هُنَاكَ فَقَطْ،

سَأَنْزِفُ نِهَايَتِي.

**

عابر سبيل


اللَّوْزَةُ الَّتِي زَرَعَهَا جَدِّي قُرْبَ بَيْتِنَا

ما زَالَتْ تُطْعِمُنَا بِسَخَاءٍ،

كَمَا لَوْ أَنَّ زَارِعَهَا حَيٌّ يُرْزَقُ!

وَهَكَذَا أَيْضاً حَالُ شَجَرَةِ الْكَرَزِ

الَّتِي غَرَسَهَا وَالِدِي عِنْدَ مَدْخَلِ الْحَدِيقَةِ!

مَاذَا تُرِيدُنِي أَنْ أَزْرَعَ لَكَ يَا بُنَيَّ؟!

فَمِنْ حَقِّكَ أَنْ تَأْكُلَ،

وَمِنْ حَقِّي أَنْ أَطْمَئِنَّ

وَأَرْتَاحَ قُبَيْلَ الرَّحِيلِ.

**

الإنتظار


وَانْتَظَرْتُ قُدُومَ الضَّوْءِ

عَلَى أَجْنِحَةِ السَّرَابِ،

كُنْتُ وَلْهَاناً!

كُنْتُ افْتَكَرْتُ أَنَّ ضَوْءَ عَيْنَيْكِ

سَرِيعُ الطَّيَرَانِ كَالْحُبِّ!

آه.. كَمْ أَنَا بَائِسٌ ..

فَالرَّبِيعُ الْحَالِيُّ عَلَى وَشَكِ الإِنْقِضَاءِ .

أَسْرِعْ ..أَسْرِعْ ..

فَالإِنْتِظَارُ يُدَمِّرُ كِيَانِي ،

أَيُّهَا الضَّوْءُ الْمُثْقَلُ بِالتَّعَبِ .

**

المستنقع


غَاصَتْ رِجْلايَ بِالْوَحْلِ،

خُذْ بِيَدِي يَا بُنَيَّ،

سَاعِدْنِي عَلَى اجْتِيَازِ طَرِيقِي بِأَمَانٍ .

وَلَكِنْ حَذَارِ أَنْ تَسِيرَ فَوْقَ الْبُقَعِ

الْمُغَطَّاةِ بِالْعُشْبِ،

الرَّابِضَةِ كَسُلَحْفَاةٍ عَجُوزٍ

فَتَحْتَ بِسَاطِهَا الْهَادِىءِ

يَرْقُدُ مُسْتَنْقَعٌ قَاتِلٌ .

**

ابتسمي


لا شَيْءَ يَرْوِي غَلِيلِي كَالإِبْتِسَامَةِ .

إِبْتَسِمِي..

وَخُذِي النَّجْمَ وَالْقَمَرَ ،

وَشَالاً مَغْزُولاً مِنْ غُيَيْمَاتِ الصَّبَاحِ،

وَكَالْوَرْدَةِ السَّكْرَانَةِ بِالنَّدَى كُونِي ..

وَبِالنَّسِيمِ،

لأَحْضُنَكِ بِرِمْشِي وَأَرْحَلَ ..

**

انهمار الضّوء


أَتُصَدِّقُونَ أَنَّنِي رَأَيْتُ انْهِمَارَ الضَّوْءِ

مِنْ خِلالِ قَطَرَاتِ دَمْعٍ ؟!

كَانَ هَذَا ..

يَوْمَ انْغِمَاسِ اللَّيْلِ فِي الْحُقُولِ،

وَابْتِعَادِهِ عَنْ شُرُفَاتِ الْمَنَازِلِ الْوَاطِئَةِ .

هَنِيئاً لأَمْثَالِي مِنَ النَّاسِ،

فَهُمُ الْوَحِيدُونَ الْقَادِرُونَ

عَلَى شِرَاءِ السَّعَادَةِ

.. وَبَيْعِهَا!

**

الوجوه الخبيثة


عِنْدَمَا انْحَنَتِ الشَّمْسُ لِلْعَتْمَةِ،

خِلْتُ الْوُجُودَ اضْمَحَلَّ،

وَطَائِرَ الْحُبِّ عَضَّهُ الْبَرْدُ

فِي الأَقَالِيمِ الشِّمَالِيَّةِ.

أُفٍّ!

كَمْ لِلسَّوَادِ مِنْ ضَرَرٍ

رَغْمَ سُكُونِهِ،

وَطَمْسِهِ لِمَعَالِـمِ الْوُجُوهِ الْخَبِيثَةِ

الَّتِي أَلْتَقِيهَا،

كُلَّمَا انْدَلَقَ فِي الْوَادِي شُعَاعٌ.

**

مجدليّا


حُبِّي يَزْدَهِي بِكِ يَا أَرْضَ الآبَاءِ

وَالأَجْدَادِ

يا مِجْدَلَيَّا.. يا قَرْيَتِي الْمُمَجَّدَةَ أَبَدَ الدَّهْرِ

بِأَحْلامِ بَنِيكِ الْيَقْظَى،

الْمَكْتُوبَةَ بِعَرَقِ جَبِينِهِمْ رَاحَةً لَهُمْ،

الْمَرْسُومَةَ فِي صَحَارَى غُرْبَتِهِمْ

وَاحَاتٍ تُنْعِشُ وَتُظَلِّلُ.

خَبَّأْتُ بِاللَّهْفَةِ عَيْنَيَّ

لأُعَرِّيَهُمَا لَحْظَةَ التَّجَسُّدِ أَمَامَكِ!

**

أنت بعيني


هُناكَ في مَزْرَعَةِ الشُّوفَ

بنَى أجدادي الأوائلُ صرحاً مِنَ الْمَجْدِ

فلقد وَزّعوا أبناءَهم على الْكَوْنِ أجْمَعْ

أرادوا أن يَكونوا الأرقَى عائلياً..

الأسمى دينياً.. والأعظم إنسانياً..

فَجَمَعوا الطوائفَ كلّها

في عائلةٍ واحدةٍ

لدرجةٍ صارَ المرءُ منّا يهتف

عندَ لقاءِ أخيهِ:

أنتَ بعيني!

**

حكاية القمر


تَعَالَيْ لأُخْبِرَكِ حِكَايَةَ الْقَمَرِ،

هذَا الرَّفِيقِ السَّمِيرِ وَالْحَبِيبِ الدَّائِمِ.

الْقَمَرُ يَا قَمَرِي:

قَلْبُ "سَمُوسِ" الْعَاشِقِ،

الَّذِي لَعَنَتْهُ الآلِهَةُ،

فَتَنَاثَرَتْ أَجْزَاؤهُ فِي الْفَضَاءِ الْوَاسِعِ،

وَاسْتَحَالَتْ أَنْجُماً، مَطَراً، وَصَحْواً.

أَمَّا قَلْبُهُ، فَبَقِيَ مَكَانَهُ،

مُشِعّاً بِحُبِّ "بْرِيسْكَا" حَتَّى الآنَ!!

أَرَأَيْتِ مَا فَائِدَةُ الْحُبِّ

يَا قَمَرِي؟!

**

شَاعر القرية


يَعْرِفُنِي الْجَمِيعُ..

يَعْرِفُنِي الْجَمِيعُ..

النَّاسُ،

وَالزَّهْرُ،

وَالْهَوَاءُ،

وَالسُّنُونُوَةُ الْعَجُوزُ

الَّتِي رَبَّيْتُهَا مِنْ خَمْسِ سَنَوَاتٍ وَنَيِّفٍ

وَبَيْتِيَ الْمَغْرُوسُ قُرْبَ السَّاقِيَةِ

الْمُسْتَقِلَّةِ عَنِ النَّهْرِ،

إِنْ جَاءَهُ زَائِرٌ يَخَالُهُ مَهْجُوراً،

لِكَثْرَةِ مَا يُحِيطُ بِهِ مِنَ الْعُلَّيْقِ

وَالْقُنْدُوْلِ،

وَلَيْسَ فِي الْقَرْيَةِ شَاعِرٌ غَيْرِي

**

يقظتي المنشودة


تَغْتَالُنِي الْخَلْوَاتُ في صَوْمَعَتِي،

وَأَيَّامِي السَّحَابِيَّةُ الْمَزَاجِ

تَمُرُّ مُثْقَلَةً بِالْهُمُومِ

وَبِالآلامِ.

أَنْقِذْنِي أَيُّهَا الْمَارِدُ،

ثَبِّتِ الأَرْضَ تَحْتَ قَدَمَيَّ،

وَدَعْنِي أَجْتَزْ مَسَافَاتِ الْحُلْمِ،

لأَصِلَ يَقَظَتِي الْمَنْشُودَةَ.

**

أمي


أَيَّتُهَا الصَّلاةُ الْمُقَدَّسَةُ، الَّتي أَتْلُوها دَائِماً،

فِي الْيَقَظَةِ وَالْحُلمِ

أَيَّتُها الرَّسُولَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّـهِ، 

لِتُتَلْمِذِي الأُمَمَ، وَتُعِدِّي الأَجْيالَ الصَّالِحَةَ.

كَمْ مَرَّةٍ، في حُضْنِكِ الدَّافىءِ،

بَنَيْتُ عُرُوشاً مِنَ الْخَيَالِ؟!

كَمْ مَرَّةٍ، تَسَلَّقْتُ يَدَيْكِ لأَصِلَ جَبْهَتَكِ،

وَأَطْبَعَ عَلَيْهَا قُبْلَةً،

عَلَّنِي أَرُدُّ وَلَوْ بَعْضاً مِنْ تِلْكَ الْقُبُلاتِ،

الَّتي كُنْتِ تُمْطِرِينَني بِها؟

لَقَدْ كَبُرْتُ، وَكَبُرَ مَعِي حُبُّكِ،

فَأَنْتِ بِحَدِّ ذَاتِكِ حُبٌّ، صَلاةٌ وَقَداسَةٌ.

أَوَ لَمْ يَقُلْ أَحَدُ الْفَلاسِفَةِ: الدُّنْيا أُمٌّ.

**

المعلم


يا سَيِّدَ الأَسْيادِ، وَمُعَلِّمَ الأَجْيالِ،

وَواضِعَ التِّيجانِ

عَلَى رُؤوسِ أَرْفَعِ مُلُوكِ الأَرْضِ مَقاماً.

شُعُورُنا نَحْوَكَ لأَكْبَرُ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ،

وَمَحَبَّتُنا لَكَ لا تُوصَفُ.

قُدْمُوسُ، رَبُّ الْكَلِمَةِ، 

عِنْدَما خَطَّ أَوَّلَ حَرْفٍ

عَلَى بَصِيصِ قِنْديلٍ منَ الزَّيْتِ،

كانَ يَعْلَمُ، تَماماً، أَنَّ هَذَا الْحَرْفَ الصَّغِيرَ

سَيَنْقَلِبُ شَمْسَاً مُشِعَّةً، تُنِيرُ الْكَوْنَ كُلَّهُ

فَعَلَيْكَ، إِذَنْ، تَقَعُ مَسْؤولِيَّاتٌ جَمَّةٌ

أَلاَ وَهِيَ تَنْشِئَةُ الْجِيلِ الصَّاعِدِ

وَتَوْجِيهُهُ تَوْجِيهاً صَحِيحاً

وَتَثْقِيفُهُ ثَقَافَةً تَلِيقُ بِعَظَمَةِ

وَرُقِيِّ الشُّعُوبِ كافَّةً

أَنْتَ وَالنُّورُ تَوْأَمانِ

فَكِلاكُما تُنِيرانِ أَمامَنا سُبُلَ الْحَيَاةِ.

**

صلاتي


دَقَّتِ السَّاعَةُ الْوَاحِدَةُ

بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ

وَأَنا ما زِلْتُ رَاكِعاً أُصَلِّي

وَدُمُوعي تَنْسَابُ عَلَى وَجْنَتَيَّ بِبُطْءٍ

وَهِيَ تَتَلأْلأُ عَلَى ضَوْءِ الشُّمُوعِ

الَّتي تَذُوبُ لِكَي تُنِيرَ ظُلْمَةَ الآخَرينَ

رَكَعْتُ أُصَلِّي 

وَالرِّياحُ تَعْصِفُ، تَثُورُ فِي الْخَارِجِ

وَالأَمْطارُ الشَّديدَةُ تَدُقُّ

عَلى زُجاجِ شُبَّاكِيَ الأَخْضَر

وَكَأَنَّها تُريدُ الدُّخُولَ 

كَيْ تُشَارِكَني صَلاتي

الشَّمْعَةُ تَذُوبُ وَأَنا اُصَلِّي

وَخُيُوطُ الْفَجْرِ

تَتَسَلَّلُ عَبْرَ وُرَيْقاتِ الأَشْجارِ

وَصَوْتُ الأَطْيارِ بَدَأَ يَتَصاعَدُ

مِنَ الأَوْكارِ وَسُطُوحِ الْقِرْميدِ الأَحْمَرِ

الشَّمْعَةُ ذَابَتْ، وَلَكِنَّ الصَّباحَ قَدْ أَشْرَقْ.

**

فرص الدَّهر


فُرَصُ الدَّهرِ

تأتي، دائِماً، مَعَ بُزوغِ الْفَجْرِ

وَها هُوَ القَهْرُ يَتَدَخَّلُ في شُؤوني،

يُريدُني أن أشاركَهُ الخَوْفَ، الْمَرَضَ،

وَعَدَمَ الاستقرار!

أَنا سعيدٌ ، يا قَهْرُ،

وَكَلّ الدورُب قَطَعتُها بابتسامةٍ..

فلا تَدَعْ صدى صوتِكَ يُخيفُني..

حَبيبتي، رَسَمَتْ استقراري قَناعةً،

أَوْدَعتها عُيوني.

**

ملاك


قَبْلَ أنْ تَقُولي كلمةً، كُنْتِ الملاكَ

وَكانَ حُبُّك سَمائي.

خُذي مِفتاحَ قَلْبي، وادخُلي خِيامي 

خَيْمَةً خَيْمة، لأستقبلك بَطلة

ترتجّ الكتبُ من خَطَواتِها.

ها أنا أمُدُّ يَدي

دَعي قَصائدك تنتظرني

وَكُلَّ دَواوين الشُّعراء

مؤلـمٌ ضَياعي بدونِك

خُذي بِيَدي وارسُميني ابتسامةً.

**

طينة واحدة


.. وَهَلْ نَحْنُ مِن طينةٍ واحدة

وَالكُلُّ يُغَنّي عَلَى لَيْلاهْ؟!

آهْ يا با آهْ

تَوَقّفْ أَيُّها الحَكَمُ النَّبيلُ تَوَقَّفْ

فالنّاسُ لا يُحِبُّونَ الأحكامَ المعلَّبَةَ

كَأَعْضائهم النحيلةِ،

المسروقةِ من خَزائنِ الفقرِ الأصفرِ

لتجميل أجساد الأغنياء وإعادةِ صياغَتِها.

شَغِّلْ عَينَيْكَ، أيُّها الحَكَمُ، نَبِّهْ أَصابِعَكَ..

واسمَحْ لكل المتبارين بالرَّفسِ

ولن يَطالَكَ سوءٌ..

فالمتفرجون يتمسَّكون بحقِّ المِتْعَةِ..

وإلاَّ أُلْغِيَتِ الدَّورةُ..

مَتِّعْهُمْ.. كَي لا يتَحوَّلَ كَلامُكَ ناراً..

وَطينتُكَ غُباراً..

بَشِّرهُم، أنَّ عُقولَهُم واحدة، 

وَطينَتَهُم أصناف!

**

قصائد الطفولة

   لم أخجل بصور طفولتي فكيف أخجل بقصائدها؟

   هذه مختارات من كتاباتي يوم كنت طفلاً، وقد نشرت في الصحف والمجلات البيروتية.

**

حكاية لص


ـ1ـ

هَدَفي الْوَحِيدُ أَنْ أَقُصّْ

حِكَايَةً.. تَحْكي حَيَاةَ لِصّْ

عاشَ فَقِيراً مُعْدَما

فِرَاشُهُ الرَّصِيفُ

لِحافُهُ السَّما..

ـ2ـ

أَرادَ أَنْ يَشْتَغِلَ

لَكِنَّ بَابَ الرِّزْقِ ظَلَّ مُقْفَلا

فِي وَجِهِهِ..

فَطَلَبَ مِنْ رَبِّهِ

الْمُساعَدَه

لِكَيْ يُبِيدَ جُوعَهُ

وَيَمْسَحَ دُمُوعَهُ

فِي اللَّيالي الْبارِدَه.

ـ3ـ

وَكَثُرَتْ صَلاتُهُ..

وَكَثُرَ الْخُشُوعْ

وَكَثُرَ التَّأَلُّمُ..

وَاشْتَدَّ بَرْدُ الْجُوعْ!

ـ4ـ

لَمْ يَبْقَ بَابٌ دُونَ أَنْ يَطْرُقَهْ

لَمْ يَبْقَ إِلاَّ السَّرِقَه

فَسَرَقَ، وَسَرَقَ

فِي اللَّيالي.. في الشُّمُوسِ الْمُحْرِقَه!

ـ5ـ

وَعِنْدَما رَمَوْهُ فِي غَياهِبِ السُّجُونْ

لَمْ يَسْأَلُوا الْيَتِيمْ

عَنْ فَقْرِهِ، عَنْ جُوعِهِ،

عَنْ دَمْعِةِ الْعُيُونْ

فَأَيْنَ أَنْتَ يا رَحيمْ؟

كتبتها بعمر 14 سنة

**

فتحت يا ليمونة


ـ1ـ

يَا نَغْمَةً شَجِيَّه

يا وَرْدَةً جُورِيَّه

يا حُلْمِيَ الْجَميلْ

فِي لَيْلِيَ الطَّويلْ

ـ2ـ

كَمْ مَرَّةٍ حلُمْتُ

بِأَنِّيَ اسْتَلَمْتُ

رِسَالَةً مِنَ قَلْبِكِ

يَشْرَحُ فِيها حُبَّكِ

لِنَرْتَمي فِي الْمَوْعِدِ

تَحْتَ الظِّلالِ الْوارِفَه

عَلى التِّلالِ الشَّارِفَه

هُناكَ يا صَغِيرَتي

تَضِيقُ فِينا خَيْمَتي

وَأُنْشِدُ أَغْنِيَتي

تِلْكَ التَّي أَلَّفْتُها

لأَجْلِ مَنْ أَحْبَبْتُها

لأَجْلِكِ، أُغْنِيَتي أَلَّفْتُها..

ـ3ـ

جَحافِلُ اللَّيالي تُهاجِمُ النَّهارْ

وَنَحْنُ يا حبيبتي ما زِلْنا فِي الْقِفارْ

رِحْلَتُنا طَويلَه

لَكِنَّها جَميلَه

نَجْمَعُ الأَزْهارْ

نَرِفُّ كَالأَطْيارْ

وَأُغْمِضُ الْعُيُونَ

لِتَحْتَمي وَرائي

وَتَسْمَعي نِدائي:

فَتَّحْتُ يا لَيْمُونَه!

كتبتها بعمر 13 سنة

**

غانية


ـ1ـ

بَائِعَةُ لُحُومْ

فَاجِرَه

عَلَيْها يَحُومْ

سَماسِرَه

تَعُومُ.. تَعُومْ

فِي بَحْرِ الْخَطِيئَه

تُصَلِّي تَصُومْ

وَتَدَّعِي الْعَفافَ، وَتَدَّعي الْبَراءَه

وَأَيْنَ الْبَرَاءَه؟

ـ2ـ

تُصَلِّي، تَصُومْ

وَعِطْرُها النَّجاسَه

فَماذَا تَرُومْ؟

وَماذَا تُرِيدُ الْتِماسَه؟

تُلَمْلِمُ الزُّهُورْ

وَتَدْخُلُ الْكَنِيسَه

وَتَقْرَعُ الصُّدُورْ

لِتَطْرُدَ الْفُجُورْ

بِهَذِهِ السِّياسَه؟

كتبتها بعمر 14 سنة

**

أنا وأنت


أنا وأنت والأماني الكبيرة

والأمل

وبحر طافح بالحنان

وحلم كالعسل

كل هذا يا حبيبي حبّنا

قد كتب على صفحات قلبنا

خططته أيدٍ خبيره

بخطوط من ذهبْ

ونحن ما زلنا بحيره

لا نعلم ما قد كتبْ

لنا الدّهرُ من أسطر

لا نعلم سوى أننا

ما زلنا نعيش لحبنا

فالحب حياته جميله

ولو لساعات قليله

دعني أذوق الحبّ دعني

دعني أطرد عنيَّ حزني

فإنك بدرٌ ينوّرُ دربي

وانك روحي

وعيني

وقلبي

بيروت، مجلة الف ليلة وليلة، العدد 64، 29 شباط 1968

**

من أنت؟


أنت..

من أنت؟

سوى سحابة صيفٍ

مرّت في أجواء قلبي

دون أن تترك أي أثر

غير ذكرى مضحكة

ذكرى كلام

حفظته من كثرة التكرار

والترداد..

وحركات ارتسمت في خيالي

من جراء تمثيلي المتواصل لها

أجل..

كنت أمثّل

وقد صدّقت تعابير وجهي الكاذبة

صدقت دموع عيني الشاحبة

ولم تنتبهي لابتسامة ساخرة

قذفتْها تعابير وجهي خلفك.

أنت لا شيء عندي

فلملمي أشياءك

وارحلي.

بيروت، مجلة ألف ليلة وليلة، العدد 87، 8 آب 1968

**

رسالة


أكتب ولا أعلم..

أقرأ ولا أفهم..

بتّ كالخيال،

أظهر تحت ضوء حبّك،

وأختفي وراء ستار قلبك.

أشرب العسل من كلامك

أنام على سرير السعادة

عندما أحلم أنني أضمّك.

أبني قصور الآمال،

أسهر الليالي الطوال،

كلما رددت اسمك.

أهجر الدنيا إن فقدتك،

أو بالأحرى أموت.

وأنت تعلم هذا جيداً.

تعلم أنني لا أطيق العيش من بعدك

لا أريد أن تغيب عنّي

شمس ابتسامتك المشرقة

فلم الهرب إذن من أمامي؟

أنت تهرب..

وأنا أطاردك كمن يطارد خياله.

أحبّك..

قلها لي

ولا تقطع شعرة أملي الوحيده

قلها ولا تكن عنيدا.

كي لا تصبح من عداد المجرمين

الذين لا يقتلون أعداءهم بالرصاص

بل أحباءهم

بسهام الحب التي تخترق القلوب

ولا ترحم.

فارحمني اذن.

بيروت، مجلة الف ليلة وليلة، العدد 69، 4 نيسان 1968

**

قدران


ـ1ـ

أتذكرين

أيّام كنّا نفرش الدنيا

بأزهار الغرام؟

نسابق الطيور بفرح الأطفال

علّنا نصطاد حلماً

قضينا العمر نتربص به.

ـ2ـ

تعالي..

فلقد أضناني المسير

وغزّني شوك الفراق،

وبتّ كطير بدون جناح.

ـ3ـ

تعالي..

فعمري سفينة مثقوبة

تتقاذفها رياح الهجران

وتملؤها مياه الهوى،

وأمواج بحر الحنان

تحاول إغراقها

ـ4ـ

تعالي..

فأنا والقدر صنوان

لا تغلبني الأنواء

ولا تكلّ من عزيمتي المصائب

أنا

والقدر

قدران

كتبتها بعمر 14 سنة

**

تيريز


قالوا لي: أتحبّها؟

قلت: حياتي حبّها

قالوا: وما اسمها؟

قلت: تيريز

قالوا: جميله

قلت: قمر

قالوا: إذن، صفها لنا

قلت: طويله.. طويله

كغصن بان

عيناها بحيرتا حنان

خدّاها كالأرجوان

وعنقها مصقول كالمرمر

وقدّها، ما الغصن، ما الشجر

وشعرها كملمس الحرير

كرفّة الخيال والعبير

وفمها صغيرٌ صغيرْ

كحبّة بندق

كثمرة "فيريز"

هذي هي حبيبتي "تيريز"

كتبتها بعمر 14 سنة

**

آلهة الحسن


آلهةُ الحسنِ أنتِ

عشتروتْ

فداكِ أحيا أو أموتْ

لا أبالي

يا خيالي

في الليالي المعتمه

كنتِ بدري

والنجومُ الحالمه

نائمه

ويداك تلهوان بشعري

فيا عمري..

هل أنا في ليل حبٍ

أم أنا في حلم ليلٍ

لست أدري؟

كتبتها بعمر 14 سنة

**

إني أشك


يا حلوتي..

كم مرةٍ قلتِ ليَ

إنّي لكَ..

روحي، حياتي ملككَ

عمري، شبابي، روعتي

أنت حبيبي..

غنوتي

أنت عيوني..

مهجتي

يا منيتي

هل هذه الأغنيه

حقاً ليَ

أم هيَ

ملكُ الجميعْ؟

إني أشك حلوتي

بكلامك العذبِ البديعْ

كتبتها بعمر 14 سنة

**

أنت أنا


يا غنوتي..

يا فرحتي..

يا أملي الوحيدْ

يا حبّيَ العنيدْ

أنت شمسُ الدّنيا

أنت حلمُ الكونْ

أنت لغزُ الرؤيا

أنت للزهر لونْ

أهديك فؤادي

على طبقٍ من حبّي

يا بهجةَ أعيادي

يا حياةَ قلبي

بعينيك السحرْ

عشّش العمرْ

وعبيرُ الزّهرْ

من مروج خدّيك الحمرْ

دموعك مرآةُ حبّي

آهاتُك دقّاتُ قلبي

أصلّي الليالي ليحميكِ ربّي

أنتِ خشوعُ صلاتي

أنتِ أنا

يا حياتي

كتبتها بعمر 13 سنة

**

يا حبيبي


من شدو الطير في الآفاقْ

من حفيفِ الأوراقْ

من نسمات الجبال

من عبير أزهار التلالْ

من السحر والخيالْ

من نبضات قلبٍ دمه الآمالْ

من نور الشمس عند الغيابْ

من انبلاجها عند الفجر

من ضوء القمر

من مناجاة نجوم السهرْ

من زغرودة الأعراسْ

من ترنيمة القداسْ

من الجمال

من حرقة الأنفاسْ

من وحي جبران

من مناخ لبنان

صغتُ كلامَ رسالتي هذه

علّها تكشفُ لك عن مكنونات قلبي

وتضيء بالحب دربي

يا حبيبي..

ما أهنأ حبّي

كتبتها بعمر 13 سنة

**

حلمة النهد


حلمةُ النهدِ التي قبّلتُها

وعصرتُ منها ما أريدُ من الشّرابِ

كي تطفىءَ الشهواتُ نيرانَ شبابي

حلمةٌ سمراءُ كم أحببتُها

وعجنتُها..

وخبزتُها

وكمهرةٍ عربيةٍ روّضتُها

هذا أنا يا حلمةَ النهدِ الجميلْ

شاعرُ..

بين يديهِ المستحيلْ

كتبتها بعمر 15 سنة

**

طفلة صغيره


ـ1ـ

طفلةٌ صغيره

تسيرُ في الدروبْ

كأنها أميره

فتسحرُ القلوبْ

ثيابها قصيره

لتكشفَ الجمال

وتوقظَ الخيال

وتلهبَ المشاعر

في قلب كل شاعر

هذه الصغيره

الجميلةُ.. المثيره

كم هي قديره

ـ2ـ

تسمّرتْ عيناي بغادةٍ حوريه

كالوردة الجوريه

شعرُها شلال

مِشيتُها دلال

تطيِّرُ العقولْ

أود أن أقولْ

لهذه الصبيه

رحماك بالرجال

كتبتها بعمر 15 سنة

**

سيدتي


ـ1ـ

أرى الوجودَ بعينيكِ

بشعرك الطويلْ

بجفنك الكحيلْ

باحمرار الورد في شفتيكِ

ـ2ـ

سيدتي الجميلة البهيّه

في تلك العشيّه

عندما التقينا سويّا

شربتُ من كؤوس الراحْ

حتى ثملتُ

وقلتُ

بكل ارتياحْ:

دعيني أنام

بقربك إني

كثيرُ التمنّي

بليل الغرام

ـ3ـ

وكم بليالي الشتاء الطويلْ

جرّح نومي العويلْ

ودقّ على باب قلبي صراخٌ

يقول: انقذوني

ضبابُ الليل قد أعمى عيوني

ولم أبالِ

وكيف أبالي

وجسمي أنا في صقيع الليالي

عليلٌ عليلْ

يفتّش عن سيّده

جميلةٍ ممجده

تختصر النساء

في ليلة حمراء

كتبتها بعمر 15 سنة

**

من سأقاتل


ـ1ـ

نهودك قنابل

وشعرك جحافل

فكيف أقاتل؟

ومن سأقاتل؟

ـ2ـ

أنا للبلادِ

للنصر.. للجهادِ

أنا ما خلقتُ

لركب الجيادِ

خبرت الحروبَ

مشيتُ الدروبَ

أنام في البراري

لا أعرف الطيوبَ

ـ3ـ

أنا في الليالي

رفيقتي الباروده

ومدفعي الغالي

يسامرُ الحدودَ

لكنّي يا حبيبتي

بالرغم من جنديّتي

توجد في طبيعتي

شهوةُ جنسٍ قاتله

رغبةُ حبٍ سافله

تكاد أن تقتلني

لكنني..

أمسكت بقنبلتي

وسائرِ أسلحتي

حضنتها

قبّلتها

أطفأت فيها شهوتي

كتبتها بعمر 16 سنة

**

بحر عينيك


أحببتك..

ولم أبُح بحبّي

سلبتِ عقلي وسكنتِ قلبي

رأيتك الملاكَ الناصعَ البياض

فراشةً جميلةً

تداعبُ الرياض

شعرك كغيمة في الفضاءْ

حجبت نجوم السماء

والنجم عيناك

فمك الأحمر الورديّ

وشفتاك.

أحببتك.. حبّ قيس لليلى

حبّ عبلى لعنتر

وأكثر..

وأكثر..

وأنتِ عني غافله

تقتلين الفرص يا جاهله

كي أحاكيكِ

بشتّى المواضيعْ

علني في بحر عينيك أضيعْ

كتبتها بعمر 15 سنة

**

أتصرخين؟


أتصرخين؟

لأنني اقتربت منكِ

أتصرخين؟

وكلّ ما أريده الترفيهَ عنكِ

أخاف، يا عزيزتي، على الصبا

يزوي كأزهار الربى

يتعرّى كالشجر

وعندما يأتي القدر

من يدري يا بنت البشر

قد تصبحين فلةً،

أو تربةً،

أو من حجر.

كتبتها بعمر 16 سنة

**

هذه الفتاة


ـ1ـ

حبيبتي الجميله

كأنها القمر

ممشوقة، طويله

تنافس الشجر

أحبها الجمال

والشعرُ والخيال

والزهر والبشرْ

ـ2ـ

حبيبتي الطروب

تسرق القلوب

تفتن الشعوب

تسحر النظر

ـ3ـ

هذه الفتاة

نوّرت دربي

ليتها تدري

بالذي يجري

داخل قلبي

من أجلها أتوب

وأفرش الدروب

بالزهر والطيوب

كي تشعر بحبي

كتبتها بعمر 14 سنة

**

ألف محال


ورودُك الحمراءُ

أودعتها كتابي

فأنتِ ربيعُ شبابي

ورودٌ..

طيبُكِ فيها

أقبلها.. أداريها

أسايرها.. أناجيها

أأزعل منكِ؟

محالْ..

أيزعلُ الإنسانْ

من روعة الجمال

من رفّة الخيال

من ضحكةٍ مملوءة

بالحبّ والحنان

محال..

وألف محالْ

كتبتها بعمر 14 سنة

**

فلتأتِ سعادة اللقاء


ـ1ـ

الانْطِفَاءُ الَّذِي يُدَبْدِبُ نَحْوَ الشَّمْسِ،

تَنْتَظِرُهُ الْعَتْمَةُ بِعَيْنَيْنِ بُومِيَّةِ النَّظَرَاتِ.

وَالْوَجَعُ الْمُرْتَحِلُ فِينَا

يَحُوكُ أَثْوَابَ الْخُمُولِ

بِلُعَابِ عَنْكَبُوتٍ عَجُوزٍ،

أَوْقَعَتْهُ الصُّدْفَةُ

فِي فَخِّ الانْتِظَارِ.

ـ2ـ

لِمَاذَا الصُّرَاخُ..

وَالْحَنَاجِرُ تُعْلِنُ إِفْلاسَهَا؟!

وَنُبَاحُ الْكِلابِ

يَصُمُّ آذَانَ الْفَجْرِ،

يُوَزِّعُ الْمَنَاشِيرَ الصَّفْرَاءَ الْكَاذِبَةَ،

يُطَوِّبُ الْفَشَلَ عَطَاءً،

وَيَطْمُسُ بِرَائِحَةِ لُهَاثِهِ الْكَرِيهَةِ

فَوْحَ أَزْهَارِنَا.

ـ3ـ

الذَّاكِرَةُ الَّتِي لا تَحْفَظُ كَذِبَهُمْ..

عَاقِرٌ!

الأَيْدِي الَّتِي لا تَصْفَعُ خُبْثَهُمْ..

مَشْلُولَةٌ!

كَلِمَاتُهُمْ خَنَاجِرُ فِي ظُهُورِ الأَبْرِيَاءِ،

وَضَحِكَاتُهُمْ حَبْلَى بِجَرَاثِيمِ التَّفْرِقَةِ،

وَنَحْنُ نَتَلَهَّى بِسُعَالِنَا.

ـ4ـ

مَنْ مِنَّا لَمْ يَفْقَأُوا عَيْنَيْهِ،

وَيَرْمَوْهُ فِي بِئْرِ الضَّيَاعِ،

لِتَمْضَغَهُ الْغُرْبَةُ بِأَشْدَاقٍ نَتِنَةٍ،

وَتَبْنِيَ بِعِظَامِهِ قُبُورَ أَجْيَالٍ

فَاتَهَا قِطَارُ الرُّجُوعِ؟!

ـ5ـ

يا سَاكِنَ حُرُوفي.. أُنْطُقْ.

تَجْتَرُّنِي اللَّحَظَاتُ الصَّمَّاءُ

وَالْوَطَنُ يَنْتَظِرُنِي.

كَيْفَ أَحْمِلُ الْعِيدَ إِلَيْهِ؟

كَيْفَ أَقْتَلِعُ أَشْجَارَ غُرْبَتِي

وَأَغْرُسُهَا فِي سُفُوحِهِ،

وَأُزَيِّنُهَا بِضَحِكَاتِ أَطْفَالٍ مُعَمَّدِينَ بِالْمَجْدِ؟

كَيْفَ أَعُودُ..

وَالرَّحِيلُ يَشْطُبُ وَجْهَ أُمَّتِي

بِذَرَائِعَ وَقِحَةٍ كَاذِبَةٍ؟

ـ6ـ

هَلِّلُويَا.. هَلِّلُويَا..

دُعَاءٌ حَفِظْتُهُ مُنْذُ الصَّلاةِ الْبِكْرِ،

بَاتَ يُتْعِبُنِي.

صَدَاقَةُ الابْتِهالِ تَسَرَّبَتْ مِنْ مَسَامِي

شَكّاً جَارِفاً.

خَلِّصْنِي أَيُّهَا الْمُخَلِّصُ..

يَدَايَ مَمْدُودَتَانِ لاسْتِقْبَالِ الْفَرَحِ،

وَقَلْبِي نَابِضٌ بِالْحُلمِ،

فَلْتَأْتِ سَعَادَةُ اللِّقَاءِ.

**

مزامير ميلاديّة


المزمور الأوّل:

"الْمَجْدُ لِلَّـهِ فِي الْعُلَى

وَعَلَى الأَرْضِ السَّلامُ

وَالرَّجاءُ الصَّالِحُ لِبَنِي الْبَشَر".

تَرْنِيمَةٌ طَالَما أَنْشَدْتُهَا فِي خَلْوَتِي.

مَهْما اتَّسَخْتُ بِالْخَطِيئَةِ

أَظَلُّ ناصِعاً كَالثَّلْجِ.

مَنْ مَنْكُمْ بلا خَطيئَةٍ، "فَلْيَرْمِنِي" بِحَجَرْ!

هَكَذَا قَالَ يَسُوع.

وَأَنا عَلَى خُطاهُ أَسِيرُ.

بلا ثَوْبٍ وُلِدَ وَبلا ثَوْبٍ أَعِيشُ.

في مَغَارَةٍ أَتَى الْعَالَـمَ

وَمِنْ فُتْحَةِ كُوخٍ رَأَيْتُ النُّورَ.

قَالَ: أَنا يَنْبُوعُ الْخَلاصِ.

وَأَقُولُ بِدَوْرِي:

أَنا السَّاقِيَةُ الْجَافَّةُ، أَنا الْحُنْجُرَةُ الصَّامِتَةُ،

أَنا الْعَيْنُ الَّتي شَكَّكَتِ الْعَالَـمَ

وَلَـمْ يَقْتَلِعُوني.

خَطايايَ أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصى.

الْبَرَاءَةُ لا أَعْرِفُها، 

وَهِيَ أَيْضاً لا تَعْرِفُنِي.

صُدْفَةً الْتَقَيْتُها عِنْدَ مُنْعَطَفِ الطُّفُولَةِ،

ابْتَسَمَتْ لي، فَأَشَحْتُ بِوَجْهي عَنْها.

اقْتَرَبَتْ مِنِّي، فَهَرْوَلْتُ مُسْرِعاً،

والسَّبَابُ يُدْمي شَفَتَيَّ.

اقْتَرَبَتْ أَكْثَرَ، فَأَكْثَر..

ابْتَعِدي عَنِّي، صِحْتُ،

فَالزُّهُورُ الَّتي تَزْدانِينَ بِها تَجْعَلُني أَتَقَيَّأُ.

**

المزمور الثاني:

يَا ابْنَ مَرْيَمَ، يا طِفْلَ الْمَغارَةِ الْمُتَواضِعَةِ،

بَيْتي بِحاجَةٍ إِلَى مَغَارَةٍ 

وَالْفَقْرُ يَفْتَرِشُ جُيُوبي.

أَعِرْني مَغارَتَكَ لأُعَيِّدَ،

وَمِنْ ثَـمَّ أُرْجِعُها لَكَ بَعْدَ فَناءِ الْعَالَـمِ.

**

المزمور الثالث:

"هَلّلُويا.. هَلِّلُويا..

وُلِدَ لَكُم الْمُخَلِّصُ".

تَعالَ يَا مُخَلِّصي وَانْظُرْ

كَيْفَ تَبَدَلَّتْ مَعَالِـمُ الْكَوْنِ،

الْكَبيرُ يَأْكُلُ الصَّغِيرَ، والصَّغِيرُ يُصَلّي.

وَهَبْتَنَا الأَرْضَ: شُكْراً.

وَلَكِنَّكَ نَسيْتَ أَنْ تَقْسِمَها فيما بَيْنَنا،

وَأَنْ تَرْسُمَ حُدُودَ كُلِّ بَلَدٍ بِالنَّارِ،

لَعَلَّنا، بِذَلِكَ، نَتَخَلَّص مِنَ الْحُرُوبِ

الَّتي تَجْتاحُ الْمَعْمُورَ، وَكَأَنَّها الْقِيَامَة.

**

المزمور الرابع:

جِياعٌ.. وَالْجُوعُ يَشُدُّهُمْ نَحْوَ الْمَوْتِ.

عُرَاةٌ.. وَالْبَرْدُ يَنْخُرُ عِظَامَهُم.

حُفاةٌ.. وَالشَّوْكُ مُشْتاقٌ لأَقْدَامِهِم الطَّرِيَّةِ.

الْحَيَاةُ كَالسِّيجارَةِ فِي جَيْبِهِمْ، كاللا شيء،

وَالأَبَدِيَّةُ وَهْمٌ مُغَلَّفٌ بِالسَّرابِ.

الأَبَدِيَّةُ.. يَجْفُلُونَ لَدى ذِكْرِ اسْمِها!

يُريدُونَ أَنْ يِعِيشُوا، حتَّى وَلَو بِالْكُفْرِ!

أَنْتَ الأَبَدِيَّةُ يَا يَسُوع، وَنَحْنُ الْفَناء.

أَنْتَ الْخُبْزُ السَّماوي، وَنَحْنُ الْجِياع.

أَنْتَ النُّورُ السَّاطِعُ،

وَنَحْنُ التَّائِهُونَ، الضَّالُونَ، الْحُفَاة.

**

إلى الرئيس


ـ1ـ

تَوَقَّفَتِ الْكَلِمَةُ، فَلْنَرْجِعْ إِلى الْوَراءِ.

لا تَخافُوا، فَلَوْلا الظُّلْمَةُ ما طَلَعَ بَصِيصٌ،

وَالأَيْدي الْمُتَشَابِكَةُ..

ما تَشَابَكَتْ لَوْلا خَنَاصِرُها وَبَناصِرُها.

لَيْسَ لأَحَدٍ فَضْلٌ ذَاتِيٌّ،

بَل الْفَضْلُ لِلْجَميعِ،

وَمِنْ هُنا يَجِبُ أَنْ نَبْدَأَ،

وَحَذَارِ، حَذَارِ مِنَ الْغُرورِ

فَفَخْفَخَتُهُ مَذَلَّةٌ، وَتَعاليهِ احْتِقارٌ.

ـ2ـ

أَنْتَ لَنا وَلَهُمْ، أَنْتَ لِلُبْنان.

وَعارٌ عَلَيْنا أَنْ نَرْتَضِيكَ فِي اتِّجاهٍ وَاحِدٍ،

كَأَنَّكَ حَجَرُ رُحىً تَهْرُسُ الْقَمْحَ وَالزُّؤانَ 

مَعاً،

وَتَدُورُ كُلَّما تَدَفَّقَتِ الْمِياهُ،

وَتَتَوَقَّفُ إِثْرَ جَفَافٍ وَقَحْطٍ.

ـ3ـ

الْمِيزانُ هُوَ أَنْتَ..

كَفَّتاكَ العَدَالَةُ وَالْمُسَاواةُ.

ما أَجْمَلَ الْعَدْلَ،

خُصُوصاً بَعْدَ جُورٍ وَاسْتِبْدادٍ.

ما أَرْوَعَ الْمُساواةَ،

خُصُوصاً بَعْدَ تَمْيِيزٍ وَتَفْرِقَةٍ.

كُنْ حَريصاً عَلَيْهما،

لأَنَّ لا وُجُودَ لَكَ بِدُونِهِما.

كُرْهاً يَتَحَوَّلُ حُبُّنا، إِذَا لَمْ تَعْدُلْ.

وَاشْمِئْزازاً يَنْقَلِبُ اغْتِباطُنا،

إِذَا لَمْ تُسَاوِ بَيْنَ عَيْنٍ وَعَيْنٍ.

ـ4ـ

لأَنَّ اللَّيْلَ يَبْتَلِعُ النَّهارَ..

لا تَدَعِ اللَّيْلَ يَقْتَرِبُ مِنْ نَهارِنا.

دَعْنا نَرَى النُّورَ،

فَالظُّلْمَةُ سَكَنَتْ أَحْداقَنا،

وَأَبَتْ أَنْ تَتَخَلَّى عَنْ مَوْطِىءٍ لِلْفَرَجِ.

ما هَذَا الإِنْغَلاقُ الْكُلِّيُّ؟

ضِعْنا وَاللَّهِ، وَأَعْطَيْنا الإِدْراكَ لِغَيْرِنا،

وَبَقِيْنا بِدُونِ إِدْراكٍ!

ـ5ـ

مُدَّ يَدَكَ وَخُذْ بِيَدِنا..

فَالْغَرَقُ مُمِيتٌ أَيُّها الْقُبْطانُ،

وَسَفِينَتُكَ تَعُومُ بِقَرَفٍ!

فَجَذِّفْ، جَذِّفْ، فَالْيَابِسَةُ تَتَطَلَّعُ نَحْوَنا،

وَنَحْنُ غَافِلُونَ.

ما أَحْلَى لَمْسَ التُّرَابِ وَتَقْبِيلَهُ،

فَهُوَ الْحَياةُ إِنْ دَبَّتْ فِي عُرُوقِنا حَيَاةٌ،

وَهُوَ الْبَقاءُ إِنْ أَرَدْنا لِوُجُودِنا بَقاءً.

ـ6ـ

لا تُعانِدْ.. لا تُزَاعِلْ أَحَداً..

وَلا تَتَخَلَّ عَنْ حَقٍّ.

كُنْ سَيْفاً ذَا حَدَّيْنِ، وَلا تَكُنْ مِجَنّاً،

فَالْمِجَنُّ يَتَلَقَّى الضَّرباتِ وَالسَّيْفُ يُسَدِّدُها.

كُنِ انْطِلاقاً، وَلا تَكُنْ رُجُوعاً..

فَعِنْدَ الإِنْطِلاقِ تَحْظَى بِسُرْعَةٍ فَائِقَةٍ،

وَعِنْدَ الرُّجُوعِ تَجُرُّ أَذْيالَكَ جَرّاً،

وَأَنَّى لَكَ الْوُقُوفَ عَلى قَدَمَيْكَ.

ـ7ـ

هَنِيئاً لَنا بِكَ، وَهَنيئاً لِلُبْنان..

يا مَنْ أَتَى كَالْبَرْقِ الْحالِمِ بِالنُّعُومَةِ.

يا مَن امْتَطَى صَهْوَةَ جَوادٍ أَغْبَرَ

وَطارَ بِهِ فَوْقَ السَّحابِ،

عَلَّهُ يَقْدِرُ عَلَى حَصْرِ أَبْنائِهِ، 

جَمِيعِ أَبْنائِهِ،

ضِمْنَ دَائِرَتَيْ عَيْنَيْهِ الصَّغِيرتَيْنِ.

فَلا تُخَيِّبِ الآمالَ،

وَلا تَقْذِفْ بِمَنْ أَوْلاكَ ثِقَتَهُ إِلى الْقَعْرِ،

وَلا تَخَفْ مِنَ النَّصْرِ،

فَنَصْرُنا كانَ غَالِياً جِدّاً،

إِلَى دَرْجَةٍ تَتَوَقَّفُ عِنْدَها التَّضْحِيَةُ،

وَتَبْتَدِىءُ الصَّيْرُورَةُ!.

**

نادين خطيب


ـ1ـ

عندما أستمعت الى صوت الفنانة 

الفلسطينية نادين خطيب وهي ترتل

"اليوم علّق على خشبة"،

صرخت بأعلى صوتي:

ـ هذا ليس صوتها 

بل صوت ملاك  سماوي،

أحب أن يهبط فجأة في فلسطين،

ليعلم الناس المحبة.

ـ2ـ

انظروا الى ملامحها القدسية،

الى حزن عينيها، الى حركة يديها،

الى وقفتها المتألمة،

ومن ثم اغمضوا أعينكم، وتساءلوا:

هل رأيتم أجمل من هذا الملاك؟

هل سمعتم صوتاً أرقى من صوت

هذه الفنانة المسلمة، الغارقة في التقوى،

المؤمنة بحق أخيها الانسان

في أن يعبد من يشاء،

وكيفما يشاء، وأينما يشاء.

ـ3ـ

لقد كتب أدباء وشعراء مسيحيون 

كثيرون عن الاسلام،

وغنى فنانون مسيحيون للاسلام،

فإذا بنادين، ترد الفضل بالفضل،

والتحية بالتحية، والمحبة بالمحبة،

والصوت، بصوت يمجد الله.

فألف شكر لها على هديتها الرائعة.

وألف شكر لفلسطين القدوة.

**

جاليتي


ـ1ـ

رديئة جاليتي ومشتتة،

لأنها لا تؤمن بالعطاء

بل بالجحود.

فكم من مرة حبلت ولم تلد؟

العقم عندها فضيلة.

أدباؤها جهلة، وجهّالها أدباء وفلاسفة.

أنبياؤها يبيعون أجسادهم

بأسواق الرقيق الأبيض،

وشياطينها يتربعون على كرسي المجد

والوقار.

جاليتي، لم تميّز بعد، بين القداسة والعار.

ـ2ـ

تعيسة جاليتي وبائسة،

فالأيام أظهرت أن البيئة التي تعيشها،

هي التي تتلاعب بها،

تسيّرها على ذوقها،

تكيفها حسب طقوسها، وتأمرها فتطيع..

أما عاداتها التي رضعتها 

من أثداء أمهاتها،

فلقد أصبحت عبئاً ثقيلاً عليها،

بعد أن قطعت الأثداء وأكلتها،

ونحرت البطون لتتلذذ.

ـ3ـ

قاسية جاليتي ومذنبة،

تعاقر القمار لتحبل بالخسارة.

بيوتها مفككة، وأطفالها مشردون..

فلا الأب يحب أبناءه،

ولا الأم تحنو وترضع،

الكل يركض وراء اللاشيء،

وكل شيء.. يمكن تجسيده بالتكاتف

والتضامن، والمحبة.

ـ4ـ

جاهلة جاليتي ومضجرة،

فلا الكتاب رفيقها، ولا القراءة.

إذا تحدّثت أضجرت، 

وإن جادلت ارتبكت،

صمتها ثرثرة ومقالب..

ونميمتها تبلل سهراتها بلعاب أسود.

ومع ذلك، أنا أحبها كذاتي،

لأنني أشعر أن الأيام ستصقلها،

وتعيد لمعانها من جديد.

فالشعب الآتي من الأعالي،

حاشاه الانحدار والتقوقع.

جاليتي سيأتي مسيحها يوماً،

ويصرخ بأعلى صوته:

ـ أليعازر.. قم وانهض من القبر.

1983

**

هي فافي


جنيّةٌ.. داستْ أراضينا

فاخضوضرَتْ من لطفِها الغربَه

وتناثرتْ أيامُنا الصعبَه

وصارَ الشوقُ يَطوينا

شراعاً فارقَ الْمينا

ونحنُ نَنْزفُ حبّا

وقلبُنا يَرسُمُ الرجّعَه

دروباً تسرقُ الدّمعَ

وأزهارَ روابينا

لتُرضِي مَنْ تُجافينا

ومُرَّ الصدِّ تسْقينا

هِيَ "فافي".. ألمْ تسمعْ

موسيقى الغابةِ الأوسّعْ

تناجيها لتُشْجيها وتُهديها 

أغانينا؟

فيا جنيّةَ الأشْجارِ رُدّيها

لكي تحلُو أمانينا.

**

صنم


ـ1ـ

غيابُكِ "فافي".. يثيرُ الألمْ

أعيشُ وحيداً.. ودمعي دِيَمْ

أحاربُ هجري

لينفُدَ صبري

وأبقى أعاني ضجيجَ السّأمْ

ـ2ـ

أتُدْرِكُ "فافي" بأنِّيَ أمشي

وخلفيَ نعشي

وقدّامي قبرٌ.. وعمري عدمْ

وأنّي اعتزلتُ صنوفَ الحياةِ

وأنّي أهيمُ مع الذكرياتِ

غرامي انحدارٌ وشِعْري قممْ

فكيفَ تعودُ.. ومصرُها تبكي

وكلُّ القلوبِ تعاني الصممْ؟

فكيف تعودُ.. وصوتُها يحكي

حكايةَ شعبٍ يُضاهي الأممْ؟

ـ3ـ

رسومُها عندي انبلاجُ صباحي

وضوءُ ارتياحي

وبئرٌ أخبّىءُ فيها الندمْ

فيا ليتني لَمْ أكنْ من عظامٍ

أسيرُ الدروبَ بلحمٍ ودَمّْ

ويا ليتني كنتُ طمْياً عجيبا

تحوّلني النارُ شكلاً غريبا

عديمَ الثمنْ

تريدُه "فافي" كأيِّ وثنْ

فنِعمَ الحياةُ.. ونِعمَ الغرامُ.. ونِعمَ القيَمْ

بدُنيا الصنمْ.

**

درة في تاجها


ـ1ـ

أنا ماسةٌ الشعرِ المصفّى

ألمعُ حبّاً ولُطفا

أنا دُرّةٌ في تاجها

والتاجُ من انتاجِها

لا الشعرُ يعشقُ أسطري

لا الشمسُ تعرفُ مَهْجري

ومراكبي تخشى احتدامَ أبْحُري

إن لمْ تسرْ بِمَزاجِها

ـ2ـ

جنيّةَ الأشجارِ.. هذا شجري

حطّي الرحالَ على امتدادِ السفرِ

حان اللقاءُ بمنْ أحبُّ..

ويحَكِ،

لا تتركيني في جنونِ القدرِ

أعمى أنا.. أعمى أنا..

و"فافي" كانتْ ههُنا

نظّارتي.. ونظرتي.. وناظري.

**

تغريدة


ـ1ـ

يغتالني العجبْ

إذا خَلا بريدي

منْ بَقايا عيدي

ويشهقُ الغضبْ

أطالبُ بحرفٍ يقصّرُ الليالي

و"فافي" لا تبالي

وترفضُ الطلبْ

ـ2ـ

يلفّني التناسي

بغربة المآسي

ولمْ تَعِرْني "فافي" يراعَها الذهبْ

لُقِّبْتُ بالأميرِ

بصحوةِ الضميرِ

جُرّدْتُ من حروفي

وخانَنِي اللّقَبْ

ـ3ـ

تغريدةٌ منْ "فافي"

ترطّبُ التجافي

وتطفىءُ اللهبْ

الشمسُ من أنوارها

والحبُّ من أسرارها

هيَ وردةٌ في عرسِنا

وشمعةُ قدّاسِنا

ومسجدُ العربْ

النورُ في قبابِهِ

والدينُ في رحابِهِ

هناك.. عندَ بابهِ

ماتَ أبو لَهَبْ

**

اضراب


ـ1ـ

كنتُ مُضرباً عن الكلام معها

تجاهلها لي.. أغاظني.. قتلني..

قرّرتُ أن أحرمَها من وجودي حولها

من رسائلي الكثيرة.

جمّعت ما تبقى منْ رجولتي

لأواجهَها كفرسان الكتب

سيفي في غمده،

يدي ممسكة به،

وغضبي بركانٌ شاعل..

وحين أطلتْ فافي

تحوّل السيفُ الى قطة بيضاء

والغضبُ الى وردةٍ حمراء

والفارسُ.. الى قصيدة غزل

ـ2ـ

حنانُها الأوسعُ من إدْراكي

شجّعني على الكلام،

أذابَ جُمودي..

مددتُ يدي نحوها

صافحتني بدفء.

أهديتُها وردةً من جُنينتي

تمتمت: بجد.. وردةٌ كانتْ في حديقتك؟

دسست مع الوردة صورتي

"الهرمُ والشاعرُ معاً"

تطلعتْ بها والفرحُ يغمرُها

وكطفلة بريئة قالت:

لم أكنْ أعلمُ أنك زرتَ مصرَ من قبل

شرُفَتْ بك وفرحتْ

...

عندئذٍ ألغيتُ إضرابي

**

بس..


ـ1ـ

تقولينَ: بَسّ..

لتؤذِيني،

وترمِيني

بحَرِّ الشمسْ

ـ2ـ

أنا المنثورُ

في دربِكْ

ولمْ تَرْوي بَساتيني

أنا المقهورُ

في حُبِّكْ

و"فافي" مَنْ تُجافيني!

ـ3ـ

انا المشنوقُ في قهْري

و"بَسُّكِ" تغزلُ حبْلاً

خُيوطُهُ منْ شراييني

أيا مصريّةَ العينينِ

لن تَقْوي على شِعْري

ففي الشعرِ رَياحيني

وشفْراتُ سَكاكيني

فقوليها بصوتٍ صاغَهُ ربّي:

أُحبُّكَّ.. أنتَ من قلبي

أيا أبهى مُحِبّيني

وإلاّ..

حذارِ من غدْري

فلن تخبُو براكيني.

**

جنية الشجر


ـ1ـ

جنيّةُ الشجرْ..

تستمْلِكُ الأماكنَ،

تروّض الفيافِي،

وتسحرُ النظرْ

.. وقد أتتْ دياري

في موطنِ انتشاري

لتسرُقَ لـ "فافي"

فؤادي..

والخبرْ

ـ2ـ

جنيّةُ الشجرْ..

تسيرُ في االدروبِ،

لا تترُكُ أثرْ

عيونُها بحارٌ

وصوتُها افتخارٌ

ووجهُها قمرْ

ـ3ـ

أخبرتُها عن حبّي

تَطايرَ الشرّرْ

وجلستْ بقربي

تناستِ الحذرْ

أمسكتُها..

قبّلتُها..

حبستها في قلبي

أهديتُها احترافي

بعالم التجافي

هنا، فقط، يا "فافي"

ستقتلُ الضجرْ

وتقطفُ الثمرْ

جنيّةُ الشجرْ

**

أسير حبّها


ـ1ـ

دقّتْ على الشبّاكْ

جنيّةٌ صغيرةٌ يلفُّها ارْتباكْ

أَلشمسُ في يمينِها

والبدرُ في يسارِها

وشَعرُها الأفلاكْ

والوجهُ وجهُ طفلةٍ تضحكُ كالملاكْ

ـ2ـ

سألتُها عنِ اسْمِها،

عُنوانِها،

كيفيّةِ اللقاءْ!

فتمتمتْ بأحرفٍ لم تعرفِ الأسماءْ

"فافي" أجابتْ..

ويْحَها..

قدْ رمَتِ الشّباكْ!

فالإسمُ طُعمٌ جيّدٌ

وشِعريَ الأسماكْ

بتُّ أسيرَ حبِّها

وأرفُضُ الفَكاكْ

ـ3ـ

أهديتُها الشجرْ

أهديتُها الورودَ من حديقتي الغنّاءْ

تسلّقتْ كهرةٍ رشيقةٍ بيضاءْ

لتقطفَ الثَّمَرْ

التينُ في جُعبتِها

واللوزُ في جيبتِها

يا ليتني أهديتُها

فؤادي..

والنّظرْ.

**

ساحة العرب


ـ1ـ

هل يعرفُ الهرمْ؟

أخبارَ مَنْ تَعشقُها الأممْ

فرعونُ كانَ جدَّها

ومصرَها المِثالْ..

والشّعرَ..

والنّغمْ

قُبلتُها الترحالْ

تُصارعُ الصحارى دونَ رهبةٍ

تُذللُ الأهوالْ

ليُبدعَ القلمْ..

ـ2ـ

جنيةٌ صغيرةٌ تجترحُ المُحالْ..

تنتزعُ الأشجارَ من غاباتِها

فتفرحُ الأشجارْ

وتجمعُ الصخورَ من جبالها

فتنتشي الجبالْ

وترقصُ الأشعارْ

والحرفُ.. والكِلَمْ

وينتفي العدمْ.

ـ3ـ

هيَ اختزالُ أُمّةٍ

إنْ بُورِكَ اخْتزالْ

هيَ النّضالُ الأجملُ

إنْ شُوّهَ النضالْ

مدّتْ يديْها للعُلى فانهمرَ المَجالْ:

أُمثُولةً جميلةً يحفظُها الأطفالْ

وغُنوةً مصريّةً

يشدو بها الرجالْ!

ـ4ـ

هي نعمةٌ من ربّنا: جنيّة السماءْ

تبني بيوتَ الفقراءْ

في جنّة الأدبْ

تكفْكِفُ الدموعَ دونَ مِنَّةٍ

وتسجنُ الغضبْ

"فافي" انتفاضُ امْرأةٍ

جميلةٍ

سمحاءْ

تقارعُ النصالَ بالجمالْ

لتربحَ النزالْ

في ساحةِ العربْ

**

عوليس


ـ1ـ

بانيلوبْ..

إِمْراةٌ جميلةٌ تُحِبّها الشعوبْ

عشّاقُها..

ألفٌ.. وألفانِ

خطّابُها..

رملٌ بفنجاني

إنّي الحبيبُ الأولُ

إنّي "عوليسُ" الأجملُ

إنْ فتّشُوا القلوبْ

.. لا يوجدُ ثانِ!

ـ2ـ

أسميتُها "فافي"

أخفيتُها عن أعينِ الخطّابْ

حبستُها في أحرفِ الكتابْ

لوّنتُها

زيّنتُها

أهديتُها غلافي

ورهجةَ اكتشافي

حوّلتُها جنيَّه

"فافي" هيَ جُنِّيَّتي

أَلْوَجْهُ وَجْهُ أمّتي

واللهجةُ مصريَّه

ـ3ـ

تذكّروا "عُوليسْ"

لتعرفُوا الغرامْ

مشرّدٌ عن أرضِهِ.. تعيسْ

عنوانُه المنافي

.. نسِيَهُ العنوانْ

يشدُو بإِسْمِ "فافي"

حبيبةِ الأهرامْ

لينتشي لُبْنانْ

**

بوذا يعاتبني


ـ1ـ

بوذا الذي أودعتُه سرّي

والنّصفَ من عُمري

راح يُعاتبُني..

لا بلْ يؤنبُني

في السرِّ والجهرِ

وقبلةُ الشعرِ

ترضاهُ يغلبُني!..

أحتارُ

في

أمري

ـ2ـ

أهديتُها بوذا

معْ أَلفِ تعويذه

قلتُ له: صلِّ

من أجلِ عينيْها

ودائماً.. قلْ لي:

هل فكّرتْ بالشاعرِ المزروعِ ورداً

فوقَ خدّيْها

هل طالعتْ حرفاً من الشّعرِ

الذي ذوّبته عطراً لرجْلَيْها

لا.. لا.. يا بوذا: أنتَ مغرومٌ بِها

بطُهرِها..

بشِعْرها..

بقُربِها..

أنتَ غريمي الآنْ

إنْ كنتَ هنديّاً..

أنا لُبنانْ

إن كنتَ بوذيّاً..

أنا الأديانْ

و"فافي" تعرفُ جيّداً مَنْ يسكُنُ في قلبِها.

**

غربة طويلة


ـ1ـ

تجترّني السنينْ.. 

يغتالُني الوقتُ المضرّجُ

بانتكاساتِ الحنينْ

في غربةٍ طويلةٍ شمطاءْ

تجتازُها الحمامةُ البيضاءْ

تردّها كالطائر الحزينْ

ترميها في غياهبِ الضحرْ

تمحوها من قوائمِ البشرْ

تلفّها بخبثها المحشوِّ بالأنينْ

بدوخة الروتينْ

سوداءُ.. 

في أوّلها الختامْ

وفي الختامِ يهدرُ الظلامْ

ويبدأ تشرينْ..

ـ2ـ

"فافي".. أتتها مرّةً كغنوةٍ

تشتاقها النوتاتُ والتلحينْ

كوردةٍ مصريّةٍ يعشقها التلوينْ

فنفضتْ غبارَها

وغيّرت مسارَها

وابتسمتْ من لطفها المهاجرْ

والحرفُ والدفاترْ والشاعرُ المسكينْ..

ـ3ـ

"فافي".. أعادتْ مجديَ الماضي السليبْ

لوّنَتْ شِعري..

أضاءتْ ظلمةَ الحرفِ الكئيبْ

إن أنا خُيّرتُ بينَ الضوءِ في عينيَّ

أو حُبّي العجيبْ

أنصاعُ إجلالاً لما اختارَ النّصيبْ

"فافي" نصيبي..

ويحَها.. لَمْ ترضَ بي..

لَمْ تعترِفْ إنّي الحبيبْ!.

**

شاعر


ـ1ـ

الشاعرُ كونٌ كامل.

بشرٌ، وأرض، وسماء، وطبيعة

وبراكينُ، ونار، ونور

والله فوق كل هذا.

فهل يحتاجُ الشاعرُ إنساناً رفيقاً؟

ـ2ـ

كتبُه الكثيرة بشرٌ حاشدون.

يتلصصون عليه..

فلا تظنن أنه وحيد،

هو مزدحم وكثير

وشعب كامل.

"فاطمة ناعوت"

ـ3ـ

هو نار.. يسرق الدفءَ من القلوب

ليوزعَّه على أكواخ الفقراء

كلما هددتهم "ألكسا" بالموت المبرّد.

ـ4ـ

هو نور.. يضيء ظلمات الأحبّة

بقناديل العشق..

بشموع لا تنطفىء إلا ساعة الفراق.

ـ5ـ

هو بركان..

يرتجف من صوته الحكّام الظالمون

يعلّقه في ميدان التحرير صرخة،

ويحمله على الطرقات يافطة،

ويهديه للحناجر أغنية ثورية.

ـ6ـ

هو الأرض.. يحرثها مع الفلاحين..

يبذرها قمحاً.. يجنيها خبزاً..

ليطعمه للجياع الى الحرية.

ـ7ـ

هو البشر.. منذ القبيلة الأولى..

كان الصوتَ..

وكان عمرو بن كلثوم:

"ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا"

كان الفخرَ والبطولةَ،

وكان المتنبي:

"الخيل والليل والبيداء تعرفني

والسيف والرمح والقرطاس والقلمُ"

كان الحبَّ.. وكان نزار قبّاني:

"أخاف أن أقول للتي أحبّها.. أحبها

فالخمر في جرارها 

تخسر شيئاً عندما نصبّها"

هو محبّة جبران خليل جبران

التي "إن أومأت اليكم فاتبعوها"

هو الشعراء أجمع..

على امتداد دواوينهم الملونة

كذيل طاووس رائع،

أو كقوسِ قزحٍ خجول.

ـ8ـ

هو الطبيعة.. 

ينقل الأهرامات الى سيدني،

والأخوات الثلاث الى مصر،

دون أن يرفّ جفن الخالق..

أو أن تتأفف الجغرافيا..

هو المالك للجمال وهو المتحكم به.

ـ9ـ

وأخيراً.. هو السماء..

فما من نجمة أطلت في أفراح المحبين 

إلا وكانت قلبه..

وما من قمر أضاء ليل العاشقين

إلا وكان وجهه..

خصّه الله بالكلمة.. وكان الله الكلمة.

ـ10ـ

الشاعر يبقى ناقصاً

إن لم تدخله تاء التأنيث..

فإن دخلته.. أصبح الشاعر شاعرة

فيتجسد المتنبي ونزار قباني 

وعمرو بن كلثوم

وجبران خليل جبران

بامرأة واحدة.. أسمتها مصر:

فاطمة ناعوت

ملاحظة: قدمت الشاعرة فاطمة ناعوت بمقاطع من هذه القصيدة يوم استلامها جائزة جبران العالمية.

**

هديّة


أهدي لعينيها اللتينِ بلون أزهاري

بحورَ أشعاري

واللؤلؤَ المرصودَ 

في نَبَضات قلبٍ متعبٍ ناري

وأضيفُ أنهاراً ملوّنةً سَواقيها

وأهديها جبالاً لم يَطأْها الغيمُ

لم تحلمْ بها إمرأةٌ، ولم تسكنْ روابيها

ولكنّي، 

سأخبرُ طيفَها عني

بأنّي..

رغم فنّي..

فقيرٌ، معدمٌ، باكِ

أباحَ "الغدرُ" أملاكي

وما فيها..

فلا ذهبٌ.. ولا تبرٌ.. ولا مالٌ

لأعطيها..

معي بيتٌ من الشّعرِ

و"فافي" الشعرُ يكفيها

**

غنوة


ـ1ـ

تدندنُ الجنيّةُ الحبيبَه 

قصيدةً.. أو غنوةً غريبه

أغارُ من تراقص الألحانِ

فوق ثغرها المجبولِ بالإثاره

من نغمٍ تتطايرَ منْ نوتةٍ عجيبه

أحزنُ حين يُعلنُ انتصارَه

يقتلني في لحظةٍ مريبه

يلفّني كورقةِ السيجاره

ـ2ـ

غنوتُها تجدّدُ الأحلامْ

وتنعشُ الزهرَ الذي تعتاشُ من رحيقهِ

 الأجسامْ

وتلهبُ شمسَ العيونِ الساحره

كي تشعلَ الظلامْ

لكنني أغارُ من نغمتها..

بسمتها..

وطائرِ شرفتها..

والكاميراتِ الزائرَه

أكرهُ كل غنوةٍ تحبُّها!

وحدي أنا المحبوبْ

باسْمي يرنّمُ قلبُها

والشعرُ والأقلامْ

وغربةُ الدروبْ

هذا هو الغرامْ

يحلّلُ.. الحرامْ

لكنه البدايةُ والآخره

على صخورِ طيشهِ تكسّرت سهامْ

وعُلّقتْ أعلامْ..

و"فافي" تدري علّتي ومنبعَ السّقامْ

لكنها لا ترحمُ إن أُخرستْ أنغامْ

يبقى الغرامُ فاشلاً ضمنَ القلوبِ الحائرَه

من دونٍ لحنٍ مبدعٍ يوزّعُ السلامْ

و"فافي" وجهُ أمتي..

وصوتُها، ولحنُها المعزوفُ ألفَ عامْ!

**

فقير


ـ1ـ

أخبرتها انّي فقيرْ

لا مالَ عندي لا حريرْ

ولم أذقْ دفءَ السريرْ

أجرّ أسمالي

في غربةٍ مجنونةٍ ضاقتْ بأحوالي

وكلُّ أموالي

أبياتُ شعرٍ صاغها القلبُ 

على لوحٍ صغير.

ـ2ـ

أكرهُ أيَّ امرأةٍ..

تفضّلُ الدولارَ عندي لا الضميرْ

أكرهُ أيَّ امرأةٍ..

تعشقني كسلعةٍ حقيرةٍ يلفّها التزويرْ

كشيخِ نفطٍ جاهلٍ 

يمارسُ التقيّةَ والكذبَ والتبذيرْ

والجوعُ أدمى أمّتي والويلُ للفقيرْ

و"فافي" تدري جيّداً أن كلامي مِنجمٌ

وشعريَ أميرْ

وأنّي حين أنطقُ

تصفّقُ

كلُّ الدُّنىِ.. وتحرُقُ

البخّورَ، ثمَّ يبدأُ التبخيرْ

**

جفاء


ما لي أراها تبدَّدتْ كالرسْمِ فوْقَ ماءْ..

كغيمةِ السّرابِ في تشتُّتِ الرمالِ

في غياهبِ الصحراءْ

حاولتُ أن أجمعَها كلُعْبَةٍ يُحبُّها الأطفالْ

أردتُ أن أردَّها للبالْ

لمْ تكترثْ جنيتي،

داستْ على أمنيتي

فصحتُ كالمذعورِ: إيّاكِ الزّوالْ!

أنتِ أنيسُ وحدتي

والشعرُ، والخَيالْ

واللوحةُ الخزفْ

على جدار غربتي الصمّاءْ

ـ "فافي" سترجعُ، لا تخفْ

صوتٌ أتاني راجياً: لا تقطعِ الآمالْ

فَالبُعْدُ شيطانُ الجفاءْ.

**

مثلي أنا


مثلي أنا.. وحيدَه

في شقّةٍ جميلةٍ تفيضُ بالحنانْ

بطيْفِها، بعِطرِها سعيدَه..

ترافقُ الأوراقَ والجريدَه

لكنّها جنيّةٌ الزمانْ

تروّضُ الأماكنَ والبحرَ والشطآنْ

إنْ كتبتْ.. تمدّدتْ حيطانْ

إنْ رسمتْ.. تراقصتْ ألوانْ

فيصبحُ المكانْ

مدينةً.. أحجارُها مرجانْ

غُرَفُها أكوانْ

ومصرُها البستانْ

وتصبحُ الوحيدَه

أميرةً شرعيّةَ للأحرُفِ البعيدَه

للأنفسِ الشريدَه

تلكَ التي تخافُ أن يلفّها النسيانْ

والخوفُ والضّنى

"فافي".. أنا

وها هنا

سينتهي الهجرانْ.

**

حلم


سأخبّىءُ مصرَ بعينيّا

وأسيرُ إليها برجليّا

فحبيبةُ عُمْري تنتظرُ

ما الشعرُ بدونِها؟ ما الكِبَرُ؟ 

والشوقُ يجرّحُ شفتيّا

ويداها لم تغْزُ يديّا

هي "فافي" حلمٌ مصريٌ

واليقظةُ أيضاً مصريّه

لا شيءَ يبعّدني عنها

فالعمرُ سنقضيهِ سويّا

**

عيد ميلادي


لمْ تذكرْ، يوماً، ميلادي

إمرأةٌ.. كانتْ أعيادي

ذكّرتُها فيهِ..

ولكنَّ الأسفارَ رمتْها ببُعادِ

ألقلبُ يسامحُها دوماً

والشاعرُ فوقَ الأحقادِ

جنّيتي.. صارتْ أحلامي

وحبيبةَ عمري وبلادي

سأعايدُ نفسي عنْ "فافي"

وأقلّدُ بلبلَها الشادي:

ألشهرُ الثاني ألحّنُهُ

والعاشرُ منهُ.. إنشادي

ميلادُك عيدي وأشعاري

من دونكَ تخبو أمجادي

من دونكَ قلبي لا يحبُو

رُحماكَ، حبيبي، بفؤادي

**

عيد الحبّ


اليومَ عيدُ الحبّْ!

حبيبتي بعيدةٌ لكنّها في القلبْ.

أهديتُها الأزهارَ من حديقتي والعطرَ،

والأفئدةَ الحمراءَ، والقصائدَ، والدُّبّ.

أهديتُها المسافةَ.. والدّربْ

ودُرّةً في تاجها

جاءتْ على مزاجها

أهديتُ "فافي" الربّْ

كيْ يحرُسَ الحبيبةَ أنّى مشتْ

جنوبَنا.. شمالنا.. أو شرقَنا والغربْ

هذي هدايا الحبّْ!

**

المعذرة


ـ1ـ

ألمعذرَه

إن لمْ ترَ

حبيبتي المصريه

سحرتُها.. حجبتُها

عن أعين البريَه

ألبسْتُها القبَّعَةَ الخفيّه

ـ2ـ

جمالُها خلاّبْ

وثغرُها عنّابْ

بضحكةٍ سحريَّه

وشعرُها الليالي

فكيف لا أبالي

أخفيتُها

بالزهرْ

رميتُها

بالسحرْ

حمّلتُها "القضيَّه"

كي تبقى لي: حبّي الأخيرْ

أغنيتي.. جنيّتي

"فافي" هي مملكتي

من دونها.. ماتَ الأميرْ!

**

إنصاف


لكِ شكري.. أيا فافي

ففضلك دائما  كافِ

إذا الأيام لم تُنصفْ

سآخذُ منكِ

إنصافي

**

سرّ


قالت بأنّي سرّها

والحاكمُ بأمرها

وانني القصيدةُ المضيئةُ في شِعرها

فإن غفتْ.. أغدو الصلاةَ في ثنايا ثغرِها.

وإن مشتْ.. أخطو أنا على إيقاعِ سيرها

ما همّني إن حذفتْ

أو غيّرتْ..

أو بدّلتْ..

أو طردتني من رفاقِ دارها..

باقٍ أنا كدرّةٍ في تاجها،

كزهرةٍ في روضها،

كنبْضةٍ في صدرها.

**

لماذا؟


حذفتُ إسمَها شهراً

فخلتُ الروحَ محذوفَه

فـإسمُها كان أغنيتي

وأحلامي.. وأمنيتي

وكان وجهُها الوضّاءُ.. معزوفه

لماذا الشعرُ لا يفرحْ؟

لماذا عُتّمَ المسرحْ؟

لماذا

الشمسُ

مكسوفه؟

**

أختي


ـ1ـ

حين التقيتُ "فافي" 

أصبتُ بدهشة الأطفالٍ، فَغَرتُ فمي،

ورحتُ ألتهمُ وجهَها بناظري.

ولسانُ حالي يردّد:

مستحيل.. مستحيل..

ـ2ـ

ستونَ سنة، وأنا أرسمُ شكلَ أختي..

أمشّط شعرها.. أورّد خدّيها..

أكحّل عينيها..

ألبسها الفستانَ الذي يعجبني،

الحذاءَ الذي لم تنتعلْه سندريلا.

أردتُها أن تكونَ الأجمل

خَلقاً وخُلقاً قلباً وعقلاً

حناناً وابتسامة 

فإذا بي أقفُ أمام "فافي"..

ـ3ـ

والدي،

كان يحلمُ بابنةٍ تزيّن شبّانَه الستة.

شرط أن تكون شاعرة.

فالشعرُ كان غذاءَه اليومي.

والدتي.. كانت تردّد على مسمعي:

لو رزقني الله بابنة لأسميتها "فرح".

وأطلّ الفرحُ مع "فافي".

ـ4ـ

راسلتها كثيراً.. مازحتها كثيراً..

وأهديتُها الشعرَ والأماكنَ..

كانت بعيدةً كأمل، وقريبةً كحلم..

وعندما تلقّحَ الأملُ بالحلم: وُلِدت "فافي".

ـ5ـ

كلّ ما فيها جميل:

طلتُها، ابتسامتُها، حديثُها،

ثقافتُها، خفّةُ دمها وشاعريتُها.

باختصارٍ شديد..

إنها "الأختُ" التي رسمتُ.

ما من شيءٍ ناقص..

سوى الإعلانِ عن اسمها.

ـ6ـ

يا رجالَ العالم، يا شعراءَه الأفذاذ..

أحبّوا "فافي".. غازِلوها..

ارسلوا لها الورودَ..

دبّجوا لها قصائدَ الغرام..

ولا تخافوا لومةَ لائم..

إنها أختي..

وأنا أبصمُ لكم على بياض..

ـ7ـ

يا نساءَ الكون.. أحبِبْنَها، كرّمنَها،

إجعلنَها القدوةَ والنبراس..

هيَ لكُنّ الصوت إن بحّت أصواتكنَّ.

وهي لكُنَّ الأمل، إن صادروا آمالكنّ.

نادراً ما تجتمعُ الأمهاتُ بامرأة!

نادراً ما تنبتُ البطولةُ بطلة.

"فافي" هي "جان دارك" مصر.

ـ8ـ

أحبّك يا "فافي" نكايةً بكل أعدائك..

وإن لم يكن "للملائكة" أعداء؟

كوني الأخيّةَ لكل محروم،

البلسمَ لكل مظلوم.. الدمعةَ لكل أمٍّ ثكلى..

فلن أسمّيكِ "فرح" كما حلُمتْ أمي..

ولن أسميكِ "فافي" كما شاءَ أهلُك..

سأناديك، وليسمعِ الأصم: أختي..

ـ9ـ

رنّمي يا بلابلَ لبنان:

مباركٌ الآتي باسم الربّ.

إصدحي يا حساسينَ أستراليا:

طلعَ الفجرُ علينا.

وافرحي يا أهراماتِ مصرَ..

لقد وجدتُ أختي.. "فافي".

**

ألملمُ دمعي


ـ1ـ

كطفلةٍ بريئةٍ داعبها المساءْ

تصيحُ: "واااااو" مرّةً ويا إلهي مرتينِ

إنْ أنا أهديتُها الأماكنَ والشِّعرَ والهواءْ.

ـ2ـ

غنجُها التجاهليُّ يؤلمني

وكأنها لم تدركْ بعد 

أنني طوّبتُ لها أستراليا 

بمَن فيها وما فيها.

ـ3ـ

ألم تخبرْها الحواسُّ الخمسُ

أن الجبالَ الزرقاء والسهولَ الخضراء

انقلبتْ صحراءَ جافةً يومَ غادرَتْها..

وأنّى لها استرجاع اخضرارها

إلاّ بعد عودة "فافي"؟

ـ4ـ

قاسيةً كانت..

حين حملتْ حقائبها.. ورحلتْ

تاركةً وراءها حيوانات الكنغر

والكووالا والنعامات والدجاج والطيور

تلعق جراحاً لن تندمل.

ـ5ـ

الأمكنةُ التي أحبّتها وقبّلت، من فرحِها،

نعلَ حذائها..

لم يزرْها سائحٌ ولم تلوّنْها ريشة.

ـ6ـ

قاسيةً كانت "فافي"..

يوم اعتقلت سؤالاً حزيناً

أبتْ أن تُطلِقَ سراحَه:

ماذا سيحدثُ للعيونِ المبللةِ

والقلوبِ الخافقةِ إنْ هي غابتْ؟

وكأن العيونَ والقلوب

لم تُنر قاموسَها الشعري؟.

ـ7ـ

إذا عادتْ "فافي"..

سترمي أستراليا الحجزَ عليها!

مغادرتُها لها

تعارضتْ مع أبسط حقوق الانسان

وانتهكت الفقرةَ الأولى من قانون الشعر

والشعر لا يرحم..

لا يهادن.. متى استبدّ به الاشتياق.

ـ8ـ

محامي الدفاع يفتّش عن ممسكٍ ضدها..

هديتُه إلى مواقعِها الإلكترونية الكثيرة،

فلشتْ أمامه مقالاتها،

أسمعته جميع أحاديثها المتلفزة،

وبعد عناء وسهر سمعته يصيح:

وجدتُها.. وجدتها

ـ9ـ

المحامي يهمسُ في أذني

وأنا كأبي الهول صامتٌ:

وقعتْ المدّعى عليها في فخ كلامها

سنحجزها العمرَ كله.

أبشري يا استراليا

رنّمي يا ببغاوات واشمخي يا جبال!

ـ10ـ

المحامي يقترب مني أكثر،

يصفعني بعبارةٍ غجرية

قالتْها "فافي" دون وعي منها

نقلاً عن شاعرها شكسبير:

ـ "ما الضوءُ؟

إذا ما أمكنني رؤيةُ سيلفيا

ما الفرح؟

إذا لم تكن سيلفيا بالقرب مني"

ـ11ـ

المحامي يرقص طرباً

والأوراق تتطاير من حقيبته 

وأنا ألملمُ دمعي.

**

مُقعدٌ في غربتي


ـ1ـ

إذا وهَبتْني القلبَ.. سأهبُها العمرَ،

وباقةً من قصائدَ مهجريّةٍ، 

لم يكتبْها يَراعٌ، لم يحفظْها كتابٌ،

ولم تلتهمْها عين.

ـ2ـ

إذا وهبتني القلب.. سأغني لـ "فافي"

موّالَ حبي القرويّ،

وأدوزنُ على أوتار غربتي

رنينَ ضحكتها الصاخبة.

ـ3ـ

أفٍ..

كم لضحكتها من سحرٍ لا يُقاوَم.

جميع السمفونيّات الخالدة،

ضبطوا إيقاعَها 

على صوتِ قهقهتها الساحرة..

فأشرق اللحنُ وتوجّعتُ أنا.

ـ4ـ

ذات ليلة..

شهدتْ عليها قطعُ البيتزا الهرمية..

صرختُ في أذنيها،

كشاعر لسعه جمالُ امرأةٍ 

على حين غفلة:

كم أنت جميلة يا "فافي"!

حملتْ نظارتها المرمية على الطاولة

ودون أن تلتفتَ إليّ،

أو تعيرَ تغزّلي اهتماماً،

أهدتها للأنف الشامخ،

وللعينين الغجريتين. وأهدتني الخجل..

ـ5ـ

غريب أمري مع فافي..

لا قلبُها لي.. ولا الابتسامة..

حتى ولا المكان..

فكيف أرتقي سلالمَ العشق

وأنا مُقعدٌ في غربتي.

**

طبيبتي النفسية


ـ1ـ

"فافي" هيَ مُنقذتي..

أقولها بدون مقدّمات أو خجل.

كنتُ بحاجة الى امرأة تحترمُني كرجلٍ،

تقرأني كشاعرٍ، تحبّني كإنسان،

فإذا بها تتجسّدُ أمامي كفرحةٍ طائشة.

ـ2ـ

هي هبةُ السماءِ إليّ.. 

جاءتْ من الغيب، لتمنحني الحقيقة.

رحلتها القصيرة في أجوائي 

عطّرت أجوائي.

كانت أطهرَ من قديسة.. 

وأشرفَ من زوجة.

كانت سيدةَ المكانِ والزمان..

لا يُغبّر نعليها انفتاحٌ.

ولهذا أحببتها.

ـ3ـ

اعتبرتُ نفسي خبيرَ نساءٍ

فإذا بالنساء يحطمنني.

كرهت الجنس الآخر.. 

لم اعدْ أعترف به..

نونُ التأنيث.. محوتُها من ذاكرتي

أشعارُ الغزل.. أقسمتُ ألا أعاقرَها..

طالبتُ المحلاتِ التجارية

بعدم استيراد العطر النسائيّ لأنه سامٌّ.

وها هي "فافي" بأسبوعٍ يتيمٍ

تدجّن كرهي.. وتنقذني كشاعر..

ـ4ـ

طبيبي النفسي لم يصدّق عينيه:

الشاعرُ يتغزّل بامرأة..

يقبّل يدَ السكرتيرة.. 

يمازحُ سيدة تنتظرُ دورها.

الشاعرُ.. م تعدُ تخيفه الأسماءُ النسائية.

الشاعرُ.. 

يريدُ أن يلغي جميعَ مواعيده الطبيّة.

تطلّع بشهاداته المشنوقةِ 

على الحائط وصاح:

ـ من هي؟

ـ فا..

ـ ما اسمُها؟

ـ في..

ـ من أين؟

ـ من كل مكان..

ـ ماذا تعمل؟

ـ شاعرة برتبة طبيبة نفسية..

ـ أريد أن أراها حالاً

حالاً.. حالاً..

ـ5ـ

شزرته مشفقاً عليه..

قِسته من أعلى إلى أسفل.

رأيتُ الكذبَ في عينيه، الجشعَ في يديه..

خفتُ أن يسرقها مني!

ـ6ـ

غادرتُ عيادته..

حفرتُ اسمي على بابها الخارجي.

رميتُ ملفي في سلّة القمامة.

ورحتُ أرندح موالي اللبناني 

كبلبلٍ عاشق:

هيهات يا بو الزلف

عيني يا مولَيّا

"فافي".. يا أحلى شمس

غلّي بعينيّا

**

سراب


ـ1ـ

حبّي لـ "فافي".. سرابٌ بسراب..

أقتربُ منه فيتلاشى. أحاول التقاطه

فيفرُّ من أمامي كأرنب خائف.

هو يحسن الكرّ والفرّ

وأنا أحسن التقاطَ الخيبة.

ـ2ـ

متى يحالفني الحظ؟

متى أتخلّى عن حزن روميو 

ويأس قيس؟

متى أصبحُ بطلَ رواية

ينتهي فصلُها الأخير بانتصاري؟

أحلامٌ جميلةٌ تراودني

سرعان ما تتحطّم على جفنيّ

لحظة استيقاظي.

ـ3ـ

من أنا كي تعشقني "فافي"؟

من أنا كي تحنو عليّ بنظرة؟

مهلاً.. مهلاً..

الوردةُ تعشق الشوك،

الشمسُ تلازم الصحراء،

والنجمة تسامرُ الظلام!

ليتني كنت الشوكَ والصحراءَ والظلام..

كي ترميني بنظرةٍ تنهي عماي،

وترسم دربي؟.

ـ4ـ

السرابُ يتكاثف، يشتدّ رعونة وخشونة،

يحاول خنقي.. 

عبارتها المشجعة أنقذتني:

ـ "كن قوياً يا شاعري".

جمّعتُ قواي: ق + و + ا + ي

ولم أنتصر. 

حبّي السرابيُّ خذلني.

**

جنيّة وغيمة


ـ1ـ

اليوم، عند الساعة التاسعة صباحاً،

أهدتني "فافي" غابة من الأشجار،

بعد أن طيّرتني غيمةً في فضاءٍ،

مساحته لا تتعدى مساحة قلبها.

ـ2ـ

اليوم، بدأ اهتمامي بحكايا الجنيّات..

استعنت بـ"غوغل"

شاهدت آلاف الرسوم، 

قرأت مئات القصص،

عاينت عشرات الأفلام،

ولم أجد أجمل من جنيّتي.

ـ3ـ

اليوم، بدأت أمطر شعراً..

كنت جافاً كصحراء، 

قاحلاً كوجه عابس،

ومشرذماً كأمَّة طائفيّة.

مطري أنعشَ الصحراءَ..

لوّنَ الوجوهَ الكالحة.. ووحّد الأمة..

مطري هو  دمعةُ  "فافي".

ـ4ـ

اليوم، أهدتني "فافي" 

سطرين من الشعر،

أفنيت عمري لأحظى بمثلهما:

ـ "أنت غيمةٌ تُمطر شعراً

وأنا جِنيّة صغيرة

تطير بين الشجر".

اليوم، أصبحت شاعراَ.

**

جبران ومَيّ وفافي


ـ1ـ

حين أفكّرُ بجبران خليل جبران

يجتاحني الحزن..

أحبَّ مي زيادة

ولم يرمِ شِباكَ بصره المشتاق

في بحيرةِ جمالها.

الرسائلُ التي حملت حبَّهما

عبر البحار،

كان لموزّع البريد الفضلُ الأكبر

في حمايتِها من الضياع..

لولاهُ لما عرفا الحب.

ـ2ـ

أما أنا.. فلقد التقيتُ "فافي" 

أسبوعاً كاملاً..

وجهاً لوجه.. ابتسامة بابتسامة..

قصيدة بقصيدة..

وعندما رفعت يدها مودعةً

قبّلتُ تلك اليد.

ـ3ـ

تقولُ الحكاية، ونادراً ما تكذب،

إن الجنون تملّك ميّ 

لأنها لم تمتلك جبران..

كان بالنسبة لها تمثالَ إلهٍ

يجب اقتناؤه.

لكن "بوسطن" الإمبريالية

سبقتها إليه،

حجزته في غرفةٍ باردة،

وأرسلته الى "بشري" جثة هامدة.

ـ4ـ

مي لم يهمسْ جبرانُ بأذنها كلمة واحدة..

"فافي" همستِ الكثير، ولم تهمسْ شيئاً:

ـ خبّرني بالله عليك من أي قبسة نور

خلقكَ الله؟

جبران مات حزيناً

أما أنا.. فسأموتُ غيظاً.

ـ5ـ

أتمنى الجنونَ كمي زيادة..

والموتَ وحيداً كجبران خليل جبران..

شرط ان ألتقي "فافي" مرّة ثانية..

ولو بالحلم

ـ6ـ

ما أصعبَ أن يعيش الشاعرُ

في عصر المستحيلات.

ما أصعب أن يتعذّب الشعراءْ.

**

بريدها الالكتروني


ـ1ـ

الغربةُ التي عانيتها لعقودٍ منَ الزمن،

تلاشتْ أمام استهتارها بي.

أكتبُ لها في اليوم عدّة رسائل..

ألهبُ بريدي الالكتروني..

وبريدُها مومياءُ محنطّة.

ـ2ـ

إذا تكارمتْ عليّ "فافي"..

تكتبُ جملة واحدة..

كلماتُها لا تتعدّى أوراقَ زهرة!

أمّا إذا تباخلتْ..

"فالهوتْ مايلْ دوتْ كومْ"

يصبحُ بارداً كالقطبِ الشماليّ،

يائساً كالقطبِ الجنوبي،

ومُضجراً كيومي.

ـ3ـ

الرسائلُ التي تنعمُ بها عليّ 

بحرصٍ شديد..

ذكّرتني ببخلاء الجاحظِ

أوقفتْهم أمامي واحداً واحداً

أهدتهم بخلَها.. وراحتْ تضحك.

ـ4ـ

آه.. لو تعلم أن رسائلها القليلة،

هي كلّ ما أملك، وما سوف أملك.

ـ5ـ

رسائلها فرحةٌ.. التقيتها وجهاً لوجه.

أملٌ عائد بعد معاناة،

لذةٌ لا يشعر بها إلآّ الُمتيمون.

ـ6ـ

إذنْ.. سجّلوا اعترافي، 

انشروه على الأسطح،

احفروه على صنوبر بيروت:

أنا مغرمٌ برسائل "فافي" الالكترونية.

**

بوذا


ـ1ـ

جميعُ الآلهة تعلم أن "فافي" 

مجنونةُ تماثيل.

أخبرتُها عن تمثالٍ أملكه..

وبدون أيّ اهتمام تمتمت:

ـ ارسلْ لي صورته.

وصلتها الصورة..

صاحتْ: ـ "يا إلهي! هذا بوذا الحبيب

ارسلْه فوراً فوراُ فوراً"

هنا.. أركعتني الغيرة.

ـ2ـ

ندمتُ على ذكر التمثال،

وندمتُ أكثر على إرسال صورته..

ورحتُ أرندح، كالسكران، مثلاً

قرأته في مفكرة جدّي:

"لسانك حصانك، إن صنته صانك.”

حاولتُ أن أسترضيها بتمثالٍ

فإذا بها تعشقه أكثر منّي.

شزرته بعينين غاضبتين وصحتُ:

حتى أنتَ.. يا بوذا.

ـ3ـ

صراخُها يصمّ أذنيّ..

نداءاتها المتكررة ألهبتْ بريدي

هي لم تهتم بي وبرسائلي من قبل

تمثالُ بوذا هو الذي غيّرَها،

وهو الذي جنّني.

ـ4ـ

صراخُ "فافي" تحوّلَ الى تهديد.

والويل الويل لمن لا يأخذ تهديدَها

بجدية وحنكة:

ـ بوذا لي، فحذار حذار منذ اللحظة

أن يمسّه سوءٌ.

حافظ عليه

كما تحافظ على مقتنيات الغرباء

أعددتُ له مكاناً في مكتبة الآلهة

والأوثان والدروع والنياشين".

وأنا أيضاً.. أعددتُ له صندوقاً

من الورق المقوّى

كي لا ينكسرَ قلبُ "فافي".

ـ5ـ

تمثالُ بوذا ما زال في مكتبي،

هيّأته للرحيل، غسلته جيداً.. قبّلت يديه..

وطلبت منه أن ينقل اشتياقي إليها.

قطّب شفتيه، ولم يتكلّم.

أعدتُه الى مكانه،

ورحتُ أرددُ كراهب حبيسٍ:

كم أنتَ محظوظ يا بوذا

وكم أنتَ تعيسٌ يا شاعر.

ـ6ـ

فافي أجابتني، أفحمتني، دوّختني،

وبأقرب قلم مبْريٍّ.. طعنتني:

ـ سأتعلم ألا أكون تلقائيةً

حين الحديث إليك، أقتلُ فِطرتي

أترقّبُ الكلماتِ حين تترَى من مداد قلمي

قبل أن تركضَ صوبَ عينيك

أتربّصُ بأفكاري 

قبل أن تغادر عقلي إلى عقلك

أستعيدُ الرياضياتِ 

وعلومَ الحساب والهندسة

لأحسبَ حروفي بدقّة

وأقيسَ زواياها وأضلاعَها 

وانحناءاتِ أقواسِها

قبل وصولها إلى حاسوبك

وأقرأ وقعَها في نفسك

قبل أن تلجَ مقلتيك

تلك ضريبةُ الحديث مع الشعراء!

**

الكلام مع الشعراء خَطِرٌ

خطورةَ الوقوف فوق فوهة بركان نشط

لهذا يقولُ الربُّ: لا تُجرّبْ شاعراً!

مكتوبٌ.

**

في المرّة القادمة سأقولُ لكَ: ذاك بوذا

أحدُ أوثان الآسيويين المجانين 

نصّبوه إلهًا

وما أعلنَ عن نفسه إلا زاهدًا

عبدوه، فيما كان يبحثُ- مثلهم- عن الله

وضعوا أمامَه صحنًا

يملأونه كلَّ يومٍ بالتمر والسكر

وهم لا يدرون أنه صائمُ الدهر،

حائرون ركضوا خلف حائرٍ

يجرجرون ذيلَ ثوبِه الرثّ

فنهض من جِلستِه الأبدية المنذورة

مزّق الثوبَ ثم ركضَ معهم نحو الله.

**

ذاك المسكينُ الذي تغارُ منه

لا يستحقُ إلا شفقةَ المُحبين والشعراء

فلا تَغرْ منه وامنحْه منديلا أبيضَ

ليجففَ السنواتِ التي تتساقطُ فوق جبينه

في عُزلتِه.

**

طوبى للمجانين وطوبى للأوثان

وطوبى للشعراء

والويلُ، كلُّ الويلِ لأصدقاء الشعراء.

القاهرة/ 2 فبراير 2013

ـ7ـ

الويل لي.. أنا.. أنا

"فافي" رمتني خارجَ الزمن

أجرّ أسمالَ شعري. 

ألعنُ خيبتي وضياعي.

فبدلاَ من أن تضيئني 

في "أكتوبر" 2013

أرجعتني الى الوراء،

حبستني في ظلمة "فبراير" 2013

بعد أن ثوّرتها، أغضبتها، 

وأزعجت "بوذاها".

ما هَمّني.. طالما نلتُ اهتمامَ.. "فافي".

**

حاول


ـ1ـ

قاموسُ العشّاق

يحتوي على ملايين الكلمات المشجعة،

منها: حاولْ... البارحة.. حاولت.

أرسلتُ لـ "فافي" قصيدة لا تُقاوَم،

فقاومت..

أخبرتها قصّةً لا تنسّى، فنسيت.

الإحباطُ الذي اجتاحني

كان أقوى من إعصار كارولينا القاتل

ومع ذلك.. لم تشفقْ عليّ.

ـ2ـ

حاولْ.. ولا تيأس:

"فافي" تستقبلُ النهار، 

وأنا أودّع منتصفَ الليل..

هي في كامل وعيها..

وأنا أتقلّب على جمر النعاس،

محاولاتي كلها باءتْ بالفشل.

أضفتُ الى قاموس العشاق

جملة بائسة:

حبي، فعلُ ماضٍ ناقص،

لم تعترفْ به أخواتُ كان.

حتى ولا "فافي"

ـ3ـ

حاولْ.. ولا تيأس:

الساعة ناهزت الثانية صباحاً..

والنعاسُ يتلاعب بناظريّ:

نمْ.. قمْ.. قمْ.. نمْ..

وأنا أردد على مسمع "فافي": 

بيتزا حارّة.. فطير بالفلفل واللحم..

نظارات.. كم أنت جميلة..

فإذا بالشمس تدقّ على زجاج شباكي،

لتبشّرني بقدوم فجر جديد

تمنيت ألا ينبلج. 

وإذا بها تتذكّر..

فصحتُ كعاشق مجنون:

هللويا.. أشرق الفرج.

ـ4ـ

ألم أقلْ لكم إنها بريئة كطفلة..

جميلة كزهرة.. ناضجة كقصيدة..

مُحبّة كـ نبيّ.. وحنونٌ كامرأة.

لماذا لم تصدّقوني؟

إقرأوا اعترافها بالذنب:

"تبًّا لي.. نعم.. طبعًا..

البيتزا الحارة والفطيرُ بالفلفل واللحم..

سيدني وأوبرا هاوس

والكنغر واليمامات وأبوريجينال

ذوو البشرة المُلوّحة بالشمس

والفقر والأسمال البالية...

طبعًا تذكرت.. الشقيقات الثلاث 

والتليفريك ودوشة المُعجبين 

وصندوق اللعب

وأنتَ وجوزاف وأنا

وحقيبتي الضائعة وشالُ الحرير....

تذكرتُ الآن كلَّ شيء

كان الجوُّ بارداً،

وكنا عائدين من حفل الساسة

ذوي الياقات العالية والأنوفِ الطويلة.

صح؟

وأنتَ -أيها المجنون 

الذي يقطُرُ الشِّعرُ منه،

طلبتَ لنا بيتزا، تكفي قبيلة يثرب بأسرها

ونسيتَ أننا وفقط ثلاثة شعراء صعاليك

ندورُ في أزقّة العاشقين 

نُطعمُ اليمام ونغنّي.

تذكرتُ الآن..

هل نسيتُ نظارتي فوق الطاولة 

الأسترالية؟

لا أجدُها هنا في مصرَ..

من فضلك ابحثْ لي عنها 

في المطعم اللبنانيّ،

وردّها إليّ لكي أرى".

صحيح أنها بريئة وجميلة وناضجة

ومحبّة وحنونة..

لكن "فافي" ليست أذكى مني!.

وضعتُ نظارتها على عينيّ

كي أرى ما ترى 

وكي لا ترى أحداً غيري.

**

حالة استنفار


ـ1ـ

أعيش، منذ البارحة، حالة استنفار..

صُفّارات الإنذار في مكتبي

أسمعتْ مَن به صممُ..

ساقاي تركضان لوحدهما،

وأنا جامدٌ في مكاني.

يا إلهي.. ما العمل؟

وقعتْ إحدى قصائدي بين يديّ "فافي"

ـ2ـ

الجريمة اِرتُكبتْ عند  الرابعة فجرا.

النعاسُ يجرّ عينيّ إلى الفراش،

وأصابعي تقفز فوق أحرف "الكي بورد"

كـ هِرّة "فافي".. 

أصابعي.. هي التي طيّرتِ القصيدة.

ـ3ـ

حاولتُ أن أوقفها..

شغّلت برنامج محاربة الجراثيم..

أطفأتُ الجهاز.. شغّلتُ الجهاز..

فإذا برسالة تأتيني منها..

وإذا بي أقبّلُ أصابعي!

ـ4ـ

سطرٌ واحدٌ فقط خطَّته أناملُ "فافي"..

أهداني بساطَ الريح،

قنديلَ علاء الدين.. مغارةَ علي بابا،

صوتَ أم كلثوم، عودَ فريد الأطرش،

أوفَ وديع الصافي، وسماءَ فيروز..

"فافي" تأمرني بغنجها القاتل:

"انشرها يا شاعر..

وعلّم الناس كيف الحب وكيف الشعر"

ـ5ـ

أطلبوا لي سيارةَ إسعاف.

**

رسالة


ـ1ـ

لأول مرة.. أرفع راية النصر..

وأمتطي حصاني كفارسٍ عربيّ

تنمردَ كالأبطال القدماء. 

إنه يومُ انتصاري.

ـ2ـ

أجل.. لقد جندلت "فافي" برسالة واحدة

وربحت بالدمعة القاضية.

هل رأيتم أحداً يربح بالدموع

غيرَ الشعراء. 

اسمعوها تعترف بهزيمتها:

"أشكرك.. 

على رسالتك التي أبكتني.

منذ دهور طوال كنت بحاجة إلى البكاء.

البكاء صحة، وعافية، ودليلُ حياة.

أشكرك.. 

على كل دمعة طفرت من عينيّ

لأنها منحتني سنواتٍ إضافيةً أحياها"

ـ3ـ

مسكينة "فافي".. لقد منحتها عمري

ولم ترضَ به..

إذن.. دعوها تبكي.. 

ودعوني أتنعّم بسماع

صهيل

حصاني.

ـ4ـ

سجلي يا جبالَ كاتومبا

وافرحي يا أخواتها الثلاث.

ارقصي يا كناغر أستراليا

واصدحي يا طيورَ الباسيفيك.

لقد أبكيتها حقاً.. فبعد طول انتظار

أخذت بثأري من "فافي".

ـ5ـ

حسبتُ نفسي ضعيفاً 

فإذا بها أضعفُ مني!

الآن، الآن فقط..

أصبحنا متعادليْن بعدد دمعاتنا.

ـ6ـ

ما بي؟.. أشعر بالدوران والغثيان..

انتصاري عليها كان كاذباً..

شرارة من الندم تحرقني..

كلما فكرت بذبول عينيها.

ليتني كنتُ الفرح،

لتتطاير من شفتيْ "فافي"

عصافيرُ ابتساماتي..

ـ7ـ

أقسمتُ، يومَ التقيتها، أن أهديها الكونَ

كي لا تضجرَها الأمكنة. 

خطإي الأوحد أنني كتبتُ رسالةً أبكتها..

أسفي المعتم

أنني لم أكسر القلمَ الذي خطّها..

أملي الأكبر..

أن تعيدَ "فافي" الرسالةَ إليّ،

كي أعلنَ انكساري.

**

حمامة الأوبرا هاوس


ـ1ـ

ذكّرتني "فافي"، وهي تقفز 

من مكان إلى مكان،

أمام دار الأوبرا في سيدني

بحمامة بيضاء، لم يقلّم جناحيها الغرام.

ـ2ـ

كانت تتراكض كأنشودة مدرسية

على شفاه أطفال، لم تغبّر مراويلهم

نظراتُ إعجاب.. أو عباراتُ غزل.

ـ3ـ

همّها الوحيد: أن تجمع الأماكن السياحية

داخل كاميرتها الصغيرة..

لتنقل الدهشةَ والفرحَ إلى عينيها.

وحين راجعتْ صورَها..

اكتشفتْ خيانة الكاميرا لها..

وأدركتْ ان الأماكنَ السياحية

هي التي افتتنتْ بها، 

وهي التي صوّرتها.

ـ4ـ

أما أنا.. فكنت أركضُ وراءها

كطفل ضيّع طريقه.. 

وليس له سوى ظلّها كي يحتمي به.

ـ5ـ

"فافي" تركضُ.. 

وعيناي مثقلتان بغيرة قاتلة.

هل يعقل أن تغارَ العينان 

من صورة جامدة؟

هل يعقل أن يتخلّى القلبُ عن نبضاته

ليستبدلَ بها  وقعَ خطواتها؟

إذا كان للجنونِ فنونٌ ها أنا أعلن جنوني.

**

سوشي


ـ1ـ

هل سمعتم بأكلة يابانية إسمها "سوشي"؟

إنها الأكلةُ الوحيدةُ التي أمقتها أنا،

وتعشقها "فافي"!

ـ2ـ

همستْ بأذني، والطفولةُ البريئة تغلّفها

كهديّةٍ ثمينة:

ـ "سأظلّ آكُلُ "السوشي" إلى أن أشبع..

وقد لا أشبع"..

فحسدتُ الشعبَ اليابانيَّ على "سوشاه".

ـ3ـ

ـ "كُلْ معي..

ألا تحبّها؟ إنها  لذيذة".

تطلعتُ بوجهها الناضجِ كبدر،

حدّقت بفمها المدوّرِ كحبّة كرز.

وجدتُ أنّ سمكَ "السوشي" 

هو الذي يأكلها.

ـ4ـ

حزنتُ عندما سافرتْ 

دون أن تنفّذ رغبتها..

"السوشي" أمامي الآن

و"فافي" بعيدة.. بعيدة.

أنا أكرهه وهي تحبّه..

يا إلهي.. ها أنا أنفّذ رغبتها..

طبقُ "السوشي" يقتربُ من فمي،

شربتُ نخبَها.. 

ورحتُ ألتهمُه بجشع بالغ.

"السوشي" جمعني بـ "فافي".

**

وطني


ـ1ـ

"فافي" رائعة..

فكراً، ولغة، وأسلوباً،

هي شاعرة عظيمة.. وكفى

ـ2ـ

الآن فهمتُ سرّ اهتمامي الزائد بها

عندما نوّرتْ سيدني بطلّة.. ولا أجمل.

الآن أدركتُ سببَ اشتياقي القاتل لها

عندما ودّعتها بقبلة على يدها.. ولا أحنّ.

الآن عرفتُ لماذا الطيورُ لا تقع 

إلا على أشكالها.

الشعراء، يتنفسّون برئة واحدةٍ

فإن تألّمَ أحدهم، تألّمَ الجميع.

ـ3ـ

ما أجمل "فافي" وهي تكتب..

انسيابُ حروفها، مفرداتها،

عباراتها، صورها،

كانسياب الحبّ في قلوب العشّاق.

ـ4ـ

البارحة، قرأت على قبر أمي

مقالها القصيدة:

"وجه أمي.."

حملته معي ورحتُ أقرأه لأمي..

تألّمتْ  حين رأتني أبكي،

وتألّمتْ أكثر حين أخبرتها

أن "فافي" بكت أمّها أكثر مما بكيتُها أنا،

ورحت ألومُ نفسي أمامها،

وأعتذرُ على تقاعسي في البكاء.

هدّأتْ من غضبي وهمستْ:

هي امرأة، يابنيّ، وأنتَ رجل.

هي يحق لها أن تبكي أكثر منك

لأنها أحنُّ منك.

قلبها أكبر من قلبك،

أنانيتها أقل من أنانيتك،

هي أمٌّ يا ولدي..

فهنئها على بكائها.. واصمتْ

فصمتُ الرجل يركّع جبلاً.

ـ5ـ

وبينما كنت أداوي ألمي

فاجأْتِني "فافي" بمقالها الرائع

"مراسلات أدباء مجانين"

فأنقلب الألمُ غبطة،

وهيصة، ودبكة بعلبكية،

ورحتُ أركضُ كالمجنون،

أصعدُ الدرجَ وأنزلُ الدرجَ

أدخلُ الحديقة وأخرجُ من الحديقة

أجلسُ على مكتبي دقيقة وأقفُ دقيقتين.

ماذا أصابني؟ لستُ أدري..

مقالها محا من عمري عشرَ سنوات

ورمى أمامي بورقة كُتبَ عليها:

إنتبه.. كلمتك لا تموت.

ـ6ـ

كم كنت محظوظاً حين تعرّفت على "فافي"..

هي كانتْ في مصر 

وكنتُ أنا في أستراليا

وبسبب اشتياقنا الشديد لبعضنا البعض

قررنا السكنَ في وطن واحد

اسمه "الكلمة".

وها هي تجبرُ الأمم المتحدة

على إعلانه وطناً للجميع

ـ7ـ

"فافي.." أصبحتْ وطني.

**

عيناي


ـ1ـ

عندما داستْ "فافي" ثرانا الأسترالي،

انقلبَ الثرى الى ثريا..

وتحوّلت الأزهارُ والأشجارُ أنجماً.

جميعُ كاميرات التصوير

أخفقتْ في التقاط صورة لها.

عينايَ فقط..

تمكنتا من حفرها على الحدقتين.

وحجبها عن أعين الناس.

ـ2ـ

المئات يتدافعون ويدفعون

لالتقاط صورة تجمعهم بها..

وعندما يعاينون الصورة

يصرخون من هول المفاجأة:

أين "فافي"؟

ـ3ـ

.. كي أطلق سراحها

استعانت "فافي" 

بأشهر المنجّمين الأستراليين

أرسلت من ينوب عنها في المفاوضات

هددتني بلعنة الفراعنة..

أخيراً.. قررت أن ترشوني..

خصَّتني بلقاءين تلفزيونيين

وأكلتيْ بيتزا وسوشي

مرفقتين بوجبة سريعة

من مطعم ماكدونالد.

وكانت عيناي بعد كل لقاء

تتفنّن أكثر في حفر 

تقاسيم وجهها المشرق..

وزيادة عدد قضبان سجنها.

ـ4ـ

اشتعلت حربٌ دبلوماسية

بين مصر وأستراليا.

تدخّل الإعلام العالمي في القضية..

صاحت الجماهيرُ بصوت كأنه الرعد:

يجب إطلاق سراح "فافي"

إذ ليس من حق أحدٍ ولو كان شاعراً

أن يستأثر بصورتها.

ـ 5ـ

بكت "فافي" حين أطلقتُ سراحَها..

ليس بسبب انتصارها عليّ..

بل لأنها أدركتْ

أن ثمنَ حريتها كان غالياً جداً.

...

لقد خسرتُ عينيّ.

**

مقلب


ـ1ـ

أردتُ أن أداعبَ "فافي"،

حضّرت لها مقلباً طفولياً

أغاظها..

كتبتْ على رمل الشاطىء بكعبِ حذائها:

ـ "لا أحبُّ تعقيد الأمور على هذا النحو!"

عقدتِ المفاجأةُ لساني!

ـ2ـ

حاولتُ أن أسترضيها،

جمّعتُ ملايين الكلمات الجميلة،

رميتها في الهواء،

علّه ينظمُ لها قصيدةً تسعدُها..

وما أن لامست كلماتي الأرضَ

حتى انحازتْ لـ "فافي":

ـ "لم يَدُر بخلدي ما دار بخلدك، 

ولم آخذ كلامك

على النحو الذي ظننت أنت أنه وصلني..

...

لا تخيّب ظني بك".

تجمّد الهواءُ في رئتيّ.

ـ3ـ

الموجُ يداعبُ قدميها..

وأنا أغني كغراب مُحبط:

إني أغرق.. أغرق..

فإذا بها تتجاهلني 

وتصيح كبطلة اسطورية،

لم يأتِ الزمانُ بمثلها:

ـ "أنا شخص فطري، تلقائي،

أقول ما بقلبي دون حسابات".

عندئذ بدأت أغرق.

ـ4ـ

هاجمني الموج.. خافتْ "فافي" عليّ،

هدَّدتِ الموجَ بحذائها.. 

انتعلت الحذاءَ ومشتْ..

وعندما ابتلعَ البحرُ موجَه،

قرأتُ على الرمل: ـ "وصلتني المحبة".

**

العذراء


ـ1ـ

منذ ربع قرن.. 

خلّدني "العصامي" الجبيلي*

بجائزة تحمل اسمي،

ما كان ليؤسسها لولا وجود مبدعين

يشرّفون الحرفَ والإنسانَ، مثل "فافي"

ـ2ـ

المحزنُ حقاً أن الجائزة الوحيدة

التي لم يوقعْها، كانت جائزة "فافي".

رحلَ قبل شهور وضاع منا توقيعه.

وقبل أن نجده لنلوّنَ فيه البراءة..

طارت "فافي"

ـ3ـ

شاعرة، أديبة، ومناضلة بعظمة "فافي"

لن تكبرَ بجائزتي، ولا بأية جائزة،

بل الجوائز هي التي تتشاوف بها.

وها هي من أرض الكنانة،

من أم الدنيا..

تحاول أن تمتحنَ ذكائي:

ـ إحذر أين وضعتُ ميدالية الجائزة؟

بشرفي لن تقدرَ أن تخمّن. لو خمنت..

سأعطيك مكافأة، وإن أخطأتَ

- كما أنا موقنةـ

ستأخذ صفراً من عشرة"

وغاب عن بال "فافي" أنني أضع نظارةً

نسيتْها في مطعم البيتزا

كي أرى ما ترى. 

خمّنتُ المكان بسهولة..

طنّت في أذني صيحتها:

ـ يا إلهي! كيف عرفت؟

ـ4ـ

تكريماً للجائزة علّقتها "فافي"

على صدر تمثال أمّنا العذراء

سيدة العالمين..

ولم تدركْ أنني عرفتُ

ساعة استلامها لها

أن موضعها سيكونُ مقدّساً.

ـ5ـ

مكافأتها أدهشتني، أفرحتني..

أرسلت لي صورة 

تحضنُ المجد والقداسة.

قبّلتها.. وشكرت "فافي".

**

* الدكتور عصام حداد مؤسس جائزة شربل بعيني في مدينة جبيل اللبنانية.

**

مجنونة


ـ1ـ

"فافي" امرأة مجنونة!

هكذا رأيتها البارحة!

الأرقُ الفرعونيّ يتملّك عينيها..

ترفضُ أن تنام وشعبها يتألّم..

تريد أن تحضنَ ثمانين مليوناً

كما حضنتْ طفليها.

تريدهم أن يحققوا الحلمَ الأجمل

فوهبتْهم  أحلامَها.

أرادتهم أن يعيشوا بسلام

لأن المواطنَ بلا سلام.. 

كلاجىء بلا وطن.

دعتهم لأن يتمسكوا بكرامتهم.

فكرامة الوطن من كرامة المواطن.

ـ2ـ

"فافي" امرأة مجنونة..

لا تفكّر براحتها، بل براحة شعبها..

كنت أسألها عبر النت،

ـ كم الساعة عندك في القاهرة؟

ـ الواحدة صباحاُ..

ـ وما زلتِ مستيقظة؟

ـ وكيف لي أن أنام،

والمجرمون اعتدوا على أشقائي

 الأقباط..

وفجأة انقطع الحوار..

أين هي؟ ماذا أصابها؟

وصلتني منها رسالة موبيل تقول:

ـ أنا في طريقي لمستشفى الساحل

حيث يرقد ضحايا الإرهاب البشع

في انتظار قطرات دم ليعيشوا.

المشفى لا دماء به..

وأنا ذاهبة لأمنحَ الجرحى الأبرياء دمي.

أود ان يختلط الدم المسلم والدم المسيحي

في جسد واحد

علّه ينتج الفرح والمحبة

التي غابت عن سماء مصرَ طويلا

صلّ لي"..

فكيف لي أن أصلي والجريمة قتلتني!

ـ3ـ

الساعة الثانية صباحاً..

و"فافي" المجنونة تقف في طابور

 الشرفاء.

تهب ما وهبها الله من دماء.

نساءُ المسؤولين يغططنَ في نوم عميق،

وهي تطردُ النومَ من عينيها

كي تغفو أعيُنُ المظلومين.

بربكم قولوا: مَن المجنون؟

أنا.. أم "فافي" أم عالمنا الطائفي التعس؟

أترك الجوابَ لكم.

**

المجنونة عادت


ـ1ـ

هذا العنوان لم أكتبه أنا

"فافي" التي كتبته.

وكأنها تهزأ من صراخي المتواصل:

ـ مجنونة.. لا تذهبي الآن الى المستشفى

حيث الجرحى والقتلى..

الليلُ جاثمٌ، وقد نخسرك..

انتظري انبلاجَ الفجر.

ـ لا أريد فجراً لا يبزغ من عيون 

المصريين

لا أريد شمساً لا تشرق من جباههم.

"فافي" مجنونة حقاً.

ـ2ـ

حرائق سيدني التي شرّدت الكثيرين

حين التهمت، كتنين كاسر، بيوتهم،

وقضت على أحلامهم..

اشتعلت كلها في قلبي..

وأنا أنتظر خبراً من "فافي".

كيف تجرؤ هذه الأم الضعيفة

على مواجهة الموت بابتسامة؟.

إما أنها مجنونة كما وصفتُها

أو "محروسة" كأرض الكنانة!.

ـ3ـ

الساعة الخامسة صباحاً.. 

دقّاتُ قلبي تتباطأ..

لم تعد بعد.. هل نامت؟ مستحيل..

هل أصابها مكروه؟ بالطبع لا..

محروسةٌ هي!

أين "فافي"؟

ـ المجنونة عادت..

الأبرياء على أسرّتهم يتأوهون

لكن بسمةً استقرّت على وجوههم

حين رأوني..

أحدهم ظلّ ممسكاً بيدي، 

يرفض أن يتركها.. وضعها فوق صدره

المُدثّر بالضمادات،

وأنابيب المحلول تخترق وريده.

اسمه راضي..

علمت بعد قليل من الطبيب

أن رصاصة اخترقت كليته،

ولتوّه خرج من العمليات،

كان يرمقني بين اليقظة والنوم 

بتأثير البنج

ويقول لي من وراء الأنبوب في فمه:

"بحبك أوي"

قلتُ له:

سامحنا لما فعل السفهاءُ منا

فقال لي: 

"أنتي بتعتذري"؟! أنتِ ملاك"

تصور.. لماذا يقتلُ إنسانٌ إنساناً؟

بل كيف؟ بل بأي حقٍّ؟

هل هو الله؟

الله واهبُ الحياة، وهو وحده نازعُها؟

متى نصبح بشرا.. قل لي؟

ـ4ـ

أبكاني راضي.. أبكتني "فافي"..

أبكتني مصر..

لم أعد قادراً على التنفّس، أجيبوها أنتم.

**

يد دافئة


ـ1ـ

هل صعقكم تيارٌ كهربائيٌ

وأنتم في غفلةٍ من أمركم؟

هل انقضّت عليكم صاعقةٌ

وأنتم تتأمّلون جمالَ الطبيعة؟

كنتُ أتقدّمها بخطوةٍ أو خطوتين..

أثناءَ زيارتِها الخاطفة لأصدقائها الكناغر

في إحدى الحدائق العامة.

هي تتكلّمُ وأنا أصغي،

وعينايَ تحدقان بالأزهار،

لأقارنَ من الأجمل: "فافي" أم الورود؟!

ـ2ـ

فجأة..

حاول حجرٌ أرعن أن يوقعها،

مددت لها يدي..

أجفلني دفءُ يدها الصارخ..

سحبتُ يدي، وابتعدتُ..

وعندما تأملتُ كفّي

وجدتُ أصابعَها مرسومةً عليه.

ـ3ـ

مسكين أنت يا شاعر.. 

قولوها، ولا تخافوا..

فما قلته عن نفسي 

يأبى الشعرُ أن يذكرَه..

ـ4ـ

لماذا سحبتُ يدي؟ لماذا ابتعدتُ؟

لماذا كنت ضعيفاً؟

سؤالٌ يشدّني من أذنيّ.. سؤالٌ يصفعني..

وسؤالٌ يتمتم بخبثٍ موجعٍ: أنتَ مغفّل!

ـ5ـ

لم اغسلْ يدي اليسرى 

منذ سافرَتْ "فافي"..

أصابعُها تورقُ الآن،

الزهر البنفسجي يتراقصُ بغنج

فوقَ مسامها..

كم هي محظوظة وسعيدة،

عكس اليد اليمنى

التي تعاني من اكتئابٍ وضجر.

**

ينبوع رحمة


ـ1ـ

إذا انطفأت الشمس واشرأبّ الظلام.

لاتخافوا.. ستعلّق "فافي" ابتسامتها 

قنديلاً في الفضاء.

ضعوا نظاراتكم السوداء

على عيونكم.. كي لا يعميكم نورُها.

ـ2ـ

إذا ضاقت الأرضُ بسكّانها

لا تفتّشوا عن كوكب آخر.

ستشرّع "فافي" أبوابَ قلبها لاستقبالكم..

هو أوسعُ من أرضٍ وأجمل من جنّة.

ـ3ـ

إذا يئستم من عالمكم المضجر،

المملوء غدرًا وخيانة.

لا تدعوا الإحباط يكبّلكم.

آمنوا بقدرة "فافي" على شفائكم.

كلامُها ينبوعُ رحمة 

نهلتُ منه قبلكم وشُفيت.

ـ4ـ

كلمتها المشرقة لن تُكتب مرتين

البطنُ الذي أنجبها 

لم ينجب امرأة سواها.

مصرُ التي أنبتتها ضيّعت البذار.

نادرةٌ هي.. ثمينة هي.. لأنها.. "فافي"

**

يوم خرافي


ـ1ـ

أشعرُ أن الجبالَ، والسهولَ والجسورَ

لم تعدْ تستهوي فافي.

فلقد أهديتُها كلّ الأماكن الساحرة

كي تتعلّق بها وتبقى معي.

ولم تبقَ!

ـ2ـ

أهديتها دواويني الشعرية

الموشحة بأجمل قصائد الغزل.

قرأتِ القصائدَ ولم تهتمّ بغزلي.

وقّعتُها لها بعبارات تستمطرُ الدموعَ

ولم تعرْني اهتماماً..

حملتْ ابتسامتَها.. ورحلتْ.

ـ3ـ

شيء واحد لم تنتبهْ له: تاريخُ الاهداءِ..

كان يوماً

لم يعرفْه التقويمُ الميلادي

ولم يحضنْه التقويمُ الهجري

ولم يمر إطلاقاً على أعياد الناس..

إنه لها.. لها وحدها..

وليس لأحدٍ غيرها.

ـ4ـ

أجل.. أهديتُها يوماً إضافياً

لم تنله السنون من قبل،

ولم تنتبهْ له فافي. رميتُه تحتَ توقيعي

ـ5ـ

أردت أن أعرقلَ سفرَها.. أن أؤخّره..

أن أحبسَها في يوم خرافيّ

في 31 أيلول ـ سبتمبر

كي لا يُنقذها عابرُ سبيلٍ.

حبستُ نفسي.. وطارتْ فافي.

**

صفر مدوّر


ـ1ـ

ما من رسالة أرسلتها لـ "فافي"

إلا وذيّلتها بعبارة:

إملإي مكانَ النقط: (.......)

أحببتُ أن أهديها الله

فأحبّتْ أن تتجاهلني.

ـ2ـ

الكلمة سهلة يا "فافي"

يقولها الزوجُ لزوجته..

الحبيبُ لحبيبته..

الصديقُ لصديقته.. والأخُ لأخته..

لكنّ "فافي" لم تكتبها !

ـ3ـ

أنت أمٌّ يا "فافي"..

والأم لا تحفظ من مفرداتنا العربية

إلا هذه الكلمة.

تطعمها لأطفالها مليونَ مرة في الدقيقة،

تغذيهم بها.. تنمّيهم بها..

قبل أن يتذوّقوا الخبزَ والحليب.

أعرفتِها الآن؟

أبو الهول أجاب، 

وفافي ما زالتْ صامتة.

ـ4ـ

أجيبي يا "فافي"..

لأقدّمَ لك على صينية من ذهب

جسرَ سيدني الرائع.

أعجبتها الهدية..

ومع ذلك هددتني بالحجر:

ـ لو علمت حكومة سيدني لأقامت الحجْرَ 

عليك

جسر سيدني مرة واحدة؟

يا أكرم من الطائي.

ضمّت الجسرَ الى مقتنياتها..

وضحكتْ عليّ!.

ـ5ـ

ما بها ترفض الله! والله محبة..

سأهددها هذه المرة، سأظلمها بشدة..

إن لم تكتبها سأمنحها صفراً مدوراً

أكبر من الهرم الأكبر.

خافت "فافي" من "الصفر" فكتبتْ:

ـ أنتَ هدية السماء..

إجابة ذكية ولكنها خاطئة.

أعطيتها الصفر.

صاحت بلهجتها المصرية المحببة:

ـ ليه أخدت صفر؟

أول مرة أرسب!

ـ الجواب خطأ.. خطأ.. خطأ..

ـ هذا موضوع تعبيري

من حق الطالب أن يضع ما يراه مناسباً

من وجهة نظره الخاصة.

وأنا وضعت مكان النقط

ما يصفك بالنسبة لي.

حقي آخذ عشرة من عشرة.

أنت مدير امتحانات غير عادل.

أجل.. لقد كنت غير عادل..

غيّرتُ العلامة..

منحتها عشرة من عشرة

وطبعتُ "صفرها"

شامةً على خدّي.

ـ6ـ

"فافي" لن تملأ الكلمة..

وصبري بدأ ينفد..

ألستم تحبّون "فافي"؟

ساعدوني إذن..

تعالوا نهديها المحبة..

قولوها معي بصوت واحد،

ولكن بلساني أنا: أحبّكِ.

...

وااااو..

"فافي" منحتني

مئة على مئة.

**

كليوباترا


ـ1ـ

أعتذر منكم جميعاً..

لم أوفّق في وصف جمال "فافي"..

كل القصائد السابقة

سقطتْ فنياً أمام حسنها.

وصفي لها لم يكن دقيقاً...

خذلتني عيناي.. فسامحوني.

ـ2ـ

أمامي الآن مئاتُ الصور:

فافي تبتسمُ، تجادلُ، تعبسُ،

تفكّرُ، تحزنُ، تبكي..

تقاسيمُ وجهها لا تتغيّر

ماركة مسجلة.

جميلةٌ وهي تضحك،

فاتنةٌ وهي تبكي.

ـ3ـ

مَن تشبه "فافي"؟

حالياً،

لا تشبه أحداً، هي الأجمل..

زنبقةٌ شقّت بتلتها،

فاحمرّت خدودُ الورد خجلاً.

عصفورة ريشها سنابلُ قمح..

لتطعمَ الفقراء خبزاً.

حوريةٌ كسرتْ قالبَها ومشتْ

فاندلقتْ على قدميها خوابي الغزل.

ـ4ـ

تاريخياً.. لم تأتِ الكتبُ بمثلها..

فتّشتُ قصورَ الملوك والأمراء

راجعتُ أسماءَ الأميرات الحسان

قرطاج.. أليسار..

أوجيني.. نفرتيتي..

وغيرهنّ.. وغيرهنّ.

يئستُ.. تعبتُ.

وفجأة صرختُ: يا إلهي..

إنها تشبه كليوباترا.

"فافي" هي الوريثةُ الوحيدة

لجمال جدّتها!

الآن فهمتُ سرّ حب المصريين

لـ "فافي".

ـ5ـ

أنتم تعلمون أنني متيّمٌ بها..

ولا ثروة عندي سوى قلمي

وبيتين من الشعر.

وتعلمون أيضاً أن لي منافساً

ثروته السيفُ والقصور.

جاء من بلاد بعيدة ليسرقها مني..

بربكم قولوا: من الأحقّ بقلبها

الغريب أم القريب؟

السيفُ أم الشعر؟

ـ6ـ

هو في "الغيب" وأنا في الغربة.

متشابهان في البعدِ عنها.

صوتي أعلى من صوته،

إلقائي أفضل من إلقائه،

سأخيفه بصوتي:

إذا كنت أنطونيو يا أنطونيو

فأنا شاعرُ الحب

والهوى والجمال.

فدونك النزال.

ـ7ـ

أنطونيو أعلنَ انكسارَه.

سلّمني دفاترَ غرامه.

هناك خربشاتٌ لم أفهمْها

يفوحُ منها صوتُ عبد الوهّاب

رميتُ دفاترَه في التاريخ

ورفعتُ راية كُتبَ عليها:

"مجنون فافي"

**

ارثوا لحالي


ـ1ـ

الكلّ يعلمُ، أنني "مجنونُ فافي".

أعلنتُ جنوني لحظةَ إزاحةِ الستار

عن لقائنا الأول.

وبعد مراجعةِ صفحتها على "الفايس 

بوك"

وجدتُ أن عددَ المجانين بها،

أكثرُ من دقّاتِ قلبي.

توقف قلبي عن النبضان تضامناً معي.

ـ2ـ

عانيتُ شهراً كاملاً

كي أتلفّظ بكلمة: أحبّكِ.

طلعتْ من حنجرتي ضعيفةً، مرتعدةً،

تتلطّى خلفَ حججٍ كثيرة

لدرجةٍ لم أسمعْها أنا،

فكيف تسمعها "فافي"؟!.

ـ3ـ

أنا خَجِلٌ وخائفٌ بحبّي لها،

والمعجبونَ يعلنونَه على السطوح.

إسمعوهم، وابكوا عليّ:

"أنا بَموت فيكي يا ستّ الكل"

"أنتِ شمس منورة قلبي"

"ربّنا يحميكي ليّا وحدي"

"أنتِ كلمة جميلة وأنا بعشق جمالك"

أنتِ، أنتِ، أنتِ..

فأين مكاني في قلبِ "فافي"؟

أنا فردٌ وهم جماعات!

أنا صفرٌ وهم ملايين!

ـ4ـ

كذبَ من قال:

حبّ "الفايس بوك" مبتذل.

صدقَ القائل: حبّهم لفافي صحيحٌ

وتلقائيٌّ، وجنونيٌّ.

حاولت أن أردَعَهم عنه،

فشلت.. كونَها أحبّتهم هي أيضاً.

ـ5ـ

زحمةٌ قاتلةٌ

يسببها المعجبونَ في حلقي،

أفتّش عن كلمةٍ أستدرجُها بها،

فإذا بهم يسبقونني إليها،

يجاهرون بها دون خوف.

حبُّهم لها مَلِكٌ تاجُه هرمٌ.

حبّي لها عبدٌ قيدُه قبرٌ.

هم الأقوى.. وأنا الأضعف.

فارثوا لحالي.

**