غداً سوف ارحل

Charbel Baini


Ghadan, sawfa arhal

Tomorrow, I will be gone

قصائد مختارة من كتب الشاعر، نشر الكثير منها في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي، أي قبل سفره

Cover by Randa Baini

**


جلجلتي


.. وَيَحْسُبونَ أَ نَّني سَأتْعَبْ

مِنْ حِمْلِكِ الثَّقِيلِ..

يا مَدينَتي

بَيروتُ..

يا صَلِيبِيَ الْمُذهَّبْ

أَنَّى وُجِدْتُ..

تُوجَدُ جُلْجُلَتِي

**

حنان


الْبَحْرُ يَنْدَهُنِي،

فَهَلْ مِنْ مانِعٍ

أَنْ يَرْتَمِيْ الأَطْفالُ

في الأحْضانِ

قَدْ حَوَّلوا الدُّنْيا جَحيماً حاقِداً

وَالطِّفْلُ لا يَنْمُو

بِغَيْرِ حَنَانِ!

**

لقاء


أَتَيْتَ؟..

فَكَيْفَ يَكُونُ اللِّقاءُ

وَكُلُّ الدُّروبِ حَواجِزْ

وَفي زَغْرَداتِ الشُّعوبِ أَنِينٌ

وَفَوْقَ العُيونِ مَخارِزْ

وَأَصْغَرُ غِرٍّ يَجِيءُ إِلَيْنا

وَيَفْرُضُ حَظْراً عَلَيْنا

وَعَنْتَرُ قَوْمي بَتَرْنا يَدَيْهِ

لِكَيْ لا يُبَارِزْ؟!

**

كيف أينعت السنابل؟


ـ1ـ

لا تَسَلْنِي يا حَبيبـي،

كَيفَ أَيْنَعَتِ السَّنابِلْ؟!

رَغْمَ رَحيلِ الشَّمسِ عَنْ أَرْضي،

وَأنَّاتِ البَلابِلْ..

رَغْمَ الْحَرائقِ والتَّشرُّدِ،

رَغْمَ صَيْحاتِ الأَرامِلْ..

فَبِلادي، يا حبيبـي ، لَمْ تَعُدْ رَفَّ حَمامٍ

يَنْقُرُ الضَّوءَ تِباعاً

كَي يَصيرَ الضَّوْءُ سائِلْ..

يَسْقي الْحُقولَ وَالتِّلالَ الخُضْرَ،

يَجْري في شَرايينِ الْجَداوِلْ..

فَبِلادي، يا حَبيبـي،

أسرَتْها زُمرَةٌ

لا فَرْقَ عِنْدَها بَيْنَ مَقْتُولٍ وَقَاتِلْ

سَرَقَتْها..

سَرَقَتْ خاتَمَ إِصْبَعِها وَصَبَّتْهُ سَلاسِلْ

وَدَعَتْ أَطْفالَها السُّمْرَ

إلى التَّحْقيقِ في كُلِّ الْوَسَائِلْ..

عَذَّبَتْهُمْ..

عَلَّقَتْهُمْ فَوْقَ أَعْوَادِ الْمَشَانِقِ

خَوْفُها..

أن تَسْتَحيلَ الأَيْدي أقْلاماً وَبارودَ قَنابِلْ..

خَوْفُها..

أَنَّ الرَّضيعَ في بِلادي يَعْرِفُ كَيْفَ يُقاتِلْ!

ـ2ـ

أَوْقَفُوني، ذَاتَ يَوْمٍ،

عِنْدَ أَبْوابِ الْمَدِينَهْ

سَأَلُوني: ما اسْمُكِ؟

قُلْتُ: تَمِينَهْ

فَأَدَارُوا وَجْهَهُم عَنِّي وَقَالوا:

عُودِي مِنْ حَيْثُ أتَيْتِ..

فَصَرَخْتُ مِلْءَ صَوْتِي:

أُتْرُكوني..

اُتْرُكوني..

فَهُنَاكَ خَلْفَ أَسْوَارِ الضَّغِينَه

وَالْحِكاياتِ اللَّعِينَه

لِيَ بَيْتٌ.. فَدَعُوني

إنَّ مِنْ حَقِّيَ أَنْ أَسْكُنَ بَيْتِي!

ـ3ـ

كَمْ أَنا مُشْتاقَةٌ لِلزَّهْرِ يَنْمُو في الْحَديقَه،

لِلْكَرْمِ..

لِلْعُنْقُودِ فَوْقَ الدَّالِيَه

لِدَجَاجَاتي وَقِنِّي،

وَإِناءِ الزَّيْتِ قُرْبَ الْخَابِيَه،

لِجِرارِ النَّحْلِ فَوْقَ الْمَزْهَرِيَّاتِ الْعَتيقَه..

كَمْ أنا مُشْتاقَةٌ بَعْدَ الْفِرارِ وَالرَّحيلِ

لِشِفاهٍ مِنْ بِلادي،

تُخْبِرُ الأَجْيَالَ ما مَعْنَى الْحَقِيقَه..

صَرْحُنا انْهارَ..

وَحُوتُ الْكِذْبِ في أَجْوافِنا

ما زالَ يَبْتَلِعُ الْحَقِيقَه.

ـ4ـ

أَرْضَعُوني ـ كُلُّهُمْ ـ سُمَّ الْكَلامْ..

أَرْضَعُوني الْكِذْبَ أَعْواماً تَجُرُّ خَلْفَها أَعْوامْ

فَعَضَضْتُ حَلْمَةَ الثَّدْيِ الَّذي وَسَّخَهُ الجِنْسُ

بِلَيْلاتِ الْغَرامْ.

صَرَخوا..

خِلْتُ الصُّراخَ بَدَّدَ عَهْدَ الظَّلامْ

وَاشْرَأبُّوا، دونَ وَعْيٍ، يُزْهِقُونَ الرُّوحَ فِيَّ

بِالْحَلالِ وَبِالْحَرامْ..

أمْسَكُوني..

ضَرَبوني..

فَكَّكُوا كُلَّ العِظامْ

وَرَمَوْني، يا حَبيبـي، بَيْنَ أَحْضَانِ السَّقامْ

ثُمَّ قَالوا، وَالْكَلامُ عِنْدَنا مِنْ طِينَةِ الحُكَّامْ:

"إبْنَةٌ كَسْلَى.. جَريئَه

سَوَّدَتْ وَجْهَ اليَتامَى

قَدْ حَسِبْناها بَريئَه

فَوَهَبْناها السَّلامَه

هذه البنتُ الدَّنيئَه

أكَلَتْ ثَدْيَ الزَّعامَه.."

ـ5ـ

..إِنَّ الَّذِي صَارَ وما سَوْفَ يَصِيرْ

خِطَّةٌ مَدْروسَةٌ هَنْدَسَها عَقْلٌ كَبيرْ

أَشْرَكَ فِيها الْيَهودَ وَشَرْقَنا الْعَرَبِيَّ كُلَّه

وَسَخَّرَ ، لِنَجاحِها ، التِّلْفَازَ وَالْجَرائِدَ

وَكُلَّ مِنْ يَكْتُبُ حَرْفاً في مَجَلَّه..

لكنَّني ما زِلْتُ لا أَدْرِي:

لِمَاذا شَوَّهوا الطِّفْلَ الصَّغيرْ؟

وَلِمَاذا شَرَّدُوني، يا حبيبـي،

دُونَ عَوْنٍ أو مُجيرْ؟

وَلِماذا أَيْبَسوا الأَزْهارَ وَالأَشْجارَ

ثُمَّ صادَروا ماءَ الغَديرْ؟

وَلِماذا قَتَلوا في ساحَةِ الأَرْقامِ

مَلْيُونَ شَهيدْ؟!

كُلُّ هذا كيْ يَصيرَ الْمَوْتُ دَوْلَه

تَرْتَمِي، كَالْعارِ ، في حِضْنِ أَمِيرْ؟!

عَيْبٌ عَلَيْكُمْ ـ سادَتي ـ

أَنْ تَخْلُقوا مِنْ رَحْمِ طِفْلَه

قصراً..

وَجَيشاً مِنْ عَبيدْ

وَنِساءً لِلسَّريرْ!..

ـ6ـ

شَعْبُنا.. شَاؤوا لَهُ أن يَتَعَذَّبْ!

وَأَنْ يَتُوهَ في بِقَاعِ الأَرْضِ مَنْبُوذاً مُغَرَّبْ!

أَوْ أَنْ يَموتَ وَاقِفاً،

أَوْ جَالِساً،

أَوْ نائِماً عَلى خَشَبْ!

لَيتَني أَدْري، وَلَوْ بِالحُلْم، مَنْ كانَ السَّبَبْ؟

لأَجْمَعَ اللَّعَناتِ والدُّموعَ والآهاتِ

في قَماقِمِ العَجَبْ..

وَأَشْتَري لِكُلِّ مَنْ قالَ أَنا بَرِيءٌ

خِنْجَراً مِنَ الغَضَبْ

وَسُيوفاً مِنْ لَهَبْ

لَيْتَني أَدْري، وَلَوْ بِالْحُلْمِ، مَنْ كانَ السَّبَبْ؟

لأُضْرِمَ النَّارَ بِهِمْ.

فَكُلُّهُمْ، بَعْدَ الَّذي صارَ، حَطَبْ!

ـ7ـ

تَأْخُذُني الذِّكْرَى إلى دُنْيا حَبيبَه

يَوْمَ كُنتُ أَزْرَعُ السَّاحاتِ أَلْعاباً

وَأشْياءَ عَجيبَه..

وَأَلُمُّ الزَّهْرَ في عيدِ الأُمُومَه..

أَيْنَ أُمّي؟؟!

صَلَبُوها..

هَلْ أَضاعَ الْخالِقُ الْعَالي صَليبَه؟!

هُوَ عِنْدي، لا تَخَفْ،

خَبَّأتُهُ خَلْفَ الزَّريبَه

حَيْثُ قَبْرُ الْوَالِدِ الفَلاَّحِ

إِبْنِ الشَّمْسِ وَالأَرْضِ الْخَصيبَه..

لا تَلُمْني، يا حبيبـي ، إِنْ أَنا قُلْتُ،

بِأَنَّ الأَرْضَ وَالشَّعبَ وَأَبْوابَ الْعُبورِ

كُلَّها صَارَت غَريبَه..

بَعْدَ أَنْ أَضْحَتْ بِلادي،

رَغْمَ إِيماني،

.. سَلِيبَه!

ـ8ـ

خَبِّئينـي يا بِلادي تَحْتَ شالِكْ

وَاسْكُبينـي ضَوْءَ شَمْسْ

كَيْ أَشِيلَ اللَّيْلَ مِنْ قَلْبِ رِجَالِكْ

وَأُقِيمَ، كُلَّ يَوْمٍ، حَفْلَةً

فَوْقَ الْحَوَاجِزِ وَالْمَعَابِرْ

وَأَمَامَ كُلِّ حَبْسْ

وَعَلَى وَجْهِ الطُّفولَه

أَرْسُمُ الْحُلْمَ الْمُسافِرْ

وَرْدَةَ حُبٍّ خَجُولَه

وَأَناشِيدَ وَهَيْصاتٍ وعُرْسْ.

ـ9ـ

غَمَرتْني هَبَّةُ الرِّيحِ وَذَرَّتْني رِمَالْ

في عُيُونِ الإِحْتِلالْ

أَفْزَعَتْهُمْ بِرِمالي

هَبَّةُ الرِّيحِ الَّتِي لا تَهْضِمُ ثِقْلَ اللَّيالي..

عَمَّمُوا إِسْمي وَلَوْني

وَعَناوينَ خِصَالي:

"هذِهِ الْبِنْتُ تَمينَه

بُؤْرَةُ شَرٍّ.. وَتَحْريضٌ لِسُكَّانِ الْمَدينَه

ضِمْنَ عيْنَيْها سُؤَالْ

وَأَنينٌ وَصُمودٌ وَابْتِهالْ

وَلَها عَزْمُ الرِّجالْ..

هذِهِ الْبِنْتُ تَمينَه:

"...."

صَفِّدوها،

كَبِّلوها بِالْحِبالْ

وَادْفُنوها في قُبورِ "الإعْتِقالْ"..

ـ10ـ

.. هذهِ البنتُ تَمينَه،

يَتَّموها، شَرَّدوها ، يا حبيبـي،

وَرَمَوْها في الْحِكاياتِ اللَّعينَه

بَيْتُها اللَّيْلُ وَأَوْهامُ السَّكينَه

قُوتُها.. خُبْزٌ وَتِينٌ

"حَمَّروا الصُّلْبَانَ

كَيْ تُطْعِمَها خُبْزاً وَتِينَا!"

.. هذِهِ الْبِنْتُ تَمينَه،

لَمْ تَعُدْ أُنْشُودَةَ حُبٍّ حَنُونَه..

أَصْبَحَتْ رَمْزَ التَّشَرُّدِ وَالتَّذابُحِ والضَّغينَه

أَصْبَحَتْ صَوْتَ الشُّعوبِ

ضِدَّ أَذْنابِ العُفونَه

أَصْبَحَتْ، مَنْ حَيْثُ لا تَدْرِي، نِسَاءً..

وَرِجالاً.. وَعُيُونَا

أَصْبَحَتْ، مِنْ حَيْثُ لا تَدْرِي.. مَدينَه.

ـ11ـ

خُذْني إِلَيْكَ يا حبيبـي،

قَبْلَ أَنْ يَأْتيْ الْمَطَرْ

عُمْرِي اضْمَحَلَّ وَتَلاشى خَلْفَ أيَّامِ السَّفَرْ

خُذْنِي إِلَيْكَ..

كَيْ أَكُونَ السَّيْفَ فِي وَجْهِ الْخَطَرْ

إِنِّي يَئِسْتُ منْ هُتافاتِ السُّكوتِ

وَمِنْ دَناءاتِ الْبَشَرْ..

فَافْتَحْ يَدَيْكَ وَضُمَّني

فَرَحيلُكَ كانَ قَدَرْ

وَعَذابِي حَوَّلَني قَدَرْ..

فَكَتبْتُ فَوقَ الصَّخْرِ،

فَوْقَ الرَّمْلِ،

فَوْقَ أَوْراقِ الشَّجَرْ

إِنَّ الْقُبورَ وَحْدَها، في عَصْرِنا الْمَنْكودِ،

تَعرِفُ كَيْفَ تحْتَضِنُ الكِبَرْ.

ـ12ـ

دَوَائِرُ التَّجَسُّسِ تَنْتَشِرُ كَما الْهَواءْ

في مَسَامِ الأَرْضِ،

في تَنَفُّسِ الْمِياهِ،

وَاحْتِراقِ الضَّوْءِ في الْفَضاءْ

سَمَكُ الْبَحْرِ عَميلْ

طائِرُ الْجَوِّ عَميلْ

حتَّى النُّجومُ في السَّماءْ

آذانُها مَسنُونَةٌ.. كآلَةِ التَّسْجيلْ

تَسْتَلْهِمُ الْغَيْبَ وَتَجْنِي الْمُسْتَحيلْ

كَيْ تَنْسُجَ مِنْ عالَمِ الأَوْهامِ أَكْفانَ قَتيلْ.

ـ13ـ

قَسَماً..

بِأَحْرُفِ القُرآنِ وَالإنْجيلْ

لَنْ أَموتَ قَبْلَ أَنْ أَفْضَحَ مَلْيونَ عَميلْ

وَزَّعوا شَعْبِي غَنائِمْ..

قَسَماً بالأَرْزِ

وَالثَّلْجِ

وَأَوْراقِ النَّخيلْ

لَنْ أَمُوتَ قَبْلَ أَنْ أَحْمِلَ جُرْحي وَأُقَاوِمْ

حَتَّى، عَنْ أَرْضِ بِلادي،

يَرْحَلَ الْغازي الدَّخيلْ

وَتَعودَ، يا حبيبـي، بَعْدَ غَيْبَتِها الْحَمائِمْ

كُلُّ السَّاحاتِ تَأَهَّبَتْ

لِهُبوطِ أسْرابِ الْحَمائِمْ.

**

عرسُنا استقلال


ـ1ـ

في زَمَنٍ..

كُتَّابُهُ أَنْصَافُ أَغْبِياءْ

يُعَيِّرونَ بَعْضَهُمْ

ويَحْسُدونَ بَعْضَهُمْ

وَيَحْسِبونَ الشِّعْرَ "دُونْ كِيشوتَ" كِبْرِيَاءْ

فَيَمْدَحُونَ كُلَّ مَنْ يَحْلُو بِهِمْ فَنُّ الْهِجاءْ

ويَنثُرُونَ الْوَرْدَ أَكْوَاماً عَلَى دَرْبِ الرِّيَاءْ.

في زَمَنٍ..

تَطَاوَلَ فيهِ الثَّرَى عَلَى السَّماءْ

فَأَصْبَحَ الزَّعيمُ وَالْغَنِيُّ وَالْعَميلُ أَنْبِيَاءْ

وَالْقاتِلُ الْمَغْرورُ مِنْ أَبْرارِهِ وَخَيْرِ الأَوْلِياءْ.

في زَمَنٍ..

تَخْجَلُ مِنْ أَسْمائِها الأَسْمَاءْ

أُهْدِيكِ يا حَبيبتي قَصِيدَتي "الْعَصْمَاءْ"..

ـ2ـ

أَنْتِ الَّتي أَوْدَعْتُ في عَيْنَيكِ أَسْراري

وَكَتَبْتُ فَوْقَ الصَّدرِ آيَاتِي وَأَسْفاري

أَنْتِ الَّتي أَوْصَيْتِني ونَهَيْتِني

عَنْ مَسْحِ جُوخِ الذُّلِّ وَالْعَارِ

أَوِ ابْتِيَاعِ الْحَقِّ مِنْ أَشْدَاقِ سِمْسَارِ

أَنْتِ الَّتي عَلَّمْتِني

كَيْفَ أُحَوِّلُ أَحْرُفي زَخَّاتِ أَمْطَارِ

عَسَى الأَرْضُ الَّتي مِنْ وَهْجِها نَارِي

تَغُبُّ رُضابَ ثَوْرَتِها

وَتُطْفِيءُ نارَ مِحْنَتِها

مِنَ النَّبْعِ الَّذي يَجْرِي غَزِيراً بَيْنَ أَشْعاري.

ـ3ـ

سَأُفَجِّرُ الْكَلِمَاتِ بُرْكاناً

يُزَلْزِلُ أَضْلُعَ الْمِحَنِ

إنِّي سَئِمْتُ مِنَ الرُّقادِ الْقاتِلِ في غَيْهَبِ الزَّمَنِ.

إنِّي سَئِمْتُ مِنَ الزَّعامَةِ وَالتَّشَرْذُمِ النَّتِنِ

وَمِنْ حِيَاكَةِ الأَحْدَاثِ وَالْفِتَنِ

خَوْفِي اضْمَحَلَّ.. فَمَا أَبْهَاكَ يَا كَفَنِي

أَنْتَ الْخُلُودُ لِكُلِّ حُرٍّ شَامِخٍ.. لَمْ يَنْثَنِ

أَعْطَى الدِّماءَ عَزيمَةً لِلأَرْضِ

كَيْ لا تَنْحَني.

ـ4ـ

مِنْ حُزْنِيَ الطَّويلِ، يا حبيبتِي،

أَوْجَدْتُ للدَّاءِ دَواءْ

أَلْحُزْنُ أَعْطَاني انْدِفاعاً وَصُمُوداً وَإِباءْ

عَلَّمَنِي أَنَّ الشُّعُوبَ الْحُرَّةَ لَمْ تَعْرِفِ البُكاءْ

وَلَمْ تُمَارِسِ السِّحْرَ بِسَاعَاتِ الْقُنوطِ

أَوْ تَسْتَلْهمِ السَّماءْ

عَلَّمَني أَنَّ الشُّعوبَ الْحُرَّةَ أَقْوَى مِنَ الذُّلِّ

وَمِنْ شَيَاطِينِ الْفَناءْ

وَأَنَّها كَيْ تَبْلُغَ الْمُرادَ، يا حبيبتِي،

تُفَجِّرُ الأَجْسادَ بِالأَعْداءْ

وَتَكْتُبُ فَوْقَ الثَّرَى، وَالْحِبْرُ مِنْ دِمَاءْ،

إِنَّ الْمَمَاتَ، عِنْدَها، يُشَكِّلُ ابْتِدَاءْ.

ـ5ـ

مِنْ حُزْنِيَ الطَّوِيلِ، يا حبيبتِي،

وَمِنْ نُمُوِّ الذُّكْرَيَاتِ الْعَالِقَه بِالْبَالْ

تَفَتَّقَتْ آمالْ..

كَبُرْعُمِ الأَشْجَارِ،

كَالنَّبْعِ الَّذِي يُكَوِّنُ الشَّلاَّلْ

ألحزنُ مشَّاني خطىً تقودُ للكَمالْ

صَيَّرَني الْبَيادِرَ وَالْحَقْلَ وَالْغِلالْ

صيَّرَني الدَّيمومَةَ المعدومةَ الزَّوالْ

صَيَّرَني السَّيْفَ الَّذي لا يرْحَمُ

وَالْقَوْسَ وَالنِّبالْ

صَيَّرَني الشِّهادَةَ وَالنَّصْرَ وَالأَبْطَالْ

وَزَفَّةً شَعْبِيَّةً..

وَالْعُرْسُ إِسْتِقْلالْ.

ـ6ـ

قَرَّرْتُ أَنْ أُحارِبَ الْقُبُورَ وَالأَكْفَانْ

وَأَطْعَنَ الْمَوْتَ الَّذي يَجْتَرُّنا في رِحْلَةِ الأَزْمَانْ

قَرَّرْتُ أَنْ أُجَرِّدَ الزَّعِيمَ مِنْ أَلْقَابِهِ

وَأَرْفَعَ الإِنْسانْ

إِنْسانُنا الْفَقِيرُ ، يا حبيبتِي ، يُباعُ في الدُّكَّانْ

كَسِلْعَةٍ بَسيطَةٍ زَهيدَةِ الأَثْمانْ

يُعَلِّبونَ لَحْمَهُ

ويَشْرَبونَ دَمَهُ

ويَكتُبونَ إسْمَهُ

في دفْتَرِ النِّسيانْ..

إِنْسانُنا الْفَقيرُ، يا حبيبتِي،

لَيْسَ الَّذي بِالأَمْسِ كانْ

تَمَخَّضتْ فيهِ الْحُروبْ

وتعِبَتْ منهُ الدُّروبْ

وَزَوَّدَتْ آلامَهُ الأَحْزَانْ

فَأَصْبَحَ الثَّأْرَ الَّذي يُخيفُهُمْ

وَالسَّيْلَ والبُرْكانْ.

ـ7ـ

لَنْ أَدَعَ الْحُروبَ، يا حبيبتِي ، تَقْوَى علَيّْ

فَلَقَدْ زَرَعْتُ الْحُبَّ وَالإِيمانَ في عَيْنَيّْ

وَرَسَمْتُ أَحْلامَ الطُّفُولَةِ

فَوْقَ صَدْرِي وَوَجْنَتَيّْ

ثُمَّ سَكَبْتُ مِنْ دِمائِي قَطْرَةً سِحْرِيَّةً

أَحْيَيْتُ فيها كُلَّ شَيّْ..

أَلأَرْضَ وَالْمِحْراثَ وَالْمُزارِعَ

وَكُلَّ مَنْ ماتَ بَرِيئاً كَيْ وَ..كَيْ

إنِّي سَكَبْتُ مِنْ دِمائِي قَطْرَةً سِحْرِيَّةً،

لكِنَّها بَعْدَ الْعَطاءِ الشَّامِلِ، عادَتْ إِلَيّْ!

ـ8ـ

لَنْ أَدَعَ الْحُرُوبَ تَجْتاحُ الْمَرَاعِي وَالأَزَاهِرْ

وَتَنْشُرُ الْغَشَاوَةَ فَوْقَ الْقُلُوبِ وَالضَّمَائِرْ

وَتَسْرُقُ بَيْتَ الْوِلادَةِ مِنْ بِلادِي

كَيْ يَصِيرَ الشَّعْب عاقِرْ..

لَنْ أَدَعْهَا تُنْزِلُ الرَّاياتِ مِنْ أَعْلَى الْمَنائِرْ

أَوْ تَدُوسُ الْحُلْمَ في اللَّيْلِ الْمُسافِرْ

لَنْ أدَعْهَا تُرْجِعُ الإنْسَانَ أَجْيَالاً إِلى عَصْرِ الْمَغَاوِرْ..

إِنِّي وُجِدْتُ، مُذْ خُلِقْتُ،

كَيْ أَكونَ النُّورَ في عُرْسِ الدَّفَاتِرْ

إِنِّي وُجِدْتُ، مُذْ خُلِقْتُ،

كَيْ أَكُونَ الثَّائِرَ المُتَخَفِّيَ في زِيِّ شاعِرْ.

ـ9ـ

يَحْسُبونَ أنَّني أُفتِّشُ عَنْ إسْمِيَ المَخْطوطِ قُرْبَ الصُّورَةِ..

وَعَنْ دِيكُورٍ رائِعٍ،

وَعَنْ مَديحٍ عابِرٍ يُخْمِدُ نَارَ الشَّهْوَةِ..

يَعْتَقِدونَ أَنَّنِي أُمارِسُ التَّدْجيلَ

كَيْ أَحْظَى بِعَطْفِ النُّخْبَةِ..

وَكَيْ أَصِيرَ الشَّاعِرَ الْمُخْتالَ ذاتَ اليَمْنَةِ واليَسْرَةِ..

أَنا ما كَتَبْتُ الشِّعْرَ مِنْ أَجْلِ التَّشاوُفِ وَامْتِلاكِ السَّطْوَةِ..

أَنا ما كَتَبْتُ الشِّعْرَ

مِنْ أَجْلِ الْخُلُودِ الزَّائِفِ وَالشُّهْرَةِ..

فَلَقَدْ كَتَبْتُ ما كَتَبْتُ وَحَسبِيَ

أَنِّي بَصَمْتُ بَصْمَتَيْنِ في سِجِلِّ أُمِّتِي.

**

الثأر بيني وبينكم


ـ1ـ

أَلثَّأْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ

أَلثَّاْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ

يا مَنْ ذَبَحْتُمْ أَرْضَنا..

بِشِقاقِكُمْ

يا مَنْ قَتَلتُمْ طِفْلَنا..

بِنِفاقِكُمْ

فَتَأَهَّبُوا..

إنِّي بِسَيْفِ الشَّعبِ جِئْتُ أضْرِبُ

وَسَأَحْصُدُ كَالنَّارِ قَشَّ رِقابِكُمْ

وَرِقابِ مَنْ لا يَرْهَبُ

.............

"كَمْ أَنْتَنَتْ دماؤكُمْ

فَالْكَلْبُ لَيْسَ يَشْرَبُ"

ـ2ـ

كُنَّا النَّعِيمَ،

وَكانَتِ الأَرْضُ لَنا

وَالكَوْنُ يَحْسُدُنا عَلَى عِرْزالِنا

حَتَّى أتَيْتُمْ

وَالجَراثيمُ بِكُمْ

وَالدَّاءُ يَخْشَى داءَكُمْ

فَتَهَيَّبَ الأحْبابُ.. كَيْفَ تَهَيَّبوا؟!

إنِّي أتَيْتُ باسْمِهِمْ.. فَتَأَهَّبوا

أَلسَّيْفُ مِنْ صُنْعِ يَدي

والثَّأْرُ نورٌ لِغَدي

وَالمَوْتُ مَجْدي.. سُؤْدَدي

وَالمَذْهَبُ..

لُبنانُ عِنْدي الْمَذْهَبُ

فَتَأَهَّبوا..

وَلْيَنْتَبِهْ أزْلامُكُمْ

الرِّيحُ ريحي.. والخِيامُ خِيامُكُمْ

.. وَسَأَلْعَبُ!

ـ3ـ

آتٍ إلَيْكُمْ..

مِنْ دُموعِ الأُمَّهاتْ

مِنْ رُجولَةِ كُلِّ فَرْدٍ جابَهَ الحِقْدَ وَماتْ

مِنْ حروفٍ أبْجَدِيَّه

تَرْفُضُ حُكْمَ الطُّغاةْ

فَاسْتَعِدُّوا لِلْبَراكينِ القَوِيَّه

لِسِياطِ النَّارِ تضْرِبُكُمْ

وَأنْتُمْ ، تَحْتَ أقْدامي، عُراةْ.

ـ4ـ

آتٍ إلَيْكُمْ..

فوقَ أجنِحةِ الرُّعودِ

يا مَنْ تَقاسَمْتُمْ بِلادي، وَتَناتَشْتُمْ حُدودي

وَتَكالَبْتُمْ عَلى جاهٍ حقيرٍ

وَتَناسَيْتُمْ خُلودي

تُرْبَةُ الأرضِ أَنا!

أقْسَمْتُ مِن عَهْدِ الْجُدودِ

أَلاَّ أُهادِنَ حاكِماً يَغْتالُ شَعْبي بِالْوُعودِ

تُرْبَةُ الأَرْضِ أَنا!

أَزَلٌ يُعَشِّشُ في وُجودي

سَهْلِيَ حَضَنَ الزَّمانَ

وَتاهَ مَجْدِيَ في الجُرودِ.

ـ5ـ

آتٍ إلَيْكُمْ..

مِنْ لَيالي الْجوعِ.. والفُقَراءْ

مِنْ شَوادِرِ بُؤْسِهِمْ،

مِنْ حُزْنِهِمْ،

مِن كلِّ أنَّاتِ العَناءْ.

أَلرَّبُّ أَعْطاني الشَّجاعَةَ ثُمَّ حَوَّلَني قَضاءْ..

فَتَأَهَّبوا..

يا مَنْ تَطاوَلْتُمْ عَلَيْنا وشَكْلُكُمْ.. عَجَبُ

وَحَكْيُكُمْ..

كَذِبُ

وَعَقْلُكُمْ..

حَطَبُ

صَوْتُ الْبِلادِ.. صَرْخَتِي

وِسْعُ الْمَطارِحِ.. قَبْضَتي

فَأَيْنَ.. أيْنَ المَهْرَبُ؟!

**

وريقات من دفتر الغربة


ـ1ـ

غُرْبَتي..

صارَتْ كَطَعمِ الْمَوْتِ صَعْبَه

أَوْجَعَتْها زَفْرَةُ الرّيحِ،

وَأنَّاتُ اليَنابيعِ،

وَآهاتُ الْحَصى والرَّمْلِ والتُّرْبَه

وَدُموعُ ذلكَ الطِّفْلِ

الَّذي أَضاعَ بِالزَّحْمَةِ رَبَّهْ

فاسْتَغاثَ كالشُّعاعِ التَّائِهِ

الْمَطْرودِ مِنْ شَمْسِ المَحَبَّهْ..

أينَ أَهْلُ الْخَيْرِ يا أمَّاهُ ـ قولي ـ

أَيْنَ جيراني الأَحِبَّهْ؟!

أيْنَ يسوعي الصَّغيرُ..؟!

فَإنَّنِي قَدْ ذُقْتُ صَلْبَهْ..

أَيْنَ الرَّسُولُ مُحَمَّدٌ..؟!

أَيْنَ الْحُسَيْنُ وَالْحَسَنْ؟!

أَيْنَ الصَّحابَهْ..؟!

قَدْ هَجَرْتُ الدَّارَ مِثْلَكَ يا رَسولي

وَلَمْ أجِدْ تِلْكَ الْمَدينَهْ..

غَيَّروها..

غَيَّروا الأَسْماءَ في أَرضي الْحَزينَهْ

فَأُزيلَتْ "يَثْرِبُ"..

لِتَحُلَّ في الأَرْجاءِ "غُرْبَهْ"

كُلُّ الْمَدائِنِ في بِلادي

تَوَحَّدَتْ بِحُروفِ "غُرْبَهْ"

.. وَأَنينِ "غُرْبَهْ".

ـ2ـ

قَسَّموها،

قَسَّموا أَرْضي مَزارِعْ

مَلأُوها..

بِالخَفافيشِ وَأَصْنافِ الضَّفادِعْ

شَوَّهوا الإِنْسانَ فِيها

غَيَّروا لَوْنَ بَنِيها

جَعَلوها، بَعْدَ عَلْيَاءٍ، سَفيهَه

تَحمِلُ وَشْمَ العَمالَهْ

وَتَبيعُ الغِشَّ في سوقِ الأَصَالَهْ

وَتُضاجِعُ، لا تُبالي، كُلَّ مِنْ يَرْغَبُ فيها.

ـ3ـ

قَسَّموها..

قَسَّموا أَرْضي الَّتي تَخْتالُ تِيهَا

مَمْلَكاتٍ، رَثَّةَ الفِكرِ،

كَريهَه

صادَروا الأقلامَ مِنْها

مَنَعوا الأَوراقَ عَنْها

قَتَّلوا كُتَّابَها الأحرارَ ثُمَّ أخرَسوها

وأغاظتْهُمْ بِبُنيانٍ يُضاهي الْكَوْنَ عُمْراناً

فَصَبُّوا فَوقَها زيتَ الضَّلالِ وأَحْرَقوها..

.. فَاهْتَزَّ قلبُ الرَّبِّ من هَوْلِ الْجَريمَه

وَيْحَكُمْ ـ صاحَ ـ فَهذي أمُّكُمْ لا تَقْتُلوها

فَأَجابوهُ "بِأَخْلاقٍ عَظيمَه":

ـ لا تَخَفْ مَهْما قَسَوْنا

نحنُ، بعدُ، ما نَسَيْنا

أنَّنا، يا خالِقَ الدُّنيا.. بَنُوها!

ـ4ـ

قَدْ تَساءَلْتُ مَلِياً:

أينَ إخواني العَرَبْ؟!

أينَ الَّذينَ شارَكوني المَنَّ والسَّلوى

بِلَيْلاتِ الطَّرَبْ؟!

أينَ الَّذينَ غامَروا..

وقامَروا..

وساهَروا الإفْرَنجَ في "العِلَبْ"؟

أينَ الَّذينَ هَجَّروا الأقلامَ

ثُمَّ أحرَقوا الأدَبْ؟!

تَمَزَّقَتْ أرضي ولَمْ يدرِ بِمَوتاها العَرَبْ!

ـ5ـ

تَرَكوكِ ـ كلُّهُمْ ـ أسيرَةَ العذابْ

طريدَةً بَريئَةً تَنهَشُها الذِّئابْ

ودَفنوا رُؤوسَهمْ بِالرَّملِ والتُّرابْ

لأنَّهُمْ أَعْداءُ كُلِّ زهرةٍ تَفَتَّحَتْ بِآبْ

وَكُلِّ عُصفورٍ شَدا للصُّبحِ وَالْغِيابْ

أَوْ بَلَّلَ جِنْحَيْهِ مِنْ تَبَخُّرِ الضَّبابْ

لأنَّهُمْ لَمْ يَفهَموكِ جَيِّداً يا أحرُفَ الكِتابْ

ظَنُّوكِ لَحْماً فاسِداً يُباعُ للكِلابْ...

ـ6ـ

إيهِ يا أرضَ بلادي

كَمْ تحمَّلْتُ الشَّقاءَ في مَتاهاتِ بُعادي..

كَمْ عَجَنتُكِ، والطَّحينُ صَبابَتي، خُبزاً

يَحِنُّ إلَيْهِ زادي..

ثُمَّ سَكَبْتُكِ في فَمي أُنشودَةً

مشهورةَ التَّلحينِ والإنشادِ

جَمَّعْتُ أَمْجادَ الخَليقَةِ كُلَّها

فَتَبَعْثَرَتْ مِن ريحِ أمْجادي

وَزَرَعْتُكِ ، مثلَ النُّجومِ ، عَلَى يَدي

كَيْ يَهتَدِيْ بِشُعاعِكِ أَوْلادي.

ـ7ـ

إيهِ يا أرضَ بلادي..

يا عَذاباتي الأَلِيمَه

يا صُراخاً شقَّ صدرَ الليلِ أثناءَ الْجَريمَه

يا ابْتِهالاً جَرَّحَ الحُلْمَ المُغَبَّرَ

فَوقَ أحداقٍ يَتيمَه

يا عُيوناً نائحَهْ

وعُقولاً سابِحَهْ

في فَضاءِ اليَأْسِ وَاللُّغَةِ العَقيمَه.

خَلِّصيني يا بلادي مِنْ تَفاهاتٍ سَقيمَه

مِنْ لُواطِ الزُّعماءِ

الغارقينَ في الدَّساتيرِ القديمَه

وسُحاقِ النِّسْوَةِ المُسْتَرْجِلاتِ

الرَّاكِضاتِ وَراءَ لَذَّاتٍ عَديمَهْ..

خَلِّصيني مِنْ عَشائِرِكِ

ومِنْ عَساكِرِكِ

ومِنْ شِعاراتٍ لَئيمَهْ

هَزَّني شَوقُ الرُّجوعِ إلَيْكِ

يا أرضي الرَّحيمَهْ

فَغُرْبَتي.. صارَتْ كَسَحبِ اليانَصيبِ

وَصَيَّرَتْني، بَعْدَ إغْراءٍ، قَسيمَهْ!

ـ8ـ

أغمَضتُ عَيْنَيَّ وَطِرْتُ في فضاءٍ

أزرقِ الحُلْمِ.. جَميلْ

فَتراءَتْ قِرْنَةٌ مَسْحورَةٌ

تَحْسُبُها الجَفْنَ الكَحيلْ

لِعُيونٍ.. زَيَّنَ الـلهُ بِها وَجْهَ أميرَهْ

لَم تَلِدْها امْرَأَةٌ،

وَلَمْ تَدُسْ أرضَ عَشيرَهْ

وَلَيْسَ مِنْ صِنْوٍ لَها أو مِنْ بَديلْ..

ثُمَّ بانَتْ تَحْتَها أودِيَّةُ الطُّهرِ العَميقَهْ

عُمْقَ الصَّلاةِ والقداسَةِ في معابِدِنا العَتيقَهْ..

عُمْقَ الأَصالَةِ في تعامُلِنا مَعَ النَّاسِ،

وفي عاداتِ أجدادي العريقَهْ.

إيهِ يا أرضي الغَريقَهْ..

لَيْسَتِ الأحلامُ ما أَبغي..

أنا التَّواقُ دَوماً للحقيقَهْ

ليسَتِ الأحلامُ ما أَبغي

وَإن كانت سلاماً..!

يَقْلُبُ النّارَ زُهوراً

وَالخُطوطَ الحُمرَ أسوارَ حَديقَهْ!

ـ9ـ

إنِّي أريدُكِ يا بلادي.. قُبَّرَهْ

عُمرُها عُمرُ الرَّبيعِ الضَّاحِكِ

فَوقَ الحقولِ المُزهِرَهْ

تَنقُرُ الحَبَّ،

وَتَبْني عُشَّها حَيْثُ تُريدُ..

تَحتَ كُلِّ شَجَرَه

لا تَخافُ من سُهولٍ

أو وِهادٍ

أو جِبالٍ مُقفَرَهْ

لا ولا قَصفَ الرِّياحِ في اللَّيالي المُمْطِرَه.

إنّي أريدُكِ ، يا بلادي ، قائداً مُتَقَدِّماً

كَيْ يُرجِعَ مَجْدَ العصورِ الغابِرَهْ

أو نَبِيّاً يَتَمشّى فَوقَ أمواجِ البحورِ الهادِرَهْ

يُطْعِمُ الجوعانَ خُبْزاً

يَصفَعُ الموتَ

ويَمحو عَنْ شِفاهِ الشَّعبِ إسمَ المَقْبَرَهْ

كُلُّ الدُّروبِ تَقَطَّعَتْ إلاَّ طَريقُ المَقْبَرَهْ!

ـ10ـ

إنّي أريدُكِ يا بلادي،

رَغْمَ أنفِ الكونِ حُرَّهْ

تَشمَخينَ على الشُّموسِ

عَلى النُّجومِ

وَكُلِّ أقمارِ الْمَجَرَّهْ

وتَحلُمينَ..

أيا مُنى الأطفالِ في حِضنِ الأسِرَّهْ!

إنّي أُريدُكِ مِهرَجاناً هازِجاً مُتَلأْلِئاً

لِيَكونَ للنَّاسِ مَسَرَّهْ

كوني كما أَبغيكِ يا أرْضي

لِكَيْ أسْقِيْ تَعيسَ الهَجْرِ مِنْ كَفَّيْكِ خَمرَهْ

إِنَّا يَئِسنا مِنَ الرَّحيلِ.. فَحسْبُكِ

أن تَجْمَعِي،

كَالأُمِّ،

شَمْلَ الشَّعبِ..

أُسْرَهْ!

**

إسمعوني .. جيِّداً


ـ1ـ

أَوْقَفوني خَلْفَ عَتْماتِ اللَّيالي

سارِقينَ الضَّوءَ مِنِّي

تُهمَتي العُظْمى.. بِأَنّي

بِعْتُ أشعاري وَفَنِّي

واشْتَرَيْتُ الخُبْزَ للشَّعْبِ الفقيرِ

ذلكَ المَصْلوبِ في عُرْضِ الْمَجالِ

ذلكَ المَسْحوبِ من جُرْحٍ خَطيرِ.

ـ2ـ

ـ قُلْ لَنا.. إيَّاك أَنْ تَزْدادَ كِذْبَا..

كيفَ بِعتَ سِلْعَةَ الشِّعْرِ

وَهَلْ فِي الأمْرِ لُعْبَهْ؟!

مَنْ مِنَ الزُّعَماءِ خَلْفَكَ.. يا عَديمَ الفَهْمِ

يا "مَقْصوفَ رَقْبَهْ؟!

فَالنِّظامُ الحاكِمُ مثل الثُرَيَّا ..

هَلْ أطاحَتْ بالنِّظامِ الْمُنْزَلِ حَبَّاتُ تُربَهْ؟!

عَدِّدِ الأسْماءَ.. إنْ رُمْتَ خَلاصاً

كَمْ مِنَ النَّاسِ اشْتَرَيْتَ؟

نَحْنُ نَدري أنَّكَ للشِّعْرِ قَدْ أسَّسْتَ.. حِزْبَا

ـ3ـ

إسْمَعوني جَيِّداً يا سادَتي "المُحَقِّقينْ":

بِعْتُ أشْعاري.. وَلكِنْ

لأناسٍ يَحْرُثونَ الأرضَ..

يَجْنونَ الْمَواسِمَ قَانِعينْ

لِصغارٍ يَكبُرونَ وَسْطَ آلامِ السِّنينْ

وَسْطَ الحروبِ الطَّائِفِيَّه

والزَّعاماتِ الغَبِيَّه

وَغُبارِ النَّازِحينْ.

بِعْتُ أشْعاري..

لِكَي أرُدَّ عَنْ بُيوتِهِمْ جَحافِلَ الجوعِ

وصَرْخاتِ اليَتامَى الضَّائعينْ..

بِعتُ أشْعاري.. وَلكنْ

صارَتِ الأشعارُ خُبْزاً

صارتِ الأشْعارُ صَوتاً

صارَتِ الأشْعارُ ضَوْءاً

في حَياةِ البائسينْ..!

ـ4ـ

إسْمَعوني جَيِّداً يا سادَتي "المُحَقِّقينْ"

يا مَنْ ذَبَحْتُمْ إبْنَكُمْ

مِن أجْلِ دولارٍ لَعينْ

واعْتَقَلْتُمْ دَرْدَشاتِ النَّاسِ

هَيْصاتِ الصِّغارِ الآمنينَ الطَّيِّبينْ

يا مَنْ سَحَقْتُمْ بالنِّعالِ رايةَ الحقِّ الْمُبينْ

وتَبِعْتُمْ وَشْوَشاتِ المُخْبرينَ السَّافِلينْ

إسْمَعوني جَيِّداً..

يا سادَتي "المُحَقِّقينْ":

لَسْتُ أخافُ سَوْطَكُمْ

أو بُغْيَكُمْ

فَأنا يومَ سُجِنْتُ

صِرْتُ نَجْماً في سَماءِ الخالِدينْ.

ـ5ـ

إسمعوني جيِّداً..

يا لَعْنَةَ المَظلومِ

يا..... وَيا افْتِخارَ الظَّالِمينْ

أنا الَّذي قَوَّضْتُ بالشِّعْرِ

رموزَ الحقدِ

والضَّغينَه

وطردْتُ الفِتْنَةَ من كلِّ أرجاءِ المَدينَه

أنا الَّذي قَطَّعتُ أورِدَتَكُمْ

وأحرُفي.. السِّكَّينْ

أنا الَّذي فَجَّرْتُ فوقَ رؤوسِكُمْ

زِنْزانتي

وَسِجْنِيَ اللَّعينْ

أنا.. أنا..

يا سادَتي المُحَقِّقينْ

مَهما قَسَوتُمْ

أو فَعَلْتُمْ

قَسَماً بِأمَّتي وَحَقِّها الثَّمينْ

لَن ألينْ

لَن ألينْ...

**

فيروز .. كوني أمَّنا


ـ1ـ

كَمْ نَحْنُ مُشْتاقُونْ

كَمْ نَحْنُ مُشْتاقونْ

لِرَفَّةِ الْعَبيرِ وَانْتِفاضِ اللَّيلِ في وَجْهِ السُّكونْ

للأُوفِ.. تَنْفَجِرُ ابْتِهالاً في الْعُيونْ

إنَّا كَرِهْنا الْمَوتْ

لا شيءَ غَيْر الْموتْ!

نَنتَظِرُ الرَّسائِلَ..

نُفاجَأُ بِالْمَوتْ

ونَقْرَأُ الجَرائِدَ..

فَتُنْبِىءُ بِالْمَوتْ

نُعَمِّدُ الخُدودَ ثُمَّ نَصْرُخُ:

"إنَّا إلى الـلهِ لَراجِعونْ".

ـ2ـ

تَتثاقَلُ السُّنونَ في مِشْيَتِها..

وَنَحْنُ مَنْسيُّونْ

قُلوبُنا دِيسَتْ..

وَنَحْنُ مَنْسِيُّونْ

تخَدَّرَتْ عُقولُنا..

وَلَمْ نُعاقِرِ الخَمْرَةَ والأفْيُونْ

تَغَيَّرَتْ سَماؤنا

واخْتَنقَ هَواؤنا

وَضاعَ في خُبْثِ الدُّجَى ضِياؤنا

لكنَّنا مُنْتَظِرونْ ..

سَفيرَةً..

تُنْقِذُنا مِنْ الجُنونْ

سَفيرَةً..

تَنْقُلُنا إلى النَّعيمْ

حَيْثُ الظِّلالُ والتِّلالُ الخُضرُ والزَّيْتونْ .

سَفيرَةً..

تَحْمُلُنا إلى النُّجُومْ

حَيْثُ الهَناءُ والصَّفاءُ والسُّكونْ

لِنَسْكُنَ التَّارِيخَ..

نَبْني قَلْبَهُ الحَنونْ.

ـ3ـ

ما بِها تَأَخَّرَتْ طائِرَةُ الأَماني والأَمَلْ؟!

ما بِها تَأَخَّرَتْ فَيْروزُ؟!..

إنّي في وَجَلْ.

لَقَدْ تَعَطَّرْتُ بِماءِ الوَرْدْ

وَلَبِسْتُ الْمشْلَحَ

المَغْزولَ في أقْصى أعالي الْجُردْ

وَنَفَضتُ الْحُزْنَ عَنْ وَجْهي

وَصَرْخاتِ الخَجَلْ..

يا كُلَّ هذا الإنْتِظارِ الْمُرِّ أَسْرِعْ..

فَإنَّني عَلَى عَجَلْ.

ـ4ـ

فَيْروزُ..

يا فَيْروزُ كُوني أُمَّنا

غَدَرَ الزَّمانُ بأُمَّهاتِ أُمِّنا

وَافْتَرَقْنا في بِدايَةِ حُلْمِنا

نَلْعَقُ السَّاعاتِ..

نَنْحَرُ يَوْمَنا

مَنْ غَيْرُكِ؟!..

يُرْجِعُنا إلى الوَراءْ

إلى طَرابُلْسَ

وَبَيْروتَ

وَبَعْلَبَّكِنا الشَّمَّاءْ

إلى الجَنوبِ

والشِّمالِ حَيْثُ الأَرْزَةُ الخَضْراءْ

إلى رُبُوعِ الوطَنِ

المَسْكوبِ في قَوالِبِ الْمَساءْ

مَنْ غَيْرُكِ؟!..

يَزْرَعُنا أَزْهارَ حُبٍّ وَوَفاءْ

في مُروجِ الخُلْدِ..

في أَزِّقَّةِ السَّماءْ

مَنْ غَيْرُكِ؟!..

يا نُقطَةَ الماءِ الوحيدَةَ في غَياهِبِ الصَّحْراءْ

يَشْفي غَليلَ الشَّعبِ أثْناءَ الرَّحيلِ..

والْفَناءْ

ـ5ـ

نُحبُّكِ..

مَحَبَّةَ الْجِبالِ والسُّهولْ

وَميجانا الفلاَّحِ..

يَزْرَعُها تُراثاً في الْحُقولْ

والأُوفِ.. مِنْ منجَيْرَةِ الرّاعي

تَئِنُّ بِاقْتِرابِ الشَّمْسِ لِلأُفُولْ.

نُحِبُّكِ..

يا عُرْسَنا الْمَمْلُوءَ هَيْصاتٍ وَدَقَّاتِ طُبُولْ

يا كِتاباً..

حِبْرُهُ وَهْجُ الضِّياءْ

أَنْزَلوهُ..

رَغْمَ وَحْيِ الأَنْبِياءْ

لِيُنيرَ الْكَوْنَ أَحْلاماً..

وَيَحْيا في العُقولْ.

ـ6ـ

هَتَفَتْ أَلْسُنُنا مِنْ كَثْرَةِ السُّرورْ:

عاشتِ الأسْماءُ يا فَيْروزُ

يا لُؤلُؤَةَ الْبُحورْ

يا مَنْ عَبَرْتِ الْحاجِزَ المُرْتَفِعَ كالسُّورْ

وَدُسْتِ،

رَغْمَ العُنْفِ،

أَنْفَ الْقاتِلِ الْمَغْرورْ

ها أَمْطَرَتْ أَنْفُسُنا أَنْجُمَ نورْ

وَسَقَتْ كُلَّ الدَّياجيرِ

وَأَبْوابَ العُبورْ

لِمْ سَمِعْنا أَنَّ في الأُفْقِ ضِياءْ

لِقُدومٍ يَبْعَثُ فينا الرَّجاءْ..

فَتَعالَيْ مِثْلَ حُلْمٍ

لا يَخافُ وِحْشَةَ الدَّيْجورْ

نَحْنُ شَعْبٌ واحِدٌ

مَهْما سَمِعْنا

قَدْ شَرِبْنا القَهْرَ

والحُبَّ رَضِعْنا

وابْتَلَعْنا هَجْرَنا حَتَّى شَبِعْنا

وَتَواعَدْنا بِأَنَّا سَنثُورْ..

يا دِرْعَنا الَّتي بِها نَصُدُّ ضَرْباتِ الدُّهورْ

يا جِسْرَنا الباقي إلى اتِّحادِنا

وقَدْ تَهَدَّمَتْ كُلُّ الجُسورْ.

ـ7ـ

صَوْتُكِ الآتي إلَيْنا

مِنْ سَماءِ الحُزْنِ..

مِنْ لُبْنانْ

يا ميناءَ الحُبِّ،

يا مَنارَةَ السَّلامِ

والأمانْ

يا سَفيرَةً إلى نُجومِ العِشْقِ

والحَنانْ

يا بَحَّةَ الرِّياحِ في تَعَرُّجِ الجبالِ

والوِدْيانْ

صَوْتُكِ الآتي سَيَنْشُلُنا "كَجِرْجِسَ"

مِن بَراثِنِ التِّنِّينِ

والنِّسْيانْ

بَعْدَما ضِعْنا..

كَفَرْنا..

وَحَقَنَّا الكِذْبَ في الشِّرْيانْ

وَنَسَيْنا أنَّنا ضُعَفاءُ

لا نَقْوَى عَلَى الْهَذَيانْ

صَوْتُكِ الآتي سَيُنْهي العَيْبَ فينا

وَيَدْفَعُنا لِكَيْ نَبْتَدِىءَ..

الآنْ.

**

صدِّقيني يا بُهَيسَة


ـ1ـ

أَيْنَ ضَريحُكِ يا بُهَيْسَهْ

أَلْثُمُ الْيَومَ تُرابَه..

وَأُزيحُ ، بَعدَ أجْيالٍ، غُباراً

شَوَّهَ لَونَ الكِتابَه؟!

أينَ ضَريحُكِ..

كَيْ أَبُثَّهُ ما في قَلبي مِنْ صَبابَه؟!

إِنَّ ذِكراكِ أعادتني إلى مَجْدٍ

أَحَلْناهُ خَرابا..

إلى تاريخِ أُنْثَى،

أَحْسَنَتْ فَنَّ الإجابَه

وَأَبَتْ أن تَسْكُبَ الطُّهرَ

وَتَسْقِيْ مِنْ دواليها شَرابا

قَبْلَ أَن تَسْتَلْهِمَ اللّهَ

وَتَفْدي بِانْتِفاضَتِها شَبابا

ـ "يا عَوْفُ.. صُنْ عُروبَتي

وَاحْقُنْ دِماءَ فِتْيَتي

وَارْفَعْ لِواءَ أُمَّتي

ثُمَّ تَعالَ.. خَيْمَتي"

أَوَّاهُ.. إِنَّ الحُلْمَ قَد أَضْحَى سَرابا!

ـ2ـ

صَدِّقيني يا "بُهَيْسَه".. صَدِّقي الأنْباءْ

إِنَّا لَبِسْنا عارَنا

ثُمَّ انْتَفَخْنا كِبْرِياءْ

نِبْراسُنا الزَّعامَةُ والكِذْبُ وَالرِّياءْ

وَفَنُّنا الشَّتائِمُ وَالقَتْلُ والدِّماءْ

عُقولُنا مَمْلؤَةٌ بِالغِشِّ والغَباءْ

أَخْدارُنا مُباحَةٌ، والوَيْلُ للنِّساءْ

أَوْطانُنا مَسْبِيَّةٌ بِعِنادِنا

وَنُجومُنا مَطْلِيَّةٌ بِسَوادِنا

حَتَّى السَّماءُ عِنْدَنا لَيْسَتْ سَماءْ!

ـ3ـ

صَدِّقي الأنباءَ.. يا بِنتَ الكِبَرْ

يا زَهْرَةً تَفَتَّحَتْ عَلَى حَجَرْ

يا عُنفُوانَ أُمَّةٍ ضائعَةٍ دونَ أَثَرْ

وَاللَّيْلُ يَحجُبُ شَمْسَها

ويُبَدِّدُ نورَ القَمَرْ..

يا مَنْ رَفَضْتِ الحُبَّ جِنْساً

أَو مَلَذَّاتِ بَشَرْ

نَحنُ أَفْلَسْنا مِنَ الأبطالِ

مِنْ "عَوفِ" الرِّجالِ

وابْتَدَأْنا "نَزْحَفُ" مِثلَ البَقَرْ

أَلبَحرُ مِنْ أَمامِنا

والغَدْرُ مِن ورائِنا

وَلَيْسَ مِنْ مَفَرّ..!

ـ4ـ

صَدِّقيني يا بُهَيْسَه..

صَدِّقي قَلبي الْجريحْ

أنتِ الَّتي طوَّرْتِ مَفْهومي الصَّحيحْ

أنتِ الَّتي أعطَيْتِني حَقِّي الصَّريحْ

أنتِ الَّتي صَيَّرْتِني القَصائِدَ الثَّوْرِيَّةَ الأوزانْ

صَيَّرتِني العزيمَةَ والصَّوتَ والوِجْدانْ

أنتِ الَّتي عَلَّمْتِني كَيْفَ يَكونُ الأقْوِياءْ

أفْهَمْتِني أنَّ الرُّجولَةَ مِن تَصاويرِ النِّساءْ

وأنَّنـي كيْ أرسُمَ الخريطَةَ

لا بُدَّ مِنْ ألوانْ

وكَيْ أصيرَ الأرضَ والْمَدائِنَ

لا بُدَّ مِنْ إنْسانْ .

ـ5ـ

كُرْمَى لِعَيْنَيْكِ اللَّتَيْنِ أعطَتا وَهْجَ الأُنوثَه

كُرْمَى لِوَرْدِ الشَّفَتَيْنِ

واحْمِرارِهِ يا "بُهَيْثَه"

سَوفَ أُناضِلُ حَتَّى أَقْطَعَ كُلَّ أَذْنابِ الخَباثَه

سَوفَ أناضِلُ حتَّى أهدِمَ كُلَّ قَصرٍ

سَرَقوا مِنِّي أَثاثَه

آهِ يا أُختاهُ لَو تَدرِينَ كَم داءٍ وداءْ

يَنْخُرُ الأجسادَ.. يَمتَصُّ الدِّماءْ

داؤنا.. أنَّ الجَميعَ أغبِياءْ!

يَحْسِبونَ الْمَجْدَ يَأْتي بِالوراثَه

صَدِّقيني..

أصعَبُ الأمراضِ في الشَّرقِ.. الوِراثَه

فَالمَضارِبُ تُضرَبُ عَبرَ الوِراثَه

والقبائلُ تُؤخَذُ عَبرَ الوِراثَه

والزَّعامَةُ تُنقَلُ عَبرَ الوِراثَه

للبَنينِ الأردِياءْ

والرُّعاعِ الجُبَناءْ

"وَفَدادينِ الحِراثَه"...

ـ6ـ

صدِّقيني يا بُهَيسَه،

أَصبَحَ العُقمُ فَضيلَه

والتَّخَنُّثُ من مَلامِحِنا الجَميلَه

فَسَقى اللّهُ زَماناً سَيْطَرَتْ فيهِ القَبيلَه

كُنَّا الرُّجولَةَ: إنْ مَحَوْا إسمَ الرُّجولَه

كُنَّا الأُنوثَةَ: تُنجِبُ جيلَ البُطولَه

كَيفَ تأتينَ إلَينا مَرَّتَينْ

وَتُعيدينَ الوِفاقَ مَرَّتَيْنْ

وَبُطونُ الْعَرَبِيَّاتِ عَليلَه

والرُّجولَةُ من نوادِرِنا القَليلَه!..

**

رايات الوفاق


ـ1ـ

هَلُمِّي يا حَبيبَتي نَسْتَقبِل الوِفاقْ

بِزَغرداتٍ حُلوَةٍ لا تَعرِفُ النِّفاقْ

وَتَرْنيماتِ صِبْيَةٍ

لَمْ يَرْضَعوا الحِقدَ

ولَمْ يُحَبِّذوا انْشِقاقْ

فَأَرضُنا تَتوقُ، يا حبيبتي،

لِلَحْظَةِ انْعِتاقْ

فَصُبحُها اخْتِناقْ

وَظُهرُها اخْتِناقْ

وَلَيلُها اختِناقْ

إلى متى نَظلُّ، يا حَبيبَتي،

كَالرِّيحِ تائِهينْ

نُوَدِّعُ الأَحبابَ ثُمَّ نَقبُرُ الرِّفاقْ؟!

إلى متى نَظلُّ صابِرينْ

وَحَولَنا الحرائِقُ

والدَّمعُ

والفِراقْ؟!

إلى مَتى.. إلى مَتى نَظلُّ ساكتينْ؟!

وكُلُّ عِرقٍ يَنبُضُ:

وِفاقْ..

وكُلُّ ثَغرٍ يَهتِفُ:

وِفاقْ..

ـ2ـ

هَلُّمِّي يا حَبيبتي نُبَشِّر الصِّغارْ

بِعيدِنا الآتي عَلى أجنِحَةِ الطُّيورْ

مُحَمَّلاً بِالزِّينَةِ..

مُكَلَّلاً بِالغارْ

وَمُثْقَلاً "بِأُوفِنا" وَدَبكَةِ الجُمهورْ

نَحْنُ رَبِحْنا "حَربَهُمْ"

فَلْيَفْهَمِ الكِبارْ

بِأَنَّنا صَمَّمْنا أن نُحَطِّمَ الفُجورْ

وَنَعْتُقَ البِلادَ مِن قَماقِمِ الدَّمارْ

وَنَسطَعَ كَالأنجُمِ في وَحْشَةِ الدَّيجورْ

لأنَّنا أصبَحنا، يا حبيبتي،

نَمتَلِكُ القَرارْ

وَنُصدِرُ القَرارْ

قَرَّرنا أن نُحاكِمَ الحُكَّامَ في بِلادِنا

وَنَسحَقَ الغُرورْ

قَرَّرنا أن نُخَلِّصَ الإنسانَ والأديانَ

من تَناسُلِ الشُّرورْ

قَرَّرنا أن نَثورْ

قَرَّرنا أن نَثورْ..

ـ3ـ

لَم نَعُدْ نَرضى بِأن يُقَسِّموا البِلادَ

إثرَ كُلِّ فِتنَةٍ.. غَنائِمْ

أو أن يُقيموا

فَوقَ أشلاءِ الَّذينَ استَشْهَدوا ولائمْ

لَم نَعُدْ نَرضى بِأن تُزَغرِدَ الأَعراسُ

في قُصورِهِمْ

وَتَنْتَشِي في حَيِّنا المَآتِمْ

لَم نَعُد نَرضى بِأن يَعيشوا رَغْدَهُم

والشَّعبُ..

كُلُّ الشَّعبِ بِاللُّقْمَةِ حالِمْ

لَم نَعُد نَرضى بِأن نُضَمِّدَ الجِراح

أو نَبتَلِعَ المَظالِمْ

أو أن نُبَوِّسَ الذُّقونَ.. أو نُصَفِّقَ لِحاكِمْ

لأَنَّنا بَعدَ الفَناءِ والرَّحيلِ

نَرفُضُ أن نَقِفَ فَوقَ القُبورِ.. وَنُساوِمْ.

ـ4ـ

لا لَن يَعودَ الماضي.. فَالشَّعبُ يَعِي

كَمْ تاجَروا بِأَمنِهِ، وَأَحرَقوا مِنْ أَدمُعِ

وكَمْ أَباحوا دَمَهُ

وَفَجَّروا آلامَهُ

كَي يُفرِحوا قَلبَ العَدُوِّ المُدَّعي..

لا.. لَن تلوحَ فَوقَ أرضي إلاّ راياتُ الوِفاقْ

ضاحِكاتٍ.. هازِئاتٍ بِالتَّماثيلِ "العِتاقْ"

فَهَلُمِّي، يا حَياتي، بَعدَ أن عَمَّ الوَعي

نُشعِلُ الآمالَ نوراً في الآفاقْ

ثُمَّ نَسقي في حَنايا الأضلُعِ

حُبَّنا التَّوَّاقَ دَوماً.. لِلعِناقْ.

**

لعنة اللّه علينا


ـ1ـ

مِن أَينَ يَأْتي النُّورُ

وَالدُّنيا ظَلامْ؟!

من أيْنَ يَأْتينا السَّلامْ

والحِكاياتُ الحزينَه

أَرهَقَتْ ثَغرَ المَدينَه

والأنامْ..

تَستَطيبُ الغَدرَ والمَوتَ الحَرامْ؟!

ـ2ـ

لَم يَعُدْ فينا شُجاعْ

كُلُّنا باعَ الضَّميرْ

وَتَدَثَّرنا بِأَثوابِ الخِداعْ..

عَمرو بنُ كُلثومٍ سَقانا العِزَّ

خَدَّرَنا بِأَبياتٍ جَميلَه

لَعنَةُ اللّهِ عَلَينا..

قَد خُلِقنا والجَبانةُ تَوأَمَيْنِ..

هِيَ خَرساءٌ.. وَنَحْنُ

تَسبُقُ الأَقدامَ أَلسِنَةٌ طَويلَه!

ـ3ـ

لَعنَةُ اللّهِ عَلَينا ..

إن أَكَلنا أو شَرِبنا أو حَكَيْنا

طالَما أنَّ "يَدَيْنا"

تَحرُسُ وَكرَ الزَّعامَه

طالَما أَنَّا نُصَفِّقُ

أو نُرَدِّدُ

كُلَّ حَرفٍ قالَهُ تَيْسُ الزَّعامَه

لَيْتَنا ضِعنا.. انْتَهَينا

لَيْتَنا مُتْنا.. وَلَم نَسْمَعْ كَلامَه.

ـ4ـ

كَيْفَ نُصْبِحُ أُمَّةً..

وَالكُلُّ يَرْغَبُ بِالتَّسَلُّطِ والسِّيادَه؟!

كَيْفَ نُصْبِحُ أُمَّةً..

والدِّينُ سِلْعَةُ تاجِرٍ

مَعْروضَةٌ للبَيْعِ في دورِ العِبادَه؟!

نَحْنُ مَنْ باعَ الإلهَ وَالتَّعاليمَ بِساحاتِ المَزادِ

نَحْنُ مَنْ أعطى الغَريبَ

كُلَّ أَسْرارِ البِلادِ

ثُمَّ ثُرْنا..

كَيْ يُقالَ : ثاروا يوماً وَتنادوا لِلْجِهادِ..

لَعْنَةُ اللّه عَلَيْنا

كَمْ شَرِبْنا وَاحْتَسَيْنا

خَمْرَةَ الكِذْبِ وَأَفْيونَ الفَسادِ!

ـ5ـ

أَلْخَيْلُ لا..

واللَّيْلُ لا..

حَتَّى ولا الْبَيْداءُ تَعْرِفُنا!

نَحْنُ.. الْخَساسَةُ والتَّزَلُّمُ والتَّمَلُّقُ

مِنْ مَعارِفِنا

أَقْلامُنا مَغْرورَةٌ

وَرِماحُنا مَكْسورَةٌ

وَرِقابُنا مَنْحورَةٌ..

.. بِسُيوفِنا

فَتَأَمَّلوا.. كَيْفَ تَوَحَّدَ نيرُهُمْ

وَتَبَدَّدَتْ مِثلَ الغُبارِ صُفوفُنا!

ـ6ـ

كَمْ تَآخَيْنا خِداعاً

وَتَحَزَّبْنا خِداعاً

وَتَمَلَّقْنا النِّظامْ..

وَتَناتَشْنا الغَنائِمَ وَالمَراكِزَ والْمَقامْ

كَكِلابٍ أَسْكَتوها بِالْعِظامْ!

كَمْ تَباكَيْنا عَلَى نَهدٍ جَميلٍ

حينَ وافانا الفِطامْ!

كَمْ تَجادَلْنا هُراءً

وَتَخاصَمْنا غَباءً

وَتَقاذَفْنا الْكَلامْ

وَتَباهَيْنا بِجَيْشٍ سَئِمَتْ مِنْهُ الخِيامْ

جَيْشُنا، وَالْكُلُّ يَعْلَمُ،

لا يَسيرُ إلى الأَمامْ!

لَعْنَةُ اللّهِ عَلَيْنا

لَمْ يَعُدْ شَيءٌ لَدَيْنا

غَيْرُ أَضرِحَةِ الرُّخامْ!

ـ7ـ

أَيْنَ العَساكِرُ..؟! وَالْعَدُوُّ مُدَجَّجٌ،

يَأْتِي إِلَيْنا كُلَّما شَاءَ الْمَجيءْ

يَغْتالُ فينا بَريئَةً.. وَيَدوسُ أَنفاسَ بَريءْ

أَينَ القِياداتُ؟.. وَأَينَ الشَّعبُ؟..

أَوَّاهُ.. عَلى شَعبٍ جَريءْ

يُلْغي الْمَقاييسَ وَيُنْهي سَطوَةَ الحُكْمِ الرَّديءْ!

ـ8ـ

لَعْنَةُ اللّهِ عَلَينا.. دائِماً قولوا إذا شِئْتُمْ بُلوغَا

إنَّا حَفِظْنا مِنَ الْمَديحِ مُعَلَّقاتٍ

وَتَناسَيْنا النُّبوغَا

نَحنُ شَعْبٌ.. مارسَ التَّدجيلَ أَجْيالاً طِوالا

وَادَّعى حُبَّ الفَضيلَةِ والتَّبَتُّلِ

والنِّساءُ يَتَبَخْتَرْنَ حَبالى!

آنَ الأوانُ كَيْ نَصيرَ أُمَّةً تَمشي..

فَيَتَّسِعُ الْمَجالْ

آنَ الأوانُ كَي نَصيرَ أُمَّةً تومي..

فَتَنْتَزِعُ المُحالْ

آنَ الأَوانُ.. أُمَّتي

أو قَد أَقولُ مَرَّةً ثانِيَةً.. ما لا يُقالْ.

**

عاش الملك


وَقَفْتُمْ بَيْنَ مَوْتٍ أَو حَياةٍ

فَإنْ رُمْتُم نَعيمَ الدَّهْرِ فَاشْقوا

ولِلأَوْطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ

يَدٌ سَلَفَتْ وَدَيْنٌ مُسْتَحَقُّ

وَلِلْحُرِّيَةِ الْحَمْراءِ بابٌ

بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ

أحمد شوقي

ـــــــــ

ـ1ـ

سَمِعْتُكَ شَوْقي.. وَرَبِّ السَّماءْ

فَهِمْتُ الْمُرادَ.. حَفِظْتُ النِّداءْ

وَرُحْتُ أَدُقُّ

أَدُقُّ

أَدُقُّ

وَما مِنْ مُجيبْ..!

فَكَلَّتْ يَدايَ

وَخارَتْ قِوايَ

وَصِرْتُ أَهيمُ بِأَرْضي غَريبْ

أَرى الأُمَّ ثَكْلَى،

أَرَى الْحُزْنَ فَوْقَ وُجوهِ الْيَتامَى

وَشَعْبي يَسيرُ كَجَدْيٍ صَغيرٍ

يَقودُهُ راعٍ بِطَرْفِ قَضيبْ.

ـ2ـ

سَمِعْتُكَ شَوقي.. وَمِثْلي الْمِئاتُ

وَمِثْلي الأُلوفُ.. وَمِثْلي الشُّعوبْ،

فَثُرْنا عَلَى الْجَهْلِ،

دُسْنا أُنوفَ الْفَوارِقِ،

حَطَّمْنا قَيْدَ الْعُيوبْ.

مَشَيْنا عَلَى الْماءِ مَشْيَ الْمَسيحِ،

وَكُنَّا نُؤَذِّنُ عِنْدَ الْغُروبْ.

حَمَلْنا السُّيوفَ،

الْتَقَيْنا الخُطُوبَ، وَخُضْنا الْحُروبْ.

صَمَدنا كَسَدٍّ بِوَجْهِ السُّيُولِ،

وَفَأْرُهُ ماتَ وَما مِنْ ثُقوبْ!

فَيا لَيْتَنا لَمْ نُدارِ عُيُوبا

وَيا لَيْتَنا لَمْ نُداوِ ثُقوبا

وَيا لَيْتَنا لَمْ نُكَوِّنْ شُعوبا

وَشَيْخُ الْعَشيرَةِ يَحْكُمُ أَرْضي

وَمِنْ مِنْخَرَيْهِ تَسيلُ الذُّنوبْ!

فَقُمْ ناجِ جِلَّقَ..

قُمْ ناجِ قُدْسَنا..

قُمْ ناجِ جُولانَنا والْجَنوبْ.

ـ3ـ

هَجَرْتُ بِلادي وَقَرْعُ الطُّبولِ

يُثيرُ اهْتِياجي بِلَيْلَةِ عُرْسي

فَما عُدْتُ أَدْري..

أَجاءَ نَهاري

أَمِ انْقَضى لَيلي وَهَرْوَلَ أَمْسي

وَمَجْرَى الدُّموعِ تَخالُهُ جُرْحاً

غَزَتْهُ دِماءٌ.. غَزاها التَّأَسِّي

فَأَحْسَسْتُ شَوْقي، وَأَنْتَ بَعيدٌ،

بِأَنَّكَ مِنِّيَ تَسْرُقُ حِسِّي،

لِتَنْقُشَ فَوْقَ الرُّخامِ بُيوتاً

سَيَزْدَهي فيها رُفاتي وَرَمْسي..

فَطُفْتُ أُرَدِّدُ شِعْراً عَظيماً:

أَيا وَطَناً زَيَّنَتْكَ زُهوري

وَكانَتْ سُهولُكَ مَلْعَبَ شَمْسي

أَنْتَ الَّذي.. كُلُّ مَجْدٍ أَتَيتُهُ.. مِنْهُ

أنْتَ الَّذي.."لَو شُغِلْتُ بِالْخُلْدِ عَنْهُ

نازَعَتْني إلَيْهِ في الْخُلْدِ نَفْسي".

ـ4ـ

اَيا صَوْتاً يُجَسِّدُ صَوْتَ مَنْ غابوا

أَيا حَرْفاً يُفاخِرُ فيهِ أَعرابُ

أَيا قَلْباً بِصَدْرِ الشَّرْقِ

هَلْ أَوْدَعْتُكَ سِرِّي؟!..:

رَأَيْتُ الْكِذْبَ شَيْطاناً

يُهَدِّدُ جَنَّةَ الشِّعْرِ

وكُتَّاباً أَناخوا الضَّادَ كَيْ يَرْكَبْها أَغْرابُ

بِرَبِّكَ قُل لي يا شَوْقي:

أَلِلآدابِ أَذْنابُ ؟!

ـ5ـ

أَميرٌ..

وَهَلْ غَيْرُكَ مِنْ أَميرْ؟!

وَزَحْلَةُ تَذْكُرُ زَيْنَ الشَّبابِ

يَجيءُ إِلَيْها كَطِفْلٍ صَغيرْ

يُداعِبُ وَجْهَها،

يَنْثُرُ شَعْرَها،

يَسْكُبُ فَوقَ أَصابِعِ رِجْلَيْها ماءَ الْغَديرْ

وَيَرْحَلُ عَنْها.. وَفي الْعَيْنِ دَمْعٌ

وَفي الْقَلْبِ شَوْقٌ..

وَحُبٌ كَبيرْ.

ـ6ـ

أَميرٌ..

وَهَلْ غَيْرُكَ مِنْ أَميرْ؟!

وَأَنْتَ بَنَيْتَ لِسُلْطانِ باشا

قُصوراً مِنَ الشِّعْرِ،

فيها التَّواضُعُ ، فيها النِّضالُ،

وَفيها الضَّميرْ..

وَثَوْرَةُ شَعْبٍ أَرادَ الْحياةَ

فَأَعْطى الدِّماءَ وَضَحَّى الْكَثيرْ.

ـ7ـ

مِصْرُ الْبُطولَةِ.. تِلْكَ الحَبيبَةُ

مَنْ مِنْ بَنيها وَلَمْ يَمْتَلِكْ

مَجْداً..

يُضاهي النُّجومَ سُطوعاً بِلَيْلٍ حَلِكْ؟

وَحَسْبُكَ شَوْقي.. بِأَنَّكَ أَنْتَ

غَزَلْتَ لَها الْمَجْدَ في مِغْزَلِكْ

فَمَهْما كَبُرْنا بِرَوْضِ الْقَوافي

نَظَلُّ نَحِنُّ إلى مَشْتَلِكْ

وَتَبْقَى الْحُروفُ تَجيءُ إِلَيْكَ

لِتَنْهَلَ ماءَها مِنْ مَنْهَلِكْ

وَكُلُّ القُلوبِ تَعوفُ الصُّدورَ

لِتَسْكُنَ يَوْماً حِمَى مَنْزِلِكْ

فَكَيْفَ ارْتَضَيْتَ بِلَقْبِ أَميرٍ

وَشَعْبُكَ يَهْتِفُ: "عاشَ الْمَلِكْ"؟!

**

دَعوة إلى الجنون


ـ1ـ

سَئِمْتُ الْهَجْرَ يا أَرضي

فَهَلْ في حِضنِكِ الواسِعْ

مكانٌ.. أَسْنُدُ الرَّأْسَا

إِلَيْهِ، وَالْصَّدَى الدامِعْ

يُعِيدُ الرُّوحَ والأَمْسَا:

شَباباً يَنْثُرُ الْعِرْسَا

عَلَى ذَاكَ الثَّرَى الرَّائِعْ؟!

ـ2ـ

عَبَرْتُ الْبَحرَ.. لَـمْ أَدْرِ

بِأَنْ، في الْبَحرِ، نيرانَا

وَزِلْزالاً، وبُرْكانَا

فَما أَقْساكَ يا بَحْرِي

أَهِيمُ الْعُمْرَ كَالضَّائِعْ

شَتيتَ الحُلْمِ والقَبْرِ

أُغَنِّي الأَرْضَ في شِعْرِي

وأُدْمِي دَمْعَةَ الهَجْرِ

وأَنْعِي وَهْجَهُ الخَادِعْ..

ـ3ـ

أنا إنْ مُتُّ في الغُرْبَهْ

فَشَوْقِي الْجامِحُ الْقاهِرْ

سَيُلْغِي الْمَوْتَ وَالتُّرْبَهْ

وَأَغْدُو الْفَارِسَ الظَّافِرْ:

... إلى إِشراقَةِ الشَّمسِ

عَلَى أَحْجارِ إِلْماسِكْ

وصَيفٍ زادَهُ تِيهاً

صَفاءُ الخمْرِ في كاسِكْ

... إلى مَأْذُونِكِ الْشَّادِي

عَلَى تَرْنيمِ قُدَّاسِكْ

وَتَأْذِينٍ يُناجِيهِ

هُياماً، صَوْتُ أجراسِكْ

... إلى زيناتِ أطفالٍ

أَقاموها بِأَعْراسِكْ

وَدَبْكاتٍ وَهَيْصاتٍ

تُزيحُ الْهَمَّ عَنْ راسِكْ

.. إلى ثَلْجاتِكِ البَيْضاءِ

تَكْسُو وَجْهَكِ العامِرْ

وَنَبْعٍ دائِماً يَحْنو

عَلى شلاَّلِكِ الهادِرْ

وفَلاَّحٍ تُسَلِّيهِ

حَكايا رَوْضِكِ الزَّاهِرْ

وتَلاَّتٍ أَنِيقاتٍ

يُعانِي دونَها الطَّائِرْ

.. إِلَى مَلْقاكِ يا مَجْدِي

ويَكفينِي عَنِ البُعدِ

ثَراءً.. حُبُّكِ الطَّاهِرْ.

ـ4ـ

أَعِينينِي إِذَا جاءَتْ

عَذَارَى طَيْفِكِ الغالي

وَشَاءَتْ أَنْ تُواسينِي

فَهَلْ أَشْكُو لَها حالي؟:

أنا صَوتٌ.. وَلكِنِّي

أُدارِي وَقْعِيَ العالي

وأحلامٌ.. أخَافَتْهَا

تَحَدِّيَّاتُ أَطْفالي

وأَنَّاتٌ كَئيباتٌ

أُغَنِّيها بِمَوَّالي

أنا بِالهَجْرِ مَسْجُونٌ

طَويلٌ ذَيْلُ أسْمالي

فَهَلْ أَلْهَمتِنِي صَبْراً

لأُلْغِي قَيْدَ أقْفالي

وأَشْدُو حُبَّكِ الْمَدْفونَ

يا أَرْضي.. بِأَوْصالي

ـ5ـ

أنا مَنْ عاشَ مَصْلوباً

عَلَى مَوْجاتِ إحْساسِهْ

وَجُرْحِي نازِفٌ سَمّاً

ولا جُرْحَ بِمِقْياسِهْ

أنا مَنْ عَضَّهُ شَوقٌ

وَلَحْمِي بَيْنَ أضْراسِهْ

وَدَهْرِي دائِماً يَقْسو

عَلَى الأَخْيارِ مِنْ ناسِهْ.

ـ6ـ

أنا مَنْ هامَ لا يَلْوِي

وَغَطَّى وَجْهَهُ الطِّينُ

وقالَ النَّاسُ: مَجنونٌ

فَيا نِعْمَ المَجانينُ

لَهُمْ صَيْحاتُ أطْفالٍ

بِها تَزْهو الْبَساتينُ

وَهُمْ للشَّرْعِ إدراكٌ

وَلِلْحَقِّ قَوانينُ

وَلَمْ تَلْعَبْ بِدُنْيَاهُمْ

سِياساتٌ وَلا دينُ

فَجُنُّوا، الْيَوْمَ، لا تَخْشَوْا

إذا هاجَتْ مَلايينُ

جُنونُ الحقِّ لا يَعْلوهُ

تاجٌ أو سَلاطينُ

وَنَصْرُ الشَّعْبِ.. يا أَرضي

بِمَسِّ الشَّعبِ مَرْهونُ!.

ـ7ـ

فَجُنُّوا، الْيَوْمَ، إِنْ شِئتُمْ

هَلاكاً فيهِ تَخْليدُ

وَأَمْجادُ حِكاياتٍ

تُغَنِّيها الأناشيدُ

وَذِكرى تُرْجِعُ الْماضِي

وَتُهْديها الْمَواعيدُ

إلى أفْواهِ أجْيالٍ

أدارَتْها العَناقيدُ

كحَبَّاتٍ مُضِيئاتٍ

يُناغِي ضَوْءَها العيدُ.

ـ8ـ

فَجُنُّوا يا أَحِبَّائِي

وَصيحوا صَيْحَةَ النَّصْرِ

فَلا القُوّادُ صاحوها

ولا الْحُكّامُ في القَصْرِ

لأنَّ الْكُلَّ مَخْمورٌ

أماتَ الحِسَّ بالخَمْرِ

هَلُّموا نَحْفُرِ الْمَدْفَنْ

وَنوسِعْ رُقْعَةَ الحَفْرِ

وَنُرْدِ الْخَائِنَ الأَرْعَنْ

وَنُنْهِ الأَمْرَ بِالأَمْرِ

فَإنْ بَقَّتْ أراضينا

فُلولَ الكِذْبِ والْغَدْرِ

نُشَمِّرْ عَنْ أيادينا

ونَرْمِ الْكُلَّ في الْبَحْرِ..

**

حوار مع ملك القمر


ـ ما هذِهِ الأَصْواتْ؟

أَهَمْهَماتُ كَوْكَبٍ مَنْفِيّ

خَلفَ حُدودِ الْعالَمِ الْخَفِيّ

أَمْ حَشْرَجاتْ؟

ـ قَرْعُ طُبولْ..

ـ مَنْ أَنْتَ؟.. قُلْ لي يا غَريبْ؟.

ـ مَلِكٌ..

ـ ماذا تَقولْ؟!

آهِ يا مَليكَ الظِّلِّ واللَّهيبْ

مِنْ أَيِّ نَبْعٍ تَرْتَوي؟

مِنْ أَيْنَ تَقْتاتُ؟

وَأَيُّ شَعْبٍ تَحْكُمُ؟!

سِرْتُ يَوْماً كامِلاً بَيْنَ الطُّلولْ

لَمْ أَجِدْ غَيْرَ سَرابٍ يَلْتَوي

بَيْنَ كُثْبانٍ بَتُولْ

تَتَعَرَّى فَوْقَها الأَبْراجُ والأَنْجُمُ!

ـ لا مَشْرَبٌ عِنْدي وَلا مَأْكَلْ

حَتَّى وَلا غُلْمانْ

وَاعْلَمْ صَديقي

قَبْلَما تَرْحَلْ

بِأَنَّنا نُؤَلِّهُ الإِنْسانْ

ـ وَهَلْ تُحِبُّ الأَرْضْ؟

ـ هِيَ سَمائي الْخالِدَه..

ـ إِيهِ مِنْ سَمائِكَ الْمَلآنَةِ بِالْبُغْضْ..

هُناكَ يا مَليكَ الْوِحْدَةِ

والطُّهْرْ

شَرائِعُ الْغاباتِ سائِدَه

هَيّا مَعي، زُرْها تَرَ

أَنَّ الْوَصايا الْعَشْرْ

مُبَعْثَرَه!

ـ مَهْما يَكُنْ مِنْ أَمْرْ

مَهْما يَكُنْ مِنْ أَمْرْ

فَحَسَناتُ الْعِلْمِ في بِلادِكُمْ

تَمْحو خَطايا الكُفْرْ..

**

أَنت البدر والنجوم


ـ1ـ

شَفَتاكِ لُؤلؤَتانِ مِنْ بَحْرِ التَّلاشي

وَقَدُّكِ المَمْشوقُ شِلْحُ فَضيلَةٍ

يَعْلوهُ ثَوْبٌ مِنْ قُماشِ

أَرَدْتُ يَوْماً نَيْلَهُ

فَأَصابَني شِبْهُ ارْتِعاشِ!

ـ2ـ

يا امْرَأَهْ..

يا حُلْمِيَ الصَّافي الْجَميلَ تَلَطَّفي

فَشَرابِيَ حُلْوُ الْمَذَاقِ

وَحَسْبُكِ أَنْ تَرْشُفي

قَدْ ذُقْتُ مِنْكِ الصَّدَّ حَتَّى كَأَنَّني

بِتُّ أَخافُ الْحُبَّ

رَغْمَ تَفَنُّني

فَأَنْتَحي مُتَذَمِّراً.. وَيَشُدُّني

شَوْقي إِلَيْكِ..

يَشُدُّني تَلَهُّفي.

ـ3ـ

سَنَواتٌ مَرَّتْ مِنْ عُمْري

سَنَواتٌ كَلَهيبِ الْجَمْرِ

كَالْبُغْضِ حيناً.. كالْقَهْرِ

لا أَدْري بِحالي.. لا أَدْري

أحَيٌّ أَنا..

أَمَيْتٌ أَنا..

وَأَسْأَلُ ذاتِيَ: ماذا يَصيرْ

إِذا اشْتَدَّ يَوْماً ظَلامُ اللَّيالي

أَتَسْخَرُ مِنْها النُّجومُ اللآلي؟

أَيَرْحَلُ بَدْرُ السَّماءِ الْمُنيرْ؟

**

يتيم


زِيدِي عَلَيَّ مِنَ الْهَوَى زِيدِي

وَحَرِّكي ،كَالسَّيْلِ،

صَخْرَ جُمُودِي

وَانْزَعي ثَوباً تَهَيَّبَ مَرَّةً

مِنْ أَعْيُنِي،

فَلَقَد شَفيتُ مِنَ البُرودِ

وَاعْلَمي أَنِّي رَبِيتُ بِدُونِ أُمٍّ

وَإِنِّي مُشْتاقٌ إِلَى طَعْمِ النُّهُودِ

يَتيماً عِشْتُ

يا بِنْتَ الرَّوابي

لَم أَضَعْ رَأْسِي عَلى لَحْمِ الزُّنودِ

أُريدُ الدِّفءَ في لَيْلٍ طَويلٍ

كَرِهْتُ الْعَيْشَ وَحْدِيَ في الْجُرودِ

رَفيقي اللَّيْلُ

مَعْ بَرْدٍ شَدِيدٍ

أَنِيسِي البَرْقُ

مَعْ قَصْفِ الرُّعودِ

بَذَلْتُ الْجُهْدَ أَبْحَثُ عَنْ فَتاةٍ

فَكُنْتِ أَنْتِ ما لاقَتْ جُهودي

فَبَعْدَ الآهِ

والدَّمْعِ الْمُصَفَّى

شَعَرْتُ الآنَ

ما طَعْمُ الوُجُودِ!

**

أعيديني إلى ذاتي


ـ1ـ

فَتَّشْتُ عَنْكِ في كُتُبِي..

فَتَّشْتُ عَنْكِ في أَسْفاري،

في تَعَبِي

وَكُنْتُ كَمَنْ أَضاعَ الْعُمْرَ

في أَحْداقِ مُنْتَحِبِ

أُناديكِ،

أُناجيكِ،

كَطَيْفٍ فاقِدِ النَّسَبِ.

ـ2ـ

هَتَفْتُ باسْمِكِ الْمَوْلودِ في أَدبي

فَجابَ الْكَوْنَ تَرْجيعي

وَداسَ مُعْظَمَ السُّحُبِ

فَرُحْماكِ أَعيديني إلى ذاتي

ولا تَغْتاظي مِنْ غَضَبِي

إذا يَوْماً تَشاكَيْنا

وَفَتَّشْنا عَنِ السَّبَبِ

فَلا يَحْلو لَنا عَيْشٌ

وَفي أَعْماقِنا نَجْمٌ مِنَ الأَحْزانِ

لَم يَغِبِ.

**

بحور العينين الصغرى


ـ1ـ

أَبكي،

وَأَنْدَهُ: عودي إِلَيّْ

فَرِياحُ اليَأْسِ تَهُبُّ عَلَيّْ

وَكَوَرْقَةِ صَفْصافٍ عالٍ

أَتَأَرْجَحُ، أَرْتَجِفُ،

أَلْوي..

أَقْتَرِبُ مِنَ الْمَوْتِ رُوَيْداً.

ـ2ـ

عَبَراتٌ تَهْطُلُ مِنْ عَيْنَيّْ

تُغْرِقُني.. تَدْفُنُ أَشْلائي

تَقْذُفُني في لُجَجِ الْماءِ

والزَّورَقُ يَرْتَطِمُ عَمْداً

بِصُخورِ الآهاتِ الْكُبْرى

وَبُحورُ الْعَيْنَينِ الصُّغرى

تَسْتَقْبِلُ شَتَّى الأَنواءِ!

**

أَنا لَسْتُ طَيْفاً


ـ1ـ

تَعالِي..

تَعالِي..

فَقِصَّةُ حُبِّي رَوَتْها النُّجومُ

لِصَمْتِ الليالي

لِحُزْنِ الليالي

وَأَنتِ سَرابٌ يَمُرُّ بِبالي

وَيَفْنى بِبالي..

ـ2ـ

قَسَوتِ كَثيراً عَلَيّْ

جَعَلْتِ الْحَياةَ تَئِنُّ..

تَموتُ..

وَتُدْفَنُ في ناظِرَيّْ

قَسَوتِ..

فَيا لَيْتَني لَمْ أَكُنْ أَيَّ شَيّْ!

ـ3ـ

دُموعي ذَرَفْتُها رَغْمَ الْجَفافِ

فَسالَتْ تَخُطُّ طَريقاً عَجيبَا

وَتُثْبِتُ أَنِّي غَدَوْتُ غَريبَا

وأَنّي سَحابٌ يَمُرُّ بِصَيْفٍ

فَيُمْطِرُ أَدمُعَ حُبٍّ كَئيبَه..

ـ4ـ

أَنا لَمْ أَتُقْ لِلَّيالي الطِّوالْ

أَنا لَسْتُ طَيْفاً

مَرَدّي الزَّوالْ

أَنا شاعِرُ الْحُبِّ

والْهَوى

والْجَمالْ

أَعيشُ لِلْجَمالِ

وَأَفْنى بِالْجَمالِ

تَعالي..

فَقَدْ بُحَّ صَوتي،

وَمَلَّ الصِّياحَ تَعالي

وَبِتُّ أَتوقُ لِهَمْسِ ابْتِهالْ

يُتَمْتِمُ كُلَّ صَباحٍ:

تَعالْ.

**

.. وتضحك جذلى


ـ1ـ

.. وَتَضْحَكُ جَذْلَى،

وَيَبْسُمُ ثَغْرُ اللآلِىءِ

في مَرَحٍ مُسْتَطابٍ

تَخالُ، لَدَيْهِ، الرَّبيعَ يَعيشُ بِفَمْ!

ـ2ـ

وَإِذْ بِالْعُيونِ تَطيرُ إِلَيْها

تَحُطُّ عَلَى وَجْنَتَيْها

وَتَلْثُمُ شَعْرَ الليالي

الَّذي قيل عَنْهُ: يُشَمُّ وَلَيْسَ يُضَمّْ

ـ3ـ

وَإِذ بِالْقُلوبِ تُنادي بِصَمْتٍ: تَعالي..

وَتَنْزِفُ نَبْضاً يَصُمُّ الصُّدورَ

وَيَبْذُرُ فيها الضَّجيجَ المُريعَ،

.. وَتَضْحَكُ،

تَضْحَكْ،

فَتَحْسَبُ أَنَّ الصُّدورَ تَقولُ:

لِتَبْقَى الصَّغيرَه..

عَلَوّاهُ يَبْقى الصَّمَمْ!

**

إلهي جديد عليكم


ـ1ـ

يَراعي،

تَوَقَّفْ يَراعي

فَقِصَّةُ عُمْري انْتَهَتْ مِنْ زَمانٍ

وَأَطْعَمْتُها للسَّرابِ

وَدَوَّنْتُها في سُطورٍ

مَحَتْها أَنامِلُ دَهْرٍ وَضيعْ

ـ2ـ

وَما عُدْتُ أَذْكُرُ مِنْها سِوى جُمْلَتَيْنِ:

وُلِدْتُ..

وَلكنّي مُتُّ قُبَيْلَ الْمَجيءِ

وَمِثْلي يَموتُ الْجَميعُ الْجَميعْ!

ـ3ـ

يَراعي تَوَقَّفْ ..

ولا تَلْمُسِ الدَّفْتَرَ الأَبْيَضَ

فَكُلُّ الوُرَيْقاتِ فيهِ حَزينَه

وَكُلُّ السُّطورِ اعْتَراها الذُّبولُ

وَراحَ يُقَلِّصُها الزَّمْهَريرُ

وَيَأْكُلُ مِنْها الصَّقيعْ.

ـ4ـ

خَيالاً أَتَيْتُ..

وَلَمْ تَرَني الْعَيْنُ،

أَو يَنْتَبِهْ لِوُجودي الوُجودُ

رَحَلْتُ كَما السُّحُبُ والطُّيورُ

تُهاجِرُ..

تَرْحَلُ نَحْوَ الْبَعيدْ..

ـ5ـ

ضَرَبْتُ خِيامي.. وَعِشتُ وَحيداً

أَنا وَالتَّأَمُّلُ في قَعْرِ وادٍ سَحيقٍ

أُناجي.. وَأَعْبُدُ رَبّاً أَصَمّاً

عَيِيَّ اللِّسانِ

وَعَيْناهُ يابِستانِ

إِلهي جَديدٌ عَلَيْكُمْ

أَلَسْتُمْ تُحِبُّونَ كُلَّ جَديدْ؟

جريدة التلغراف البيروتية، العدد 8230، 10 آب 1970

**

حياتي: رجع بوح الشقاء


ـ1ـ

حَياتِي..

كَجُرْحٍ ثَخينٍ

غَزَتْهُ الدِّماءُ

وَضاعَتْ بِهِ هَمْهَماتُ الْمَآسي..

حَياتِي:

أَلَيْسَتْ هِيَ رَجْعَ بَوْحِ الشَّقاءْ؟

ـ2ـ

أَطيرُ ..

كَفَرْخِ حَمامٍ

رَأَى الْجَوَّ مُنْخَفِضاً فَعَلا.. وَانْتَشى

حَتَّى غابَ عَنْ ناظِرَيْهِ

سِحْرُ الْفَضاءْ.

ـ3ـ

أَكَلْتُ الْهَناءَ..

فَلَمّا شَبِعْتُ،

أَصابَني شِبْهُ خَواءْ

شَرِبْتُ السَّعادَةَ يَوْماً،

فَأَحْسَسْتُ أَنّي شَرِبْتُ الْهَواءْ

ـ4ـ

رَسَمْتُ الأَماني قُصوراً،

بَنَيْتُ لَها الْقِبَبَ وَالْحُصونَ،

وَزَيَّنْتُها بِالزُّمُرُّدِ،

بالنَّجْمِ،

بِالْقَمَرِ الزِّئْبَقيِّ،

وَلَمّا صَحَوْتُ،

ذُعِرْتُ أَنا.. إِذْ رَأَيْتُ الْقُصورَ تَلاشَتْ

وَأَضْحَتْ هَباءْ.

ـ5ـ

نُبِذْتُ لِفَقْري،

رُجِمْتُ،

طُعِنْتُ مِراراً، وَلَمْ أَتَأَفَّفْ..

ولكِنِّي قُلتُ بِصَمْتٍ شَديدٍ:

أَهذا، إِلهِيَ، ما تَبْتَغيهِ السَّماءْ؟

**

غداً، سوف أرحل


ـ1ـ

هَجَرْتُكِ..؟!

كَيْفَ هَجَرْتُ الرَّبيعَ

أَنا الطَّائِرُ

الْمُنْشِدُ أَشْعارَ حُبٍّ أَفَلْ؟

ـ2ـ

طَوَيْتُ السّنينَ،

قَتَلْتُ كِبارَ الأَماني،

لأَهْرُبَ مِنْكِ..

مَحالُ..

فَلَسْتُ أَطيقُ احْتِمالَ الْمَلَلْ

ـ3ـ

تَقولينَ لي في الصَّباحِ:

تُحِبُّني؟

"إنّي أُحِبُّكِ أَكْثَرْ،

فَأَفْكاري تَحْمِلُكِ وَتَطيرُ

تَطيرُ اتِّجاهَ الأَزَلْ".

ـ4ـ

وَعِنْدَما يَأتي الْمَساءُ،

وَيَبْتَلِعُ الْبَحْرُ شَمْسَ النَّهارِ

تَقولينَ لي

وَيداكِ تَشُدّانِ ثَغْري بِغُنْجٍ:

تُحِبُّني؟!

"إِنّي أُحِبُّكِ أَكْثَرَ

يا مُنيَتي والأَمَلْ".

ـ5ـ

.. وَتَمْضي السُّنون،

وَتَرْحَلُ..

حامِلَةً أَلْفَ أَلْفِ " تُحِبُّني؟

إِنّي أُحِبُّكِ أَكْثَرْ.."

وَفي لَيْلَةٍ لَمْ تَطَأْها النُّجومُ

كَتَبْتُ عَلى دَفْتَرِ الذُّكْرَياتِ:

"غَداً،

سَوْفَ أَرْحَلْ"..

**

أَنا والحزن


ـ1ـ

أَنا والْحُزْنُ أَتْرابٌ

قَضَيْنا الْعُمْرَ

في جَذْلِ

جَعَلْتُ الحُزنَ لا يَبْكي

جَعَلْتُه يَضْحَكُ مِثْلي

غَزَلتُ الْبَهْجَةَ لَمَّا

بَكَى الْحَقْلُ

عَلى الفُلِّ

وَقالَ الْعُشْبُ في غَيْظٍ:

أَلا تَحْزَنْ مَعَ الْحَقْلِ

وَأَنْتَ الْعُودُ

وَالأَوْرَاقُ

أَنْتَ الزَّهْرُ للنَّحْلِ؟

ـ2ـ

فَقُلْتُ:

الْعُمرُ ساعاتٌ

تَمُرُّ، تُسْرِعُ، تَجْري

أَنَقْضيها بُكاءً جارِحاً..

.. مُرّاً،

أَلا فَادْرِ

بِأَنَّ الْعَيْشَ في الأَكْوانِ

يُنْهِيهِ لَظى الْقَهْرِ

**

أغني


ـ1ـ

تَناوَلْتُ عودي..

وَرُحْتُ أُدَنْدِنُ أُغْنِيَةً

عَنْ غَرامي،

فَإِذْ بِالطُّيورِ تَرِفُّ

وَتَشْدو،

وَبِالْمَرْجِ يَصْرُخُ مَلْيونَ آهْ..

ـ2ـ

أُغَنِّي،

أُغَنّي،

لِمَرْجٍ خَصيبٍ،

فَتَطْرَبُ عَيْناهُ

حَتّى الدُّموعِ،

وَيَبْقى يَصيحُ وَيَنْدَهُ:

زِدْني غِناءً شَجِيّاً،

وَزِدْني صَلاهْ..

**

أسياد القرون


ـ1ـ

إِنّي أريدُكِ أَن تَكوني

وَرْدَةً،

ضَوءاً يَرِفُّ عَلى شَبابيكِ الْعُيونِ

أَو نَسيماً يُنْعِشُ الْقَلبَ العليلْ.

ـ2ـ

إِنّي أُريدُكِ أَنْ تَكوني

رَفَّةَ عِطْرٍ،

وَأَحْلاماً تُداعِبُني عَلى مَرِّ السِّنينِ

أَو سَلاماً يَنْشُرُ الْفَجْرَ

وَيُلْغي الْمُسْتَحيلْ.

ـ3ـ

إِنّي أُريدُكِ أَن تَكوني

مَوْطِناً..

نَشْتاقُهُ وَالليلُ يَغْرَقُ بِالْحَنينِ

اَو مَلاكاً

يَرْفُلُ كالطَّيرِ بِالثَّوبِ الْجَميلْ.

ـ4ـ

لا.. لَنْ تَكوني

غَيْرَ عِرْقٍ مِنْ عُروقي

كَي نَظَلَّ نُقطَةَ الْوَصْلِ الْوَحيدَةَ

بَينَ ليلٍ وَشُروقِ

نَحْنُ إِن مَرَّتْ قُرونٌ

كُنّا أَسْيادَ الْقُرونِ.

**

أتربة الحزن


ـ1ـ

غَريبٌ أَنا..

في دِيارِ الأَحِبَّةِ

أَمْشي،

وَأَرْكُضُ خَلْفَ الضَّياعِ

وَأَغْزُلُ نَجماً كَنَجْمِ الْمَجوسِ

مُضيئاً،

لِيُرْشِدَني إِلى مِذودِ حُبِّي.

ـ2ـ

أَنا..

مَنْ أَنا؟

مَنْ أَكونُ؟!

فَصَمْتي رَهيبٌ،

وَعَيْشي كَئيبٌ،

وَأَتْرِبَةُ الْحُزْنِ تَأكُلُ نَعْلي

وَجَورَبِيَ الْعالِقَ خَوفاً

بِأَطرافِ ثَوبي.

ـ3ـ

أَنا..

مَنْ أَنا؟

هَلْ غُباراً أَتَيْتُ مَعَ الرِّيحِ

في لَيْلَةٍ مِنْ لَيالي الشِّتاءِ الْبَغيضِ

وَلَفَّني

لَفَّني

بَرْدٌ شَديدٌ

أَطاحَ بِعَقْلي..

فَرُحْتُ أُفَتِّشُ بَيْنَ الضَّبابِ

وَأَنْدَهُ:

يا ابْنَ التُّرابِ

تَمَهَّلْ..

فَفي صَدْرِكَ الرَّحْبِ

أَشْلاءُ قَلْبي.

ـ4ـ

.. وَضاعَ نِدائي

الَّذي لَمْ يَكُنْ لي سِواهُ رَفيقاً،

فَحينَ أَمَلُّ أُغَنّي لِذاتي،

لِسَمْعي،

لِوَحْشَةِ دَرْبي.

بيروت، صباح الخير، العدد 170، 17 تشرين الثاني 1969

**

سر الخبر


سُئِلْتُ أَلْفَ مَرَّةٍ عَمّا بِيَا

وَكَتَمْتُ عَنْ كُلِّ الْبَشَرْ

سِرَّ الْخَبَرْ

لا.. لا تَقولوا أَنانِيَه

قولوا: أَحَبَّتْ عَنْ حَذَرْ

وَلَمْ تَبُحْ باسْمِ الَّذي حاكَ الصَّباحَ

والْقَمَرْ

شالاً حَريرِيّا

شَالاً عَلى لَونِ الزَّهَرْ

وَشَّاهُ بِالنَّجْمِ الصَّغيرْ

حَلاّهُ بِالْبَدْرِ الْمُنيرْ

ثُمَّ.. وَيا فَرَحَ الغَديرْ

أَهْداهُ لي،

مُتْ يا غُنْجَ الْمُخْمَلِ

أَصْبَحْتُ فيهِ،

وَلَمْ أَزَلْ،

طَيْفاً لِحورِيَّه.

**

ضمير الرأفة


ـ1ـ

ـ خُذْ وَابْتَعِدْ..

سَأَصْفَعُكْ..

إذا اقْتَرَبْتَ، مَرَّةً أُخْرى،

كَعَبْدٍ.. تَبْتَغي اللُّقْمَةَ مِنِّي.

ـ2ـ

.. وَابْتَعَدْتُ

مُسْرِعَ الْخَطْوِ إِلَى حِضْنِ الأَزِقَّةِ

وَالزَّوايا،

أَلْعَنُ يَومَ وُلِدتُ

وَمَدَدتُ أَذرُعي للنّاسِ

كَيْ يَنزاحَ ثِقْلُ المَوْتِ عَنِّي.

ـ3ـ

.. وَابْتَعَدْتُ، مِثْلَ لَيْلٍ مُدلَهِمٍّ،

يَغْرُسُ الْعَيْنَيْنِ تَحْديقاً وَخَوفاً،

وَمَشَيْتُ عارِيَ الْكَفَّيْنِ

مَغْلولَ الْيَدَيْنِ

فَوقَ آمالي وَأَفكاري..

وَظَنّي.

ـ4ـ

يا ضَميرَ الرَّأفَةِ..

الْمطْعونَ بِالأَظافِرِ الْخَرساءِ

في لَيْلاتِ حُبٍّ وَهوىً.

أَذْكُرُ يَوْمَ جِئْتُكَ مُنْحَنِياً

كَاللَّعْنَةِ أُدَبْدِبُ،

وَقُلْتُ لَكْ: أُريدُ مِنْكَ رَحْمَةً..

وَأَذْكُرُ كَيْفَ صَرَختَ عالياً:

ماذا بِكَ؟.. ماذا بِكَ؟

تُغَنّي.. ثُمَّ تَشْحَذُ.. ثُمَّ تُغَنّي؟

ـ5ـ

يا ضَميرَ الرّأفَةِ المجنونِ من صُراخيَ

لَو لَمْ أَكُنْ عَقْراً بِهِ الدِّيدانُ تَرْتَعْ..

أَو أَنيناً يَجْرَحُ الآذانَ، عَفْواً،

فَأَنيني لَيسَ يُسمَعْ

لانْحَنَيْتَ خاضِعاً مُسْتَسْلِماً لِرَغْبَتي،

وقُلْتَ لي: أُطلُبْ تَجِدْ

حَتّى النُّجَيْماتِ الَّتي لا تَدْخُلُ فلكَ التَّمَنّي.

بيروت، صباح الخير، العدد 175، 22 كانون أول 1969

**

هل ترين؟


ـ1ـ

هَلْ تَرَيْنْ..

كَيْفَ أَنَّ الياسَمينْ

يَتَبَنَّى الرَّوْضَ

والطِّيبَ الْحَزينْ؟

ـ2ـ

هَلْ تَرَيْنْ..

كَيفَ أَنَّ البَسْمَةَ

رَغْمَ الأَنينْ

تَطلَعُ كَالْبَدرِ في لَيْلِ الْحَنينْ؟!

ـ3ـ

لِمْ يا حَياتي تَعْبُسينْ

وابْتِهالُ الشَّمسِ يَحْلو

كُلَّما في الْجَوِّ تَعْلو

ضِحْكَةٌ مِغْناجَةٌ

ذاتُ رَنينْ؟

**

قبلة


قَبِّلِينِي قُبْلَةً

ثُمَّ ارْجُمِينِي

لَـمْ أَعُدْ أَرْضَى بِغُلْبِي

.. وَأَنِينِي

قُبْلَةً مِنْكِ حَيَاتِي تَبْتَغِي

فَاعْطِينِيهَا رَحْمَةً

إِنْ تَرْحَمِينِي

**

ليس أَحلى


ـ1ـ

لَيْسَ أَحْلى مِنْ خُدودٍ

تَبْسُمُ

إن مَسَّها العِطرُ..

وَذابَا

ـ2ـ

لَيسَ أَحْلى

مِنْ عُيونٍ خَلْفَها كَرْمٌ

أَتَتْهُ الشَّمسُ مُشْرِقَةً..

فَطابَا

ـ3ـ

لَيسَ أَحْلى

مِنْ ثُغورٍ

تَضْحَكُ لِلْبَدرِ لَيْلاً

رَغْمَ أَنَّ الْبَدرَ..

غابَا

**

الضحكة الجذلى


.. وَضَحِكْتِ

آهِ مِنْها الضِّحْكَةُ الْجَذْلَى

فيها بَوْحٌ لَيْسَ يَخْفى

مِثْلَ ضَوءٍ لامَسَ الْماءَ فَجَفَّ

آهِ مِنْها أَسْكَرَتني

ضَيَّعَتْني

ضِحْكَةٌ.. في سَبْكِها اللّهُ تَجَلَّى

**

حوار


ـ أَتَنْدُبينَ حَظَّكِ أَتَندُبينْ

إِنّي أَرى في الْعَيْنِ

أَلْفَ شَيْطانٍ حَزينْ؟

ـ لا أُبالي بِهِ، إِن أَتى أَو رَحَلْ

ـ إِنْ أَتى..!

ما أُحَيْلى الأَمَلْ

ـ ضاعَ خَلْفَ السِّنينْ

ـ وَغَزا الْحُزْنُ قَلْبَكِ وَالأَنينْ

ـ ..وَالأَنين

**

الوتر الصَّامِت


يَئِنُّ النَّايُ، مَنْ يَسْمَعْ؟

فَفي الوادي شُعاعُ الْفَجْرِ يَبْتَهِلُ

فَيا عُمْري..

وَيا رَنَّةَ وَتَري الْجامِدْ

بُكاؤكِ أَنَّاتُ الْجَرْحى

دُموعُكِ غَيْثٌ لا يَرْوي

فَصَمْتاً.. صَمْتاً إِذا شِئْتِ

ففي الصَّمْتِ..

خُشوعُ النَّاسِكِ الْعابِدْ

**

هَنيئاً لِمَن في الْبُطونِ


ـ1ـ

وَقَفْتُ أُراقِبُ نَجْماً بَعيداً

كَأَنِّيَ شَمْسٌ تَخافُ الْمَغيبَ

وتَجْفُلُ مِنْهُ،

كَطِفْلٍ صَغيرٍ رَمَوْهُ بِأَفْعى.

ـ2ـ

تَجاوَزْتُ عُمري ،

وَعُمري سَرابٌ

وَدُنْيا تَعِجُّ بِقَوْمٍ أَتَوْها

وَحَطُّوا الرِّحالَ

وَناموا كَصَرْعَى.

ـ3ـ

هَنيئاً لِمَنْ في الْبُطونِ

لِكُلِّ جَنينِ

فَدُنْياهُ أَجْمَلُ دُنْيا حَمَاها الإِلهُ..

وَدُنياهُ فيها السَّعادَةُ، فيها الهَناءُ

وَأَشْياءُ كُنْتُ بِها أَنْعَمُ، أَمْرَحُ،

وَأَرْعَى..

ـ4ـ

بَكَيْتُ، وَأَبْكي..

ففي سَقْسقاتِ الدُّموعِ

عَزاءٌ لِقَلبي، وَنورٌ لِدَربي،

يَشِعُّ كَنَجْمَةِ صُبْحٍ،

كَبَدرٍ، كَشَمْعَهْ!

**

حصان طروادة


كلّكم

أجل كلّكم

حصانُ طرواده

غدرتُم بالوطَنْ

قَبَضتمُ الثَّمنْ

لكنّ شعبي رغم آلامِ الْمحنْ

يُعيدُ أمجادَه

**

إساءة


كلُّ منْ يُسيءُ أو أساءْ

لتُربَةِ الأجدادِ والآباءْ

نذلٌ، كريهٌ، مبتذلْ

لا يعرفُ الأخلاقَ

أو يعاقرُ الْخجلْ

لبنانُ لا يبنيهِ إلاّ الأوفياءْ

**

كفن


حملتُ همَّك أبداً

ورحتُ أبحث ُ عنْكَ

أيا وطني..

وأشْكو شَعْبَك  المَفْتُونَ بالفِتَنِ

أنا الإبنُ الذي تاهَ

بدُنيا الكُفْر والوَثَنِ

ستلقاني، أيا حبي،

ولكنْ داخلَ الْكَفَنِ

**

مشانق


مَشَانِقٌ لَنَا..

لَنَا تُعَدُّ.

لِلرِّقَابِ الطَّرِيَّه

لِلنُّفُوسِ الأَبِيَّه

لِلآرَاءِ الَّتِي لا تُحَدُّ.

**

طير السماء


أَلْبُومُ يَنْعَقُ،

أَلْبُومُ يَنْعَقُ،

وَطَيْرُ السَّماءِ

فِي التِّينَةِ الْحَمْقَاءِ

يُشْنَقُ.

**

الناس لا تفهم


النَّاسُ رَاكِعَةٌ تُصَلِّي

وَالْمَعابِدُ تَتَهَدَّمْ

النَّاسُ تُصَلِّي

دُونَ أَنْ تَفْهَمْ..

**

بطل


تَعْ.. تَعْ.. تَعْ..

وَلَعْلَعَ صَوْتُ الرَّصَاصْ

وَقُتِلَ الْبَطَلْ.

فَصَاحَ طِفْلٌ قَائِلاً:

قَدْ جُرِحَ الأَزَلْ.

**

أنياب الزعيم


أَشُمُّ رَائِحَةَ الْبَارُودِ

مَعَ النَّسِيمْ..

مِنْ أَيْنَ جَاءَتْ يا تُرَى؟

.. مِنْ بَيْنِ أَنْيابِ الزَّعِيمْ!

**

تابوت


قالَتِ الأَرْزَةُ لِلْجَبَلْ:

الشَّعْبُ يَمُوتْ

الشَّعْبُ يَمُوتْ

قُصَّ أَغْصانِي

وَحِكْ مِنْها تابُوتْ.

**

ملحمة


عَلَى ضَوْءِ الشُّمُوعْ

سَنَكْتُبُ مَلْحَمَةً عَظِيمَةً

بِأَحْرُفٍ

مِنْ

دُموعْ.

**

شمس الوطن


طُيُورُنا..

تُريدُ أَنْ تُعَشِّشَ، تُزَقْزِقَ..

بِاللّهِ قُولُوا لِلْقَمَرْ

لِكُلِّ أَغْصانِ الشَّجَرْ

وَاجْبِرُوا شَمْسَ الْوَطَنْ

أَنْ تُشْرِقَ.

**

خنجر أحمر


سَنَطْعَنُ الْجُوعَ

بِخِنْجَرٍ أَحْمَرْ

وَفَوْقَ مَقْبَرَتِهِ

سَنَكْسِرُ الْخِنْجَرْ

**

حقارة


قَالَتِ الْغَيْمَةُ لِلْقَمَرْ:

كُلَّمَا فِي الأَرْضِ

أَمْعَنْتُ النَّظَرْ

أُتَمْتِمُ: ما أَحْقَرَ الْبَشَرْ.

**

جثّة


أَرَى غُرَاباً يَطِيرْ

غُرَاباً أَسْوَدَ

وَجُثَّةً قُرْبَ غَدِيرْ

مِياهُهُ مُجَمَّدَه.

**

بلاد ضائعة


.. وَكَالْمَطَرْ

يَتَسَاقَطُ الْخَطَرْ

فِي بِلادٍ ضَائِعَه

عارِيَةٍ وَجائِعَه

وَكُلُّ مَنْ فِيها كَفَرْ

أَوْ هَجَرْ

**

صمت الأحزان


رُوَيْداً، رُوَيْداً..

يَغِيبُ النُّورُ عَنْ عَيْنَيّْ

وَأَيّامي تَمُوتُ وَتُدْفَنُ فِي رَاحَتَيّْ

وَفَمي يَيْبَسُ وَلِسانِي

يَصِيحُ بِصَمْتِ الأَحْزانِ:

بِلادَكْ، أَنْقِذْ، يا بُنَيّْ.

**

غربة


بِلادُنا.. الْحَدِيقَةُ الْغَنَّاءْ

تَبْتَلِعُ طُيُورَها الضَّغِينَه

تَجْتاحُها الْعَوَاصِفُ الْهَوْجاءْ

تَقْتَلِعُ الْمَدِينَةَ تِلْوَ الْمَدِينَه

وَتَبْذُرُ الرِّجالَ والأَطْفالَ وَالنِّساءْ

فِي صَحارَى الْغُرْبِةِ الْحَزِينَهْ.

**

سهم حاقد


عُيُونُ الْمَجْد إِنْ تَدْمَعْ

فَدَمْعُهَا يَرْوِي ما نَزْرَعْ

وَلكِنَّا فَقَأْناها

بِسَهْمٍ حاقِدٍ يَصْرَعْ..

**

أحفاد


قالَ الرَّئيسُ سَاخِراً: نَعَمْ.. نَعَمْ..

نَحْنُ أَحْفادُ الَّذِينْ

تَغَلَّبُوا عَلَى السِّنِينْ

وَهَذَّبُوا الأُمَمْ!

**

عرش الإله


النِّيرانُ تَأْكُلُ الْعَلَمْ

النِّيرانُ تَأْكُلُ الْعَلَمْ

أَسْرِعُوا..

هَاتُوا الْمِياهْ

قَبْلَ أَنْ يَنْهارَ

عَرْشُ الإِلَه!

**

قلاع


سَنَسْتَحِمُّ عَلَى ضِفَافِ الصَّبَاحِ

وَنَغِزِلُ شَرَانِقَ الأَمَلْ

وَنَبْنِي مِنْ عاتِياتِ الرِّياحِ

قِلاعاً..

سَتَبْقَى،

وَلَوْ يَفْنَى الأَزَلْ.

**

طريق الزمن


..وَمَشَيْنا بِخُطىً ثَابِتَةٍ

عَلَى طَريقِ الزَّمَنْ

وَلَمَّا وَصَلْنَا إِلَى الْعُلَى

ضَاعَ

مِنَّا

الْوَطَنْ.

**

مات


انْكَسَرَ الْخَيْرُ

عَلَى صُخُورِ الشَّرِّ

وَانْدَثَرْ

كَالْعَبَرَاتْ..

وَغَضِبَ الْحَقُّ مِنَ الْخِدَاعِ

فَانْتَحَرْ

وَماتْ.

**

صورة


الضَّمِيرْ..

الضَّمِيرْ..

الضَّمِيرْ..

صُورَةٌ مَزَّقَهَا طِفْلٌ صَغِيرْ

وَرَماها بَيْنَ أَحْضَانِ السَّريرْ.

**

يد القدر


الضَّبابُ يُغَلِّفُ الْقُلُوبَ

وَيَحْجُبُ النَّظَرْ..

وَيَدُ الْقَدَرْ،

تَمْتَدُّ عَبْرَ الضَّبابِ

لِتَخْنُقَ الْبَشَرْ.

**

الطيور الشاردة


الْخَرابُ يَزْحَفُ نَحْوَ الْمَدِينَه

يَخْتَرِقُ جِدَارَ الصَّمْتِ

وَالسَّكِينَه

وَالطُّيُورُ الشَّارِدَه

فِي اللَّيَالِي الْبَارِدَه

تُرَتِّلُ التَّراتِيلَ الْحَزِينَه.

**

شرارة


هَذَا الزَّعِيمُ اللَّئِيمْ..

هَذَا الزَّعِيمُ اللَّئِيمْ..

شَرَارَةٌ

تَطَايَرَتْ مِنَ الْجَحِيمْ

فَأَلْهَبَتْ جَنائِنَ النَّعِيمْ.

**

لا تسمع


الأَفْواهُ تَتَكَلَّمْ

وَالْعُيُونُ تَدْمَعْ

وَلَكنَّ الآذانَ

لا تَسْمَعْ..

لا تَسْمَعْ.

**

ضريح الشهداء


سَأَبْكِي عَلَى ضَرِيحِ الشُّهَداءْ

وَأَذْرُفُ دُمُوعاً

اسْتَعَرْتُها مِنَ السَّماءْ

سَأَبْكِي..

وَإِنْ كانَ لا يُجْدِي الْبُكاءْ.

**

رئيس الحزب


ماتَ رَئِيسُ الْحِزْبِ

يا لَلْفَاجِعَهْ

ـ أَيْنَ سَيُدْفَنُ؟

ـ فِي الأَرْضِ..

ـ مَنْ يَدْرِي،

فَقَدْ تَكُونُ الأَرْضُ

لَيْسَتْ جَائِعَه.

**

دنو الأجل


رَكَعْتُ أُصَلِّي

وَمُقْلَتِي تَدْمَعْ

وَقَلْبِي يَئِنُّ أَنِينَ الْوَجَلْ

فَقُلْتُ: إِلَهِي لِمَنْ أَتَضَرَّعْ

لِيُنْقِذَنِي مِنْ دُنُوِّ الأَجَلْ.

**

توبة


الثَّوْرَةُ..

تَمْحُو الْخَطايا والذُّنوبْ

الثَّوْرَةُ..

مَعْمُودِيَّةُ الشُّعُوبْ

الثَّوْرَةُ..

تَوْبَةُ مَنْ لا يَتُوبْ.

**

سكوت


..وَصَاحَ السَّلامُ

بِصَوْتٍ كَأَنَّهُ السُّكُوتْ:

سَيَحْيَا الشَّعْبُ

وَالْقَبْرُ يَمُوتْ.

**

سيف المجاعة


سَمْعاً وَطاعَهْ سَيِّدِي

سَمْعاً وَطاعَه

وَلَكِنْ حَذَارِ.. حَذَارِ

فَفي يَدِي سَيْفُ الْمَجاعَه.

**

إبن الجوع


الْجُوع..

الْجُوعْ..

لا يَلِدُ ابْنَهُ

إِلاَّ عَلى ضَوْءِ الشُّمُوعْ

وَسَقْسَقاتِ الدُّموعْ.

**

اللص الحقير


.. وَأَخِيراً

أُلْقِيَ الْقَبْضُ

عَلى اللِّصِّ الْحَقِيرِ

سَارِقاً أَمْوالَ شَعْبِي

فِي سَراياه الْكَبِيرِ.

**

كسرة خبز

إِذَا مُتْنا..

فَمَنْ مِنْكُمْ سَيُطْعِمُنَا

وَيَنْشُلُنا مِنَ الْجُوعِ؟

فَكَسْرَةُ خُبْزٍ تَكْفِينا

وَنُقْطَةُ ماءٍ تَرْوينا

فَلا نَبْغِي سِوَى ذَلِكْ

لِنُحْيِي قَلْبَنا الْهَالِكْ

فَقَلْبُنا لَـمْ يَعُدْ فِينا.

**

حر شريف


ـ1ـ

لا..

وَحَقّ الْعَيْشِ لا

لَنْ يَقُودَنِي غَيْرُ رَبِّي

لَنْ أَدَعْهُمْ يَسْلُبُوني دِماءَ قَلْبِي

فَدَمي مُلْكٌ لأَرْزَه

خَلَّدَتْ شَعْبِي وَعِزَّه.

ـ2ـ

لا..

وَحَقّ الْعَيْشِ لا

لَنْ أَدَعْهُمْ يَسْخَرُونَ مِنِّي

أَوْ يَتَكَلَّمُونَ عَنِّي

فَإِنِّي..

لَسْتُ أَرْضَى بِكَلامٍ

لا يُعَبِّرُ عَنْ آرائي

فَأَنا حُرٌّ شَرِيفٌ

جِئْتُ دُنْيايَ أَبِيَّا

وَمَتى حانَ انْتِهائي

سَوْفَ أَتْرُكُها أَبِيَّا.

**

موتى


ـ1ـ

أَنَبْكِي..

وَلَسْتُمْ بِمَوْتَى قُبُورْ؟

أَنَبْكي الشُّموسَ؟

اَنَبْكي الْبُدُورْ؟

أَنْبكي..

وَنَحْنُ اصْفِرارُ الْخَريفِ

وَأَنْتُمْ لِرَوْضِ الْبَقاءِ

زُهُورْ؟

ـ2ـ

أَنَبْكي..

وَهَلْ نَبْكي مَنْ خَلَّدَا

شُعُوباً..

تَراءَتْ لَنا مُبْعَدَه

أَأَبْناءُ أَرْزٍ

يَعِيشُونَ ذُلاًّ

وَهُمْ لِجَفافِ الْجَفافِ

نَدَى؟

**

وحش رهيب


ـ1ـ

ماذَا أَقُولُ

وَقَدْ بُحَّ صَوْتِي

وَصِرْتُ أُحِسُّ بِضِيقٍ عَظِيمْ

وَصِرْتُ أَرَى..

أَتَخَيَّلُ مَوْتِي

كَوَحْشٍ رَهِيبٍ بِشَكْلِ زَعِيمْ؟!

ـ2ـ

وَصِرْتُ أُشَاهِدُ أَبْناءَ شَعْبِي

كَقِطْعَةِ لَحْمٍ فِي بِئْرِ ذِئابْ

فَأَبْكِي..

وَأَبْكِي

وَأَسْتَجْدِي رَبِّي

لِيُبْعِدَ عَنْ أَرْضِي نَعْيَ الْغُرَابْ!

ـ3ـ

ماذَا أَقُولُ وَجُرْحِيَ يَنْزِفْ

وَلَـمْ يَبْقَ إِلاَّ قَلِيلُ دَمِ؟!

ماذَا أَقُولُ

وَجُوعِيَ مُقْرِفْ

وَلُقْمِتِي تَأْبَى دُخُولَ فَمِي؟!

**

حذاء الشر


ـ1ـ

عَلى طُرُقاتِ الْقَدَرْ

نَسِيرُ تائِهِينْ

مُطَأْطئي الْجَبِينْ

نَنْتَعِلُ حِذَاءَ الشَّرِّ وَالْخَطَرْ

ـ2ـ

عَلَى طُرُقاتِ الْقَدَرْ

كَتَبْنا بِأَقْدَامِنا أُسْطُورَةً

تَحْكي حَيَاةَ بَشَرْ

شَقُّوا بِحارَ الزَّمانْ

بِمَرْكَبٍ أَخْضَرْ

خَشَبُهُ مِنْ سِنْدِيَانْ

شِرَاعُهُ ضَوْءُ الْقَمَرْ..

ـ3ـ

مَرْكَبُنا الأَخْضَرْ

شَقَّ الرِّياحَ الْعاتِيَه

مُذْ كانَتْ فِينِيقِيَا

وَالْيَوْمَ يَتَكَسَّرْ

عَلَى صَخْرِ انْقِسَاماتِنَا يَتَكَسَّرْ

وَالْحَقُّ لَيْسَ عَلَيْنا بَلْ عَلَى الرُّبَّانْ..

مَرْكَبُنا الأَخْضَرْ هُوَ لُبْنانْ.

**

الطائفيّة


ـ1ـ

تَسْأَلُونِي يا أَعِزَّائِي الْكِرَامْ

ماذَا تَعْنِي الطَّائِفِيَّه؟

هَلْ هِيَ رُوحُ التَّعَصُّبِ وَالْخِصَامْ؟

أَمْ هِيَ حِقْدٌ وَكُرْهٌ وَانْقِسَامْ؟

تَسْأَلُوني وَالدُّمُوعُ تَنْسَكِبْ:

هَلْ هِيَ مَوْجُودَةٌ؟

عَجِّلْ.. أَجِبْ.

ـ2ـ

فَأُجِيبْ:

إِنَّ فِي لُبْنانِنا الْحَبيبْ

حَيْثُ الْهِلالُ والصَّليبْ

مُتَّحِدانِ لِلأَبَدْ

كَاتِّحادِ الرُّوحِ وَالْجَسَدْ

يَسْتَحِيلُ..

يَسْتَحِيلْ..

أَنْ تَحُلَّ الطَّائِفِيَّه

أَنْ تَغُوصَ الأَنْفُسُ الطَّاهِرَةُ الأَبِيَّه

في آبارٍ شَيْطَانِيَّه

حَفَرَتْها الانْقِساماتُ السِّياسِيَّه.

**

ستحرقون


ـ1ـ

يا مَعْشَرَ الْيَمينِ وَالْيَسَارْ

بِالرَّغْمِ مِنْ أُنُوفِكُمْ

سَيَحْدُثُ ائْتِلافْ

سَتَلْتَقِي الْقُلُوبُ في حَدائِقِ الْوَطَنْ

سَيَرْجِعُ الزَّمَنْ

سَتُشْبَكُ الأَيادي وَالْحَناجِرُ تَصِيحْ:

لا يُوجَدُ اخْتِلافْ..

ـ2ـ

وُجُودُكُمْ مَبْني عَلَى الْكَرَاهِيَه

عَلَى الْخِصَامِ الْمُفْتَعَلْ

وَالطَّائِفِيَّه..

وُجُودُكُمْ كَراهِيَه!

ـ3ـ

كُنَّا عَلَى دُرُربِكُمْ نَسِيرُ فِي الظَّلامْ

عُيُونُنا مُفَتَّحَه..

لكِنَّنا نِيَامْ

عَلَّمْتُمونا الْحِقْدَ فِي مَدارِسِ الْكَلامْ

لَقَّبْتُمونا بِالْمَحاسيبِ وَبِالأَزْلامْ

أَقْنَعْتُمونا أَنَّكُمْ حَمائِمُ السَّلامْ

حَمائِمُ السَّلامْ!!..

ـ4ـ

خَدَعْتُمُونا..

وَالدِّينُ والْقَانُونُ حَرَّما الْخِداعْ

سَنُطَبِّقُ الْقَانُونْ..

فَأَنْتُمْ مُذْنِبُونْ

وَالْحَقُّ لا يُباعْ.

ـ5ـ

غَداً..

عَلَى مَشَانِقِ الشُّعُوبِ تُرْفَعُونْ

وَتُرْجَمُونَ بِالْحِجارَةِ السَّوْداءِ تُرْجَمُونْ

وَلَعْنَةَ الآباءِ والأَبْناءِ تَلْبِسُونْ

ـ6ـ

غَداً..

مَتى دَخْلْتُم الْجَحِيمَ تُحْرَقُونْ

وَتُحْرَقُونَ.. تُحْرَقُونَ.. تُحْرَقُونْ

لأَنَّكُمْ مُدَنَّسُونْ

أَكْثَرُ وَأَكْثَرُ مِمَّا يَكُونْ!

**

نائب


ـ1ـ

نَائِبْ..

أَرَادَ أَنْ يَكْتِشِفَ الْغَرائِبْ

وَأَنْ يَقُومَ بِالْعَجائِبْ

فَدَعَا أَزْلامَهُ

وَصَفَّهُمْ أَمامَهُ

وَقَالْ:

يَا رِجالْ..

ما هذِهِ الأَحْوالْ؟!

لَيْسَ هُناكَ أَكْلٌ

لَيْسَ هُناكَ مالْ..

ـ2ـ

يا رِجالْ..

ما رَأْيُكُمْ لَوْ أَنَّنا نَثُورْ

وَنُحْرِقُ الْجِبالْ..

وَنَخْلَعُ الْحُكَّامْ

وَنُوَظِّفُ الأَزْلامْ..

وَبَعْدَ أَنْ نُبَدِّدَ الدَّيْجُورْ

نَرْفَعُ الأَعْلامْ

وَنُعْلِنُ السَّلامْ.

وَانْتَظَرَ التَّصْفِيقْ

مِنْ شَعْبِهِ الصِّدِّيقْ

لَكِنَّ هَذَا الشَّعْبْ

أَنْعَسَهُ الْكَلامْ

فَاسْتَسْلَمَ..

وَنامْ.

**

قادة البلاد


ـ1ـ

كَثِيرُونَ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ قَادَةُ الْبِلادْ

وَأَنَّهُمْ دِرْعٌ تَقِينَا الْفَسَادْ

وَأَنَّنا بِدُونِهِمْ كَالزَّرْعِ بِلا ماءْ

وَكَالْعُقَابِ الضَّائِعِ فِي قِبِّةِ السَّماءْ

أَوْ كَالْقَطِيعِ الشَّارِدِ فِي لُجَّةِ الصَّحْرَاءْ

لا أَمَلٌ لَنا ولا رَجاءْ!

ـ2ـ

وَالْحَقِيقَةُ أَنَّهُمْ كَالْحَيَّةِ الرَّقْطَاءْ

تَنامْ تَحْتَ القَشِّ كُلَّ مَساءْ

تَنْتَظِرُ الصّباحْ

أَوْ كَالرِّياحْ

تَعْصِفُ، تُزَمْجِرُ،

وَتَهْدُمُ الْبِناءْ

عَلى الَّذِينَ يُؤْخَذُونَ بِالْكلامْ

بِأَلْطَفِ الْكَلامْ..

بِالْوعُودِ الَّتي تَقْذِفُها أَلْسِنَةُ الْحُكَّامْ

فَيَحْلُمُونَ فِي الْمَنامْ

أَنَّهُمْ فِي قَصْرِ فِرْساي الْعَظِيمْ

يُخَيِّمُ عَلَيْهم الرَّخاءْ

وَيَنْعَمُونَ بِالسَّعادَةِ وَالْهَناءْ

بِالسَّلامْ..

وَعِنْدَما تَنْقَشِعُ الرُّؤْيَةُ

فِي الظَّلامْ

وَتَنْجَلي الْحَقِيقَةُ

وَتَنْتَهِي الأَحْلامْ

يَسْتَيْقِظُونْ..

فَيَجِدُونَ أَنَّهُمْ بَيْن الرُّكامْ..

**

أرزتنا


ـ1ـ

أَرْزَتُنا تَئِنُّ،

تَخْتَلِجُ،

تَمُوتْ

أَرْزَتُنا الَّتي سَقَيْناها دَماً تَخْتَلِجُ،

تَمُوتْ..

يُحاكُ مِنْ أَفْنانِها لِلْمَجْدِ تَابُوتْ

ـ2ـ

أَرْزَتُنا..

تِلْكَ الَّتي احْتَلَّتِ الصُّدُورْ

وَرَافَقَتْ تَسَلْسُلَ الدُّهُورْ

بَاتَتْ بِلاَ جُذُورْ..

وَهَلْ تَعِيشُ نَبْتَةٌ بِلا جُذُورْ؟!

ـ3ـ

أَبْناؤنا يا صَاحِبي الْجَبَلْ..

قَالَتِ الأَرْزَةُ والدُّمُوعُ

تَنْهَمِرُ عَلَى عَجَلْ

تَنْصَبُّ فِي جَدَاوِلِ الأَزَلْ..

أَبْناؤنا مُنْقَسِمُونَ

يا رَفِيقِيَ الْجَبَلْ

بَيْنَ يَمِينٍ وَيَسَارْ

يَشْتَرُونَ بِالسِّياسَاتِ الدَّمارْ!

ـ4ـ

واحَسْرَتاهْ..

أَكادُ لا أُصَدِّقُ

أَنَّ بِلاداً مِثْلَ لُبْنانَ الْحَبيبْ،

مِنْ لَفْظَةٍ مَحْمُومَةٍ تَحْتَرِقُ!

مِنْ لَفْظَةً مَسْمُومَةٍ عَلَى لِسانِ حاقِدٍ تَنْزَلِقُ

قَدْ يُحْرَقُ حُلْمٌ ما زالَ بُرْعُماً يَتَفَتَّقُ

وَاحَسْرتاهْ..

قَالَتْهَا وَهْيَ تَئِنُّ وَتَشْهَقُ!

**

مملكة الجن


ـ1ـ

كانَ يا ما كانْ

فِي أَقْدَمِ الأَزْمانْ

مَمْلَكَةٌ صَغِيرَةٌ حُكَّامُها مِنْ "جانْ"..

سُكَّانُها من "جانْ"..

وَلَيْسَ مَوْجُودٌ بِها عُشْبٌ وَلا إِنْسانْ!

ـ2ـ

وَذَاتَ يَوْمٍ خَطَبَ الْمَلِيكُ خُطْبَةً عَصْماءْ

ضَمَّنَها الدُّعاءَ وَالْوَفاءْ

وَقالَ فِي خِتامِها: يا حَضْرَةَ الأَبْناءْ

بِلادُنا بِحاجَةٍ لِوُزَراءْ

يَتَوَلَّوْنَ الْعَطاءْ

لِذَلِكَ يا حَضْرَةَ الأَبْناءْ

اخْتَرْتُ مِنْ بَيْنِ الْقُضَاةِ الْحُكَماءْ

وَالأُمَرَاءِ الشُّرَفاءْ

عِشْرينَ شَخْصاً أَقْسَمُوا بِالْعَرْشِ أَنْ يَظَلُّوا أَوْفِياءْ.

ـ3ـ

وَبَعْدَ عامٍ حافِلٍ بِاللَّهْوِ والشُّرْبِ

هَدَّدَهُمْ عَدُوُّهُمْ بِالْغَزْوِ وَالسَّلْبِ

فَدُعِيَ الْمَجْلِسُ لِلتَّشَاوُرِ

وَلانْتِخابِ قَائدٍ مُوَحَّدٍ لِكافَّةَ الْعَساكِرِ

وَبَعْدَما انْتَهَى الْجَمِيعُ مِنْ إِلْقاءِ الْخُطَبِ

الْمَنْقُولَةِ عَنِ الْقامُوسِ الْجامِعِ وَالْكُتُبِ

صاحَ الْمَلِيكُ قائِلاً:

مَنْ مِنْكُمُ يَقُودُ جَيْشَ الْعَسْكَرِ

فِي أَحْلَكِ اللَّيالِي،

فِي الشُّمُوسِ الْمُحْرِقَه،

وَفِي الصَّباحِ الْباكِرِ..

فَصَاحَ شَخْصٌ مِنْهُمُ: أَنَا..

وَآخَرٌ: أَنا..

وَكُلُّهُمْ: اَنا..

فَانْقَسَمُوا،

وَهَجَمُوا

بِعُنْفٍ وَخَباثَه

فَتَمْتَمَ الْمَليكُ هَازِئاً:

كَمْ تَصْلُحُونَ لِلْحِرَاثَه!

**

رسالة مغترب

كتبتها قبل الرحيل


ـ1ـ

وَطَني..

مِنْ أُسْتُرالِيَا

الْقارَّةِ الشَّاسِعَةِ النَّائِيَه

أَكْتُبُ إِلَيْكَ رِسَالَتي

وَالدُّمُوعُ الْجارِيَه

تُشَارِكُني كِتابَتِي.

ـ2ـ

تَتَسَاءَلُ: مَنْ أَنا؟

أَنا مَنْ أَرَّقَتْهُ الْهُمُومُ

وَأَدْمَتْهُ الْكُلُومُ

وَجَرَّحَتْهُ الْكَلِماتُ الْجافِيَه

تَتَسَاءَلُ: مَنْ أَنا؟

أَنا زَهْرَةٌ قَطَفَتْها الأَيادي

وَداسَتْها الأَرْجُلُ..

أَنا وَرْقَةٌ نَقْدِيَّةٌ تَتَقاذَفُها الأَنْمُلُ..

أَنا شابٌّ أَسْمَرُ اللَّوْنِ، مَرْبُوعُ الْقَوامْ

شَرَّدَتْهُ عَنْ دِيارِكَ الْغالِيَه

وَشْوَشَاتُ السُّوءِ، وَعَنْعَناتُ الْكَلامْ

هَلْ عَرَفْتَ مَنْ أَنا؟

هَلْ فَهِمْتَ ما بِيَا؟

ـ3ـ

وَطَنِي..

شَرْذَمَةٌ صَغِيرَةٌ تَحْكُمُكَ

تَشِيلُكَ، تَحُطُّكَ، تَهْدُمُكَ..

شَرْذَمَةٌ صَغِيرَةٌ ضَيَّقَتْ خِناقِيَا

شَوَّهَتْ حَياتِيَا..

أَتْعَسَتْنِي..

عَذَّبَتْنِي..

حَبَسَتْني فِي خابِيَه.

شَرْذَمَةٌ صَغِيرَةٌ يُؤْلِمُها هَنائِيَا

تُفْرِحُها تَعَاسَتِي

وَأُمَّتِي.. وَأُمَّتي..

حالُها كَحالِيَا

مَجْرُوحَةٌ، مَغْمُومَةٌ، بالِيَه..

تَمْشي وَرَاءَ الْكَلِماتِ وَالْوُعُودِ حَافِيَه

أُمَّتي..

يُؤْسِفُني أَنْ تَظَلَّ غَافِيَه!

ـ4ـ

أَتَذَكَّرُ.. يَوْمَ كُنْتُ في السِّنينِ الْماضِيَه

أَتَصَيَّدُ الأَحْلامَ فِي شِبَاكِيَا

وَأَغْزُلُ مِنَ الأَماني رِدائِيَا

أَتَذَكَّرُ.. يَوْمَ كُنْتُ أَزْرَعُ الرَّوابي غِناءْ

وَأَحْصُدُ غُيُومَ السَّماءْ

وَأَشْرَبُ الْمِيَاهَ الصَّافِيَه

أَتَذَكَّرُ.. وَكَأَنَّ فِي الذِّكْرَى عَزَائِيَا.

أَقْسَمْتُ بِاللَّـهِ وَبِالأَنْبِيَا

أَنْ يَظَلَّ إِسْمُكَ صَلاتِيَا

فَهْما بَعُدْتُ..

وَمَهْما كُبُرْتُ..

فَرَسْمُكَ فِي بَالِيَا

وَما نَفْعِيَ لَوْ نَسِيتُ بِلاداً

غَزَلْتُ رُوحِي بِفَيْئِها وَحِكْتُ شَبابِيَا؟!

**

قفوا..


ـ1ـ

قِفُوا..

قِفُوا..

الْكَيْلُ طَفَحْ

وَالْقَلْبُ مِنْ أَعْمالِكُمْ

ضَاقَ وانْجَرَحْ

ـ2ـ

قِفُوا..

قِفُوا

يا مَعْشَرَ الْيَمينِ وَالْيَسارْ

يَكْفِي الْوَطَنْ مَهازِلُ

يَكْفِيهِ إِسْتِهْتارْ

لُبْنانُ لَيْسَ نَعْجَةً

لِيُذْبَحَ

عَلَى يَدَيْ جَزَّارْ

لُبْنانُ فِرْدَوْسُ الْمَحَبَّةِ

وَالتَّآخي

وَمَوْطِنُ الأَبْرارْ

فِيهِ الْهِلالُ

يُعانِقُ الصَّليبْ

كَعِناقِ الأمِّ لِلطِّفْلِ الْحَبيبْ

ـ3ـ

قِفُوا..

قِفُوا..

فَالدَّاءُ فِي الْمَفاصِلِ يَسْري

وَفِي الْعُيُونْ..

إِنْ لَمْ نُكافِحْ دَاءَنا

سَيَجْلُبُ الْمَنُونْ

داء السِّياسَةِ أَقْصُدُ

هَلْ تَفْهَمُونْ؟

**

الجنين اللعين


لَوْ كانَ في أَحْشَائِيَ جَنِينْ

أُحِبُّهُ حَتَّى الْعِبادَه

وَعَرَفْتُ أَوْ شَكَكْتُ أَنَّهُ لَعِينْ

لَخَنَقْتُهُ قَبْلَ الْوِلادَه

لِكَيْ أُرِيحَ بِلادَه..

ـ2ـ

أَنا ما جُنِنْتُ وَحَقِّ رَبِّي

لَكِنِّي لا أَرْضَى..

وَهَلْ أَرْضَى

بِشَخْصٍ جاءَ مِنِّي

أَنْ يُعَكِّرَ صَفْوَ أَمْني

وَأَمْنِ شَعْبِي؟!

فَلَقَدْ حَفِظْتُ فِي الصِّغَرْ

ما قَالَهُ جَدِّي إِلَيْ:

إِنْ كانَ فِي وُجُودِيَ ضَرَرْ

أَوْ خَطَرْ

أُقْتُليني وَلا تَنْدَمي عَلَيْ..

ـ3ـ

ما بالُنا.. ما بَالُنا

كَالصَّخْرِ صَامِتِينْ؟..

كَالْمَوْتِ جَامِدينْ؟..

وَالْجَنِينُ اللَّعِينُ يَنْمُو وَيْكْبُرْ

يُهَدِّدُ أَمْنَ الْبَشَرْ

يَزْرَعُ في الْبُيُوتِ الْخَطَرْ

أَيْنَ الأَيادي الْجامِدَه

لِتُخْمِدَ

أَنْفاسَهُ الْبَارِدَه

قَبْلَ أَنْ يُولَدَ؟!

**

نهج وحلف


ـ1ـ

بَيْنَ سَاطُورِ نَهْجٍ وَسِكِّينِ حِلْفٍ

ضَاعَ الْوَطَنْ

وَارْتَفَعَ الثَّمَنْ!

ـ2ـ

هَذَا يُريدُ إِبْنَهُ أَنْ يُصْبِحَ وَزِيرْ

وَإِلاَّ، يَا لَلْهَوْلِ،

سَيَصْنَعُ الْكَثِيرْ!

ـ3ـ

فَقَدْ يَشُنُّ غَارَه

لِتَنْجَلِي الْوِزَارَه

أَوَ يَنْزلُ لِلشَّارِعِ

بِبِذْلَةِ الْمُصَارِعِ

ـ4ـ

أَحْوالُنا مِنْ سِيِّىءٍ لأَسْوَإٍ تَسِيرْ

نَخْرُجُ مِنْ ثُقُوبِنا لَنَقَعَ فِي "الْبِيرْ"!

أَقْسِمُ يا إِخْوانْ

بِأَنَّ فيِ لُبْنانْ

شَعْباً قَدِيرْ

يَقْدِرُ أَنْ يُرَوِّضَ الثِّيرانْ!

يَقْدِرُ أَنْ يُرَوِّضَ الثِّيرانْ!

**

أرانب


ـ1ـ

نَحْنُ هُنَا كَالْخَيالْ

نَحْنُ هُنَا كَالظِّلالْ

نَحْنُ هُنا كَالأَرانِبْ

تُدِيرُنا الثَّعالِبْ

ـ2ـ

لِماذَا لا نَثُورْ

ثَوْرَتَنا الْبَيْضَاءْ

لِنَهْدُمَ الْقُبُورْ

لِنَمْحُوَ الْبَغْضَاءْ

لِنَصْرُخَ بِوَجْهِ مَنْ يَقُولُ إِنَّنا تُرابْ

نُدَاسُ فِي الصَّباحِ

نُذَرُّ فِي الْغِيابْ

لِنَصْرُخَ بِوَجْهِهِ كَالرَّعْدِ.. كَالْبُرْكانْ

بِأَنَّنا زَوابِعٌ،

وَأَنَّنا نِيرانْ

نَمْحُو مِنَ الأَوْطانْ

مُزَعْزِعي الإِيمانْ

وَنَكْتُبُ بِالدَّمّ:

فِداكَ يا لُبْنانْ.

**

فخامة الرئيس


ـ1ـ

لا أَدْرِي كَيْفَ أَبْدَأُ، فَخامَةَ الرَّئِيسْ

هَلْ بِالْكَلامِ وَالسَّلامِ

أَمْ بَقَرْعِ النَّواقِيسْ؟

لا أَدْري يا فَخامَةَ الرَّئيسْ..

ـ2ـ

وَحْشُ الْهَلاكِ بَيْنَنا

نَراهُ فِي أَعْيُنِنا

نُطْعِمُهُ دُونَ وَجَلْ

نَسْقِيهِ مِنْ جَدَاوِلِ الأَمَلْ!

ـ3ـ

قَدْ مَلَلْنا الْعَيْشَ يا فَخامَةَ الرَّئيسْ

بَيْنَ مَنْبُوذٍ وَبَيْنَ نابِذٍ

بَيْنَ مَغْمُورٍ وَبَيْنَ بارزٍ

بَيْنَ سِنْدانٍ

وَبَيْنَ مِطْرَقَه

فِي وَطَنٍ مُأَلَّهٍ يَكَادُ أَنْ يُخْنَقَ!

ـ4ـ

فِي الْبَرْلَمانْ..

حَيْثُ الْكَراسي مُصَفَّفَه

مُهَفْهَفَه..

مُنَظَّفَه..

حَيْثُ الضَّمِيرُ يَحْلُمُ

أَقُولُها بِأَسَفٍ.. أَتَأَلَّـمُ

نَحْنُ في مَجْلِسِنا رَبُّ الشَّائِمِ يَحْكُمُ!

ـ5ـ

أَهْلُ السِّياسَةِ عِنْدَنا،

إِنْ صَحَّ تَعْبِيري،

يَتَقَاذَفُونَ الشَّتائِمَ

يَتَلَفَّظُونَ دَائِما

بِحُرُوفِ الْكُرْهِ وَالتَّحْقِيرِ

ـ6ـ

نَحْنُ..

أَجَلْ.. نَحْنُ

مَصَادِرُ الْخَطَأْ

لأَنَّنا انْتَخَبْنا مَنْ

مَشَى عَلَيْهم الزَّمَنْ

وَدَبَّ فِيهم الصَّدَأْ

ـ7ـ

بُطُونُنا مُهَدَّدَه

بِالْجُوعِ وَالْخَوَرْ

وَالدَّاءُ فِي أَمْعائِنا يَرْتَعُ وَالصَّدرْ

دَواؤُنا..

أَغْلَى مِنَ الْمرْجانِ والدُّرَرْ

مَنْ غَيْرُك، رَئيسَنا، يُبعِدُ

عَنْ عِيالِنا الضَّرَرْ

ـ8ـ

إِسْأَلِ الْبَرَّادَ عَنْ مَواسِمِ التُّفَّاحْ

عَنْ جَنَى الْمَلاَّكِ وَالْفَلاَّحْ

وَاسْأَلِ الْقُلُوبَ عَنْ تَمَلْمُلِ الْجِراحْ

لِتُدْرِكَ، في الْحالِ، كَمْ نَجْني مِنَ الأَرْباحْ

ـ9ـ

بِلادُنا، فَخامَةَ الرَّئيسْ..

بِحاجَةٍ إِلى قِدِّيسْ

لا يَسْمَعُ

فِي كُلِّ وَقتْ

لا يَنْظُرُ

في كُلِّ وَقتْ

لا يَدْري ما السِّياسَةُ

وَما التَّسْيِيسْ!

**

إهداء


إِلَى مَنْ نامَ فِي الْخَنْدَقْ

إِلَى مَنْ حَاكَ في اللَّيْلِ 

صَباحاً مُشْرِقاً، 

أَزْرَقْ

إِلَى حَنَّا..

إِلَى أَحْمَدْ..

إِلَى النَّسْرِ الَّذي طَارَ 

فِي جَوٍّ مُطْبَقٍ 

مُغْلَقْ

فَحَلَّقَ قَلْبُنَا مَعَهُ

وَقَلْبُنا لِلَّذي حَلَّقْ..

**

فضاء الثائرين


مِنْ سِنِينْ..

وَعُيُونِي تَحْضُنُ الطَّيْفَ الْحَزِينْ.

شَبَحُ الْمَأْساةِ يَكْبُرْ

مِدْفَعُ الأَبْطَالِ يَزْأَرْ

أَصْبَحَ الْحَقُّ الدَّفِينْ

مِشْعَلاً، شَمْساً،

تَشِعُّ فِي فَضاءِ الثَّائِرينْ.

**

جملة


"فَتْحٌ قَرِيبْ"..

تَقْرَأُ أَيْنَ حَلَلْتَ 

فِي الْبَعِيدِ أَوِ الْقَرِيبْ

تَقْرأُ أَيْنَ نَظَرْتَ عَلَى الرُّمُوشِ،

عَلَى الصُّدُورِ، عَلَى الْقُلُوبْ..

"فَتْحٌ قَرِيبْ"..

جُمْلَةٌ فِي كُلِّ ثَغْرٍ يَنْطُقُ الْحَقَّ تَذُوبْ

**

زحف الزاحفين


قَالَ لِي طِفْلٌ مُشَوَّهْ

عُمْرُهُ سَبْعُ سِنِينْ:

هَلْ نَعُودُ؟!

وَتَأَوَّهْ..

قُلْتُ: طَبْعاً يَا بُنَيّْ

لَيْسَ لِلأَعْدَاءِ شَيّْ

نَصْرُكُمْ لا بُدَّ آتٍ

إِثْرَ زَحْفِ الزَّاحِفِينْ.

**

خبز وتين


أَمْسِ اجْتَمَعْتُ مَعْ أُناسٍ طَيِّبِينْ

أَخْبَرُونِي كُلَّ شَيْءٍ

عَرَّفُوني بِكُلِّ شَيْءٍ

وَأَكَلْتُ الزَّادَ مَعْهُمْ،

زَادُهُمْ: خُبْزٌ وَتِينْ!

أَمْسِ اكْتَشَفْتُ سِرَّ حُبِّ النَّاسِ لِلْفِدَائِيِّينْ.

**

ثورة


تَنْبُتُ الثَّوْرَةُ فِي كُلِّ مَكانْ

ثَوْرَةُ شَعْبٍ رَمَوْهُ فِي سَرَادِيبِ الزَّمانْ..

فَاشْرَأَبَّ مِثْلَ صُبْحٍ طَالِعٍ رَغْمَ الظَّلامْ،

رَغْمَ التَّآمُرِ، رَغْمَ تَضْيِيقِ الْمَكانْ.

ثَوْرَةُ شَعْبٍ يُرِيدُ شَقَّ دَرْبٍ لِلسَّلامْ.

**

انتعاش


كَمْ طَرِبْتُ لِزَغْرَدَةْ رَشَّاشِهِمْ

فَالنَّصْرُ يَطْلَعُ دَائِماً

مِنْ فَوْهَةِ الرَّشَّاشِ..

أَحْبَبْتُهُمْ.. أَحْبَبْتُهُمْ.. لِكِفَاحِهِمْ،

وَكُنْتُ إِنْ صَافَحْتُهُمْ أَشْعُرُ بِانْتِعاشِ..

**

آه..


غَرْبُنَا..

فِي الْكِذْبِ ضَائِعْ

فِي الدَّعَاوِي الصَّهْيُونِيَّه

آهِ.. لَوْ يَسْمَعُ أَصْوَاتَ الْمَدَافِعْ

آهِ.. لَوْ يَكْتَشِفُ مَعْنَى الْقَضِيَّه!

**

بيت ربي


"الْمَسْجِدُ الأَقْصَى احْتَرَقْ"..

وَصَعِقْتُ لِلْخَبَرْ..

وَصَرَخْتُ: لا أُصَدِّقْ،

لا أُصَدِّقْ..

كَذِبُوا هَذَا الْخَبَرْ.

بَيْتُ رَبِّي، كَيْفَ هَذَا؟

يا لَذُلّ بَنِي الْبَشَرْ.

**

لسان العرب


خُطْبَةُ الْجُمْعَةِ كَانَتْ رَائِعَهْ..

أَشْكُرُ مَنْ عَلَّمَنِي النُّطْقَ

بِلِسَانِ الْعَرَبْ.

لُغَتُهُمْ شِعْرٌ وَآلاتُ طَرَبْ

لُغَتُهُمْ سَيْفٌ مَتَى شَاءَ ضَرَبْ.

**

المستحيل


فِي الرِّبَاطْ..

لَـمْ أَنَـمْ إِلاَّ قَلِيلاَ..

كُنْتُ مِثْلَ الطَّيْفِ أَمْشِي،

أَحْضُنُ الدُّنْيَا بِرِمْشِي،

أَحْلًمُ حُلْماً جَمِيلاَ

لِـمْ أَضَاعُوا الْحُلْمَ،

قُولُوا..

وَأَرَادُوا الْمُسْتَحِيلا؟!

**

القدس


مَدِينَةُ الْقُدْسِ تَئِنّْ!

مَدِينَةُ الْقُدْسِ تَمُوتْ!

أَيْنَ الْمَحاجِرُ

وَالْعُيُونُ؟

أَيْنَ أَنَّاتُ السُّكُوتْ؟

أَوَدُّ أَنْ أَصْنَعَ لِلْقُدْسِ تَابُوتْ.

**

نملة


يا رَئِيسَ كُلِّ دَوْلَه

حَمَلَتْ إِسْمَ الْعَرَبْ

كَيْفَ تَرْضَى بِالْمَذَلَّه؟

كَيْفَ تَرْضَى أَنْ يَقُولُوا:

دَاسَتِ النَّمْلَةُ تَلَّه؟!

**

ألـم


لَوْلا التِّهَمْ..

لَوْلا التِّهَمْ..

لَمَا شَكَوْا مِنْ دَائِهِمْ

لَمَا أَحَسُّوا بِالأَلَـمْ.

**

خفت..


كَمْ حَزِنْتُ عِنْدَما قَالُوا: اشْتَبَكْ

جَيْشُ لُبْنانَ مَعَ الثُّوَّارْ.

خِفْتُ.. أَجَلْ خِفْتُ 

عَلَى الزَّهْرِ

كَمَا خِفْتُ عَلَى نَوَّارْ.

**

فانتوم


صَفْقَةُ "الْفَانْتُومِ" لا تَنْفَعْ

أُؤَكِّدُ أَنَّ أَمْرِيكَا تُجَنِّزُ كُلَّ ما تَدْفَعْ

فَإِيمانِي بِأَطْفالٍ أَرَادُوا الْحَقَّ أَنْ يَسْطَعْ

جَعَلْنِي أَكْتُبُ الآنَ

بِأَنْ لا شَيْءَ فِي الدُّنْيَا

لِوَقْفِ الزَّحْفِ قَدْ يَنْفَعْ.

**

عرب الضفّة


عَرَبُ الضِّفَّةِ ما زَالُوا هُناكْ

صَامِدِينَ إِلى الأَبَدْ

لا يَخَافُونَ الْهَلاكْ

طِفْلُهُمْ.. لِلثَّأْرِ ضَوْءٌ.

شَيْخُهُمْ.. مِثْل الأَسَدْ.

**

أباة


.. وَذَهَبْتُ إِلَى "الْقَناةْ"،

وَرَأَيْتُ الْجُنْدَ فِي بَزِّ الأُباةْ

رَابِضِينَ خَلْفَ مِتْرَاسِ الْخُلُودْ

نَذَرُوا الْعُمْرَ لأَهْرَامِ الْجُدُودْ

لِتُرَابٍ..

لِنَخِيلٍ.. 

كُلَّما فِي الْجَوِّ يَعْلُو

كُلَّما تَحْلُو الْحَيَاةْ

**

دلائل


يَهْدُمُونَ الْمَنازِلْ..

يَهْدُمُونَ الْمَنازِلْ..

فِي غَزَّةَ الأَبِيَّةِ

بِدُونِ أَيِّ حائِلْ

هَلْ أَفْرَخَتْ لِلدُّورِ أَيْدٍ

كَيْ تُقاتِلْ؟

هَذَا ما تُثْبِتُهُ كُلُّ الدَّلائِلْ.

**

البطل الثائر


هُتَافاتٌ.. وَصِرَاخُ حَناجِرْ..

يَافِطاتٌ تَحْمِلُ آياتٍ

يَافِطاتٌ تَحْمِلُ شِعاراتٍ

كُتِبَتْ بِالْخَطِّ الأَحْمَرْ:

فَلْنَثْأَرْ..

وَلْيَحْيَ لَنَا الْبَطَلُ الثَّائِرْ

**

رسالة


هَذِي هِيَ الرِّسَالَةُ السَّابِعَه..

أَكْتُبُهَا يَا مَيْمَتِي فِي بَيْتِ أَصْدِقاءْ

قُلُوبُهُمْ لِلنَّصْرِ جَائِعَه

صَلِّي مَعِي.. صَلِّي مَعِي لِمَرْيَمَ الْعَذْراءْ

لِطِفْلِهَا الَّذِي ضُرِبْ..

لِطِفْلِها الَّذِي صُلِبْ..

لِسَاكِنِي السَّماءْ..

كَيْ تَشْبَعَ قُلُوبُ أَوْفَى الأَصْدِقاءْ

**

المفتدي


"أَبُو الْهَيْجَاءِ أَتَى"..

صَاحَ طِفْلٌ فِي الْمُخَيَّمْ

وَتَبَسَّمْ..

كُلُّ مَنْ فِي السَّاحَةِ الْكُبْرَى تَبَسَّمْ

نِسْوَةٌ يَحْمِلْنَ أَطْفالَ الْغَدِ،

وَشُيُوخٌ ذَاقُوا ظُلْمَ الْمُعْتَدِي،

وَلُيُوثٌ لَبِسُوا الثَّوْبَ الْمُرَقَّطْ

آهِ ما أَحْلَى لِقَاءَ "الْمُفْتَدِي"!..

**

بسمة أمل


بَسْمَةُ أَمَلٍ تَرْتَسِمُ

فَوْقَ شِفاهٍ لأْلاءَه

وَعُيُونٌ حاكَتْهَا الْقِيَمُ

فَغَدَتْ بِالْحَقِّ مُضَاءَه.

**

ديغول


بَعْدَما دَاسُوا بِأَرْضِ الْقُدْسِ

عَذْراءً بَتُولْ..

بَعْدَما خَطُّوا طَرِيقاً لِلْعَدَاوَةِ كَالْعُجُولْ..

أَوْقَفَ الشَّحْنَ "دِيغُولْ"..

فَهَنِيئاً لأَبِيٍّ

لَهُ فِي كُلِّ الْعُيُونْ

طَيْفُ شُكْرٍ

لا يَزُولْ.

**

هزيمة


شَاءَتِ الأَقْدَارُ أَنْ يَلْقُوا الْهَزِيمَه

بَعْدَ حَكْيٍ، وَاتِّهَاماتٍ لَئِيمَه..

لَكِنَّهُمْ، رَغْمَ الصُّعُوباتِ، 

اسْتَفَاقُوا،

وَرَمَوْا كَأْساً قَدِيمَه.

**

أعرفهم..


لَمْ يَقْتِلُوا طِفْلاً إِخْوانِي..

أَعْرِفُهُمْ، حَتْماً، أَعْرِفْهُمْ..

فَالرَّحْمَةُ هُمْ..

وَالرَّأْفَةُ هُمْ..

وَلْيَسْمَعْ كُلُّ إِنْسَانِ

لَوْلا عَدَالَةُ ثَوْرَتِهِمْ

لَفَقَدْتُ بِالْعَدْلِ إِيماني.

**

كوفيّة


لَبِسْتُ الْكُوفِيَّه..

شَمَمْتُ، ضَمَمْتُ الْكُوفِيَّه..

شَعِرْتُ بِأَنِّيَ صِرْتُ

حَمَامَهْ.. 

فَطِرْتُ

وَفِي عُنْقِي عِقْدُ الْقَضِيَّه.

**

أخوّة


يَدَّعُونَ أَنَّنَا ضِدّ الْيَهُودْ

وَأَكْثَرُ الْيَهُودْ

يَرْبِطُهُمْ بِنَا مَصِيرْ

أُخُوَّةٌ، قَضِيَّه.

وَدِماءٌ عَرَبيَّه

.. وَاسْتَطْرَدَ الْمُحَدِّثُ الْقَدِيرْ:

نَحْنُ مَعَ الْكُلِّ وَضِدّ الصَّهْيُونِيَّه.

**

فدائي


أُغْنِيَاتٌ ثَوْرِيَّه..

تَحُوكُ الأُذُنَ الْعَرَبِيَّه

وَتَزْرَعُ فِي نُفُوسِ الشَّعْبِ نِيراناً وَحِنِّيَّه..

هُنَا الْكَلِماتُ تَجْعَلُنِي

كَما الأَلْفاظُ شِعْرِيَّه

فِدَائِيّاً..

فِدَائِيَّا.

**

سافل


لَوْ كُنْتُ أَنَا الرَّأْيَ الْعَالَمِي

لَدَرَسْتُ الْوَضْعَ عَنْ كَثَبِ

لَفَهِمْتُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلْ

فَالْحَقُّ..

الْحَقُّ.. لِلْعَرَبِ

وَالْبُطْلُ لِتَلْبِيسٍ سَافِلْ.

**

حربنا اليوم


لَيْسَتِ الْحَرْبُ كَما كَانَتْ عَلَيْهِ

مُنْذُ قَرْنَيْنِ وَأَكْثَرْ:

قَوْسَ نَشَّابٍ،

وَخَيَّالاً يُزَاحِمُ فِي الْوَغَى عَنْتَرْ.

حَرْبُنَا الْيَوْمَ.. أَسَاطِيلٌ، وَرادَارٌ.. وَذَرَّه.

حَرْبُنَا الْيَوْمَ.. صَوَارِيخٌ

تُدَنِّسُ، كُلَّما تَبْغِي، الْمَجَرَّه.

**

هنا الدنيا


هُنَا الدُّنْيَا..

هُنَا الْبَطْنُ الَّذِي أَعْطَى

عُقُولَ النَّاسِ والرُّؤْيَا..

هُنَا بَابِلْ، وَفِرْعَوْنُ، وَفِينِقْيَا..

وَقُدْمُوسُ هُنَّا دَوَّنْ

حُرُوفَ اللُّغَةِ الْحَيَّه

هُنَا أَحْبَبْتُ أَنْ أُدْفَنْ

كَمَا أَحْبَبْتُ 

أَنْ أَحْيَا.

**

ثوري


فَلَسْطِينُ ثُوري..

وَحَطِّمِي قَيْدَ الْعَدُوِّ الْحَقِيرِ،

وَكُونِي الْخُلُودَ لِشَعْبٍ كَبِيرِ

وَصِيرِي

حُرُوفاً تَهابُهَا كُلُّ السُّطُورِ.

**

إعجاب


قَابَلُونِي.. 

سَايَرُونِي..

نَاقَشُونِي.. 

أَقْنَعُونِي.

فَالطَّبِيبُ بَيْنَهُمْ،

وَالْمُحامِي بَيْنَهُمْ،

وَالْعَجِيبُ أَنَّهُمْ

بِأَكْثَرِ اللُّغَاتِ حَدَّثُونِي!.

**

قصّة


لَوْ كانَ لِي مَلْيُونُ يَدْ

لَكَتَبْتُ بِالْمَلْيُونِ قِصَّه

عَنْ غَرِيبٍ جاءَ لِصَّا

فَاسْتَبَدّْ..

وَاحْتَلَّ أَرْضاً عَشَّشَ فِيها الأَبَدْ

مُسْتَعْمِرٌ، نَذْلٌ، وَقَرْحٌ لِلْحَسَدْ

لا لَنْ يَطُولَ عِزُّهُ

فَالْعَيْنُ فَارَقَها الرَّمَدْ.

**

كذب


ما جاءَ عَنْ أَرْضِ الْمِيعادْ

كِذْبٌ، وَبُطْلٌ، وَادِّعاءْ.

فَرَبُّنَا.. رَبُّ الْمَحَبَّةِ وَالإِخاءْ

لَنْ يَقْتُلَ مِنْ أَجْلِ (شَعْبٍ).. أَبْرِياءْ!

إِنْ لَمْ تُصَدِّقْ قَارِئِي

فَاسْأَلْ تُجَاوِبْكَ السَّماءْ.

**

جزائر


جَزَائِرْ..

جَزَائِرْ..

أَفْرَخَتْ فِي كُلِّ شِبْرٍ

مِنْ فَلَسْطِينَ الْحَزِينَه

ثَوْرَةٌ مَثْل الْجَزَائِرْ

أَضْرَمَتْ قَلْبَ الْمَدِينَه

وَأَطَلَّتْ مِنْ عُيُونِ كُلِّ ثَائِرْ

يَحْمِلُ النَّصْرَ عُيُونَا..

**

غريب


غَرِيبٌ أَنَا..

أَتَى مِنْ أَقَاصِي الدُّنَى

وَحَطَّ هَنَا

كَنَسْرِ أَبِيّْ

فِي رَوْضِ الْهَنَا

وَالْمُنَى

فِي رَوْضِ الشَّذَا الْعَرَبِي.

**

شرح


وَسَائِلُ الإِعْلامِ شِبْهُ مَيِّتَه

فَالْغَرْبُ لَـمْ يَسْمَعْ بِحَقٍّ ضَائِعِ

وَالْغَرْبُ مِثْل الْمُشْتَري وَالْبَائِعِ

لا يَفْهَمُ إِلاَّ بِشَرْحٍ وَاسِعِ

وَالشَّرْحُ.. أَيْنَ الشَّرْحُ

وَالأَفْوَاهُ صَامِتَه؟

**

بارود طائر


طَائِرَاتُ "الْعَالْ"..

حَمَلَتْ لِلأَعْدَاءِ

ذَخَائِرْ

وَمَعَدَّاتِ قِتالْ!

فَلْتَرْكَعْ قَاتِلَةُ الأَطْفَالْ

لَنْ يَسْلَمَ بَارُودٌ طَائِرْ.

**

خيمة


.. وَالرَّعْدُ يُجَلْجِلُ وَالْمَطَرُ

يَنْهَمِرُ

كَدُمُوعٍ مَجْرَاها الْقَدَرُ

كَشُمُوعٍ ذَوَّبَهَا الْخَطَرُ

فَبَكَتْ، وَالْخَيْمَةُ تَرْتَجِفُ،

وَيَئِنُّ فِي الْخَيْمَةِ بَشَرُ.

**

مات البطل


إِثْرَ الْحَوَادِثِ الأَخِيرَةِ 

مَاتَ الْبَطَلْ

مِنَ الزَّعَلْ

فَصَاحَ طِفْلٌ قَائِلاً:

قَدْ جُرِحَ الأَزَلْ.

**

كفر


لَوْ قَالُوا لِي: جَفَّتْ مِيَاهُ الْبَحْرْ

وَماتَ فِي أَعْلَى السَّماءِ الْبَدْرْ

لأَجَبْتُهُمْ: هَذَا صَحِيحْ.

لَكِنَّهُمْ إِنْ قَالُوا لِي:

لَنْ يُهْزَمَ الْغَازي الْقَبِيحْ

لَصَرَخْتُ: هَذَا كُفْرْ

فَالنَّصْرُ.. لَيْسَ النَّصْرْ

إِلاَّ لِشَعْبٍ صَامِدٍ

رَغْمَ مَآسِي الدَّهْرْ.

**

تبّولة


أَكَلْتُ الْيَوْمَ تَبُّولَه..

شَرِبْتُ الْيَوْمَ كَأْسَيْنِ مِنَ الْعَرَقِ

مَآكِلُهُمْ بِدَمْعِ الْعَيْنِ مَجْبُولَه

بِضَوْءِ الشَّمْسِ،

بِالطَّلِّ،

وَبِالأُفُقِ.

**

دمي


حَمَلْتُ اسْماً مِنَ النِّيرانِ وَاللَّهَبِ

جَمَعْتُ فِي مُخَيَّلَتِي مَلايينَ مِنَ الْكُتُبِ..

وَلَكِنِّي دَخَلْتُ الْيَوْمَ مَرْحَلَةً

تَفُوقُ سِدْرَةَ الشُّهُبِ

دَمِي أَعْطَيْتُ كَيْ يَجْرِي بِقَلْبِ مُقَاتِلٍ تَعِبِ.

**

كذب وبهتان


ضَحِكْتُ عِنْدَمَا قَالُوا:

نُرِيدُ السِّلْمَ لا الْحَرْبَا.

وَهُمْ سَرَقُوا حَيَاةَ الطِّفْلِ والأُمِّ

وَهُمْ مَنْ عَكَّرَ اللَّيْلَ

وَقَصَّ قِصَّةَ اللُّغْمِ.

فَذَا كَذِبٌ وَبُهْتَانُ

فلَنْ يَرْضَى بِحَقِّ الشَّعْبِ شَيْطَانُ!

وَلَنْ يَبْكِي عَلَى الْمَصْلُوبِ 

مَنْ شَكَّ بِهِ حَرْبَه!

**

القمة العالية


ماذا يُرِيدْ؟

ماذا يُريدْ؟

ذاكَ الَّذِي اعْتَادَ حَيَاةَ الْقَصْرِ وَالْعَبيدْ؟

فَالْقِمَّةُ الْعَالِيَةُ مَهْمَا أَتَتْها الرِّيحُ وَالزَّوَابِعُ

وَمَهْمَا خَمَّشَتْ صُخُورَها الْمَدَافِعُ

فَعَنْ أَساسِها الْمَتِينِ لَنْ تَحِيدْ..

**

رودجز


لا تُتْعِبْ نَفْسَكَ يا "رُودْجِزْ"..

يا وَزِيراً أَكَلَتْهُ الرَّحَلاتْ

فَمَجِيئُكَ أَشْبَهُ بِالزَّيْتِ

الْمَسْكُوبِ فَوْقَ الْجَمَرَاتْ

فَهُنا لا يَنْفُقُ يا "رُودْجِزْ"..

إِلاَّ أَزِيزُ الرَّشَاشَاتْ.

**

تفشير


تَدْوِيلُ الْقُدْسْ..

تَفْشِيرٌ وَكَلامُ صِغارْ

فَهُناكَ.. هُناكَ الثُّوَّارْ

بَرَاكِينُ التَّضْحِيَةِ وَالنَّارْ

لَنْ يَرْضَوْا أَبَداً بِقَرَارٍ

يَقْتُلُ فِيهِمْ عِزَّةَ نَفْسْ..

**

أين اللـه؟


مَنْ مِنَّا فُقِأَتْ عَيْنَاهُ؟

مَنْ مِنَّا قُطِعَتْ أُذُناهُ؟

مَنْ مِنَّا هُدِمَ مَنْزِلُهُ 

عَلَى زَوْجَتِهِ وَأَوْلادِهْ؟

إِلاَّ وَالْكَوْنُ بِهِ ضَاقَ

وَالْحُزْنُ عَشَّشَ بِفُؤَادِهْ..

مَنْ مِنَّا، قُولُوا، لَنْ يَصْرُخْ:

قَتَلُونِي.. فَأَيْنَ هُوَ اللَّهُ؟!

**

غداً أرجع


لَنْ أَيْأَسَ.. لَنْ أَدْمَعْ

فَغَداً أَرْجِعْ..

عِنْدَمَا يَخْرُسُ صَوْتُ الْمَدْفَعْ

وَتَلُوحُ فِي الْجَوِّ رَاياتْ

وَتُزَغْرِدُ لِلْعَائِدِينَ حَاراتْ

عِنْدَئِذٍ يا رَبَّ السَّمَوَاتْ

تُطْمَسُ رَائِحَةُ الْمُسْتَنْقَعْ..

**

يا طفل الأرض المحتلَّه


ـ1ـ

يا طِفْلَ الأَرْضِ الْمُحْتَلَّه

يا فَجْرَ الإِنْسانِ الأَعْظَمْ

إِضْرِبْ..

إِضْرِبْهُمْ..

إِضْرِبْنا..

فَالْكُلُّ بِحَقِّكَ قَدْ أَجْرَمْ

وَسِلاحُكَ حجرٌ قُدْسِيٌّ

إِشْتاقَ الأَيْدِيَ كَيْ يَنْقَمْ

فَتَقَدَّمْ..

كالْبَطَلِ الضَّرْغَمْ

كَعَواصِفِ حَقٍّ لا تَرْحَمْ

فَمُنايَ تُريدُكَ يا وَلَدي

أَنْ تَقْطِفَ نَصْراً..

أَنْ تَسْلَمْ..

ـ2ـ

يا طِفْلَ الأَرْضِ الْمُحْتَلَّه

يا كُلَّ جُنَيْناتِ اللَّيْمونْ

يا شَاطِىءَ غَزَّةَ..

يا فُلَّه..

تَتَلَهَّفُ لِلْعِطْرِ الْمَجْنُونْ

النَّصْرُ أَمامَكَ مَكْتوبٌ

بِصَلاةِ الأَهْلِ..

بِصَيْحَةِ دَمْ

فَتَقَدَّمْ..

كالْبَطَلِ الضَّرْغَمْ

كَعَواصِفِ حَقٍّ لا تَرْحَمْ

لَنْ يُصْلَبَ يسوعٌ ثَانٍ

والْعالَمُ مَخْذولٌ..

أَبْكَمْ.

ـ3ـ

لا تَحْنِ الْهامَةَ يا وَلَدي

فَكِبارٌ يَحْنُونَ الرَّقَبَه

وَرُؤوسٌ داسَتْها زَمَناً

جَزماتُ الْحُكَّامِ الرَّطِبَه

لا تَسْكُتْ عَنْهُمْ..

أُرْجُمْهُمْ

فَالْكُلُّ يَبيعُونَ الْكَذِبا

وَأَنا رَبَّيْتُكَ يا وَلَدي

وَزَرَعْتُ بِزَنْدَيْكَ الغَضَبا

فَتَقَدَّمْ..

كالْبَطَلِ الضَّرْغَمْ

كَعَواصِفِ حَقٍّ لا تَرْحَمْ

قَدْ آنَ أَوانُ مَسِيرَتِنَا

لِنُذِيقَ الأَعْداءَ الْعَجَبا.

ـ4ـ

يا وَخْزَ الوِجْدانِ الرَّثِّ،

الْمَجْزوءِ،

الْمَوْبوءِ،

الْمُعْتَلّْ

يا كَفّاً تَعْرِفُ كَيْفَ تُحَطِّمُ

أَحْناكَ الْغَازِي

الْمُحْتَلّْ

يا فَجْراً أَحْرَقَ عَتْمَةَ عَصْرٍ بَاغٍ

يَحْكُمُهُ الْجُبَناءْ

دَعْ صَخْرَ جُنونِكَ يُرْعِبُهُمْ

فَبِلادُكَ ضَيَّعَها الْعُقَلاءْ

وَتَقَدَّمْ..

كَالْبَطَلِ الضَّرْغَمْ

كَعَواصِفِ حَقٍّ لا تَرْحَمْ

سَتَنامُ قَريراً يا وَلَدي

وَتُؤَرِّقُ بالنَّصْرِ الأَعْداءْ

وَسَتَبْقَى الأَعْظَمَ يا وَلَدي

وَأَمامَكَ تَنْدَحِرُ الأَسْماءْ.

ـ5ـ

غالٍ..

وغَلاؤكَ يُجْبِرُني

أَنْ أُبْعِدَ عَنْكَ أَذَى الْعُدْوانْ

لكِنِّي أَبْغِيكَ الْبُشْرَى

كَأَبيكَ النّائِمِ في بيسانْ

كَأَخيكَ الْقُدْسِيِّ الْقَسَماتِ

الطَّالِعِ مِنْ رَحِمِ الإِيمانْ

أَبْغِيكَ كِتاباً حَيّاً

لَمْ يُقْرَأْ..

كَتَبَتْهُ حَصى الشُّطْآنْ

تاريخاً..

لَمْ يَخْجَلْ أَبَداً،

لَنْ يُدْمِي أَفْئِدَةَ الأَزْمانْ

فَتَقَدَّمْ..

كَالْبَطَلِ الضَّرْغَمْ

كَعَوَاصِفِ حَقٍّ لا تَرْحَمْ

أَحْجارُكَ،

حَتْماً، يا وَلَدي

سَتُعيدُ بِناءَ قُرَى الأَوْطانْ.

*

فلسطين بلادي


ـ1ـ

لِمْ كُنْتُ طِفْلَه..

في فَلَسْطينَ بِلادي

كُنْتُ جَذْلَى

آكُلُ النَّعناعَ والصَّعْتَرْ

وَأَشْرَبُ مِنْ كُؤوسِ الضَّوْءِ لأْلاءً مُنَوَّرْ

ـ2ـ

لِمْ كُنْتُ طِفْلَه..

كانَ عِنْدي أَلْفُ أُغْنِيَةٍ وَحُلْمْ

كانَ عِنْدي، لَسْتُ أَدْري،

أَلْفُ كَرْمٍ،

أَلْفُ مِحْراثٍ وَثُلْمْ.

ـ3ـ

لِمْ كُنْتُ طِفْلَه..

كانَتِ الْجَدَّةُ سَلْوى

تَحْمِلُ، في كُلِّ عيدٍ، سِمْسِماً،

لَوْزاً مُعَطَّرْ،

فُسْتُقاً.. حَلْوى.

كانَتِ الْجَدَّةُ سَلْوى

تُنْشِدُ، في كُلِّ عيدٍ،

لَحْنَها الحُلْوَ الْمُكَسَّرْ

عَنْ فَلَسْطينَ بِلادي

آهِ .. كَمْ صِرْتُ أُحِبُّ اللَّحْنَ أَكْثَرْ.

**

لبيــك قدســاه


ـ1ـ

سَمِعْتُهَا تَصْرُخُ

وَاللَّيْلُ يَلْعَنُ وَهْجَ النُّجُومِ

وَسَيْرَ الْكَوَاكِبْ!

صُرَاخُهَا لَفَّ الْبِحَارَ

وَأَطْفَأَ نُورَ الْمَنَائِرِ،

أَغْرَقَ كُلَّ الْمَرَاكِبْ!

صُرَاخُهَا أَلْهَبَ صَوْتَ الْجَوَامِعِ،

شَمْعَ الْكَنَائِسِ،

رَفْضَ الْحَنَاجِرْ..

سَمِعْتُهَا تَصْرُخُ: وَا أَيُّوبَاهْ!

ـ2ـ

أَلْقُدْسُ تُنَادِي صَلاَحاً..

وَالدِّينُ يُنَادِي صَلاحاً..

وَالشَّعْبُ يُنَادِي صَلاحاً..

وَما مِنْ صَلاحٍ يَجِيءُ إِلَيْنَا

كَطِفْلِ الْحِجَارَه..

كَوَقْعِ الْبِشَارَه..

لِيُنْقِذَ بَيْتَ الإِلَه!

ـ3ـ

لِماذا ابْتَعَدْتَ وَأَنْتَ الْعَظِيمُ

وَلَمْعَةُ سَيْفِكَ شَمْسْ؟!

لِمَاذا ابْتَعَدْتَ وَأَنْتَ الْحِكَايَاتُ

أَنْتَ الْبُطُولَه..

وَرَمْزُ الرُّجُولَه..

وَأَنْتَ ابْتِدَاءُ السِّنِينِ،

وَمِنْكَ سَلاطِينُ أَمْسْ!

لِمَاذَا ابْتَعَدْتَ؟

وَوَقْعُ حَوَافِرِ خَيْلِكَ

أَعْذَبُ مِنْ جَعْجَعَاتِ الْجُيُوشِ الَّتِي لا نَرَاهَا..

كَأَنَّ الْكِلابَ تَقُودُ كِلاباً،

نُبَاحُهَا نَصْرْ!

وَخَوْفُهَا نَصْرْ!

وَكِذْبُهَا نَصْرْ!

فَأَيْنَ مَجِيئُكَ يَرْحَمُ طِفْلاً صَغِيراً

لَـمْ يَرْحَمُوهْ؟..

وَأَيْنَ زَئِيرُكَ يَنْصُرُ شَعْباً أَبِيّاً

لَـمْ يَنْصُرُوهْ؟..

فَشُقَّ التَّارِيخَ، 

وَبَلْسِمْ جِرَاحَ الْعُرُوبَةِ،

خَفِّفْ أَنِينَ الثَّكَالَى،

وَعَلِّ انْحِنَاءَ الْجِبَاهْ.

ـ4ـ

عَرْشُكَ ضَاعَ،

وَسَيْفُكَ ضَاعَ،

وَشَعْبُكَ ضَاعْ..

حكّامنا لصوصٌ.. مُلوكُنا رُعَاعْ

فكُلُّ الَّذِينَ رَمَوْنَا..

رَمَوْكْ!

وَكُلُّ الَّذِينَ سَبَوْنَا..

سَبَوْكْ!

فَكَيْفَ نَرُدُّ زَمَانَكْ

لِيَرْكَبَ طِفْلٌ حِصَانَكْ؟

وَنَهْجُمَ خَلْفَ الْحِصَانِ

وَقَلْبُنَا يَنْبُضُ مَلْيُونَ آهْ!

ـ5ـ

أَلْقُدْسُ تُنَادِيكَ.. لَبِّ النِّدَاءْ

جُيُوشُكَ نَحْنُ،

شَبَابُكَ نَحْنُ،

فَقُدْنَا إِلَى النَّصْرِ،

قُدْنَا إِلَى الْقُدْسِ..

مِنْ أَجْلِ عَيْنَيْهَا يَحْلُو الْفِدَاءْ.

فَكُلُّ الْكَلامِ عُواءٌ مُواءْ

وَكُلُّ السَّلامِ سَلامٌ خَوَاءْ

وَلَـمْ يَبْقَ إِلاَّ مَجِيئُكَ أَنْتْ..

صَلاحُنَا أَنْتْ..

إيمانُنَا أَنْتْ..

وَنَصْرُنَا أَنْتْ..

فَرُحْمَاكَ عُدْ أَمَلاً لِلشُّعُوبِ

وَصَوْتاً يُجَلْجِلُ فَوْقَ الْمَدَائِنِ:

لَبَّيْكِ أُمَّاهْ..

لَبَّيْكِ قُدْسَاهْ..

**

سنعود

كتبتها بعمر 15 سنة


نَعُودُ؟..

إِلى أَرْضِنا سَنَعُودْ

وَنَقْذِفُ جَنْباً شَريطَ الْحُدُودْ

فَلَسْطِينُ أَنْتِ بِلادي.. وَهَلْ

سَأَتْرُكُ لِلْغَيْرِ أَرْضَ الْجُدُودْ؟

هَلُّمُوا إِلى قُدْسِنا

رَاجِعين

لِنَطْرُدَ مِنْها الْعَدُوَّ اللَّدُودْ

**

عربي

كتبتها بعمر 15 سنة


ـ1ـ

عَرَبي.. ما دُمْتَ أَنْتَ عَرَبي

فَأَخِي أَنْتَ ابْنُ أُمِّي وَأَبي..

ـ2ـ

هَلُمَّ نُوَحِّد الصُّفُوفَ

هُلُمَّ نُهَيِّىء السُّيُوفَ

وَنَجْمَع الْكَلِمَه

وَنُوقِظ الْهِمَمَ

ـ3ـ

صَليبي هِلالُكَ

هِلالُكَ صَليبي

آمالي آمالُكَ

نَحِيبُكَ نَحيبي

إِذَنْ فَنَحْنُ واحِدْ

هَلُّمَ كَيْ نُجاهِدْ

نُنَاضِلْ

نُقَاتِلْ..

فَأَرْضُنا السَّليبَه

تَئِنُّ، تَنُوحُ

وَقُدْسُنا الْحَبيبَه

تَصِيحُ، تَصِيحُ

وَيَزْأُرُ الْغَضبْ:

النَّجْدَه يا عَرَبْ.

**

أذناب


قدّ حكّموا الأذنابَ في وطني

كي تستبيحَ الحُكمَ أذنابُ

ما الجلدُ إلاّ جلدُ أحْمِرَةٍ

يخْتالُ فيه اليومَ نُوّابُ

**

أَرض العراق.. أتيتك

القيتها في المربد الشعري في العراق عام 1987


ـ1ـ

أَرضَ الْعِراقِ.. أَتَيْتُكِ

وَالْهَجْرُ يَغْتالُ البَنينْ

عُمْري انْتَهى،

وَصَبابَتي

تَحْكي حَكايا غُرْبَتي:

كَيْفَ احْتَبَسْتُ القَهْرَ أَعْواماً

وَعارَكْتُ الحَنينْ

كَيْفَ احْتَرَفْتُ الْقَفْزَ مِنْ شَكٍّ إلى شَكٍّ

لأَحْظَى بِالْيَقينْ..

ـ2ـ

أَرْضَ الْعِراقِ.. أَتَيْتُكِ

مُدِّي الْيَدَيْنِ إلى الْحَبيبْ

إنّي سَكَبْتُكِ مِنْ عُيونِيَ "دِجْلَةً"

أوّاهُ.. كَمْ يَبْكِي الْغَريبْ

وَرَسَمْتُ وَجْهَكِ ساطِعاً

كالشَّمسِ.. لا يَخْشَى الْمَغيبْ

جَدَّلْتُ شَعْرَكِ بالْوُرودِ، كَأَنَّما،

تَنْسابُ عِنْدَ سُفوحِهِ أَنْهارُ طيبْ

زَيَّنْتُ ثَغْرَكِ بِالْكَواكِبِ،

وانْتَشى الْخَدَّانِ حينَ تَسامَرَتْ،

بِالْقُرْبِ مِنْ أُذُنَيْكِ،

أَقْلامُ أَديبْ..

ـ3ـ

أَرْضَ الْبُطولَةِ

والرُّجولَةِ

والصَّبايا الْباسِلاتْ

هَلْ تَذْكُرينَ مُهاجِراً

ضاقَتْ بِهِ الأَوطانُ ، فَاغْتَرَبَ.. وَماتْ؟!

وَبِعَيْنِهِ لَهَبُ الدُّموعِ

بِقَلْبِهِ فَيْضُ الرُّجوعِ

بِعُمْقِ .. عُمْقِ الصَّدْرِ وَخْزُ الذُّكْرَياتْ

مَنْ غَيْرُكِ؟!..

تَلْتاعُ فَوقَ ضَريحِهِ نَسَماتُها

تَحْنو عَلَيْهِ بِغَمْرَةٍ

وَبِهَمْسَةٍ

وَبِقُبْلَةٍ ..

وَاللّهِ لَولا المِرْبَدُ

لا شَيْءَ يُعْطيهِ الْحَياةْ.

ـ4ـ

حينَ الْتَقَيْتُكِ ..

شَالَني الفَجْرُ عَلَى أَكْتافِ يَقْظَتِهِ

فَماتَتْ فِيَّ أَوْهامي،

وَصِرْتُ أَعْشَقُ الظِّلَّ..

أَنا الْهَرْبانُ مِنْ ظِلٍّ ثَقيلِ الوَقْعِ قُدَّامي.

وَصِرْتُ أَحْرُثُ اللَّيْلَ لأَبْذُرَ فيهِ أَنْغامي،

وَأَرْكُضُ في شَوارِعِكِ

لأُرْجِعَ زَهْوَةَ الْماضي

وَأُمْسِكَ بَعضَ أحْلامي..

هُنا اللَّحَظاتُ، يا أَرْضي،

تُساوي كُلَّ أَيَّامي.

ـ5ـ

هَلْ جَنَّةٌ في الأرْضِ، إِلاّكِ،

تُسَيِّجُها الضُّلوعْ؟؟

أَوْ يَسْتَحيلُ الشِّعْرُ في أَحْيائِها سَمَكاً

لإِطْعامِ الجُموعْ؟!

وَالأُمَّهاتُ الطَّاهِراتُ الْحالِماتُ

بِزَغْرَداتِ الْحُضْنِ.. ساعاتِ الرُّجوعْ

يَغْزِلْنَ مِنْ أَشْواقِهِنَّ مَعاطِفاً

لِشَبابِهِنَّ السَّاهِرينَ اللَّيْلَ كَيْ تَغْفُوْ الرُّبوعْ

لِبَناتِهِنَّ الطَّالِعاتِ مِنَ الْجِراحِ،

كَثَوْرَةٍ،

تَأْبَى الْخِداعَ أَوِ الْخُضوعْ!

ـ6ـ

هَلْ يُحْسِنُ الإِنْسانُ، لَوْلاكِ،

اخْتِزالَ الْعُمْرِ في أُسْبوعْ؟!

أوِ انْتِظارَ الْقَمْحِ مِنْ سَنَةٍ إلى سَنَةٍ

عَلَى بَيادِرِ جُوعْ؟!

هَلْ يَحصُدُ الإنْسانُ أَعْراساً وَأَفْراحاً

وَفي الْحَقلِ دُموعْ؟!

أَنْتِ، يا أَرْضَ الْعِراقِ، حِكايَةٌ

فاحَتْ بِها الأَمْجادُ

واخْضَرَّ الْخُشوعْ.

ـ7ـ

قَد تَضْحَكينَ، وَأَنْتِ الضَّادُ،

مِنْ نُطْقي، وَمِنْ لُغَتي..

وَمِنْ شِعْرٍ غَريبِ السَّبْكِ

يَحْمِلُ وَشْمَ مَحْبَسَتي.

قَدْ تَضْحَكينَ.. وَلكِنْ، ضِحْكَةَ الأُمِّ

الَّتي ابْتَهَجَتْ بِطِفْلٍ تَمْتَمَ:

يَمَّا..

فَيا أُمِّي..

بِغَرْبٍ ضَمَّني طِفلاً

تَرَكْتُكِ أَنْتِ "سَيِّدَتي"

وَنَشْرَ الضَّادِ أُمْنِيَتي

وَفَوْقَ شِراعِ أَسْفاري

كَتَبْتُ كَلامَ أُغْنِيَتي:

"هَيْهاتْ يا بو الزّلُفْ

عَيْني يا مُولَيَّا

بَغْداد هِيِّي الْقَلِبْ

وْلُبنانْ عينَيَّا.."

ـ8ـ

لُبنانُ، يا بَغْدادُ، كَمْ سَنَةٍ

يَقْتاتُ مِنْ أَكْبادِهِ الأَلَمُ

هَلْ يَنْتَهي الإنسانُ في وَطَنٍ

كانَتْ تُناغي أَرْضَهُ الْقِيَمُ

أَعْداؤهُ الأَوغادُ هَمُّهُمُ

أَن يُسكِرَ المُسْتَنقعاتِ دَمُ

أَوصافُهُمْ، إن شِئْتِ، أَكْتُبُها

كَيْ تَعْلَمي كَمْ يَخْجَلُ الْقَلَمُ

ـ9ـ

لُبنانُ، يا بَغْدادُ، مَعْبَدُنا

فيه ارْتَدَتْ أَرْواحَنا الْكِلَمُ

وَالْيَومَ.. تَدعو اللّهَ أَلْسِنَةٌ

يَغْفو عَلَى أَحْناكِها الصَّنَمُ

قَدْ قَسَّمَتْ أَوْطانَنا ضِيَعاً

وَالشَّعْبُ يَدْري كَيْفَ يَنْتَقِمُ

ـ10ـ

لُبنانُ، يا بَغدادُ، أُغْنِيَةٌ

تاهَتْ، فَتاهَ اللَّحْنُ والنَّغَمُ

كُلُّ الْجِبالِ الْعالِياتِ هَوَتْ

حينَ احْتَوانا بِكَفِّهِ الْعَدَمُ

حَتَّى اخْضِرارُ الأَرْضِ لَيْسَ سِوى

صَحْراءَ تَخْبو تَحْتَها الْحِمَمُ

ـ11ـ

مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَعِلُنْ

تَفْعيلَةٌ تَرديدُها سَأَمُ

تَجْتَرُّنا الأَوزانُ حادِيَةً

وَالشَّعْبُ في أَبْدانِهِ السَّقَمُ

مَنْ ذا يَقيسُ الشِّعْرَ في زَمَنٍ

يَرْتابُ مِنْ أَلْوانِهِ الْعَلَمُ

ـ12ـ

أَقدارُنا تَنهالُ ضارِيَةً

إَن لَم نُقاوِمْ لَفَّنا النَّدَمُ

قَد تَجْرُفُ الأحقادُ أُمَّتَنا

قَد تُمَّحى مِنْ طَيْشِنا الْحِكَمُ

قَد نَنْزَوي وَالْكَونُ يَرْذُلُنا

قَد تَرْتَوي مِن دَمْعِنا الدِّيَمُ

لكِنَّنا.. وَالْحَقُّ في يَدِنا

نَبْقى، لِتَبْقى بَعدَنا الأُمَمُ

ـ13ـ

أَرضَ العِراقِ.. أَتَيْتُكِ

مُتَعَطِّراً بِالْياسَمينْ

كَي تَعرِفي الْمَحْبوبَ

مِن بَينِ أُلوفِ الزّائِرينْ..

الوافِدينَ إِلَيْكِ يا بَيْتَ الرَّسولِ،

وَدَيْرَ عيسى،

وَكُلِّ.. كُلِّ الْمُرْسَلينْ..

يا نَجْمَةَ الشَّرْقِ الْبَهِيَّةَ في سَماءِ الغائبينْ

إِنِّي أَتَيْتُكِ.. فَافْتَحي الشُّباكَ

لا أَخْشى عُيونَ الْحاسِدينْ!..

المربد - بغداد 1987

**

لماذا أغني؟


ـ1ـ

.. وَكُلَّما ضاقَ بِعَيْني الْمَجالْ

وَناءَ اللِّسانُ بِما لا يُقالْ

يَشُدُّني شَوقٌ لأَرضٍ بَعيدَه

تَتوقُ لِعَطفٍ 

وَهَمْسِ ابْتِهالْ

لأرضٍ تَئِنُّ.. 

وَتَشْقى وَحيدَه

وَفَوقَ الشِّفاهِ يَعيشُ السُّؤالْ:

"لِماذا الْحُروفُ ابْتِداءُ الجَريدَه

وقَتلُ البَرايا انْتِهاءُ الْمَقالْ؟"

ـ2ـ

غَريبٌ!.. 

وَخَلْفَ ارْتِحالي ارْتِحالْ

وَغَصَّةُ صَدرٍ، 

وَحُلْمٌ بِبالْ..

وَأُمٌّ تَحوكُ أُلوفَ الْحَكايا

عَساها تَنالُ الْبَعيدَ النَّوالْ

وَتِلكَ الحَبيبَةُ.. سِتُّ الصَّبايا

يُعَانِقُ قَدَّهَا طيبُ الدَّلالْ

فَكيفَ أُغَنِّي؟.. 

وَكُلُّ الْبَرايا

تَرُشُّ بِعيدِها زَهرَ الوَبالْ

فَكَيفَ أُغَنِّي؟.. 

وَبُومُ المَنايا

نَعيقُهُ شُؤْمٌ.. 

وَبَدءُ زَوالْ

وَأَرضي تَغوصُ بِبَحرِ الرَّزايا

وَشَعبي يَعُدُّ حُبوبَ الرِّمالْ؟

ـ3ـ

لِماذا أُغَنِّي..

وَصَوتُ الْعَواهِرْ

يَصُمُّ الْغِناءَ بِلَيلِ المَصائِرْ

وَما مِنْ حَبيبٍ عَلَى الْعَهدِ باقِ

بَقاءَ الضِّياءِ بِعَيْنِ المَنائِرْ

يَقولُ بِأَنِّي: 

رَسَمْتُ سِياقي

بِدَمْعِ الْيَتامَى وَحِقْدِ الأَظافِرْ

لِيَربَحَ شَعْبي بِيَومِ السِّباقِ

وَيَخْذُلَ شَيْطانَهُ وَالْمَقابِرْ

وَيُنْهي الزَّعامَةَ.. 

يُلْغِي الفَوارِقَ..

يَخْلُقَ فَوقَ الْمَساحاتِ.. 

ثائِرْ

**