الغلاف للفنانة رندى بعيني
**
نشرت في مواقع إيلاف، دروب، قدموس والغربة
**
**
نشرت في مواقع إيلاف، دروب، قدموس والغربة
**
طفل لك، طفل لزوجتك، وطفل للحكومة
صدّق أو لا تصدق، هذه آخر تقليعة سياسية في أستراليا، فلقد حث وزير الخزانة الأسترالي بيتر كوستيلو المواطنين على القيام بواجبهم الوطني، وإنجاب المزيد من البنين والبنات، ليس من أجل تأمين آخرتهم، واستمراريتهم في هذه الدنيا، عملاً بالمثل القائل: من خلّف ما مات، بل من أجل زيادة عدد سكان أستراليا، المهددة بشيخوخة بنيها.
وأستراليا البالغ عدد سكانها 20 مليون نسمة، بدون لاجئي القوارب المطاطية، والزوارق الخيزرانية، والمطارات والسياح الدائمين، تعاني من نقص هائل في الإنجاب، ولهذا ازدادت نسبة كبار السن في المجتمع، حتى بات ينظر إليهم على أنهم سبب المشكلة، وأن عليهم البقاء في العمل حتى يستدعيهم الخالق.
وبيتر كوستيلو، المنجب حقاً، هزته هذه النتيجة المدمرة للإقتصاد الأسترالي على المدى الطويل، ففتح فمه أثناء تسويق المزانية العامة، ونطق بهذه الحكمة التقسيمية الفيدرالية الطريفة، بغية حثنا على إنجاب أطفال صغار، فقال، لا فض فوه: طفل لك، طفل لزوجتك، وطفل للحكومة.
طفل لك.. هذا حقّك كوالد أو كوالدة، لا فرق، لأن زينة الحياة هم الأبناء، ولأن جنى العمر سيرمى بين أيديهم، ولأن اسم العائلة لن يندثر تحت أقدام السنين، بل سيحمله ابن عن والد عن جد، وستتشاوف به ابنة عن أم عن جدة.
طفل لزوجتك.. هذا تقسيم عائلي متعمّد؟ واستخفاف بفلذ أكبادنا؟ وكأنه يتوقع حصول الطلاق بين الرجل وزوجته في أي لحظة، وهذا ما يحصل بالفعل، ولكن الأولاد لا يقسّمون كما وعدنا العم كوستيلو، بل تأخذهم الوالدة (قشّة لفّة)، ولا يحق للوالد أن يراهم إلا كل أسبوعين مرة، عكس ما يحصل في بلداننا العربية، إذ أن رعاية الأولاد من حق الزوج والخالة، أما الوالدة فلها الله.
طفل للحكومة!.. هذه لن يحلم بها، لا كوستيلو ولا رئيسه جون هاورد. أولادنا لنا، لنا فقط، وإلا فعلنا كما فعل أحد المهندسين العرب، الذي قرر وزوجته الأجنبية المستعربة أن لا ينجبا إلا ولداً واحداً، ليس كرهاً بالأولاد، بل نكاية بالحكام العرب، وبالعقلية العربية المشجعة للإنجاب لدرجة الوقوع بالفقر المدقع، وخوفاً من التجنيد الإجباري المعمول به في معظم الدول العربية، وكي لا يرجع ابنهما إلى البيت ملفوفاً بعلم بلاده من أجل تثبيت حكم الطاغوت، أو يرمى في غياهب سجون المخابرات التي تبلع الأبرياء دون أن تبصقهم، ولو نحروا تحت الضرب والتعذيب.
صحيح أن الحكومة الأسترالية تتكفل بإعالة أطفالنا حتى سن البلوغ، كما تتكفل بتعليمهم وتطبيبهم، ومدهم سنوياً بآلاف الدولارات، التي تعيلنا نحن أيضاً، ولكن ليس من حقها استملاكهم، ولا التلاعب بعاداتهم، أو تغيير أسمائهم، كما فعلت معي يوم أعطتني الجنسية، فلقد وجدت أن اسم (شربل) غريب عليها في ذلك الوقت، فاستبدلته باسم (تشارلي) المتحدر من جذور إنكليزية، ولولا تمسكي العنيف (بشربل) لغرق اسمي في مياه الباسفيك، وما من باخرة تنقذه كما حصل منذ سنوات مع بعض اللاجئين.
من يريد أن ينجب ليس بحاجة لتشجيع من وزير خزانة، ولا من وزير خارجية، كل ما عليه هو أن يتوكل على الله، شرط أن يكون الأطفال له ولزوجته.. ولتمت غيظاً كل حكومات العالم.
**
بنت 9 سنوات إما زوجة وإما زانية!
خبران، لم أقدر إلا أن أعلق عليهما، الأول أبكاني، والثاني جعلني أتقيأ. ولأنني أعيش في جزيرة معلقة بكعب الأرض، سأبدأ بالثاني، فأحضروا الحوامض، والمحارم، واقرأوا:
طفلة من البحرين، عمرها 9 سنوات، زوجها والدها لزوج عمتها، أي (الأونكل)، ووافق على زواجها القاضي، دون أن يردع هؤلاء المشوربين الثلاثة ضمير.
ولكي أتأكد من حجم (الطفلة) العربية، التي يقولون عنها، أو بالأحرى يتقولون، بأنها ذات جثة كبيرة، تصلح للزواج ولممارسة الجنس مع أي رجل كان، حتى (الأونكل)، طلبت من مساعدتي في المعهد الذي أعمل به، بالإضافة إلى تدريس اللغة العربية، مشرفاً على تهذيب الأطفال، أن تجلب لي ست فتيات بعمر التاسعة، فذهبت إلى الصف الثالث إبتدائي، وجاءتني بنصف دزينة من الملائكة، ما أن تطلعت بهن حتى أجهشت بالبكاء، ولعنت الآباء، وأزواج العمّات، وجميع القضاة، إذا كانوا على شاكلة من اقترفوا تلك الجريمة البشعة.
ولكي يبقى يومي تعيساً كالعادة، بسبب مطالعتي للأخبار العربية، سأطلعكم على الخبر الأول، وعلى إحدى الفتاوى التي جننتني، ورفعت ضغط دمي إلى أعلى مستوى، فتفضلوا معي:
عذب، حد الموت، والد سعودي ابنته البالغة من العمر 8 سنوات، لأنها تشاجرت مع إبن الجيران، فقام بصفعها على خدها، ولأنها لم تقبل الذل، ردت له الصفعة ببراءة الأطفال، وما أن رآها والدها حتى جن جنونه، وراح يتفنن بتعذيبها، وهي تستغيث به دون جدوى.
الخبر مزعج للغاية، ولكن الأزعج منه هذه الفتوى الصادرة عن رجل لا يعرف الشفقة أيضاً، فلقد برر تعذيب الأب لابنته بهذه العبارات القائلة:
البنت في الثامنة من عمرها، أي أنها أصبحت بعمر الزواج، ومن حق الوالد أن يضربها، كونها لمست خد إبن الجيران، بعد أن لمس خدها، وهذا يعتبر نوعاً من الزنى، قد يمنع زواجها في المستقبل، لأن لا أحد سيتزوجها إذا عرف أنها لمست خد شاب آخر، ولهذا ثار أبوها وقام بضربها.
يا أمة ألله.. بالإذن من الفنان اللبناني أبي سليم الطبل.
يا خير أمة أخرجت للناس..
يا بشر..
يا سامعين الصوت.. هل منكم من سيوافق على جريمتين ارتكبتا بحق طفلتين صغيرتين في أواخر هذا الشهر الفضيل، شهر الصوم والتقوى، لأن القاضي وافق على ذلك، ولأن أحد المهووسين اعتبر الصفعة مداعبة على الخد؟
قبل أن تعلّقوا على الموضوع، تطلعوا بأطفالكم، راقبوا تصرفاتهم، فلسوف تجدون أن الولد والبنت في عمر الثامنة والتاسعة لا يختلفان عن بعضهما كثيراً، فالجسدان متشابهان، والصوتان متشابهان، والألعاب متشابهة، إلى أن يبدأ النمو بعد الثانية عشرة من العمر، عندئذ تظهر ذقن الشاب، ويشمخ صدر الفتاة، وتتغير الأصوات والرغبات. فكيف يزوجون طفلة بزوج عمتها، وكيف يعذبونها لأنها صفعت طفلاً آخر، دون أن تتغيّر قوانيننا المتخلفة الجاهلة المريضة، وتسن قوانين صارمة تنقلنا من عصر الظلام إلى عصر النور والحق.
أخيراً، أحب أن أعترف لقرائي، أنني، في قرارة نفسي، كنت أعيش حالة غريبة، وأعاني من غصة قاتلة منذ 12 سنة، كوني لم أنجب أطفالاً، أما الآن، فاسمحوا لي أن أصرخ بملء فمي: أشكرك يا رب.. لأنك أنت العليم، وأنت المدبر، فلو كنت أستأهل هذه النعمة، نعمة الإنجاب والتربية، لما حرمتني إياها، فأرجوك أن تحرمها لكل من لا يحترم الطفولة ويقدسها، وأن لا تمنحها إلا لمن خلقوا لها.. شرط أن يكونوا بمستواك.
**
لماذا يغتصب الآباء بناتهم؟
منذ أسبوع تقريباً قرأت في جريدة المستقبل البيروتية خبراً جعلني أتوقف عنده كثيراً، وأعمل على صياغته من جديد، دون التلاعب بحيثياته ومراجعه، كي يتقولب بصيغة مقال، لا بصيغته الجنائية، والخبر يقول إن والداً عمره 49 سنة، دون زيادة أو نقصان، رزقه الله بتسعة أولاد، بعد أن حرم غيره من متعة الأبوة، أو حرم أطفالاً من حنان آبائهم المثاليين. وعندما بلغت ابنته الحادية عشرة، أحب أن يعلمها (الحياة)، والحياة بنظره، كما قلت في مقال سابق، تنبع من بين الفخذين، فراح يتحرش بها، إلى أن وجدها نائمة كالملائكة الصغار تماماً، تحلم بدروسها وفروضها ونجاحها المدرسي، فانقض عليها كما ينقض الوحش على فريسته، غير عابىء بأبوته، ولا بشرف ابنته وعائلته، ولا بتعاليم دينه، واغتصبها بقسوة تقشعر لها الأبدان، ولأنه لم يرتو من نبع طهارتها المقدسة، كرر فعلته المشينة سبع مرات في ليلة واحدة.
ولكي يثبت أن الغريزة الجنسية بشرية وليست حيوانية، كما ادعى البعض، راح يفترسها الليلة تلو الأخرى إلى أن بلغت الرابعة عشر من عمرها، والويل ثم الويل إذا رفضت مجامعته، فلكماته وصفعاته جاهزة لتلهب جسدها البريء، وترضخه لفحولته (الأبوية).
ولأن الجولة الجنسية العائلية قد نجحت لسنوات دون أن يدري بها أحد، ولأن ابنته الأولى قد أخذت ما يكفي من دروسه التدريبية على (الحياة)، حتى ضجر منها، انتقل لتثقيف ابنته الثانية، ولإعطائها دروساً عملية عن العلاقات الجنسية بين الزوج وزوجته، وبين العشيق وعشيقته، وبين الوالد المخادع وابنته القاصرة، فراح يبسط لها الأمور بذكائه (الوالدي) الخارق، دون أن تأبه به، أو أن تعيره اهتماماً، هو والدها، وهل تشك الطفلة بأبيها؟.. ولكنه عندما بدأ بتهديدها وضربها، استسلمت له والدموع في عينيها.
والظاهر أن مدرسته الرائدة في تعليم بناته أسرار العلاقات الجنسية الشاذة، قد أقفلت أبوابها والحمد لله، قبل أن تتخرج البنت الثانية، وينتقل للثالثة، لأنها اشتكته لوالدتها، التي اشتكته بدورها للعدالة، ومن قوس المحكمة إلى الأشغال الشاقة مدة سبع سنوات، ولو كنت القاضي لأهديته الأشغال الشاقة المؤبدة لأريح بناته من منظره المخيف.
ولأن الحيوانات لا تجامع أطفالها الصغار، بل تفتك بكل من يقترب منها، حفاظاً على نقاوة نسلها، وجدت أن تشبيه غريزتنا الجنسية بالحيوانية فيه شيء من التحامل على الحيوان، وقد صدق الأستاذ حسن عبد الرزاق حين قال:
يسمون الجنس احيانا: الغريزة الحيوانية، لكن الحيوانات لاتمارسه الا حفاظا على النسل، وتخلصا من الحاح الهرمونات السنوية. اعتقد ان تسميته بالغريزة الانسانية اكثر قربا من الحقيقة.
فما هي الأسباب الكامنة وراء اغتصاب العديد من الآباء لفلذ أكبادهم؟ وكيف بإمكان الأمهات ممارسة الجنس مع أبنائهن؟ ومنهن من قررن العيش معهم على عينك يا تاجر، دون أن يخفن من حسيب أو رقيب، كما يقول المثل العامي.
كل ما يفعله الحيوان هو ممارسة الجنس دون خجل، ليتخلص من إفرازات الجسد، بينما نحن البشر ندعي الفضيلة والتدين ونرتكب الفحشاء سراً، إلى أن ينكشف أمرنا، ونعلن أننا نعاني من أمراض عصبية، أو من اختلال عقلي، كما حصل للوالد الذي ذكرت قصته سابقاً.
أطفالنا.. أكبادنا تمشي على الأرض، هكذا قال الشاعر، وهكذا يجب أن ننظر إليهم، فبالله عليكم عاملوهم بالحسنى، وكونوا لهم مدرسة خير، كي تسود العدالة ويعم السلام في عالم كل ما فيه يسبح عكس التيار.
**
مومس.. ولكنها تقية
تجارة الجنس أربح تجارة في العالم، تسعد الرجل وتغني المرأة، أو على العكس تماماً، إذ أنها لا تقتصر على النساء فقط، بل يعتاش منها آلاف الرجال حول العالم، من خلال بيع اللذة لمن يرغب أو ترغب.
وقد تنامت هذه التجارة، وتزايد عدد العاملات والعاملين بها إلى درجة مخيفة، أجبرت الحكومات على سن قوانين صارمة تجبر بها المومس على دفع ضريبة كأي عامل آخر في المجتمع، وعلى الخضوع لفحوصات طبية أسبوعية على الأقل، كما يتعرض كل من لا يحمل أو تحمل رخصة عمل جنسي للإعتقال.
فالمسألة، بنظر الحكومات، لم تعد تتعلق ببيع الجنس، ولا بجني الأرباح الطائلة، ولا بالترفيه عن الأجساد العطشى إليه، بل بحماية المجتمع من أمراض جنسية فتاكة، كالأيدز مثلاً، لم يكتشف لها الطب دواء، كما أنها أركعت قارات بأسرها، كالقارة الإفريقية، وجعلت المنظمات الدولية عاجزة عن مد يد العون والطبابة لضحاياها.
وقد يستغرب البعض إذا قلت إن إستيراد وتصدير لحوم الفتيات الجميلات، يضاهيان استيراد وتصدير لحوم البقر والغنم والماعز والكنغر وما شابه، فأستراليا تستورد المومسات من فيتنام وتايلاند وغيرهما، وأوروبا الغربية تستوردهن من جارتها الشرقية، تماماً كما يفعل لبنان والعديد من الدول العربية، والويل لمن يستورد مومساً من الصين، فلسوف تجتاح دولته التظاهرات الجنسية، كما حصل منذ عدة أيام في هونغ كونغ، فلقد تظاهرت المومسات ضد منظمة التجارة العالمية، لا لأنها رفعت ضرائبها، بل لأنها دفعت بالعديد من النساء إلى الدعارة، وحملن يافطات كتب عليها: لا للعنف.. لا للتمييز.. ولا للفقر. فالعولمة، بنظرهن، ضاعفت البطالة في صفوف المزارعين والعمال، ودفعت العديد من النساء إلى بيع أجسادهن من أجل تأمين لقمة عيشهن فقط.
ومن القصص الطريفة التي حصلت معي منذ سنوات، قصة امرأة كانت تقف في أحد شوارع سيدني، ولم أكن أعرف أنها مومس، إلا عندما اقتربت مني، وكنت برفقة أحد الأصدقاء، وقالت:
ـ أتريد أن ترفّه عن نفسك؟
وقبل أن أجيبها قالت:
ـ معك نصف ساعة، سأمنحها لك بنصف السعر.
ـ ولماذا نصف ساعة فقط؟
ـ بعدها، سيحين وقت ذهابي إلى الكنيسة، لأحضر قداس منتصف الليل، ولأحتفل بعيد الميلاد المجيد.
فهمست بأذن صديقي، بالعربية طبعاً:
ـ أتسمع ما أسمع.. هذه المومس مؤمنة أكثر من بعض رجال الدين؟!
ـ تعال نراقبها لنرى إذا كانت صادقة.
ـ ما لنا ولها.. لقد جئنا لحضور قداس عيد الميلاد، وليس لمراقبة الناس.
ولأننا تهامسنا كثيراً، تركتنا وتوارت داخل أحد المنازل القريبة، ولم نرها إلا عندما دخلت الكنيسة وقد غيرت ملابسها، ولفّت رأسها بشال أبيض، والجدير بالذكر أنها ركعت طوال القداس ولم ترفع رأسها إلا أثناء تناولها للقربان المقدس، فتطلعت بصديقي وقلت:
ـ لقد قال يسوع: لا تدينوا لئلا تدانوا.. فمن سيصدقنا من الناس إذا أخبرناهم قصة هذه المومس التقية؟
ـ ولقد قال أيضاً: يا بني أعطني قلبك.. وأعتقد أن هذه السيدة قد لبت النداء وأعطته قلبها.
هذه قصة حقيقية، يشهد الله عليها، كتبتها للمرة الأولى، ليدرك القارىء أن مومساً تقية لأفضل من رجل دين مخادع، يستغل الله من أجل شهواته، ونزواته، وسياساته، وحبه للتفرقة بين أبناء الله، وزرع الموت على الطرقات، كي لا يهنأ بال، أو ترقد عين.
**
الزواج ضحية هذا العام
ما أن تشب الفتاة حتى تدغدغ أحلام الزواج لياليها، وتبدأ برسم معالم وجه الزوج العتيد، إنها تريده فارساً مغواراً كأنطوني بانديرس في فيلم (زورو)، يركب حصاناً أبيض يسابق الريح، ما هم إذا كان طفراناً، شرط أن يكون وسيماً، يعلو رأسه الكبير جسماً قوياً معضّلاً.. وتظل المسكينة تحلم وتحلم إلى أن يفوتها القطار، وتنتهي زوجة ثالثة أو رابعة لأحد الأزواج المكرشين.
وما أن يحلق الشاب ذقنه حتى تبدأ أمه بالتفتيش عن عروس تناسب طلته البهية، والقرد، كما يقول المثل، بعين أمه غزال، لينجب منها نسله الشريف المقدس. ما هم إذا رآها أم لم تره، أو إذا أحبها أم لم تحبه، المهم أن يتكاسر منها نسله، أي أن تكون مثمرة، حسب تطلعاتنا الشرقية، وإلا رمت، أي الأم، عليها يمين الطلاق، والويل لمن يقف بوجهها، نسل ابنها يأتي في المقدمة، وكل ما عداه باطل.
ولأننا ننطلق، دائماً وأبداً، من منطلق الزواج من أجل الزواج والإنجاب فقط، بتنا نقرأ من القصص الحقيقية عن الزواج ما يضحك، اخترت منها أربع قصص كي لا أضجركم: مثلاً إمرأة مصرية تتحدى الشرع، وبدلاً من أن يتزوج عليها زوجها، كما درجت العادة، تزوجت هي عليه سبع مرات، والقصة تقول:
أربعينية مصرية، هوايتها المفضلة الزواج من شبان أصغر منها، فاختارت منهم سبعة لا غير، وكانت إثر كل زواج تدعي أنها بكر، لم يمسها إنسان، كما أنها تعود في ليلة دخلتها امرأة عشرينية، لم يقبل فمها غير أمها، ولو لم يكتشف الموظف في مصلحة الأحوال المدنية المصرية تزوير تلك السيدة واحتيالها على القانون، لما شك زوج واحد من أزواجها السبعة المغفلين أنهم ضحايا امرأة تهوى الزواج، والتلاعب ببكارتها وعمرها، كما تهوى بيع الملابس في محلها الواقع في منطقة مدينة نصر ـ شرق القاهرة.
وفي مصر أيضاً، شربت سجينة في سجن قنا العمومي قنينة من السم الزعاف، أوصلتها إلى خالقها، وذلك حزناً على زوجها الذي قتلته دون شفقة. والظاهر أن موت زوجها قد جمّله بعينيها، فاشتاقت إليه كثيراً، ولأنه لم يجبها على رسائلها الغرامية المتكررة، التي أرسلتها من قلبها المسجون إلى قلبه السابح في عالم الخلود، قررت اللحاق به بسرعة فائقة، لا لتعاتبه على إهمال رسائلها، بل لتطلب منه الغفران على ما فعلته يوم دست له صبغة شعرها في مشروب العرقسوس المفضل عنده، وأودعته النعش.
ولكي لا ينتهي هذا العام بدون ذبيحة تقدم له، أقدمت إحدى الزوجات الفاضلات التقيات، كما كان ينظر إليها في الحي، على ذبح زوجها من الوريد إلى الوريد، بعد 15 عاماً من الزواج السعيد، وإنجاب ثلاث بنات يقلن للقمر إنزل لنجلس مكانك. صحيح أنها خافت ربها عندما نفرت الدماء من رقبته، وراحت تستغيث بالجيران لإنقاذ رفيق حياتها، إلا أن القدر كان أقوى منها ومن جيرانها، فانتهى فارس أحلامها في القبر، وانتهت هي في السجن المؤبد.
ولكي تتخلص المجتمعات الحديثة من مسألة المهر، الذي يقض مضاجع العرسان في كل مكان، أقدم عريس ماليزي على تقديم مهر لعائلة زوجته بأوراق نقدية مزيفة. إنه يحب الفتاة ويريد الزواج منها، ولكنه لا يملك المال، فماذا يفعل؟
ادعى روميو زمانه أنه يعمل مستشاراً، لأن الفتاة إبنة سياسي بارز في ولاية كيلانتان، وقد لا تقبل به إذا علمت أنه من عامة الشعب. والمستشار في أسوأ الأحوال يملك المال، وإن كان مزيفاً، لذلك رمى بين أيدي عائلة زوجته مهراً قدره 8 آلاف رينجت، 2100 دولار، وعندما انتهى العرس وبدأوا بعد الأوراق النقدية، صبغت الألوان أصابعهم، فاتصلوا بالشرطة، التي اعتقلت العريس الغشاش، وتركت عروسه في بيت الزوجية تندب حظها العاثر، وتلعن مهرها المزيف.
الزواج.. كان ضحية عام 2005، وبما أن العام الجديد سيطل علينا بعد أيام، أتمنى لكم حياة زوجية سعيدة، لا يشوبها غش، ولا تعكّر صفاءها صبغة شعر ولا أموال مزيفة. وكل عام وأنتم بخير.
**
أيها الحيوان إفتح فمك
ما أن انتهت شركة (بفايزر) من تفجير فحولة الرجل، وتثوير أنوثة المرأة، حتى التفتت إلى الحيوان، وقرّرت إنتاج (فياغرا) خاصّة به، تعيد له شهوته الحيوانية... الميتة!!
فلقد تناقلت وكالات الأنباء العالمية، أن علماء الحيوان في بريطانيا يأملون بأن تساعد (فياغرا) الحيوانات المعرّضة لخطر الإنقراض على التلقيح والإنجاب.
فوحيد القرن في شمال أفريقيا لن يبقى وحيداً مع (فياغرا)، وبقر الوحش الأفريقي ذو القرنين، ستغطي قرونه القارة الأفريقية.. كما أن النمور والدببة وغيرها من الحيوانات المرضعة، سيتكاثر نسلها. ومن يدري فقد يصبح عددها أكثر من عدد بني آدم بألف مرّة، والويل لنا إذا التقينا صدفة بهذه الحيوانات، فسننسى كل الحروب الطائفية والسياسية والعرقية وسنتحد ضدها، فإما أن تأكلنا وإما أن نأكلها.. لا فرق.
خيول سباق الخيل، التي تدرّ الملايين على اصحابها سنوياً، ستتلذذ أيضاً بطعم حبوب فياغرا الشهية.. وستلد العديد من الأحصنة التي لا تقدّر بثـمن، فتتكاثر من جرّاء ذلك سباقات الخيل، وتبدأ الأزمات الإجتماعية والعائلية، والذي فوق رأسه خيمة ستدوسها حوافر الخيل (الفياغرية)، ويبقى بدون غطاء.
حتى كلاب الصيد، بعد تقاعدها، ستعيدها الفياغرا إلى صباها، لتبدأ من جديد بتلقيح كل كلبة لـم تلقّح بعد، إذ أن كلب الصيد الجيّد يتدرّب منذ نعومة أنيابه على عدم الإهتمام بالأنثى، لأنها تعيق قفزه وركضه السريع.
كل هذه النعم الحيوانية، جعلت الأطباء البيطريين وعلماء الحيوان يدرسون باهتمام شديد زيادة الشهوة الجنسية عند الحيوان المعرّض للإنقراض والغالي الثـمن، ولو أن الديناصورات ما زالت موجودة، لتذوّقت حبوب الفياغرا من اليوم الأوّل لنزوله إلى الأسواق، ولرأيناها تتنزه في (ترافولغا سكوير) اللندنية، و(الشانزليزيه) الباريسية، و(الأوبرا هاوس) الأسترالية، وسنحجم عن ذكر البيت الأبيض الأميركي كي لا نسبب بأزمة جنسية تنسينا مونيكا لوينسكي وأخواتها.
مسؤول في شركة (بفايزر) المصنعة للدواء قال: (ان الشركة تجري أبحاثها على صنف معيّن من الحيوانات حفاظاً على النوع، مع العلم أننا لـم نقم بعد بالأبحاث الفعّالة والآمنة للوصول إلى الدواء الناجع).
ما هم، طالما أن علماء الحيوان يقومون بوصف حبوب فياغرا للحيوان، تماماً كما يصفها الأطباء للإنسان، لأنها أكثر أماناً من العديد من البرامج المستخدمة في مجال الإنجاب الحيواني.
بعض الحواة الذين يتلاعبون بالحيات، ويزمّرون لها كي تنتصب واقفة في السلّة، فرحوا وزمّروا وطبّلوا عندما علموا بوجود فياغرا حيوانية، وقالوا: بعد اليوم ستنتصب الحيّة من تلقاء ذاتها، دون تزمير أو تطبيل.. وصرخوا بصوت واحد: فلتعش الفياغرا حرّة مستقلة..
فإذا كنتم، أعزائي، تملكون حيوانات غالية الثـمن وقليلة الإنجاب، خذوها إلى أقرب بيطري، واطلبوا منه أن يصف لها حبوب الفياغرا، وأنا كفيل من أن نسلها سيغطي الطرقات، وسيعرضكم لاحتجاجات الجيران، وملاحقة الشرطة.. فكل فياغرا وأنتم بخير.
**
لا للجنس في الفضاء!
عندما أجرى الأخوان ويلبور وأورفيل رايت، في 17 كانون الأول من عام 1903 في كيتي هوك، أول تجربة طيران على طائرة اخترعاها بمحرك واحد، وقف العالـم مشدوهاً أمام عظمة هذا الإختراع، وما زال المتحف الوطني في واشنطن يحتفظ بهذه الطائرة حتى يومنا هذا، ويحافظ عليها كما نحافظ على بؤبؤ العين.
وعندما اخترع فرانك ويتل أوّل محرّك نفّاث في عام 1941، تطلّع العلماء نحو الفضاء، وبدأوا يحلمون باكتشاف الكواكب واحتلالها.
وها هي الصواريخ تنطلق، والمحطات الفضائية تدور، والمركبات تطأ القمر والمريخ، وأرمسترونغ يرفع العلم الأميركي على سطح القمر، ولـم يبق سوى السماح للرواد بممارسة الجنس في الفضاء، إذ أنهم تحت المراقبة الأرضية لحظة بلحظة، وناسا لا تحب أن تشاهد أفلاماً خلاعية يقوم ببطولتها رواد فضائيون.
ولكن، هناك تفكير جدي بإرسال روّاد إلى المريخ لمدة ثلاث سنوات، فهل يجوز أن يبقى هؤلاء المساكين بدون (جنس)؟.. والجنس عنصر هام لتحسين أدائهم، (فبمجرد الخروج في رحلة طويلة يحبّذ الرواد إقامة علاقات جنسية مستقرة) على حد تعبير الدكتور آل هولاند أحد أبرز علماء النفس في وكالة ناسا.
الروس يرفضون بتاتاً إقامة علاقات جنسية بين الرواد، واعتبر أحد الرواد الروس (أن خطر اختلاط الجنسين في الفضاء كخطر الاحتفاظ ببندقية محشوة بالرصاص)، وأعطى مثالاً على ذلك أن زميلته سفيتلانا سافيتسكايا عملت، كمعدة للطعام، في (ساليوت 7)، وكانت تنام في نفس الحجرة التي ينام بها رفاقها الرجال، دون أن يتعرّض لها أحدهم.
كما أن الزوجين الأميركيين مارك لي وجين دايفيز، عملا معاً في مكوك فضائي لمدة أسبوع دون أن يفكّرا ولو لحظة واحدة بالجنس.
سنة 2012، ستكون سنة المريخ، وستقرر (ناسا) ما إذا كانت سترسل (الأزواج) المتطوعين للذهاب في تلك الرحلة التاريخية، خاصة وأن رائد الفضاء مايكل فولي يريد أن يقوم بالرحلة مع زوجته التي تعمل في (ناسا) أيضاً، ومايكل فولي رائد أميركي من مواليد بريطانيا، زاعت شهرته عندما اصطدمت مركبة الفضاء (مير) التي كان بداخلها بسفينة إمداد، وكاد أن يلاقي حتفه، فهل ستنفذ (ناسا) رغبته؟.
لا أعتقد، لأن المدة الطويلة التي ستستغرقها الرحلة، ستدفع (فول) إلى مضاجعة حبيبة قلبه ورفيقة عمره، وهذا حق مكتسب له، لولا خوف رئيس مكتب اكتشاف الفضاء في ناسا السيد دوج كوك عليهما، فهو يعتقد أن ( بعد اطلاق الصاروخ الذي سيضع المركبة في مدارها الجوي، لن تستطيع الحامل أو المريض من العودة الى الأرض، فستستمر الرحلة 180 يوماً في الذهاب، و180 يوماً في العودة، و500 يوم على سطح المريخ)، وهذه الرحلة لا يقدر أن يقوم بها إلا الأصحّاء، ويوافقه في ذلك الرائد الأميركي نورم ثاغارد، ويعتقد، كرئيسه، أن من الأفضل عدم إرسال رواد من الجنسين في رحلة طويلة كهذه.
سؤال لا بد من طرحه: هل بإمكان (ناسا)، لو أرسلت رجالاً فقط إلى المريخ، أو نساء لا فرق، أن تمنع، منعاً باتّاً، الممارسات الجنسية بين الجنس الواحد، والعالـم الغربي سمح بزواج الذكر من الذكر، والأنثى من الأنثى؟.. وقولوا: أللـه.
**
لا للشيخوخة بعد اليوم
أكد العالـم الأميركي ريتشارد سيد أن تقنيّات الاستنساخ البشري بإمكانها أن تعيد الشباب للانسان.. وأن من المستحيل تعطيل عملية استنساخ الانسان لأنها تشكّل تحدياً للعقل البشري.
شخصياً أنا مع الاستنساخ، ومع إعادة الشباب للانسان، وأجزم أن كل ما يدركه العلـم صادر عن قوة إلهية، فلو لـم يكن اللـه يريد ذلك لـما تمكن من معرفته الانسان. وكل تدخل من القيادات الروحية في العالـم على اختلاف (جاهليتها وجهلها)، قد تعيد البشرية للعصور الوسطى، يوم حكمت الكنيسة الكاثوليكية على غاليلو بالحرق لأنه أعلن أن الارض مستديرة. وبعد مئات السنين وافق، وللاسف، أحد رجال الدين المسلمين الكبار، كنيسة العصور الوسطى، وأعلن أن الارض غير مستديرة، وأنه سيكفّر كل من يقول عكس ذلك.. مع العلم أن كنيسة اليوم اعتذرت علناً من روح ذلك العالـم القدير.
الدكتور سيد يؤكد أن السباق قد بدأ بالفعل، وأن من المستحيل إيقافه، وعندما تكتمل تقنية الاستنساخ، ستكون الخطوة الثانية هي استعادة الشباب، وقد بدأت الابحاث، وعملية إعادة الشباب موجودة بالفعل، وكل ما علينا هو إعادة الشيفرة الوراثية ( دي أن ايه) إلى الوراء، من 50 عاماً إلى 22 عاماً، وهذه الشيفرة يمكن تغييرها والسيطرة عليها.
كما أنه دافع عن مشروعية استنساخ الانسان، وقال انها علاج حقيقي ومشروع للعقم، وتوقّع رواجاً للاستنساخ قد يصل الى 100 ألف مولود كل عام.
وقد سخر بعض العلماء والاكاديميين من تصريحات الدكتور سيد، وعلى رأسهم العالـم البريطاني هاري غريفين العامل في معهد (روزلين) في أدنبره، حيث استنسخوا النعجة دوللي.. فقال: كانت عملية استنساخ دوللي أبعد ما تكون عن السهولة، فقد شملت أكثر من 400 بويضة غير مخصبة، و29 من الأجنة، و13 نعجة بديلة!!
واعتبر أن استنساخ البشر غير عملي، وغير آمن بالنسبة للطفل، مذكراً أن مصلحة الطفل يجب أن تأتي أولاً، وأن معهد روزلين يؤيد موقف بريطانيا من هذه القضية.
وموقف بريطانيا واضح جداً، حيث حظّرت استنساخ الانسان (تماماً كما تريد أميركا) وتركت الباب مفتوحاً أمام استخدام هذا الاسلوب لاستنساخ أنسجة وأعضاء يمكن أن تستخدم في علاج أمراض السرطان والمخ..
بمختصر العبارة إن بريطانيا توافق على استنساخ إنسان بدون رأس، مهمته تأمين الاعضاء الناقصة، أي (SPARE PARTS).. وهذا بنظري جريمة كبرى، وتشويه حقيقي لمخلوقات اللـه المستنسخة!!
التلاعب بالعلم من أجل إرضاء الأديان (السماوية) غير مسموح به بتاتاً، فاللـه، سبحانه وتعالى، هو الذي زرع المعرفة فينا، وما علينا سوى اتباع توجيهاته التي يزودنا بها عن طريق العقل.. ومن يدري فقد يجيء يوم يكتب فيه الناس على قبور بعض رجال الدين: هنا يرقد قوم جهلة، ويكتبون على قبور العلماء: هنا يرقد عظماء العصر، ربنا انصرهم إلى أبد الآبدين.. آمين.
**
غشاء البكارة = الموت
ثاني أكبر قضية تهم، أو بالأحرى، تهز العالم العربي بعد الدين هي غشاء البكارة عند البنت، والويل ثم الويل لمن تخسر بكارتها قبل الزواج، فلا عائلتها ستغفر لها جريمتها، ولا مجتمعها سيقبل بها عضواً محترماً وفعالاً فيه.
والبنت، كالشاب تماماً، تجهل، تحب، تحلم، وتثور غريزتها الجنسية إثر كل ملامسة وتغزّل وقبلة، ومع ذلك لا يحق لها ما يحق للشاب، فهو إذا خسر بكارته، أثناء ممارسته العادة السرية، أو مضاجعة إحدى النساء، صار رجلاً، وإذا أوقع امرأة بحبائله الغرامية أصبح زير نساء، وإذا فض بكارة أنثى أحبته ووثقت به، زغردت له نساء الحي، وأغدق عليه الرجال لقب بطل.. بينما جزاء من غرر بها الرجم والموت المؤكد.
تنمو الفتاة العربية وينمو معها هم غشاء بكارتها، فإذا لمست فخذيها صاحت أمها مؤنبة، وإذا ركضت أو قفزت أو وقعت أرضاً تفحّصوا ثيابها الداخلية بتأن بالغ كي لا يكون دم البكارة قد تفجّر وفجّر مستقبل فتاتهم البريئة الطاهرة، وإذا مارست العادة السرية، لتتخلّص من إفرازات الجسد، ولتسد احتياجاته الجنسية، اتصلت بدكتور إيلاف لتستوضحه الأمر، ولتسأله عن مكان غشاء البكارة: أهو في أول المهبل، أم في منتصفه، أم في آخره؟ خوفاً من أن تخدشه. جهل ما بعده جهل، يجب إنقاذ أجيالنا الصاعدة منه.
في أوطاننا العربية، وفي زمن الصعود إلى الفضاء، ما زالت المؤسسات النسائية تجهد من أجل تغيير القوانين البدائية الجاهلة، التي تسمح لأفراد عائلة الفتاة (المذنبة) بغسل عارها عن طريق الفتك بها دون رحمة، أو دون أن يحاسبهم القانون على بربريتهم تلك. وكم من الجرائم وقعت باسم الذود عن شرف العائلة ومحو عارها وكأن شيئاً لم يكن. ونحن لو فكّرنا قليلاً لوجدنا أن الغرب قد مرّ بتلك المراحل المعتمة التي نمر بها، ومن ثم تخلى عنها تدريجياًً، بعد أن أعطى الفتاة حرية مطلقة، فأصبح جسدها ملكها، متى تخطت السن القانونية، بعد أن كان ملك عائلتها، تفعل به ما تشاء، وتهبه لمن تشاء، دون خوف أو رهبة.
ومن جرائم الشرف التي هزّت العاصمة اللبنانية مؤخراً، قصّة ذلك الشقيق الذي همسوا بأذنه أن خطيب أخته قد فض بكارتها، فجن جنونه، وقصدها إلى مكان عملها في أحد المستشفيات، وما أن رآها حتى انهال عليها طعناً بسكين يحملها، فوقعت المسكينة مضرجة بدمائها، ولم يكتف بذلك بل ذبحها من الوريد إلى الوريد كي يشفي غليله، وكي لا يتمكن أحد من إنقاذ حياتها.
إنه جنون الشرف، وإن كان بلا شرف، فبمجرد إشاعة بسيطة، قد تكون كاذبة، من أناس نمامين، تخسر الفتاة العربية حياتها، ولنفترض جدلاً أن خطيبها قد فض بكارتها، أما كان من المستحسن أن تجتمع به العائلة وتجبره على الزواج منهاً، بدلاً من ذبحها كالشاة، وتعريض الأخ الثائر لشتى أنواع الأحكام القضائية التي سيكون أولها الإعدام.
لقد عرض التلفزيون الأسترالي، منذ أسابيع، برنامجاً حياً اسمه (الأخ الأكبر)، صور داخل منزل يخضع سكانه لأعين الكاميرات والمشاهدين مدة 24 ساعة، حتى أثناء التبوّل والبراز، وكان الرجال والنساء يستحمون عراة أمام بعضهم البعض دون أن تثور غرائزهم، أو أن تتحرك شهواتهم الحيوانية، فتأفف المخرج من ذلك، وأمر أحدهم، لقاء هبات عديدة، تقبيل إحدى فتيات المنزل، حتى لا يقال: اجتمع 16 رجل وامرأة تحت سقف واحد مدة ثلاثة أشهر، وهم عراة في معظم الأحيان، دون أن يقع الغرام بين قلبين، أو أن تفقع قبلة واحدة، رغم وجود إحدى بائعات الهوى الجميلات بينهم، وهذا عار ومستهجن بنظر المخرج المتحرر.
من هنا نلمس مدى الوعي الجنسي عند الغربيين، وقدرتهم على السيطرة على شهواتهم وغرائزهم، فالأجساد البشرية العارية متشابهة بنظرهم، أي أنها لا تثيرهم على الإطلاق، ما لم يقع الغرام بين قلبين، وتتفاعل العواطف.
أنا، بطبعي، ما زلت محافظاً، أرفض إباحية الغرب المطلقة، ولكنني بنفس الوقت أرفض قسوة الشرق الظالمة على الفتاة، وكأنها لا شيء، جسم بدون إحساس، أو قلب لا ينبض بالحب. فقليل من الحرية قد ينعش قلبها، ويجعلها تميّز بين الخير والشر، خاصة إذا زودناها بدراسة جنسية قبل البلوغ، تماماً كما تفعل المدارس الأسترالية مع طلاب وطالبات الصفوف السادسة الابتدائية. إنها تلقحهم بثقافة جنسية واعية ومتفهمة قبل دخولهم سن المراهقة، حيث الجنون والطيش وارتكاب الحماقات المختلفة.
سيظل شرقنا العربي التعيس خاضعاً لهاجسين: الدين وغشاء البكارة.. وسيظل يمارس الحب والرذيلة والعادة السرية بتكتم شديد، حتى لا يفتضح أمره، وتعتقله شرطة الأخلاق، أو تذبحه سكين أخٍ ثائر، كما حدث ويحدث دائماً.
**
غشاء البكارة.. مرة ثانية
عندما نشرت مقالي (غشاء البكارة = الموت) في مجلة (إيلاف)، لم أكن أدري أن موضوعاً كهذا سيغرق بريدي الإلكتروني بحفنة من الشتائم القذرة، وبالعديد من الرسائل المشجعة الجميلة والجريئة في آن واحد. فلقد أخبرني أحد القراء أن اللواط والسحاق متفشيان في إحدى الدول العربية المحافظة جداً جداً، بطريقة يندى لها الجبين، وبأسلوب يخجل منه الدين، وجميع المتحججين به، والمتمسكين بجهلهم حد الموت. كما أخبرتني قارئة أنها درست في الجامعة مواضيع حقيقية مرعبة عن مآسي الفتيات العربيات، وتعرضهن للموت بسبب (غشاء) تافه، قد لا نراه بالعين المجردة، رماه الغربيون في سلة مهملاتهم، وأكملوا طريقهم إلى.. الفضاء.
ولكن الرسالة الأجمل، هي التي وصلتني من الدكتور حسان جمالي المغترب في كندا، مرفقة بمقال كتبه عن الجنس والأخلاق والنفاق، يصور به معاناته كرجل عربي مثقل (بأحمال ثقافية واجتماعية ودينية، كلها يقين وثوابت لا يدخلها الشك من أمامها أو من خلفها)، ومحاولته الاحتكاك بالغربيين والعيش تحت سمائهم، منذ كان عمره تسعة عشر سنة. فلقد كان يعتقد (أن المرأة العربية خلقت من طينة مختلفة كلياً عن طينة المرأة الغربية، هي عذراء محصّنة قبل الزواج، وأم حنون، وزوجة مطيعة مخلصة بعده)، ولكنه اكتشف، بعد ثلاثين سنة وأكثر، من العيش بين الأوروبيين والكنديين (بأن هؤلاء الناس، على الرغم من اختلاف التربية والعادات والدين والسلوك الجنسي، يشبهوننا كثيراً، ويشاركوننا في جميع القيم الأخلاقية، التي تميّز الإنسان عن بقية المخلوقات).
فكيف بإمكان شاب، كالدكتور جمالي، نشأ في الشرق وتبرمج على رؤية لونين فقط في الحياة: الأسود والأبيض، وأن الخير كل الخير في العالم العربي، والشر كل الشر في العالم الغربي!.. أجل، كيف بإمكانه التعامل مع امرأة متحررة (تعمل وتخوض تجارب عاطفية وجنسية قبل الزواج، دون أن يتهمها أحد بشرفها وعرضها)؟ وهو الذي أخرسته المفاجأة حين التقى (بأمهات عازبات لو كنّ في بلادنا لذبحن كالنعاج). هنا تظهر قدرة الإنسان المثقف على التعايش والتناغم بمجتمعه الجديد، وقدرة الإنسان المتزمت الجاهل على تدمير أي مجتمع تطأه قدمه.
ولكي يصور معاناته أكثر، ويؤكد صدق طرحه ومعالجته للأمور، يعترف بأنه عانى الكثير قبل التأقلم، وقبل الإدراك أن ممارسة الجنس من بديهيات الأمور، لا بل من متطلبات الجسم البشري، وأن الله غرس فينا الشهوة، كما غرس الجوع والشبع، فإما أن نكون أحراراً بإشباعها، دون خوف، كالغربيين، وإما أن نكون خائفين ومقيدين كالشرقيين، نمارس اللواط والسحاق بطريقة سرية، كي نتخلص من إفرازات الجسد؟! كما أدرك الدكتور جمالي أن هناك قيماً إنسانية في الغرب، أهم بكثير من فض غشاء البكارة، ومن ارتكاب الجرائم باسم الشرف: (نعم، عانيت وعانى غيري كثيراً قبل أن أدرك أن الصدق والأمانة وحسن المعاملة واحترام الإنسان وكرامته ومساعدة الضعيف والعاجز ورعاية الطفل، هي وحدها التي تشكل السلوك الإنساني الأخلاقي المشترك).
هذه هي القيم التي يجب أن يتمسك بها الانسان العربي، كائناً من كان، كي يتنعم بإنسانية رائدة، تمنعه من قتل ابنته، أو ذبح أخته لمجرد الشك أو اليقين بأنهما خسرتا غشاء بكارتهما، ومعظم فتياتنا لا يعرفن، بسبب انعدام ثقافتهن الجنسية، وجهلهن المضحك بالأمور الجنسية، أين يوجد غشاء البكارة، وهن بحاجة لطبيب، كدكتور إيلاف، كي يدلهن عليه من خلال رسم ينشره على شاشة المجلة، أو من خلال الإجابة على أسئلتهن المتشابهة العطشى للمعرفة.. وصدقوني أن لا اللغة، ولا الدين، ولا القضايا المصيرية، ولا المصير المشترك، ولا التعايش الأخوي، بإمكانه أن يوحد أمتنا العربية، كما وحدها غشاء بكارة الفتاة.
فلقد تعرّف الدكتور جمالي في الغرب (الكافر) على حد تعبير البعض، على قيم إنسانية ثابتة (لا تتغيّر، ولا تتبدل بحكم الزمان والمكان، وجميع الديانات السماوية والوضعية والقوانين والأعراف، تؤكد وتحض عليها، وهي التي تسمح للانسان أن يعيش بأمان وسلام في أي مكان على سطح الأرض، وأن يختلط بشعوب أخرى، وأن يجعل من امرأة أجنبية زوجة صالحة له وأما لأولاده)، ومن الممكن، لا بل من المؤكد، أن تكون تلك المرأة الغربية قد خسرت غشاء بكارتها قبل الزواج، ومع ذلك بإمكانها أن تكون زوجة صالحة وأماً فاضلة. أجل، ستكون هكذا، لأنني تعرفت على الكثيرات منهن في أستراليا، فكن الشرف لعائلاتهن، وكن الإخلاص لرجالهن، وكن الأخلاق لمحيطهن، وكن الإيمان لخالقهن، وكن الصداقة الطاهرة لمعارفهن.. ومع ذلك مارسن الجنس قبل الزواج، وتمسكن بطهرهن الناصع المفرح بعده، وأنى لرجل غير الزوج أن يرشقهن بوردة.
ولكي أطفىء غليل قارىء ثائر، راح يشتمني برسالته، ويصفني بالديوث وبالقواد، ويسألني إذا كنت سأسمح لابنتي أو أختي بممارسة الجنس قبل الزواج؟.. سأرد على سؤاله بأسئلة مماثلة:
1ـ هل ستسمح، أيها القارىء المثالي الشريف، أن تمارس ابنتك السحاق مع فتاة أخرى؟.. وإذا اكتشفت أو أخبرتك ابنتك بذلك، وهي لن تخبرك بالطبع، كيف ستتصرف معها؟ هل ستقتلها أم سترشدها وتوجهها؟
2ـ ماذا ستفعل إذا ضبطت ابنتك وهي تمارس العادة السرية؟ هل ستركض إلى أقرب سكين في المطبخ وتذبحها؟ أم ستغض الطرف عنها لأنها تتخلص من إفرازات جسدها، كما فعلت أنت من قبل، ولأنها، وهذا هو الأهم بنظرك، ما زالت تحتفظ بغشاء بكارتها؟ وأنا متأكد من أنك لا تعرف، بسبب جهلك أيضاً، أين هو هذا الغشاء المقدس بنظرك، هل هو في فتحة الأذن؟ أم في فتحة الأنف؟ أم بين الفخذين؟!
3ـ هل ستتقبل فكرة زواج ابنتك، عن طريق التهديد والترغيب، من رجل لا تحبه، وبعد يوم واحد من فض بكارتها، يفترق الاثنان وكأن شيئاً لم يكن؟.. إذا كنت ستتقبلها، فأيهما أفضل: أن يفض بكارتها رجل أحبته وأحبها، ومن يدري، فقد يؤسسا معاً عائلة سعيدة ترضي الله ويرضى عنها كما يحدث في الغرب؟ أم رميها بأحضان رجل لا تحبه ولا يحبها، فيقطف منها زهرتها وهي تمتعض تحته وتتألم، بحجة أنه زوجها.. ولو بالإكراه؟!.. وماذا ستفعل عندما تطلق ابنتك؟ هل ستسجنها في المنزل لأنها فقدت عذريتها؟ أم ستضع عليها مراقبة شديدة؟ أم ستزوجها لأول رجل يتقدم لها، فتعيد تفاصيل المأساة، أو، وهذا الأرجح، تبدأ فصول الخيانة الزوجية؟
يجب أن نثقّف الفتاة جنسياً، وأن نعطيها شيئاً من حريتها، لتختار الإنسان الذي يسعدها وتسعده، اجتماعياً وجنسياً، وأن نتخلى عن دور الوصي عليها، فلا أحد على الإطلاق يعرف ما في سرائر الآخرين، خاصة إذا كانت المسألة تتعلّق بأمورهم الجنسية الحميمة.
إلى أن تجيبني على أسئلتي هذه، أعود لرسالة الأخ الدكتور حسان جمالي، لأشكره عليها، ولأطالبه بنشر مقاله كاملاً في (إيلاف)، فلغته جيدة، وأسلوبه سلس، وحجته دامغة، ومعاناته مؤثرة، شرط أن يتقبّل شتائم (الشرفاء) برحابة صدر، وأن يدجج بريده الإلكتروني ببرنامج قتالي فعّال لمكافحة جراثيمهم الخبيثة.. فنعم الأخلاق، ونعم الشرف.
**
غشاء البكارة يحتل الصدارة
لم أفكر، في يوم من الأيام، أن أطرق موضوعاً واحداً أكثر من مرة، فأنا بطبعي أحب التنويع في الكتابة، تارة أحلق في الفضاء، وتارة أغوص في السياسة، وطوراً أدافع عن المرأة أو أطرّز لها قصيدة حب، مخافة أن يضجر القارىء من مقالاتي. ولكنني أجد نفسي مجبراً على فض غشاء بكارة الكلمات مرة ثالثة وأخيرة، كرمى لأعين فتياتنا العربيات الموزعات تحت كل سماء.
منذ عدة أسابيع نشرت في (إيلاف) مقالاً بعنوان (غشاء البكارة = الموت)، ألحقته بمقال ثانٍ بعنوان (غشاء البكارة.. مرة ثانية)، ولكن القراء، وخاصة الجنس اللطيف منهم، أبوا إلا أن أعود إليه.. منهم من أخبرني أنه قرأني في صحف ومجلات عربية أخرى، مع العلم أنني لا أكتب إلا في (إيلاف)، وكل ما ينشر لي في غيرها سيكون حتماً منقولاً عنها، ما عدا القصائد المكتوبة باللهجة اللبنانية.
ورغم احتجاب مقالي المذكور، وانطوائه في الصفحات الداخلية للمجلة، ما زالت الرسائل تردني بكثرة حوله: الرجال يشتمونني، ليس كلهم بالطبع، والنساء يمدحنني. وها هي (لمى) الصحفية في أميركا، تعتبر أنني قمت بعمل جيّد، وأنها كتبت عن (جراثيم الشرف)، وتعتقد أن العقل العربي بحاجة إلى تحديث، لأنه ما زال يعيش في القرون الوسطى.
أما (زهراء)، فقد أخبرتني أن الله منّ على أبويها بخمس بنات، فاعتبر البعض أن مصيبة كبرى قد حلّت بعائلتها، وأن هذا العدد من البنات كثير جداً على عائلة واحدة، وأقسمت أن لا فرق بين البنت والصبي، كونها تدير أعمال أبيها بنجاح ملحوظ، وما على العالم العربي إلا التفكير الإيجابي تجاه البنت، وعدم التمييز بين الذكر والأنثى، لأن الله لا يميّز بين خلقه ذكوراً كانوا أم إناثاً.
هدى.. تمنت لو بإمكانها أن ترسل لي باقة من الورود تقديراً لمقال سلّط الأضواء على حالة المرأة المزرية في العالم العربي، ومن يدري، فقد يدفع الرجل الى احترامها أكثر.
يسر.. حيتني من العراق الجريح، وهنأتني على المقال الرائع، وسألتني سؤالاً أحرجني، كوني لا أعرف الجواب عليه، وما علي سوى الاستنجاد بدكتور (إيلاف)، فلقد كتبت: (لدي سؤال.. كل أعضاء البشر لها فائدة، القلب، الشرايين، الكلى.. إلخ، فما فائدة غشاء البكارة؟ طالما أن عدم وجوده لا يتسبب بأي ضرر للمرأة، فما سبب وجوده إذن؟ ولماذا؟). الحقني يا دكتور خالد، ولك مني نصف وردات هدى.
مسك الختام سيكون لأختي في الله (مسك)، كما أحبت أن تعرف بنفسها، فلقد أخبرتني في رسالتها أن عمرها 24 سنة (مغتربة، ومقيمة في الأردن، زرت دولاً عربية وإسلامية وأوروبية كثيرة بحكم عمل والدي، وأدرس علم النفس المرحلة الأخيرة. أعجبتني جداً جداً كل طروحاتك، والله يشهد على ما أقول، فكم نحن بحاجة لمثل هذه الكلمات تنير لنا دربنا، كي ننعم بالسلام الحقيقي مع أنفسنا، قبل أن ننعم به مع العالم أجمع).
ولكي تطمئنني من أن ما كتبته في رسالتها صادر عن إيمان عميق بالله تعالى، وعن تمسكها بدينها الحنيف، قالت: (أنا مسلمة، والحمد لله، لكنني لست محجبة، مع العلم أنني أؤدي الفروض الخمسة من صلاة وزكاة والتزام حدود الله. لا أحب النميمة، ولا الغيبة، وأحترم البشر، كل حسب إنسانيته، لا فرق عندي بين مسلم ومسيحي، فأعز صديقة لي هي من الطائفة الأرثذوكسية. وصدقني أنني رأيت العجب ببلادنا الإسلامية، رأيت جامعاً يبعد 100 متر فقط عن بار للمشروبات الروحية، ورأيت محجبات لا يمتن بصلة للحجاب، يرتدين البناطيل والشورتات، ويغتبن الناس، كما أنهن لا يصلين على الإطلاق، هن ملتزمات أمام الناس فقط. نحن، وللأسف الشديد، نعيش حالة من الصراع النفسي والتناقض الإجتماعي، وأستغرب كيف يعاديك البعض، حالهم كحال النعامة. ديننا صريح وبسيط جداً، ورمز للتسامح والإخاء.. دين حق وترغيب، وليس دين قتل وترهيب. تناقضات أتعبتني جداً).
وبعد التناقضات المتعبة التي تواجهها (مسك) كل يوم، انتقلت إلى التعايش بين الناس، وأعلنت مقتها لكل من يكفّر إنساناً آخر، لا لشيء، إلا لأنه من طائفة أخرى، وإليكم ما قالت: (لي في الجامعة صديقات فلسطينيات وأردنيات، واحدة منهن مسيحية، وهي المقربة لقلبي، لأنها من طينتي، أفكارها تتطابق مع أفكاري، وأتأسف إذا أخبرتك أن العديد من صديقاتي ينبذنها، وينعتنها بالكفر، وعندما أناقشهن بذلك، وأقول لهن إنها من بلدكن ومن جنسيتكن، ودينها حق كديننا، لها كتاب ونبي، فكيف تكون ملحدة وهي تعترف بالله؟ غرابة ما بعدها غرابة!)..
أجل يا (مسك)، غرابة ما بعدها غرابة، جعلت أعمى المعرّى يصرخ بأعلى صوته: ليت عمري ما الصحيح؟! بعد أن رأى، وهو الأعمى، ما عجز الأصحاء عن رؤيته، حتى في القرن الحادي والعشرين، من تطاحن ديني مقيت، وقتل وتكفير باسم الله تعالى.
وفي الختام، تخبرني (مسك) أن تثقيف الفتاة، إنسانياً وتربوياً وجنسياً، يساعدها على النجاح، وعلى التنعم بحياة زوجية سعيدة، تمنع الأزواج من الانزلاق في مهاوي الخيانة، فكتبت ورائحة المسك تفوح من كل كلمة من كلماتها: (زمان، كنت أتابع كتابات الدكتورة نوال السعداوي، فلقد كانت جريئة جداً، تكتب من أجل إنارة طريقنا، ومع ذلك حوربت ونبذت، لكنها صمدت وواصلت مشوارها، ودعتنا إلى أن نعزز ثقتنا بأنفسنا، وأن نقرأ ونتعلم كي ننجح بحياتنا الزوجية، ونمنع هروب أزواجنا إلى مهاوي الخيانة).
ولكي تشد من عزيمتي أكثر قالت:(أعتذر للإطالة، ولكنني معجبة بطرحك عن غشاء البكارة، وأتمنى أن أرى مواضيع أخرى أجرأ وأجمل، واعلم أن كل الذين يشتمونك هم من أشد المتابعين لمقالاتك، وهذا ما يدل على نجاحك ورقيك بالتفكير بغية توصيل تجاربك للجميع، واعلم أن الاسم اللامع هو الذي يُهاجم، لأن له متابعين يسجلون ويدققون بكل كلمة تصدر منه قد لا تتطابق مع تفكيرهم المتخلف).
هذه الرسائل، ورسائل أخرى كثيرة لم آت على ذكرها، بعضها طلبت من صاحباتها إرسالها إلى (إيلاف) كونها وصلتني كمقالات جاهزة للنشر، تثبت أن هناك حالة مرضية قاتلة في وطننا العربي تعاني منها الفتاة، وتشل قدراتها، وتحد من إبداعها، يجب إنقاذها منها، وهذا لن يتم إلا عن طريق منحها حريتها، ومدها بنسغ ثقافي، اجتماعي، علمي، وجنسي رائد، يعطيها ثقة بالنفس تحولها من امرأة جاهلة إلى امرأة ذكية، ومن أم أَمَة إلى أم أُمّة، ومن زوجة خائفة ومذبذبة إلى زوجة وفية وناضجة ومتفهمة، وإلاّ.. سيتواصل انهمار رسائلهن المعذبة والمتأففة إلى كل من يدعو لإنقاذهن من براثن الجهل والعذاب.. وديكتاتوريّة الذكر.
**
انتخابات.. وفياغرا
منذ أكثر من عشرين سنة عرضت في سيدني مسرحية بعنوان (انتخابات.. وفلافل)، وقبل العرض باسبوع، قررت أن أكتب عنها بغية الترويج لها، وتشجيع أحد المخرجين الأصدقاء، فاتصلت به مستفسراً عن فحوى المسرحية وأهدافها، فأجابني بهدوء وتأنٍ على جميع أسئلتي، لدرجة أصبحت معها أعرف عن المسرحية وابطالها أكثر مما يعرف هو شخصياً، ولكنني ما أن سألته: ما دخل الفلافل بالانتخابات؟ حتى ضحك ملء شدقيه وقال: عندما تشاهد المسرحية تعرف السبب.
وفي اليوم المحدد للعرض أسرعت إلى القاعة، وفضولي يسبقني، لمعرفة سبب تدخّل الفلافل بالإنتخابات، فإذا بي أجد المشاهدين يلتهمون سندويشات الفلافل بشهية يحسدون عليها، فسألتهم:
ـ من أين اشتريتم هذه السندويشات؟
فأجابوا بصوت واحد:
ـ من دكان موجود في آخر القاعة..
عندئذ أدركت أن صديقي كان أذكى مني ومن جمهوره، إذ ربح من بيع الفلافل أكثر مما ربح من بيع بطاقات المسرحية، ليسترد ولو بعضاً من تكاليف عرضها الباهظة.
تذكرت هذه القصة، وأنا أقرأ خبراً طريفاً عن أحد الأطباء المرشحين للإنتخابات في اليمن، فلقد قرر حضرة جنابه أن يوزّع على الرجال فقط حبوب الفياغرا من أجل التصويت له.
قلت: على الرجال فقط، لأنني متأكد، مئة بالمئة، من أنه لن يتاجسر ويعرض حبوبه على النساء، خوفاً من ردة فعلهن، وفعل ذكورهن التي قد تقضي على مستقبله السياسي، وعلى أمواله التي اشترى بها حبوب الفياغرا المنشطة للمقترعين.
تساءلت ملياً، لماذا لم يوزع طبيبنا هذا أدوية ارتفاع ضغط الدم والسكري والصداع بدلاً من الفياغرا، فيخفف بذلك من أوجاع مواطنيه. واعتقد انه قد سئم من وصف الأدوية على اختلاف أنواعها، حتى أصبحت بنظره موضة قديمة، أكل الدهر عليها وشرب، كما أنها لا تكثر نسل محبذيه كالفياغرا.
لقد أدرك هذا المرشح الذكي جداً جداً، أن معظم الرجال العرب يفكّرون بالجنس أولاً، وبتعدد الزوجات ثانياً، وبإكثار النسل ثالثاً، ولو كان بمقدوره أن يوزع الزوجات على الرجال لفعل، شرط أن ينجح، ولكن ليس باليد حيلة، فاكتفى بالحبوب السحرية، ومن مثل الطبيب يعرف أن أول وصفة طبية يسأل عنها الرجل العربي هي حبوب الفياغرا.
قديماً، وزع أحد المرشحين اللبنانيين على مفاتيحه الانتخابية مسدسات كاتمة للصوت، وعندما انتشر الخبر بين الناس، خافوا كثيراً، وصوتوا له، دون أدنى تفكير، ليفوز بنسبة كبيرة غير متوقعة.
كما أن أحدهم أرسل أزلامه إلى القرى الآمنة، ليعيثوا فيها فساداً إذا لم ينتخب أبناؤها وحيد الزمان، فخاف منه السكان، وبصموا له بالخمسة ليرفع اسم لبنان.
وهنا، في أستراليا، وزع أحد المرشحين الورود على الناس، عله يكسب ودهم، وبالتالي أصواتهم، فأخذوا الورود شاكرين، ليصوتوا لمرشح آخر يملك برنامجاُ انتخابياً رائداً، قد يفيد البلاد والعباد معاً.
أتمنى أن ينجح هذا المرشح الفياغري بنسبة عالية جداً، ليغيّر نمط الإنتخابات العربية للأبد، وليجعلها أكثر متعة، فبدلاً من أن يرهب المرشحون الناس بمسدساتهم، تشرئب في بطون ناخبيهم الفياغرا، وبدلاً من أن يرسلوا أزلامهم ليعيثوا في الأرض فساداً، يستقبلهم المقترعون بالزغاريد والأهازيج وقصائد المديح حباً بالفياغرا.
هذا إذا لم تتوقف المواكب الانتخابية التي تعرقل السير، وتصم الآذان بزمامير سياراتها، وهتاف أنصار هذا المرشح أو ذاك، لأن الناس، في حال وزعت الفياغرا عليهم، سيأوون إلى الفراش، ليتنعموا بما وهبهم مرشحهم للإنتخابات من لذة، قد لا يحلمون بها.
أما البرامج الإنتخابية، التي على أساسها يتم الفوز في البلاد الراقية، فلسنا بحاجة لها في الوقت الحاضر، لأننا بأمس الحاجة الى مئة مليون طفل عربي جديد، تطعمهم وكالات الإغاثة، وتبرعات الدول المانحة، ما هم، طالما أننا لم نصبح بعد الأكثر تعداداً في العالم.
بربكم أخبروني: هل مخترعو الفياغرا من أصول عربية أم لا؟.. أنا متأكد أنهم عرب وإلا لما فكروا بها.
كل انتخابات وأنتم رجال.. يا رجال.
**
عنوسة أم عروسة
العنوسة.. آفة اجتماعية تفتك بمعظم فتياتنا في الشرق، ومحظوظة جداً من تضع الطرحة على رأسها وتسير إلى عش الزوجية وسط زغردات أمها وجدتها، والسبب في ذلك لا يعود إلى بشاعتهن، معاذ الله، ففتياتنا حسناوات لدرجة مذهلة، بل إلى أسباب دينية واجتماعية متخلفة. فالفتاة التي تغرم بشاب من خارج طائفتها ستعدم قبل أن تلبس طرحتها، أما التي تغرم بشاب، طبقته الإجتماعية لا توازي طبقتها، فلسوف ينقعها أهلها في البيت، إلى أن يأتي النصيب الملائم. ثم إن الحرية المعطاة للفتاة الشرقية أشبه ما تكون بالحرية المعطاة للزنوج قبل أن يحررهم إبراهيم لنكولن.
هناك مشكلة، كي لا أقول مأساة، وجب علينا حلّها، مخافة أن يصيب فتياتنا ما أصاب تلك الفتاة القروية المسكينة، التي سمعت أمها تقول لأبيها:
ـ إبنتنا مرّ وقتها، لقد أضحت عانساً..
فخافت كثيراً على مستقبلها، وأخذت تتحسّس بأصابعها بشرة وجهها، جاهدة قدر المستطاع إقناع نفسها أن تلك التجاعيد التي بدأت تظهر بوضوح، ما هي إلاّ طفرات جلديّة سرعان ما تختفي.
ـ يجب أن أتصرّف قبل فوات الأوان..
تمتمت لنفسها وهي تدق أبواب صديقاتها المتزوجات بيدين نهمتين، علّهن يرشدنها إلى أقرب وأنجح السبل لإيجاد عريس مناسب لها .
قالت الأولى:
ـ هندسي حالك.. إصبغي شعرك.. فرشي أسنانك كل ليلة، والبسي كعباً عالياً!
ونصحتها الثانية:
ـ إختاري الشاب الذي يعجبك، والحقيه من مكان لآخر، حتّى يقع في غرامك. مسألة سهلة جداً جداً.. أليس كذلك؟
أمّا الثالثة فقالت لها بكثير من الجديّة:
ـ إفعلي مثلما فعلت أنا.. قابلي حكيماً عربياً..
ـ ماذا؟.. حكيماً عربياً؟!
ـ أجل.
ـ هذا الذي يأتي إلى الضّيعة كل مدّة، ويروح يصرخ بصوت عالٍ: معي دواء للسكّري، لوجع البطن، لضغط الدم، للبواسير، للعقم؟
ـ ومعه أيضاً دواء للزواج السّريع.
ـ أين هو.. دلّيني عليه.. أسرعي؟
ـ طوّلي بالك.. غداً سيجيء إلى الضّيعة، وسيرمي بين يديك دزّينة عرسان دفعة واحدة بإذن اللـه.
وانتظرت طويلاً يوم مجيئه، وكانت تركض إلى شرفة منزلها كلّما أحسّت بوقع حوافر بغلة أحد الفلاّحين، ظنّاً منها أن (الحكيم العربي) قد وصل إلى القرية، راكباً بغلته المزينة بالأجراس والشراريب القماشية الملوّنة. وذات يوم سمعته يهمس بأذنها :
ـ كيف بإمكاني أن أساعدك يا بنيّتي؟
ـ أريد وصفة تقرّب العرسان..
ـ والدراهم؟
ـ عشرة دولارات، لا أملك غيرها ..
ـ زين.. زين.. هاتي كفّك لأقرأ بختك.. يا بنيّتي، أنت مكتوب لك، ويجب فكّ الكتابة حالاً..
ـ قل لي ماذا أفعل؟
ـ إذهبي إلى المقابر، وبيديك المباخر، واهتفي:
يا أهل المقابر
ما لي عندكم خطيّه
ودّولي عريس
بعدي صبيّه..
ـ هكذا فقط؟
ـ أجل.. ولكن قبل أن تذهبي أعطيني الدّراهم .
والظاهر أن حظّ (الحكيم العربي) يفلق الصخر، لأنها ما أن عملت بوصفته التافهة هذه، حتى رزقها اللـه عريساً من عمر أبيها.. أودعته المقابر بعد انقضاء شهر عسلهما مباشرة، ولسان حالها يردد:
يا مبصِّر شو هـالقصَّه؟
لازم فيِّي تتوصَّى
اللِّي شحدتو من مقابرنا
رجع علَيها.. صبِّرنا
بواحد تاني يسترنا
ويِقيم عنِّي هـالغصَّه
أتمنى من كل قلبي أن تحظى كل فتاة عربية بفارس أحلامها، وأن تعمل الحكومات والمؤسسات الإجتماعية لحل هذه المشكلة التي تفتك بشبابنا وبناتنا على حد سواء. فقد آن الأوان كي نمحو من الوجود كلمة (عنوسة)، وأن نعلّق على سيارة كل عروسين لوحة كتب عليها: مبروك يا عروسة. والله قادر على كل شيء.
**
عانسة.. أكثر من آنسة
رسائل كثيرة وصلتني، كتعليقات، على المقال الذي نشرته في (إيلاف) منذ أسبوعين تقريباً، بعنوان (عنوسة.. أم عروسة؟)، ولكن رسالة واحدة استوقفتني كثيراً، وجعلتني أرجع إليها عدة مرات، قبل أن أفكر في نشرها أو التعليق عليها، فلقد أحسست من السطر الأول أن (دانة شهاب) التي صنفوها (عانسة.. أكثر من كونها آنسة)، على حد تعبيرها، تريد أن تدخل إلى صلب الموضوع دون استئذان، وكأن الكيل قد طفح معها، ولا شيء يمنعها من إبداء رأيها بحرية تامة، طالما أن مجتمعها الإنطوائي الضعيف بدأ ينظر إليها بازدراء، بعد أن تخطت الثلاثين من عمرها دون أن تتزوج.
تقول دانة: (المشكلة كما أراها هي أن المجتمع، المكوّن من عائلات، يضع مسألة الزواج في أعلى سلّم الأولويات، وباللون الأحمر، وكأن الحياة تعتمد عليه أكثر من الهواء. نعم، الزواج ضروري لتحقيق الاستقرار، واستمرار الأسر والأسماء والسعادة، ولكن في حالة واحدة، إذا كان الزوجان متوافقين. فالزواج بحد ذاته صيغة قانونية فقط، أما الحياة الزوجية فهي تعايش بين شخصين يبذلان جهداً وعاطفة لإسعاد بعضهما).
وبعد أن ترمي علينا سؤالاً مهماً: (ماذا يحدث إذا لم نجد الشخص المناسب؟)، تجيب بصوت صارخ: (لا شيء). أجل: لا شيء، فالفتاة المثقفة تعرف كيف تختار رفيق حياتها، قرارها بيدها، بعد أن كان بيد عائلتها، وكم من فتاة شرقية تزوجت دون أن ترى العريس، والدها رآه، وهذا يكفي!
ولكن (دانة) تعرف أن المجتمع لن يرحمها، وأن الأسرة ستتأفف من وجودها في البيت، فلنقرأ ما تقول: (أما المجتمع والأسرة فسينظران للمرأة التي لم تتزوج وكأنها مرض يجب نبذه، أو خاطئة تركها الرجال، وفي أحسن الحالات، هم ثقيل تحمله الأسرة، وعليها التخلص منه، أو تحمّل نتيجة الإخفاق في التخلص منه).
وهذه النظرة اللئيمة من المجتمع والأسرة للفتاة العانس، هي التي تدفعها للزواج من أي كان، كي تهرب منها، وإن وقعت مستقبلاً في أبغض الحلال: (وكم من فتاة تتزوج من أجل تحقيق هدف الزواج، ليس إلاّ، فتعيش حياة تعيسة مليئة بالمشاكل، لأن الهدف لم يكن ذلك الزوج بعينه، بل الزواج من أجل الزواج).
المشكلة موجودة إذن، فما هي أسبابها، وكيف يمكننا التخلص منها؟ وها هي (دانة) تلخّصها كالآتي:
1ـ نسبة الفتيات المتعلمات الناضجات الواعيات اللاتي طورن عقليتهن وشخصيتهن، ولم يعدن كسيرات وضعيفات، أكثر بكثير من الرجال الذين تعلموا وطوروا عقليتهم، ولم تعد النساء بالنسبة لهم مجرد وعاء، وخادمة، وأحياناً ممسحة.
2ـ لا زال الكثير من الرجال يبحثون عن المتعة دون ارتباط، ويتزوجون لينجبوا، وعندها يختارون النموذج المتخلف من النساء، لأنهم لا يستطيعون مجاراة النموذج الآخر، وبالمقابل أصبحت النساء ترفض الزواج من أي كان، خاصة من رجال أهم مواصفاتهم أنهم ذكور.. مجرد ذكور.
3ـ سبب آخر يضحكني كثيراً، هو أن الكثير من الرجال يبحثون عن عروسة صغيرة السن، ويعتقدون أن الفتاة لا تصلح للزواج عندما تتجاوز الثامنة والعشرين. كيف تتزوج النساء أصحاب عقلية كهذه؟!.
أما عن الحل، فتقول دانة: (الموضوع موضوع تفاهم، وتوازن في الرغبات والاختيارات عند الطرفين)، وعلى المجتمع أن يعطي حرية إختيار الشريك للفتاة والشاب في آن واحد، لأن مجتمعنا، وللأسف، يكفل (حق الاختيار للرجل، لمجرد أنه ذكر، وما على الفتاة سوى القبول بهذه الفرصة الذهبية، والهدية النادرة، إذا ما تقدم لخطبتها ذكر ما.. عجبي!).
أخيراً، تقول دانة: (الحياة بالنسبة لي كعانس جميلة، أعيش بحرية وراحة تامة، ولدي القليل من الأعباء، فهل أتزوج وأخسر كل هذا، مخافة أن يُقال عني عانس؟.. لا طبعاً!).
لقد تخلى الغرب عن معظم عادات الشرق، بعد أن كان غارقاً بها، ومن تلك العادات حرمان الفتاة من حق التقدم لطلب يد الشاب، إذ من العيب أن تطلب الفتاة يد شاب، أو أن تنتقل للعيش معه تحت سقف واحد، مخافة أن يرذلها مجتمعها. أما الآن فنجد الفتاة الغربية تسرح وتمرح في هذا المجال، فما أن تعجب برجل حتى تنتقل للعيش معه، كزوجة بدون ورقة زواج، يطبخان ويأكلان معاً، يشتريان بيتاً مشتركاً، ينجبان البنين والبنات، وبعد سنوات من العيش الهنيء، يهمس في أذنها أو تهمس في أذنه، لا فرق: أتتزوجني؟ وكثيراً ما يكون الجواب: أجل يا أميرتي.
**
جنس + جنس = عولمة
نحن نعرف أن الإباحيّة الجنسية في مغتربنا أستراليا قد ضربت الرقم القياسي، وأصبحت مسيرات (المارديغرا) اللوطية والسحاقية مضرب مثل.. أبعد اللـه عنّا مثل هذه الأشياء النجسة، حتى لا يقال: تغرّبوا.. وتجرّبوا!
ونحن نعرف أيضاً أن منطقة (الكينغز كروس) في سيدني، لا تضاهيها منطقة في العالـم، من ناحية التسهيلات الجنسية التي تقدّمها لروّاد ملاهيها الليلية، ولكننا لسنا نعرف كيف تحوّل العالـم كله إلى (كينغز كروس) كبير، بإمكانه اسعاد سكّان باقي الكواكب الفضائية، التي قد تغزونا، إن لـم تكن قد غزتنا بعد، وتنعمت بنكهة نساء هذا الكوكب المجنون.. فأينما اتجهتم تجدون أن حكومات الدول عجزت عن معالجة هذه (الإباحية) المتفشيّة بين الناس.
وكي لا يُقال ظلمت أستراليا، سأتكلّم عن فرنسا أيضاً، التي تحوّلت بها الحدائق العامة إلى جنائن جنسية. وصدقوني أن الشرطة تقف بالمرصاد لاعتقال المئات من الرجال والنساء الذين يظهرون مفاتنهم الجنسية كاملة، أو يمارسون الجنس (على عينك يا تاجر)!.. ورغم الغرامة العالية التي يدفعها المخالف، نجد أن عدد المخالفين قد ازداد، وأن الشرطة لـم تعد تقدر على اعتقالهم لكثرتهم.. وأن قصة صادوم وعامورة ستتكرّر لا محالة أمام حالة شاذة ومشينة كهذه.
وفي موسكو، اعترف مصدر رسمي أن نصف مليون روسيّة يمارسن البغاء في أوروبا وحدها، وهذا ما جعل الصادرات الروسيّة الجنسية تتغلّب على صادرات آسيا وأميركا اللاتينية.. وكشفت صحيفة (موسكوفسكي كمسمولتس) أن إحدى الشركات اليابانية تشترط على المرأة الروسية (ان تمارس الجنس مع أربعة رجال يومياً، مقابل 300 دولار للرجل الواحد، على أن تعمل ثـماني ساعات في اليوم، وستة أيّام في الأسبوع.. ويأخذ صاحب النادي الليلي الذي تعمل فيه 30 بالمئة من مدخولها لنفسه، ويحتفظ بما تبقى من المبالغ بغية مصادرتها إذا أخلت المومس بأي بند من بنود العقد.. أو اشتغلت، بعد الدوام، لحسابها الخاص).. ويكفي أن نعرف أن المافيات الروسية التي تقف وراء تصدير المومسات إلى العالـم تجني 7 بلايين دولار سنوياً من هذه التجارة (الجنسية).
وفي لبنان، وطني الأم، تقف الفتيات الروسيات والرومانيات والبلغاريات وغيرهن، على طريق جونية ـ بيروت بالعشرات.. ليلتقطن الزبون المناسب في الوقت المناسب.. وهذا ما دفع ببعض سكان تلك المناطق لعرض شققهم للبيع، والإنتقال إلى مناطق أكثر (احتراماً).. وقد أخبرني صديق عاد مجدداً من لبنان، أن أحد أقربائه تمارض أمامه، وراح يعنّ ويتوجّع، إلى أن عرض عليه خدماته، فطلب منه القريب مبلغ 500 دولار للطبابة، فأعطاه المبلغ والشفقة بادية على وجهه.. وفي نفس اليوم، دعاه أحد أصدقائه للعشاء في منطقة الكسليك، فوجد قريبه هذا يسكر ويعربد برفقة مومس رومانية تقول للقمر إنزل حتى إجلس مكانك. فاقترب منه وقال: كيف حالك يا قريبي.. أخبرني هل زرت الطبيب؟.. فأجابه: أنا الآن برفقة طبيبتي.. لا تخف.. صحّتي أصبحت ممتازة. وأدار ظهره وخرج من المطعم.
وفي مصر اكتشفت الشرطة شبكة دعارة تجبر نساءها على ارتداء الحجاب حتى لا تشك المباحث المصريّة بأمرهن. ولكن الشرطة كانت أذكى منهن، فألقت القبض عليهن، وكنّ بمعظمهن روسيّات.
أما في الكويت، فقد أبعدت السلطة اكثر من ألف فتاة أجنبية متورطات بقضايا دعارة.. وقالت صحيفة (الوطن) ان معظم المبعدات من بنغلادش وباكستان والهند وسريلانكا وإيران. والجدير بالذكر أن ثلثي سكان الكويت من الأجانب ويبلغ عددهم ...،..2،2 شخص.
الدعارة تجارة رائجة ورابحة مليون بالمئة، ولهذا السبب أصبح عدد المصابين بمرض (السيدا ـ الأيدز ) أكثر من عدد الأصحاء.. ومع ذلك لـم نتعظ بعد. ومن يدري فقد يصدق المثل القائل: تؤلّف ولا تؤلّفان.. فاعمل لآخرتك يا إنسان!
**
فتّش عن المرأة
بين النمسا وجارتها ألمانيا قصّة تاريخيّة حقيقية حدثت أيام المرحوم (هتلر)، تحوّلت فيما بعد إلى فيلم سينمائي أنتجته (هوليوود)، وقامت ببطولته المغنيّة الشهيرة (جولي أندروز)، وكان اسمه (THE SOUND OF THE MUSIC).
وبما أن الفيلـم مشهور للغاية، فسوف لن أخبركم شيئاً عنه، بل سأحكي عن (المرأة) فيه، عن الغيرة القاتلة التي اجتاحت قلبيْ بطلتي الفيلـم الواقعتين بغرام القائد النمساوي الشاب، الذي خلّفت له زوجته المرحومة أيضاً نصف دزينة من الاولاد.
الغيرة، إذن، هي التي أعطت الفيلـم نكهة ولا أجمل.. إمرأتان تتزاحمان على قلب واحد.. الاولاد يحبّون (الراهبة المربية)، والوالد يحب (الكونتيسة الغنية).. ولولا مصداقيّة المؤلف لتلاعب بالقصة، ولجعل إحدى المرأتين تتخلّص من الأخرى بأية طريقة كانت.
عيب أن تقتل إنسانة مشبعة بالحرية والاستقلالية والتفهم منافستها.. هكذا قرّر مؤلف الفيلـم المتحرّر جداً جداً وهكذا صار.. أمّا عندنا في الشرق فالويل لك إذا تحرّكت، أو احتججت، أو طالبت بحقّك في العيش بدون مشاكل عائلية.. فلسوف يلحقك (الشاي المسمم) إلى القبر.. وخير دليل على صحة ما أقول ذلك الموظف المصري المسكين (حمدي) الذي دسّت له زوجته (سنيّة) السـمّ في الشاي، لأنه طرد والدتها من المنزل، بسبب إزعاجها الدائـم له، وحياكة الدسائس والمشاكل بينه وبينها.
(أمّي حَ تبقى يا سي حمدي.. أو حَ تروّح إنتَ).. هذا ما قالته (سنيّة) في سرّها.. ولكن الزوج كان أقوى من سـمّ الزوجة، فلـم (يروّح).. بل أخبر مباحث القاهرة بما فعلت به (سنية) بعد أن تشاجر مع والدتها وقام بطردها.. وكيف قدّمت له طعام الغداء، مرفقاً بفنجان من الشاي.. وكأن شيئاً لـم يكن.. وما أن بدأ بشربه حتى أحس بغرابة طعمه، ولكنه واصل الشرب إلى أن فقد الوعي، ونقل إلى مستشفى ضاحية المطرية.
وبما أننا في القاهرة، أحب أن أخبركم قصّة السيّدة (سيّدة) البالغة من العمر 65 سنة، والتي تقدّمت بدعوى الطلاق من زوجها لأنها تخشى على نفسها من (الفتنة) بسبب جمالها وأناقتها وملاحقة شباب الحارة لها، وإسماعها أجمل عبارات الغزل والتحبّب.
وادعت (سيدة) بأن زوجها التاجر يتركها وحيدة في البيت عدة أسابيع، وخاصة بعد زواج أبنائهما الخمسة.. وهي تخاف على نفسها من الوقوع بالفتنة، أي بالخيانة الزوجية، لذلك طلبت الطلاق من محكمة مصر الجديدة.
وعندنا في سيدني أيضاً، استمعت إحدى المحاكم إلى قضية مؤسفة حقاً، حدثت منذ مدة، مفادها أن رجلاً أردنياً مسيحياً، استأجر أحد رجال التحري الخاصّين من أجل قتل ابنة شقيقه (ربى) لأنها أحبّت رجلاً لبنانياً مسلماً وحملت منه.. وهذا ما سبب العار للعائلة.
التحري الخاص أوقع بالعم المسكين بعد أن سجّل لقاءاته معه على شريط سلّمه للبوليس..
محامي المتّهم نفى التهمة بتاتاً عن موكله، ولكن القاضي رفض إطلاق سراحه بكفالة.. والى جلسة أخرى.
فتّش عن المرأة.. تلك التي تهز السرير بيمناها والعالـم بيسراها.. تلك التي إذا أعددتها أعددت شعباً طيّب الأعراق.. فلو همست كل أم بأذن ولدها أن اللـه محبّة، لا يفرّق بين أبيض وأسود، ولا بين دين وآخر.. لما تمكنّت الطوائف من زرع الشقاق أينما حلّت.. وكأن الحب بحاجة إلى شهادة منها، أو من مستثـمريها، كي يجمع بين قلبين. فلا شيء يرضي اللـه، خالق الناس أجمع، أكثر من التخلي عن الوثنية الطائفية والتحلي بالمحبة.. فمن يفرّق بين الناس لن يدخل الجنّة ولو صلّى وصام أبد الدهر.. فاللـه ليس بحاجة إلى صلاة وصيام إنسان ماكر.. مفتن.. طائفي!!
وفي ألمانيا، ألقت شرطة مدينة (كولون) القبض على امرأة بولندية اسمها (إليسيا) وعمرها 45 سنة، لأنها باعت أكثر من 200 امرأة من أوروبا الشرقية لبيوت الدعارة في برلين وكولون وبعض المدن المصطفة على نهر الراين. واعترفت القوّادة (إليسيا) أنها أهدت الشعب الالماني فتيات جميلات تتراوح أعمارهن بين 18 و20 سنة.. وبدلاً من مكافأتها على (حسن صنيعها) ها هم يحاكمونها. وتناست أنها جمعت من هذه التجارة أربعة ملايين مارك ألماني (أيام المارك) خلال سنتين فقط.. وانها تملك مزرعة وخيولاً في مدينة (غدانسك) البولندية، وبيتين في مدينة (كولون)، و84 قطعة مجوهرات باهظة الثـمن.. ومع ذلك تريد مكافأة على (غانياتها) الجميلات.
مسكينة (إليسيا).. فلو هرّبت هؤلاء الفتيات (اللقطة) إلى إحدى الدول العربية، لأصبحت (وزيرة) بدون أدنى شك.. فلقد دلّت الاحصاءات على أن (حبوب الفياغرا) لـم تلقَ رواجاً في أي من البلدان، أكثر مما لاقته في الدول العربية.
سألني أحد وجهاء الجالية العربية في سيدني، إذا كانت (إليسيا) قد أرسلت إلى أستراليا بعض بناتها الصغيرات، فتطلّعت بوجهه وصحت:
ـ واللـه العظيم سأخبر زوجتك..
وقبل أن أتصّل بزوجته، رأيته يسرع إلى أقرب محل لبيع الزهور ويرسل لها باقة من الورد الأحمر، مخافة أن تفعل به ما فعلته (سنية) المصريّة بزوجها (حمدي)!!.. حمى الله صديقي.
**
أين (الفياغرا) يا ناس؟!
رغم فوز مكتشفي عقار (الفياغرا) الشهير بجائزة (نوبل) للعلوم، نجد أن شهرة هذا (العقار) قد اضمحلّت بتاتاً، حتى أن تداوله قد خفّ كثيراً رغم سماح حكومات معظم دول العالـم باستعماله. فلقد ذكرت إحصائيات صدرت عن شركة (اي ام اس هيلث) المتخصصة بصناعة الادوية، ان الجنون الذي اجتاح الذكور الاميركيين من أجل الحصول على (الفياغرا) قد تراجع كثيراً.
ورغم مرور عدة سنوات على توزيعه في أستراليا، نجد أن الذكور الاستراليين لـم يتحمّسوا له كثيراً.. لدرجة أن العديد من الصيدليين صرّحوا انهم ينفّضون الغبار كل يوم عن علب (الفياغرا)!!. ومن يدري فقد يكون ثـمنه الباهظ (80 دولاراً) هو الذي أبعد الطامعين بالفحولة عنه.. خاصة وأن معظم شركات التأمين الصحي لا تعوّض عن ثـمن (فياغرا)، إذ أن فياغرا يمنحك اللذة، وهي غير مسؤولة عن لذتك.. بل عن مرضك!
ومن يدري فقد يكون شرش الزلّوع الذي اكتشفته عنزة لبنانية في جبل حرمون، هو الذي بدأ يهدد منافسه (الفياغرا). أنا لـم أر هذا الشرش بعد، ولكنني سمعت به وقرأت عنه، وعرفت أن الصيدلي المدافع عن البيئة بيار ماليشيف سيقدم، إذا لم يكن قد قدّم، الى وزارتي الصحة والبيئة اقتراحاً بتوسيع زراعة نبة (سيريلا هارموني) المعروفة بشرش الزلوع، وحمايتها من الانقراض بعد الهجوم العشوائي عليها بغية بيعها بثلاثين دولاراً للكيلو غرام الواحد.
الأمة العربية وحدها عرفت كيف تذلّل الفياغرا لشهواتها، فلقد سمح مفتي الديار المقدّسة باستعماله، لأنه مفيد (للذكر)، ولو كان مفيداً (للمرأة) لحرّمه!!. كل شيء يصبح محللاً من أجل عيون الذكر فقط!!. والويل لنا إذا قلنا أن الارض مستديرة، فسيرمينا (مفتينا) بالكفر!!. والويل لنا إذا طالبنا بالسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارات، فسنعدم حالاً. إنه شرعنا المذكّر مليون في المئة، شئنا أم أبينا، ومن يحتج مثلي عليه أن يرحل إلى إنكلترا، أو إلى.. أستراليا!.
شركة (ألفا) السورية لصناعة الادوية حصلت، والحمد للـه، على امتياز تصنيع (الفياغرا) من الشركة الأم. ومن يدري فقد تصاب الشركة بالافلاس إذا امتنع المواطن السوري عن استعمال (الفياغرا) كما امتنع الاميركي والاسترالي وغيرهما.
وكما تهرب (حشيشة الكيف) إلى مصر، هكذا بدأوا يهربون حبوب (فياغرا) السحرية، ولكن رجال الجمارك يقفون للمهربين بالمرصاد. فلقد أحبطوا محاولة تهريب (750) علبة، تقدر قيمتها بربع مليون دولار. المهرب صيدلي أميركي من أصل مصري، وكان من المقدر ان يبيع الحبّة الواحدة، لو نحجت عملية التهريب، بمئة جنيه مصري لا غير، فتصوّروا!
أما في فرنسا فقد لجأ السيّد جان لوي جالو صاحب مطعم (رينوفاسيون) إلى طحن حبوب (الفياغرا) وإعداد صلصة مهيّجة جداً يطبخ بها لحم البقر، ويقدّمه لزبائنه الكبار في السن، الذين لا هم له سوى إسعادهم (جنسياً).
وصدقّوني أن (الصلصة) الفياغرية نجحت، وها هي إحدى الزوجات تقول: أن الوجبة التي أكلناها أنا وزوجي كانت إيجابية إلى حد ما.
ولأن (الفياغرا) تقتل المصابين بأمراض القلب، فلقد تناهى لأسماعي أن المليادير الكومبيوتري الشهير بيل غايت قد وظّف بعض ملايينه لاكتشاف عقار شبيه بها ولكنه لا يقتل أحداً.. أللـه يوفّقك يا بيل غايت، ويأخذ بيدك، رأفة بي وبأمثالي من قرّاء مجلّة إيلاف.
**
طفلة سعودية تصفع حكّام كرة القدم
صدقوا أو لا تصدّقوا.. فتاة سعودية لم تبلغ بعد ربيعها الثاني عشر، أثارت ضجة رياضية وشعبية واعلامية بسبب وجودها على مدرجات ملعب كرة القدم في منطقة الاحساء شرق المملكة، بغية مشاهدة المباراة بين فريقي النهضة والعروبة المتنافسين على كأس الأمير فيصل بن فهد.
فتاة، كالزهرة، كالملاك، أغضبت كل من حولها، لأن لا مكان لها في ذلك المكان، لا لشيء، إلا لأنها أنثى.. فتصوروا؟
حكم المباراة، الذي لا يفوته شيء، لا في الملعب ولا في المدرج، انتبه لوجود الفتاة بين جمهور المشجعين، فأبى أن يطلق صفارة البداية ما لم يطردوا هذا (الكابوس) المخيف، الذي اسمه (المرأة) وإن كانت طفلة، من المدرجات.. فاستدعى لذلك الحكم الرابع، وبدأت جلسة المشاورات المكوكية بينهما، إلى أن أقنعه أن وجود الفتاة لا يعنيهما كحكام مباراة، كونه ليس فنياً بل إداريا، وعلى ادارة الملعب واجب طرد (الكابوس) المخيف بأسرع وقت.
ورغم البلبلة والتأخير والتهويل، بقيت الفتاة لمدة 36 دقيقة متمسكة برباطة جأشها، تصفّق مع تصفيق الجمهور، وتهلل مع تهليله، إلى أن طفح الكيل مع مسؤولي الملعب، فطلبوا منها الخروج، فخرجت دون اعتراض.
وأعتقد أن تلك الطفلة المسكينة قد تعرّضت لثورة تأنيب داخلية، وراحت تتحادث مع صوت لا تعرف مصدره:
ـ لا تخافي يا ابنتي..
فأجابته وهي تلتفت نحو الملعب:
ـ وكيف أخاف من أناس يخافونني.. ألم ترهم كيف تجمّعوا وتكاتفوا من أجل حرماني من التلذذ بفنون لعبة كرة القدم؟
ـ رأيتهم.. رأيتهم.. لقد أرعبتهم..
ـ من أنت؟
ـ أنا واحد من أولئك.. ولكنك لا تخيفنني..
ـ إذا كنت، كأنثى، أخيف الرجال، وأنا ما زلت طفلة، فكم بالحري عندما أكبر؟
ـ سيأتي يوم تتبارين فيه أنت بهذه اللعبة.
ـ إلى أن يأتي ذلك اليوم، سأتخلى عن أنوثتي..
ـ تمسكي بها يا ابنتي، فأنت أجمل مخلوقات الله، بك الحياة ومنك..
ـ لم أفهم شيئاً..
ـ ستفهمين عندما تكبرين..
ـ إذا كانوا سيطردونني من مجتمعاتهم كالذبابة، لا أريد أن أكبر..
وأعتقد أيضاً، أن طفلتنا المسكينة، لو كانت تعلم بقوانينا المشوربة، لما أحبت كرة القدم، ولما عشقت الألعاب الرياضية، ولما دخلت المدرجات، ولما فتحت ذراعيها للشمس والظلمة تتربص بها.
إذا كان وجود هذه الطفلة على المدرجات الرياضية سيغيّر مجرى المباراة، وجب على الفريق الخاسر استبدال لاعبيه بلاعبين أفضل.
وإذا كان صوت تلك الطفلة وهي تشجع فريقها، سيثير غرائز الرجال، وجب علينا تثقيف الرجل، واستئصال غريزته الحيوانية العمياء من جذورها.
وإذا كان خوفنا على أخلاق الطفلة من الانحراف بسبب وجودها بين الرجال هو السبب في طردها، وجب علينا تثقيفها، وتهذيبها، وتعليمها، كي تصبح أهلاً للأمومة والتربية الصالحة.
رجل بعين واحدة لن يرى أفضل من رجل بعينين سليمتين، ومجتمع برجل واحدة لن يسير البتة، وسيكبو إثر كل نهوض إلى أن يتعب منه العالم.
**
يلوطون.. ثم يحتجون
انتظرت بعض الوقت كي أعلق على مواقف أناس متزمتين علا صراخ احتجاجهم على رقصات (مجنون ليلى) التي قدمها الفنان مارسيل خليفة في ربيع ثقافة مملكة البحرين، حتى لا يفوتني أي رد حول هذا الموضوع.
وكم فرحت عندما قرأت تصريحاُ لولي عهد المملكة يؤنب به الوزراء لتقاعسهم في الدفاع عن حرية التفكير والابداع، وأن ثورة البحرين ليست بالبترول وحده الذي لن تنعم به طويلاً، بل بحريتها وانفتاحها على العالم أجمع.
وكم ضحكت عالياً وأنا أقرأ خبراً من المغرب يظهر انفصاماً مؤلماً بشخصيات بعض المرائين المتلبسين بالدين، أولئك الذين يدعون علانية الخشوع والتوبة والتقرب من الله، ومحاربة كل ما يسيء الى العفاف والحشمة، حتى ولو كان إبداعاً فنياً تعجز مخيلاتهم الضيعفة والعقيمة من اللحاق به وفهم أبعاده، وفي الخفاء ينقضون على فريستهم، مهما كان عمرها، كالذئاب الجائعة.
والخبر يقول:
ألقي القبض في (أولاد برحيل) التابعة ادارياً لاقليم (تارودانت) على رجل له من العمر 65 عاماً، يعمل فقيهاً بأحد المساجد، بعد أن هتك عرض فتى قاصر عمره 8 سنوات بالقوة.
وبحسب صحيفة “الصحراء المغربية ” قال والد الطفل أنه عرض ابنه على فقيه (الدوار) لمساعدته في حفظ ما تيسّر من القرآن الكريم، فأبدى الفقيه رغبة جامحة في مساعدته بتحصيل العلم، وفجأة استأذن الطفل للذهاب الى المرحاض، فاصطحبه الفقيه بنفسه، كونه غريباً بين رفاقه، وهناك بانت محاسن طفولته فانقض عليه، وأغلق فمه، ثم ممده على بطنه، وهتك عرضه بلا شفقة أو رحمة، وبعد أن ارتوى منه، أمره بالتزام الصمت، فلم يجب المسكين بل هز رأسه علامة الموافقة. وما أن نهض عنه حتى فرّ هارباً ليخبر والده بما حصل.
واجزم أن من فعلها مرة مع طفل يافع سيفعلها، إن لم يكن قد فعلها مرات ومرات، مع باقي طلابه، مهما كانت أعمارهم، شرط أن يعجب بقوامه ولون بشرته.
وأجزم أيضاً، أن معظم الذين يرهبوننا بالدين، وبالقصاص، وباليوم الأول والاخير، هم على شاكلة هذا الفقيه، إن لم يكونوا أسوأ منه.
السؤال الآن: هل يحق لفقيه كهذا أن يبدي رأياً، أو أن يحتج على عمل فني أو أدبي رائع، أو على قصيدة شاعر مبدع، أو على أغنية فنان أصيل، أو على لوحات راقصة كل من فيها وما فيها ينقّط شرفاً، ويلتهب إبداعاً؟
لقد خسر العالم العربي معظم قدراته الفكرية والعلمية والبشرية بسبب تزمته الديني، ولم نعد نسمع إلا فتاوى من أباحوا الحرام لأنفسهم، وحجبوا الخير عن أعين المؤمنين المساكين الذين لا يدخلون المرحاض إلا بعد فتوى، بينما الفقيه ينتهك عرض طفل في مرحاض مماثل، دون أن يخاف من أهل، أو قانون، أو إله.
وصدقوني إذا قلت: ان من يحكم العالم العربي ليس حكامه، بل رجال دينه، والويل ثم الويل لمن يعاندهم أو يحاربهم، أو يتدمقرط (أي ينادي بالديمقراطية)، فنهاية السادات نهايته، ولن تنفعه الحراسة المشددة، ولا كلابه البوليسية، ولا مخابراته الفتاكة. هم الحكام الأصليون وما تبقى سراب بسراب.
هناك خطأ ما في تركيبتنا العقلية والاجتماعية والدينية، فبينما نجد الإعلام الغربي يحذف أخبار رجال دينه من نشراته الاخبارية وبرامجه التربوية والترفيهية والاجتماعية كافة، ولا يسلط الأضواء عليهم إلا إذا ارتكبوا إثماً، أو سرقوا مالاً، أو هتكوا عرضاً، كفقيهنا الآنف الذكر..
وبينما نجد المجتمع الغربي لا يهتم بفتاوى رجال دينه، ولا يسمح لهم بالتكلم إلا داخل أماكن عبادتهم، نجد الإعلام والأنظمة والمجتمع وكل من ينطق الضاد في عالمنا العربي ينقاد كالأعمى وراء رجال دينه، أخطأوا أم لم يخطئوا، أصابوا أم لم يصيبوا، أفتوا أم لم يفتوا، هم القبلة، وإليهم التطلع، ومنهم تأتي البركات.. فتصوروا!
لهذا، ولهذا فقط.. لم نصبح بشراً كباقي البشر!
**
قاصرات.. ولكن شريفات
الانحلال الخلقي في الوطن العربي أصبح، وللأسف، جارفاً، فقد لا تمر دقيقة واحدة إلا ونقرأ أو نسمع عن جريمة وقعت بحق قاصر، فتاة كانت أم فتى، وكأن لا شغل لهم سوى الإيقاع بفلذ أكبادنا واستغلالهم جنسياً إلى أبعد حد ممكن.
هناك قصتان مؤلمتان سأخبركما عنهما. الأولى وقعت في لبنان، والثانية في سوريا، والمضحك المبكي في الأمر أن جرائم الشرف باتت توحد بين هاتين الدولتين الشقيقتين بعد أن فرقتهما السياسة.
القصة الأولى تقول: تعاركت فتاة قاصر مع أمها، فاتصلت بصديق تعرفت عليه عبر الانترنت، والتقت به، فاصطحبها الى أحد الشاليهات وراح يتودد لها ويستدرجها لممارسة الجنس معه، ولما لم تتجاوب، راح يضربها ويهددها، ولكنها كانت ترفض بشدة، وكي لا يطلع من المولد بلا حمص، اكتفى بمداعبتها وملامسة جسدها البريء فقط.
ولأن الشر متأصل فيه راح يعرضها على أصدقائه، فكانت ترفض بشدة الانصياع لرغباتهم الجنسية، إلى أن سلّمها الى صديق يسهّل أعمال الدعارة، أي (قوّاد)، ولكن العناية الإلهية أوقعت به، فما أن رآها صديقه حتى تعرّف عليها، كونه يعرف أهلها جيداً، فرفض استلامها واستغلالها جنسياً، واتصل بوالدها ليعلمه بالأمر، وليتم إلقاء القبض على صديق الإنترنت الخائن، وعلى كل من تحرّش بها.
وفي سوريا، خدّر أحد أرباب العمل فتاة قاصرة تعمل عنده في المزرعة، وراح يعتدي عليها كوحش كاسر، وعندما استعادت وعيها، هددها بفضح أمرها إن لم تمارس الدعارة في بعض الملاهي الليلية، وكان يعطيها يومياً لقاء ذلك 250 ليرة سورية، تماماً كما كان يعطيها في المزرعة، ويستولي على باقي أجرها.
ورغم كتمانها الأليم للسر، خوفاً من انتقامه، وهو المعروف والقادر والمتسلط، ثارت عليه، وهربت الى حضن أمها، كونها يتيمة الأب، وأسست لنفسها عملاً شريفاً بالتطريز والحياكة، بعد أن أقسمت على الانتقام منه في يوم ما، ولسان حالها يردد: الله يمهل ولا يهمل.
وبما أن الفتاة اللبنانية وقعت في مصيدة (قواد) لا يرحم، عن طريق الانترنت، وجب على العالم العربي، كي لا أقول لبنان، إيجاد شرطة تراقب الانترنت، كما تفعل معظم دول العالم، وتلقي القبض على مجرميه الكثر، أولئك الذين يستدرجون الأطفال للرذيلة، أو يرسلون جراثيمهم القاتلة لكل من يخالفهم الرأي، أو يشتمون الناس لمجرد التسلية، أو يبذرون العنف الطائفي أو السياسي أو العرقي أو ما شابه في مجتمعاتهم الآمنة.
وشرطة المراقبة هذه، إذا وجدت فعلاً، لن تلغي، أو تقلل من أهمية مراقبة الأهل لاتصالات أبنائهم الالكترونية، ومعرفة كل شاردة وواردة مخافة أن يقعوا في مصيدة مجرم ما.
كما على العالم العربي إنشاء مكاتب حكومية للتوظيف، يلجأ إليها كل عاطل عن العمل، مثلما يحدث في أستراليا والكثير من الدول الراقية، حتى يعود إليها كل من تغبن حقوقه، أو يتعرض لما تعرضت له فتاتنا السورية من تخدير واغتصاب.
الشيء المفرح في القصتين أن الفتاتين القاصرتين رفضتا ممارسة الجنس عن قناعة، أو استسلمتا بعد تهديد وارهاق. فالأولى، رغم خلافها مع أمها، قاومت وحافظت على ما أوصتها أمها بالمحافظة عليه، والثانية خدرت واغتصبت غدراً، ولكنها هربت وقررت الانتقام لشرفها المهدور.
ألا تقولون قولي ان التربية البيتية هي الاساس، وأن الفتاة الطاهرة، ولو وقعت بين مخالب الوحوش البشرية الكاسرة، ستحافظ على طهرها، وستنهض، كطائر الفينيق، من تحت أنفاس مغتصب نذل، لتكمل مسيرتها الشريفة في عالم كل ما فيه مخيف ومدنس وقاتل.
**
الموت.. ولا الدعارة
خبر توقفت عنده ملياً، يظهر مدى ترسّخ الفضيلة في نفوس العديد من فتيات اليوم، اللواتي يتهمهن البعض بالميوعة والشبق الجنسي وتأليه المادة، بغض النظر عن بلدانهن، وأديانهن، ولغاتهن.
والخبر يقول:
ألقت صبية رومانية بنفسها من الطابق الحادي عشر، لأن بعض مواطني بلدها يحتجزونها في شقة بغية إجبارها، تحت التهديد والضرب، على ممارسة الدعارة.
لقد جاءت ابنة الثانية والعشرين ربيعاً الى اسبانيا بعد أن وعدوها بعمل ثابت وقانوني، فإذا بها تقع بين مخالب وأنياب وحوش بشرية لا يهمهم سوى الربح الحرام، ولو سخروا لذلك جسد فتاة طاهرة.
ولكن أنى لهم ذلك، وهذه الرومانية البطلة أبت أن تحول طهرها الى عهر من أجل حفنة من الدولارات، أو من أجل التخلص من تهديدهم وتعذيبهم لها.
ألم تهمس أمها في أذنها يوماً: أخلاق الفتاة زينتها؟.
ألم تقرأ بتمعن زائد هذه العبارة: ماذا ينفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟.
لذلك عانقت الانتحار بابتسامة ملائكية، وكأنها تريد الشهادة الحقيقية من أجل الشرف، التي توصل صاحبتها الى الجنة دون جواز سفر أو واسطة من قديس أو نبي.
هذه هي التربية المثالية، التي يجب أن ننمي أجيالنا الصاعدة عليها، قبل أن تجرفهم الأنانية، وتذلهم المادة، وتتقاذفهم أيدي الرذائل.
لقد صفعت بطلتنا الرومانية كل من يتهم الفتاة الغربية بالميوعة، والاستهتار، وأنها تمارس الجنس كالحيوانات، وأثبتت لكل ذي بصيرة أن التربية البيتية هي الأساس، وأن الأخلاق الحميدة تنمو مع الطفل كما تنمو أعضاء جسده.
كما أنها شطبت بقفزة واحدة من الطابق الحادي عشر جميع الدراسات التي بينت أن الجيل الصاعد جيل مادة فقط.. وأن الأخلاق الحميدة تحصيل حاصل. فلو كانت تبغي المادة لجمعتها بالأكياس، ولو كانت تمارس الجنس كالحيوانات لمارسته دون تهديد او تعذيب.. أو انتحار.. أو موت.
مناعة الفتاة تأتي عن طريق التربية والتنشأة الجيّدة والتعليم، وليس عن طريق الحجب، والزرب، والضرب، وزرع الأمية.
الانسان الفاضل ليس من يبتعد عن الناس كي يحمي فضيلته، بل من يعيش بينهم، دون أن يشكك به أو أن تتلاشى فضائله.
لقد قيل يوماً: طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين أرضعاك. فاسمحوا لي أن أهدي هذا القول لشهيدة الشرف، وأن أضيف إليه: مباركة أنت يا ابنة رومانيا، فلقد أصبحت قبلة أنظار ملايين الفتيات اللواتي يرددن مع الشاعر:
عيشة بالذل لا أرضى بها
وجهنم بالعز أفضل منزل
حاشا والله.. لك ولهن ولكل الشريفات في العالم.. ربوع الجنة.
**
العين بالعين.. والطفلة بالطفلة
قبل عامين اختطف الباكستاني (سليمان خان) طفلة صغيرة لم يتجاوز عمرها الثماني سنوات، لا ليتبناها، او ليعتني بتربيتها، او ليساهم بتعليمها، بل ليتزوجها، وهو المتزوج أولاً، والوالد ثانياً وثالثاً ورابعاً، دون أن يرف له جفن، أو أن يردعه ضمير، أو أن يخاف انتقام أهل أو خالق. إنه، وباختصار شديد، يعشق مضاجعة الأطفال، وكل ما حوله، وما فوقه، وما تحته، يسمح له بذلك.. فلماذا التردد؟!
أهل الطفلة، لم يغفروا لسليمان جريمته بحق شرف عائلتهم ـ انتبهوا جيداً الى (شرف العائلة) ـ فطالبوه بتزويج ابنته (نورين) ابنة الثماني سنوات أيضاً، لرجل عجوز من أسرتهم كي يتوقفوا عن هدر دمه، وكي يوافقوا على صلح أسري ينطبق عليه قول أبي النؤاس:
وداوني بالتي كانت هي الداء
أو القول المأثور: العين بالعين والسن بالسن.. والطفلة بالطفلة.
والمؤسف حقاً أن من أفتى بهذا الزواج المؤلم والمخزي هم مشايخ الأسرة، والويل ثم الويل لمن يرفض للمشايخ طلباً ولو أدى الى تدمير حياة طفلة، وقضى على طفولتها البريئة، ودنّس عذريتها بأنفاس رجل عجوز، يسيل ريقه، وتتفجر ذكوريته وهو يراها تتألم كالفراشة في فراشه.
وحدها (زيتون) زوجة سليمان خان الأولى، ووالدة العروس القاصر التي فضّت المشاكل، قبل أن تفض بكارتها، رفضت الاتفاق المشين بين العائلتين، ورفعت صوتها بوجوه مشايخ الأسرة، واتجهت الى أقرب مخفر للشرطة، لتخبرهم عن بيع طفلتها لعجوز بسبب مجون والدها، وشراهته الجنسية.
لقد تأخرت الست (زيتون) سنتين عن القيام بواجبها الاخلاقي والانساني والعائلي، فلقد كان من الأفضل أن تزور المخفر قبل أن يرتكب بعلها جريمة زواجه الثاني.. لا أن تنتظر كل هذه المدة لتقع طفلتها ضحية الجهل والانانية والاستبداد كما وقعت درّتها القاصر من قبل.
(ثناء نيوز) الباكستانية ذكرت أن والد الطفلة (سليمان) وعريسها الميمون (دريا)، قد شمّعا الخيط وفرّا من أيدي العدالة، إذا وجدت عدالة، وانشقت الأرض وابتعلتهما، كي لا يدخلا السجن.
والظاهر أن الوالد والعريس أقرباء، أي من عائلة واحدة تتفرع منها عدة عائلات أو بيوت، فلماذا الخوف إذن على شرف العائلة في الزواج الأول، وتدنيسه، كما لم يدنّس شرف، في الزواج الثاني؟!.
أم أن زواج الطفلة الأولى قد تم عن طريق الخطيفة، وهذا حرام بعرفهم العائلي، ويتوجب هدر دم مرتكبيه.. وزواج الطفلة الثانية قد تم عن طريق الاتفاق والمراضاة، وهذا حلال، ويتوجب تهنئة كل من يقوم به؟!.
إنهما طفلتان قاصرتان صغيرتان.. وليستا سلعتين نبيعهما بالمزاد العلني، أو نبرم حولهما الاتفاقات الجنسية الوحشية دون معرفة منهما أو استشارة، وكيف نستشيرهما بأمور شرسة كهذه وكل همهما اللعب، والغنج، والدراسة، واستقبال الحياة بابتسامة تغار منها الشمس.
وقد يحزن البعض إذا أخبرتهم أن هذه الجريمة البشعة ليست الأولى، بل هي واحدة من آلاف الجرائم التي ترتكب بحق الطفولة في إقليم السند الباكستاني، وفي كل بقعة من بقاع الأرض.. ولا من يتكلّم.
لست أدري لماذا ينعم الله بالأطفال على أناس لا يستحقونهم.. لا بل يرتكبون بحقهم أبشع أنواع الجرائم، بينما يترك بيوتاً كثيرة دافئة بدون ضجيجهم المحبب، وغنجهم المعسول، وابتساماتهم المشرقة، ويحرم ملايين الآباء والامهات المثاليين من نعمة تربيتهم، كما يجب أن تكون التربية، أو كما تستحق فلذ الأكباد من التفات وتشجيع وحنان ومحبة.. وحماية.
**
حاكموا رفات هذا الوالد
رغم محاولاتي المتكررة للابتعاد عن الكتابة، في زمن كل ما فيه مقلق ومتعب وقاتل. ورغم لجوئي إلى مصح الانطواء على الذات، كي أتخلص من إدماني على القراءة والكتابة، إلا أنني فشلت، وعدت الى متاعبي الكثيرة، التي بدأت تتعب كل من يمت لي بنسب أو قرابة.
وكيف لا أكتب، والأطفال مهددون تحت كل سقف، داخل غرفة ما، خلف جدار معتم، وراء باب مقفل.. وعلى طاولة الميسر.
وها هي رشيدة بيغم، الطفلة الباكستانية تصرخ بأعلى صوتها لوكالة الصحافة الفرنسية: انا لست ورقة يلعب بها هذا الرجل. وافضل الموت اذا لم استطع حماية نفسي وكرامتي».
فلقد قامر عليها والدها المرحوم رحيب، قبل أن يودّع هذه الدنيا، وهي في عامها الأول، وخسرها أمام أحد أقربائه في لعبة البوكر.
فبدلاً من أن يلاعبها في طفولتها، لعب عليها وخسرها، لتخسر بدورها حريتها في اختيار شريك حياتها. وبدلاً من أن يهبها الدفء الوالدي، رماها في صقيع أنانيته وإدمانه على لعب الميسر.
هو من قرّر، ومن قامر، ومن خسر.. أما هي، فكانت بنظره قطعة أساس، ورقة نقدية، جورباً، حذاء، ثوباً بالياً، مصدر ربح أو خسارة.. ولم تكن قط فلذة كبد، كما يجب أن تكون، ويحق لها أن تكون.
وما أن نضجت رشيدة، وبانت محاسنها، وأشرقت شمس ابتسامتها السمراء الخجولة، وبدأت أعوامها الخمسة عشر تجمّل لها الحياة، وتصورها بأبهى حلة، حتى ظهرت الغمامة السوداء التي خلفها والدها المرحوم في أجواء منزله، إذ طالب بها قريب الوالد، كونها حق مكتسب له، بعد أن ربحها من والدها بلعبة البوكر.
ولكي تدركوا مدى الانحطاط الأخلاقي عند بعض الآباء، وجب علي أن أخبركم أن المبلغ الذي خسره الوالد لا يزيد عن 166 دولاراً، هو ثمن غشاء بكارة رشيدة لا غير، لأن هذا ما يحلم به ذلك القريب البعيد عن القرابة بعد السماء عن الماء. وإلا لما شارك الوالد بجريمته، ولما انتظر خمسة عشر عاماً حتى أينعت الطفولة وطاب أكلها، ولكان اختفى خجلاً من أعين قريبته الصبية التي طمع بعذريتها منذ العام الأول من رحلتها الشاقة مع الحياة.
يجب محاكمة هذا القريب، وإنزال أشد أنواع العقوبة بحقه، كي لا تتفكك أواصر القربى، وكي لا تبتلى الطفولة بأقرباء لا تهمهم سوى المتعة، ولا تنبض بقلوبهم سوى الأنانية، ولا يتراقص على شفاههم إلا لعاب الغدر.
كما يجب نبش قبر ذلك الوالد، وجلب رفاته إلى قاعة المحكمة، ومحاكمته أمام عينيّ ابنته المظلومة، بغية الاقتصاص منه، ليصبح عبرة لكل والد أناني جحود.
أجل.. في القرن الحادي والعشرين يقف القانون الدولي عاجزاً أمام جرائم عديدة ترتكب بحق الطفولة، وما زلنا نتغنى بمنظمات حماية الطفل، وحقوق الطفل، وتشجيع الطفل وما شابه.
**
مومسات.. للجنود الدوليين
قد يستهجن البعض ما طالبت به النائبة الهولندية أنيماري جوريسما من إرسال مومسات مع الجنود الهولنديين المنقولين إلى خارج البلاد، بغية (تفريغ طاقاتهم الجنسية) على حد تعبيرها. ولكنهم لو راقبوا الأحداث لوجدوا أن العديد من الجنود يغتصبون فتيات البلدان العاملين بها، من أجل التخلص من تلك الطاقة المزعجة التي كثيراً ما تزج أصحابها بمشاكل ومحاكمات لا حصر لها كما يحدث لبعض الجنود الأميركيين في العراق.
والظاهر أن هذه السياسيّة الهولندية البارزة تعرف جيداً مدى تأثير الغريزة الجنسية على أداء الجنود، وكم سينعمون بالهدوء النفسي، والاسترخاء الجنسي، لو توفرت لهم هذه الخدمة المهمة، التي تتجاهلها معظم الحكومات العالمية حتى لا تثير غضب زوجات الجنود، وتشعرهن بالقلق وعدم الاستقرار العائلي.
لقد طالبت هذه المرأة الجريئة قيادة جيش بلادها بالسماح لمثل هذه الأمور الجنسية بالانتشار في المؤسسة العسكرية، كي يحصل الجنود على حوافز إضافية، قد لا تقل شأناً عن المال والنياشين والرتب والترقيات، إذ لو خيّر الجندي بين رتبة إضافية أو فخذي امرأة، لفضّل الفخذين دون أدنى تفكير، لأن هذا ما يحتاجه في أرض المعركة، بعد الإرهاق والتعرض للموت كل لحظة.
كما أن خدمة المومسات للجنود ستكون مثمرة للغاية، كونها تضاعف من أداء الجنود الميداني، وتساعدهم على حماية أنفسهم وكرامتهم. فالجندي المتقلب عقلياً بسبب تهيجّه الجنسي قد يصبح عرضة للموت أكثر من زميله المسترخي جسدياً. كما أنها تقضي على وحشية تلك الغريزة التي كثيراً ما ترمي صاحبها في براثن الاغتصاب الجنسي.
بعض الجنود الهولنديين أعربوا عن تحفظاتهم حيال هذه المسألة، لا لأنهم يشمئزون منها ويرفضونها، بل خوفاً على حياة المومسات اللواتي سوف يرافقنهم، كونهن لم يخضعن لأية تدريبات عسكرية، قد تحميهن من غدر الأعداء، وترد عن شفاههن الندية كأس الموت الزكام.
نقابة عمالية واحدة رحّبت بالفكرة، وأيدتها مليون بالمئة، وطالبت بتطبيقها حالاً، لما لها من فوائد جمة على عضواتها، خاصة في هذا الزمن الكاسد، الذي حرمهن فيه غلاء المعيشة وارتفاع أسعار البترول من زبائنهن المفضلين، وما على النقابة سوى إيجاد فرص عمل لهن ولو كانت على خط النار. إنها نقابة العاملات في الدعارة والجنس في هولندا.
لقد قيل لي أن المومسات المتعددات الجنسية في وطني، وما أكثرهن، قد انتقلن من الكسليك إلى الجنوب، لأن جنود اليونيفيل بحاجة ماسة الى خدماتهن الجنسية، منذ اليوم الأول لوصولهم إلى لبنان. ولكن من أين سيحصل جنود هولندا على تلك الخدمة الحساسة في مناطق أكثر إحساساً كأفغانستان والبوسنة؟
دعوة النائبة جوريسما يجب أن تلقى القبول في هولندا، وأميركا، وأستراليا، وأوروبا وغيرها، وإلا ردّوا جنودكم عن بنات الناس الطيبين الشرفاء، أو أرجعوهم إلى ديارهم سالمين.
**
بطل عربي.. أقوى من الجنس
منذ أيام صفعني شاب سعودي على خدي الأيمن، فأدرت له الأيسر صاغراً، وأنا أطأطىء رأسي خجلاً منه. كيف لا.. وقد دحض بسكينه الحاد كل مزاعمي التافهة، وأثبت أن الرجل العربي أقوى من الشهوات، وأسمى من الممارسات الجنسية، وأن تعدد الزوجات آخر ما يفكر به، كما أن زينة الحياة، من البنين والبنات، لا تعني له شيئاً.
لقد آمن هذا البطل العربي الجديد أن الصلاة أهم من كل شيء، والويل ثم الويل لأي عضو من أعضاء جسمه إذا تحرك أثناء الصلاة، فلسوف يحزّه، ويجزّه، ويرميه للكلاب، كي لا يعكّر عليه صلاته.
وإليكم القصة:
وقف أحد الشبان السعوديين الأشاوس في الجامع الكبير بمحافظة خميس مشيط في منطقة عسير، وألقى خطبة عرمرمية، حث بها جمهور المصلين على قطع أي عضو يتحرك أثناء الصلاة، لأن الصلاة خشوع، فيها يراقبون الله تعالى، على حد تعبيره.
ولكي يشرح لهم معنى خطبته المقدسة، راح ينزع أمامهم ثيابه، إلى أن بان مفبرك البنات والصبيان، حضرة عضوه التناسلي، فقطعه بسكينه الحاد، لا لشيء، سوى لأنه أحرجه بتحركه المتواصل أثناء تأدية صلاته.
ذهول المصلين لم يعنه إطلاقاً، كان عليه أن يختار بين جزّ رموش عينيه التي لا تكف عن الحركة، وبين عضوه المزعج، فاختار الثاني، لأن الجمهور سيتعظ أكثر، نظراً لأهمية العضو المنكوب عند الذكور والإناث.
إنها بطولةً، لم يقدم عليها رجل عربي من قبل، حتى ولم يفكر بها أحد على الاطلاق..
إنها موضة جديدة أطلقها بطلنا الجديد، وما علينا إلا التشبه به، كي يخرس كل من يتهمنا بالجنون الجنسي.
إنها تضحية ما بعدها تضحية، لا يقدم عليها إلا من تغلّب على هوسه الديني، وتزمته الأعمى، وجهله المضحك المبكي.
كم هو جميل أن نخلع ملابسنا في أماكن عبادتنا، أينما كانت، في الشرق، في الغرب، ما هم، ونظهر عوراتنا للناس، لنثبت لهم أن عبادتنا عصرية، متطورة، متفرنجة، وقد تصبح متلفزة، بإذن الله.
وكم كانت بلهاء جانيت جاكسون حين أظهرت ثديها في الملاعب الرياضية، أمام جمهور فيه الكبار والصغار، وعرّضت نفسها لأشد أنواع الملامة والغرامة!.. أما كان الأفضل لها أن تختار أحد أماكن العبادة لترجع ما لله لله كما فعل بطلنا العربي؟
صحيح أن أخانا القدوة قد أنهك عضوه المتحرك قبل جزّه، إذ استعمله في ثلاث زيجات متواصلة، لم تكن وللأسف ناجحة، ولكنه، وقبل أن يجربه بالرابعة، رماه في سلّة التقاعد، فوجب علينا تكريمه.
وصحيح أيضاً أنهم نقلوه إلى المستشفى بغية إعادة عضوه إلى مراكزه سالماً، ولكن العضو الشريف العفيف كان أشد بطولة من صاحبه فأبى أن يعود.. ولو أعادنا إلى عصر المماليك.
أرجو تحنيط هذا العضو التناسلي العربي الشامخ، وعرضه في أكبر المتاحف العالمية، كاللوفر مثلاً، لنثبت للعالم أننا لم نبع فلسطين بليلات جنسية حمراء، كما يشاع ويذاع.. وأننا لم نفجّر أنفسنا طمعاً بملاقاة حوريات الجنة، كما يثرثر البعض.. وأننا لم نسدل النقاب على رؤوس نسائنا كي نستأثر بهن لأنفسنا، أو كي نخيف بسوادهن المجتمعات التي تحضننا، بل أسدلناه خوفاً عليهن من حرارة الشمس.
كما سنثبت أيضاً أننا خير أمة أخرجت للناس، وأقربها إلى الله، تعرف كيف تصلي له، وكيف تناجيه، وكيف تضحي بأثمن ما تملك من أجل التقرّب إليه..
بربكم، هل سمعتم ببطل عربي أكثر ضراوة وأشد فتكاً وأعمق قداسة من بطلنا هذا؟ بالطبع لا.
**
تعدد الزوجات.. لا دين له
بينما تناضل المرأة العربية بشكل عام، والمسلمة بشكل خاص، من أجل نيل حقوقها الزوجية، والإجتماعية، والإنسانية، ومن بينها عدم السماح للزوج بجلب أربع نساء إلى عش الزوجية، بغية الإكثار من الجنس والنسل في آن واحد، نجد أن أناساً في المجتمع الأميركي، أكثر المجتمعات تقدماً، ما زالوا يمارسون هذه الآفة العائلية القاتلة، التي تدمّر إحساس المرأة، وتجعلها فريسة لوحش، لا شريكة لزوج.
وإذا كانت المجتمعات المتخلفة ما زالت ترتب زواج القاصرات من كبار السن، بغية ستر العرض وحفظ الشرف وكسب المال، نجد أن بعض رجال الدين المسيحيين الأميركيين يرتبون مثل هذه الزيجات، لا بل يمارسونها بأنفسهم، ولو عن طريق الإغتصاب.
فلقد ألقت السلطات الأميركية على المدعو (وارن جيفس)، زعيم طائفة مسيحية انشقت عن المورمون بعد أن رفضوا مبدأ تعدد الزوجات في ولايات كولورادو التي تسمح بذلك. ووجهت له تهمة ممارسة الجنس مع قاصرات، لا بل اغتصابهن، وترتيب زيجاتهن من عجائز يكبرونهن بعشرات السنين. وكمعظم رجال الدين، الذين باعوا الله بحفنة من الدولارات، وجد رجال الشرطة بحوزة هذا الزعيم الديني المعتقل مبلغ 54 ألف دولار، و15 هاتفاً نقالاً، كي لا يفوته اتصال من طريدة جديدة، ومظاريف بداخلها تبرعات مالية من بعض (المؤمنين) المغشوشين بتعاليمه، و3 شعور مستعارة، كي لا يضبطه أحد بالجرم المشهود، وكأن الله لا يراه، وعدة نظارات كي يخفي نظراته الجهنمية الجائعة للجنس والمال، و4 كمبيوترات شخصية، يحشوها بتعاليمه الضالة، وجهاز استشعار للخطر، كي لا يقع بالمصيدة كما أوقع الكثيرات، ويحرم من طيّبات هذه الدنيا، وبطاقات هدايا بعشرة آلاف دولار. كما أنه يتنقل بسيارة لا تحمل لوحة أرقام.
من هنا نقدر أن نستنتج أن العديد من رجال الدين، بغض النظر عن طوائفهم، يستغلون القلوب البريئة، والعقول الساذجة، من أجل زرع الفساد والضلال والكفر في المجتمعات الآمنة، باسم الإيمان ونصرة الدين، كي لا أقول الله، لأن الله أبعد ما يكون عن شعوذاتهم الدينية الملحدة.
وكم من رجال دين منافقين، يعدون أتباعهم بالجنة، تارة يبيعونهم صكوك غفران، وتارة يسلمونهم مفاتيحها، وطوراً يزوجونهم لحورياتها، وكأن الجنة خيمة يأوون بها من يشاؤون، وساعة يشاؤون، دون الرجوع إلى الله، شرط أن تبقى أوامرهم نافذة، وغاياتهم محققة.
والمضحك المبكي، أن ما من رجل دين ألقي القبض عليه إلا ووجدوا في جيبه الآلاف، وفي حسابه ملايين الدولارات، التي سرقها من أفواه الأيتام والأرامل والعجائز والمرضى، أولئك المساكين المؤمنين بتعاليمه الدينية، التي لا تعرف من الدين سوى القتل، والسرقة، والجنس، والتعصب المقيت الأعمى، والكره القاتل لكل من يحاججه، أو يعرقل مسيرة جشعه الفاحش.
متى نلقي القبض على العديد من رجال ديننا، الذين يخيفوننا، يكفروننا، ويمارسون الدعارة الدينية دون أدنى عيب، ليقتص منهم القانون المدني، قبل أن يقتص منهم القانون الإلهي، وليصبحوا عبرة لمن يعتبر، علنا ننعم بحياة اجتماعية وعائلية هادئة لا تعكرها فتوى جاهل، ولا يقلقها وعظ أحمق.
**
جنس ثم جنس ثم جنس
عبارة.. كتبتها يوم كنت في الصفوف التكميلية، طردت على أثرها من الصف، بعد أن قرأها أحد التلاميذ (الأصدقاء) للمعلم، والعبارة تقول: إذا كان نهر الخلق ينبع من بين الفخذين، فإن هذين الفخذين سيقلقان راحتنا. ولست أدري لماذا لم يعجب معلمي المنفتح جداً بعبارتي هذه، وعندما طلبت منه تفسيراً لذلك، أجابني بصوته الأجش:
ـ هذا الحكي أكبر من عمرك.
ولو بقي معلمي حياً إلى يومنا هذا، لهمس في أذني:
ـ صدقت يا شربل. إذ أن معظم الأخبار التي نقرأها تنبع من بين الفخذين، وتلتقي بين الفخذين، وتصب بين الفخذين أيضاً.
وإليكم حصيلة ما قرأت في يوم واحد فقط:
في العاصمة السورية دمشق، وقفت الطفلة نور أمام القاضي لتدلي بشهادتها ضد والدها السفاح الذي ارتوى من نبع طهارتها لمدة طويلة، دون أن يردعه ضمير، أو أن تستفيق أبوة. وبدلاً من أن تثور العائلة على الوالد السفاح، ثارت على الفتاة المظلومة لأنها فضحت والدها، وجعلت الألسن تلوك شرف عائلتها، على حد تعبيرهم الخاطىء، ورغم القسم العظيم الذي أقسمته نور بأنها ليست هي من رفع الدعوى ضد أبيها، وأنها لا تريد لأمها وإخوتها هذا المصير. أشاحت العائلة بوجهها عنها، وانتقلت للعيش مع خالها، الذي أوصل قضيتها العادلة إلى قوس المحكمة.
ومن سوريا إلى أندونيسيا، حيث طردت مدرسة ثانوية مجموعة من الطلاب، مارسوا الجنس داخل صفوفهم المخصصة فقط للحساب، والكيمياء، والفيزياء وما شابه، وقررت إدارة المدرسة إعادة هؤلاء الطلاب إلى ذويهم بعد أن ضبطتهم بالجرم المشهود، وما على الأهل سوى تأديبهم، وإفهامهم أن الجنس حرام، وأن كل من يمارسه بدون زواج لن يدخل الجنة. والجدير بالذكر أن السلطات الأندونيسية التي فشلت في مكافحة الإرهاب، قررت أن لا تفشل في مكافحة الرذيلة، فقامت بمطاردة الشبان والفتيات الذين يقيمون علاقات جنسية من دون زواج، لأن القانون الأندونيسي يحرمها بشدة.
ومن أندونيسيا إلى بوليوود السينما، حيث أثارت تصريحات ممثلة هندية مشهورة غضب الناس، لأنها قالت للرجال الهنود: لا تنتظروا أن تكون العروس الهندية عذراء بعد اليوم. فثار الرجال وناحوا، لأن من حقهم الزواج بعذارى بلادهم، وها هي فنانتهم المحبوبة (كوشبو) تهدم قصور أحلامهم الجنسية بعبارة واحدة، ولو اكتفت المسكينة بعبارتها تلك وصمتت، لما غرّمتها المحكمة 100 دولار، ولما منعتها من الإدلاء بأي تصريح جنسي، ولكنها أردفت قائلة: ليس هناك ما يضير من ممارسة الجنس خارج رباط الزوجية إذا كان آمناً، فأوقعتها جرأتها في السجن، ولكنها خرجت منه سالمة والحمد لله.
ومن الهند إلى اليمن، فلقد تناقلت الوسائل الإعلامية أخبار بعض الفتيات والنساء اليمنيات اللواتي يمارسن البغاء من أجل تسديد ثمن مخابراتهن الهاتفية، فبدلاً من المحافظة على شرفهن، فضلن المحافظة على خطوطهن الهاتفية المحمولة (الموبايل)، فلقد عشقن الهاتف المحمول، وأبين التخلي عنه، ولو كلفهن ذلك دخول السجن.
أما في وطني لبنان، فلقد انتهت رحلة زوج وزوجته وطفلتهما إلى أحد المقاهي البحرية، باغتصاب الزوجة على مرأى من بعلها وطفلتها، فلقد دعاهما أحد أصدقائهما إلى منزله لتناول العشاء، فتوجهوا إلى مبنى لا يزال قيد الإنشاء، وبعد الأكل والمسامرة على سطح البناية، قرر الزوج والزوجة مغادرة المكان، إلا أن الصديق طلب منهما البقاء، وعندما أصرا على المغادرة، قام بضرب الزوج وتكبيله، وباغتصاب الزوجة، ولم يكتفِ بفعله الشنيع هذا، بل استدعى بعض رفاقه لممارسة الجنس مع زوجة صديقه. ألا رحم الله القائل: صديقك من حمى فرجك، لا من أطعمك.
وفي كندا، سرقت إحدى الفتيات المراهقات من خزانة أمها آلة تصوير الفيديو، وباعتها لصديقها بمئة دولار، دون أن تنتبه أن بداخلها فيلماً، وأن بطلة الفيلم أمها، التي كانت تمارس الجنس مع عشيقها، وتصور مراحله المحمومة للذكرى فقط، ولمراجعة بعض الهفوات الجنسية بغية الإبتعاد عنها في الممارسات القادمة، فما كان من ذلك الصديق الصدوق إلا أن قام بنسخ الشريط وبيعه، عله يسترجع ثمن الكاميرا، ويجني بعض الأرباح، ولم تدر الأم المسكينة بأنها أصبحت أشهر من (باريس هيلتون) إلا عندما أعلمها عشيقها البطل بأن مناظرهما الخلاعية غطت على الهجمات الإرهابية في كل أصقاع الأرض. فأقامت دعوى قضائية على ابنتها، ولسان حالها يردد: عليّ وعلى ابنتي يا رب.
أكتفي بهذا القدر من القصص الجنسية التي تتراقص أمامنا على صفحات الحياة، منها ما يضحك، ومنها ما يبكي، ولقد أبكتني حقاً قصة الفتاة السورية نور، لأنها تتكرر كل يوم دون أن يعلم بها أحد، خوفاً من الفضيحة ليس إلاّ .
**
تعالوا نتصاهر
ما أن علمت الأم أن ابنتها الصبية الجميلة، التي لم تكمل ربيعها الثاني والعشرين، حامل بسفاح، حتى جن جنونها، وبدأت تخطط كيف ستتعرف على والد الجنين، وكيف ستقنعه بالزواج من ابنتها اتقاء للفضيحة، ولكي ينمو الطفل في كنف والديه.. بدلاً من أن يرمى في دار للأيتام، ويصبح عالة على المجتمع.
تخطيط جميل ومنطقي، يجب أن يتبعه الأهل، في حال وقعت ابنتهم في حب رجل ما، وحملت منه، بغض النظر عن قوميته أو دينه، كي لا تقع المصيبة على رأس الطفل المولود كما وقعت في منطقة حارة حريك اللبنانية.
ولكن سرعان ما انقلب تخطيط الأم الإنساني الى شيطاني، بعد أن باحت ابنتها باسم والد الجنين، وبأنه مصري الجنسية، فاحمرت عيناها، وتدلت شفتاها، وبدأت تحك جلدة رأسها، الذي آلمها كثيراً من كثرة التفكير وقلة النوم.
لن ترضى، ولو نطحت الارض السماء، بأن تتزوج ابنتها شاباً مصرياً مهاجراً، يكدح من أجل لقمة عيشه، ويعيش على سطوح البنايات، ويتكلم بلهجة غير لهجتها من الصعب أن تفهمها أو أن تتأقلم معها.
كما لن ترضى بأن ترضع ابنتها حفيداً غريب البذرة، وهي التي مننت النفس بأن تزوجها لشاب لبناني وسيم، إبن أصل وفصل، يحفظ الإرث ويكثر النسل.
وبعد خمسة أيام على ولادة الطفل، وضعته الجدة (الحنون) في كيس أسود من النايلون، ورمته في محلة حارة حريك، قرب موقف عائد لأحد المطاعم، لتنهشه كلاب الشوارع ولتلتهمه قططها الجائعة، أو لتلتقطه أيدي عمال التنظيفات وترمي به في أحد مكبات القمامة.
هكذا والله..
وكأن الطفل، في هذا الزمن الرديء، مجرد قمامة!.
وكأن الأهل مجرمون ساديون يتلذذون بسحق جماجم أطفالهم!.
ولكي تكون النهاية مفرحة، ونادراً ما تكون، أبت العناية الالهية أن يموت الطفل داخل نعشه (النايلوني) الأسود الذي دفنته به أيدي جدته السوداء، فعثرت عليه الأيدي البيضاء، وسلمته للقوى الأمنية، التي سلمته بدورها لأمه بعد أن ألقت القبض على الجدة، وأدخلتها السجن.
الواضح من هذه القصة أن الجدة تخلصت من الطفل رغم توسل ابنتها وبكائها ومعارضتها الشديدة لتلك الجريمة البشعة.. وإلا للحقت بوالدتها الى السجن، ولما سلمتها القوى الأمنية فلذة كبدها.
كما أن الجدة ما كانت لتتخلص من حفيدها لو لم يكن أبوه مصرياً، وتناست أن مصر هي قلب العروبة النابض، وراية أمجادنا.. وحاضنة أجمل عجائبنا السبع وأرقى حضارات البشرية، وأن الملايين من أهلنا يصاهرون مصر، على رأسهم فنانتنا الكبيرة صباح التي أحبت مصرياً وأنجبت منه (هويداها) حبيبة أمها، مثلها مثل الكثيرين من عظمائنا وعظيماتنا، الذين تعجز الارقام عن تعدادهم.
ثم، لو لم تحب ابنتها ذلك الشاب المصري الوسيم، لما وهبته عذريتها، ولما أنجبت منه طفلاً، والفتيات الجاهلات يعلمن أن هناك حبوباً لمنع الحمل، فكم بالحري فتيات الجرائد والمجلات والراديوات والتلفزيونات.. والانترنت.
إنه، وباختصار شديد، الحقد الأعمى لكل ما هو ضد تفكيرنا وعاداتنا وطائفيتنا وكنتوناتنا ومذهبيتنا وعصبيتنا القومية والعشائرية والعرقية.. إنه الرفض القاتل للآخر. فكيف، والحال كهذه، سنتعايش، ونتلقح، ونصبح اخوة، كما يريدنا الله أن نكون.
تعالوا نتصاهر، ونتزاوج، ونتقارب.. تعالوا نصبح عائلة واحدة، بدلاً من ان نتقاتل ونتحارب ونتباعد، فلقد تعبنا من الموت وآن الاوان كي نعيش.
**
ختان الفتيات يحدث في أستراليا
فجّرت الدكتورة إيمان شاروبيم في حديث لتلفزيون الغربة، أجراه الزميل انطوني ولسن، قنبلة من العيار الثقيل، إذ اعترفت أن ختان الفتيات يحدث في أستراليا، أجل في أستراليا، والحكومة تغمض عينيها عن الموضوع، كي لا تعكّر صفو أجواء قاعدة انتخابية مهمة.
والدكتورة شاروبيم اختارتها جريدة "الويمنز ويكلي" كإحدى أشهر ست نساء فاعلات على الساحة الأسترالية، نظراً لمعالجتها الفعّالة لقضايا مهمة، كالختان مثلاً، كادت أن تفكك المجتمع.
وحده الاعلام الأسترالي، على حد قولها، يسلّط الأضواء على جرائم كهذه، قد تودي، لا بل أودت بحياة العديد من الفتيات الصغيرات.
ومن تلك الجرائم، التي كشفها الاعلام مؤخراً، جريمة ختان طفلة صغيرة، على يد ممرضة، شاء الله أن لا تنجح عملية ختانها، وأن تدخل الطفلة الى المستشفى، ليواجه بعدها القضاء رجل الدين المشجّع لذلك، والممرضة والوالدان.
والختان، لمن يجهله، هو أن نقطع "بظر" الطفلة، أي منبع نشوتها الجنسية عندما تكبر، لنحرمها منها، بعد أن نشوّه عضوها التناسلي، ونرميها تحت الرجل كدمية مطاطية، يقدر، إذا أراد، أن يشتريها وينفخها ويمارس الجنس معها، دون إحساس أو تجاوب من قبلها. إنها، وباختصار شديد، مجرد وعاء يقذف به سائله المنوي، ليس إلا.
وقد انتبهت السينما المصرية لهذه الآفة الاجتماعية والانسانية المدمّرة، فحاربتها بضراوة، وأجبرت حكومات دولنا العربية أن تنزل أشد العقوبات بكل من تخوّله نفسه اقتراف هذه الجريمة البشعة. ومن الأفلام التي أعجبتني كثيراً: فيلم "دنيا" لحنان الترك، الذي يروي قصة فتاة رائعة الجمال، خضعت في صغرها لعملية ختان شوّهت أجمل عضو تملكه، وراحت تتمنّع عن كل رجل مبصر، لتسلّم نفسها، في آخر المطاف، الى رجل أعمى.
لقد خلق الله ملايين النساء، وجمّلهن بأعضاء تناسلية متشابهة، أي أنه لم يضع "بظراً" لفتاة وينسى الأخرى. ولم يمنح نشوة جنسيةً لهذه وينسى تلك. محبة الله شملت الجميع، وكمّلت الجميع، وجمّلت الجميع. فمن نحن كي نتلاعب بما خلق الله؟ ومن نحن كي نبتر عضواً أوجده الله لحكمة ما؟ هو أدرى بخلقه، وما علينا سوى أن نحافظ على نعمه الجسدية التي منحنا إياها دون منّة، كي نتعّم بها، ساعة نشاء وكيفما نشاء.
كل المصائب في شرقنا التعيس لا تقع إلا إذا وقعت المرأة، فالشرف لا يطعن إلا إذا أحبت المرأة. والعرض لا يصان إلا إذا أهرقنا على جوانبه دم المرأة. والعائلة لا تنمو إلا إذا قطعنا "بظر" المرأة. فالمرأة هي هاجس الشرق، وفي نفس الوقت أضحى الشرق هاجساً مخيفاً للمرأة أيضاً.
هذا ما يحدث هناك.. أما أن تصبح أستراليا "شرقاً" جديداً يخيف المرأة، فهذا ما لا نقبل به، وما على الاعلام العربي سوى مساندة الاعلام الاسترالي لنتخلّص من هذا الكابوس المرعب، كي تعيش المرأة كما يحق للرجل أن يعيش.
فالمعادلة السائدة في عالمنا العربي "الرجل يتنعّم والمرأة تتألّم" أبطلت أستراليا والعالم المتحضّر مفعولها، ووضعت مكانها معادلة أكثر رحمة: "لن يتنعّم الرجل ما لم تتنعّم المرأة". هذه هي أستراليا الأم التي التجأنا الى حضنها الدافىء كي نهرب من ظلم أناس يتكلمون باسم الله، والله منهم براء، وقد لحقوا بنا، وللأسف، الى هنا، ليذيقونا الظلم أضعافاً.
فالديمقراطية الاسترالية أعطت هؤلاء المجرمين حريّة لم يحلموا بها في بلادهم، فراحوا يبثون سمومهم في مجتمعنا هذا، دون رقيب أو حسيب، فشوّهوا الاديان بفتاوى مضللة، وبئس ما أفتوا.
وصدقوني ذا قلت ان الرجل لا شيء بدون المرأة، أجل لا شيء: هي أمه وزوجته واخته وابنته.. وهي الوحيدة، التي منحها الله قدرة الخلق، أي أنها قادرة منذ اليوم الأول لولادة طفلها أن تتلاعب به كيفما تشاء، وأن تصنع منه الرجل الذي تشاء، وأن تزرع به الفضائل الانسانية ساعة تشاء. وهنا يأتي السؤال القاتل: لماذا لم تزرع فيه المحبة، كي يحبها كشريكة، لا كجارية. وكي يعاملها كزوجة، لا كدمية مطاطية؟.
وبما أن المدنية الأسترالية فشلت تماماً في نقل البعض من عالم الجهل الى عالم الرقي، وجب علينا فتح السجون لكل من يشوّه أو يبتزّ أو يقلع ظفر طفلة بريئة، مهما كانت الأسباب والذرائع، فلا أمه، ولا زوجته، ولا أخته، ولا ابنته تريده أن يبقى بيننا، فخلّصونا منه، لتبقى لنا أستراليا جنّة أرضية إلى أن نرى الجنّة الالهية.
**
يوم اغتصبني أبي
عيناي، يقولون، حدقتا زمن مخضوضر الجوانب، ووجهي التماع ضوء على بلور قصر. ربة آلهة.. من يدري؟ فالأساطير تزخر بحكايات الحسان ذوات القدود المياسة والعيون الناعسة.
سحرت النواظر وفتنتها، فتهافت علي العشاق المتيمون، هذا يستدر عطفي، وذاك يعرض على بساطي بضاعته الماسية المسيلة للعاب، فرفضتهم جميعاً، وأبى خافقي الإنصياع إليهم، فأنا لا أُشترى إلا بنجمة وكوكب.
غرفة نومي تعشقها الشمس، وتأبى إلا أن تشاطرني سريري، تصحو معي كل صباح على صياح ديك أرعن، وتنام، حين أنام، على زقزقات عصافير آيبة إلى قرميدي بعد نهار شاق وطويل.
ولدت في ليلة القدر، فزغرد الكون لمجيئي وهلل. إن انفرجت شفتان عن ابتسامة اعجاب، تأكدوا أنها لي، فلا الزمن يكرّ وينقضي إلا بإشارة مني، ولا مجتمع يقوم ويزدهر بدوني. أنا هي سلمى، ابنة المليونير وجيه بك، فساتيني مستوردة من لندن وباريس وروما، وجواهري صنعت في هونكونغ. جميلة ومثيرة وشقية، ولكنني لم أمارس الجنس مطلقاً، ولم يقبل فمي غير أمي، التي ماتت وأنا بعد مراهقة، لم أقطف من السنين إلا سبع عشرة زهرة، فأحسست بفراغ رهيب يحيط بي، ويحاول خنقي بيديه الضجرتين، فلجأت إلى الكتابة والقراءة والموسيقى حتى شلّع النسيان طيف أمي.
ـ تعالي يا سلمى، جأر أبي، ذات ليلة، وكان في حالة سكر شديد.
ـ ما بك يا أبي؟
ـ تعالي نستلقِ معاً..
ـ ماذا تقول يا أبي.. نم، أرجوك؟
ـ قلت لك تعالي، ما بك جامدة كأبي الهول؟ أود أن أطفىء لهيبي في بئر جاذبيتك، أنت الحورية التي أحببت وانتقيت، أنت الصورة التي رسمت في خيالي مذ كنت طفلاً، اقتربي يا أميرتي، ففراشي دافىء وحرارتي مرتفعة.
ـ اسكت يا أبي، أرجوك، اتقِ شرّ الفضيحة..
وصفقت باب غرفته، ورحت أعدو باتجاه غرفة الاستقبال، ظناً مني بأنه لن يلحقني إلى هناك، إلى الكنبة المزدوجة، حيث افترسني بضراوة، غير عابىء ببكائي وأنيني، أو بالدماء المسفوحة على فخذيّ.
أبي لم يرتوِ بعد.. إنه يطلب المزيد، وكأنه يلعق ثدي امرأة اشتراها بماله. أنا ابنته، ما هم. أنا عشيقته، ما هم. أنا أم طفله الجنين، أنا أم أخي.. أواه، ماذا أفعل؟ أأنتحر؟ أأتقدم بشكوى ضد والدي صاحب المركز الاجتماعي والسياسي والمالي المرموق؟ أأهرب منه، وما لي غير مسكنه مسكناً؟ أم ماذا؟ أنا ضائعة، ضائعة، أعني يا رب وارحمني.
الساعة الثامنة مساءً تعلن قدومها، وقلبي يدق، يخفق ويرتعش، وكأس الويسكي تقترب من شفتيّ أبي، وأبي يقترب مني ببطء مقرف. ها هو يحضنني، يعصرني بزنديه، ويحملني إلى فراش اللعنة:
ـ لا تفتعل بي يا أبي، أنا ابنتك سلمى، إنك تؤذيني، تؤلمني، تبكي عينيّ اللتين تغزّلت بهما في طفولتي. أنت مجرم، ظالم، سفّاح، قم عني وإلاّ خنقتك، أحذّرك، ستدفع ثمن هذه الرعشة التي تعتريك الآن، خذ..
قتلت أبي، وسلّمت نفسي للعدالة، وطلبت من المحقّق أن تُجرى لي عملية إجهاض سريعة، ومحاكمة سرية، كي لا ألطخ سمعتي وسمعة والدي، نظراً لمكانته الاجتماعية، فوافق، شرط أن أدعوه إلى قصري، بعد انتهاء التحقيق، لارتشاف فنجان من القهوة الحلوة، على حد تعبيره.
وكم كانت دهشتي عظيمة حين قرأ عليّ المحقّق تقريراً، هو أبعد ما يكون عن الحقيقة، فلقد ادعى أن لصاً دخل القصر، وسرق بعض المال والجواهر، وعندما تصدّى له أبي قتله اللص بسكين جلبها من المطبخ. عندئذ أدركت أنني اشتريت براءتي بفنجان قهوة.
المحقّق العجوز يدلف عتبة قصري، ورائحة الطيب تنبعث منه كما تنبعث من شعر عانس، طيّبته لتلفت أنفاس الرجال إليه:
ـ كيف حال حوريتي الجميلة؟
ـ أجب على سؤالي في الحال؟
ـ لم أتلقَّ السؤال بعد؟
ـ لماذا أطلقتني حرة؟
ـ لأنني حر..
ـ لا تراوغ.. قل لي: ماذا تريد؟
ـ أريدك أنت..
ـ هكذا، بكل وقاحة..
ـ الحرية مكلفة يا عزيزتي.. مكلفة جداً..
ـ أخاف أن لا ترتوي بليلة واحدة..
ـ فلنجرّب..
ـ تعال غداً..
ـ الآن..
ـ إذن، إخلع ثيابك، أسرع.. أجل هكذا.. حقاً إنك لعجوز شاب، ارتجف، ارتجف أكثر، ولكن إياك أن تقذف بداخلي، فطهر أحشائي لن يدنّسه رجل بعد اليوم.
في الصباح، حزمت حقائبي وغادرت ذكريات مشينة ومؤلمة، كان بعثرها أبي في زوايا القصر، حاولت أن أتخلص منها، أن أدوس عليها وأمشي، ولكن المحقّق أعاد بعثرتها من جديد، فقررت الهرب من بلد أبوّته ظالمة، وعدالته ظالمة، والارتماء في المجهول، علني أحظى بلذة البراءة.
**
زوجتي أختي.. ماذا أفعل؟
هكذا صاح أخونا الكمبودي (تيب سونج)، عندما علم بطريق الصدفة أن زوجته، أم أطفاله الأربعة، هي أخته، من أبيه وأمه، ذكريات طفولتهما متشابهة، وأمهما ما زالت حية ترزق، لتشهد على بنوتهما، وأمومتهما، وتعاستهما بعد أن اكتشفا ما لم يفكّرا به على الإطلاق، أن يكونا أخوينا وزوجين في آن واحد. فتصوروا!
وأعتقد أن تيب يردد، وهو يتقلب على فراش أرقه كل ليلة: لعن الله السياسة، والحروب، والخمير الحمر الذين فرّقوا بينه وبين أخته الزوجة، عندما كان عمره ثماني سنوات، وعمرها خمس سنوات، ولم يلتقيا بعدها إلا عندما مرض (تيب) وأدخل أحد مستشفيات مقاطعة (تاكيو)، فسهرت على تمريضه أخته (تاي)، دون أن يعلم من هي، ولأن الدم لا يصبح ماءً، وعاطفته لا تموت، فلقد أحب (تيب) أخته (تاي) حباً جارفاً، وتزوجها بسرعة بساط الريح، الذي يتغنى به مطربنا الخالد فريد الأطرش.
ولأن القدر لا يترك أحداً خالي البال، فلقد رمى شباكه على الزوجين الحبيبين، وراح يجمّل لهما حب الإستطلاع والتفتيش عن جذور عائلتهما، خاصة وأنهما كانا يعتقدان أنهما مقطوعان من شجرة الموت، وأن نظام الخمير الحمر قد قضى على أصلهما وفصلهما وكل ما يمت لهما بصلة. فشدا أحزمتهما وزارا مسقط رأسهما، ليجدا أن أمهما العجوز ما زالت على قيد الحياة، وأنهما أخوان، جريمة زواجهما تقع على عاتق نظام سياسي مجرم، وما أكثر الأنظمة السياسية المجرمة التي تشتت أبناء العائلة الواحدة، وتقطع جميع الخيوط التي من الممكن أن تجمهم بعد فراق وتشرد.
ماذا سيفعل (تيب وتاي)، وقد رزقهما الله، الشاهد الوحيد على أخوتهما، وحبهما، وزواجهما، بأربعة أبناء تترواح أعمارهم بين الرابعة عشر عاماً والرابعة عشر شهراً؟ هل ستعتبر القوانين المدنية والأديان السماوية زواجهما خطيئة مميتة وجريمة إجتماعية لا تغتفر؟ وهل ستطالب بالتفريق بينهما، وحرمانهما من أطفالهما الأربعة؟ أم ستطالبهما بعدم ممارسة الجنس والإنجاب كونهما أخوين؟
علمونا في الصغر، أن جدنا آدم وجدتنا حواء، قد أنجبا ولدين: قايين وهابيل، ولسبب تافه، كالأسباب التي يدعيها القتلة في كل زمان ومكان، أقدم قايين على قتل أخيه هابيل، ومع ذلك كثرت البشرية، وأصبح تعدادها أكثر من حبات الرمل، فكيف حصل ذلك؟ هل تزوج قايين جارته الحسناء، ولم يكن في الوجود غير أبيه وأمه وعائلتهما، أم تزوج أخته، لتسعد البشرية بنسلهما الجحود جداً جداً؟
هناك الكثير الكثير من الأشخاص المعقدين الذين يمارسون الجنس مع أخواتهم، وأمهاتهم، وبناتهم، بالسر والعلن، دون أن يرف لهم جفن، أو أن يردعهم ضمير، أو، وهذا أضعف احتمال، أن يعتريهم خجل. فلماذا لا تحل قضية (تيب وتاي) كما حلت قضية أخينا قايين وأخته المجهولة باقي الهوية؟ فإذا كان الله قد سمح لقايين بالزواج من أخته تلك، دون خمير حمر ولا حمير زرق، فلماذا لا يسمح لتيب وتاي بالعيش معاً كأخوين وزوجين ووالدين كرمى لأعين أطفالهما الصغار، وقد ذاقا مرارة الإضطهاد والإنفصال والتشتت؟
إذا كان لديكم حل لقضية (تيب وتاي)، أرجو تسجيله، لنطلعهما عليه، عله يجلب لهما المن والسلوى بعد مفاجأة تعيسة لم تخطر ببالهما، ولا ببال جميع مخرجي الأفلام الهندية.. والعربية طبعاً.
**
للمرأة عورة واحدة.. وكفى
ردود وتساؤلات بعض قرائي جاءت، وللأسف، مضحكة للغاية، لدرجة خلتهم معها لم يقرأوا مقالي بل الردود عليه، لذلك جاءت كتاباتهم إرتجالية، ومفعمة بالتطرف والتحدي، وبكثرة الأسئلة، كتساؤل إحدى القارئات عن المسافة التي أسمح لها بتعريتها من جسدها، هل تقاس بالأشبار، أم بالأمتار، أم بالأميال.. أم بالسنوات الضوئية؟.. وكأنني ولي أمرها، أو مخرجاً سينمائياً تعاقد معها على تمثيل دور يجب أن تتعرى به كمرلين مونرو، أو بريجيت باردو.
ومن التساؤلات المضحكة التي انهمرت علي، واحد يلح علي صاحبه بالجواب، مخافة أن أغط بنوم عميق: هل تسمح للمرأة العربية بإظهار ثدييها، كما يفعل الرجل؟ وهل الثدي عورة؟.. وكأنهم بذلك يريدون أن يحرجوني، أو أن ينشروا غسيلي على صنوبر عاصمتي بيروت، وهم لو قرأوا، وتثقفوا، وغاصوا في بطون الكتب، لوجدوا أن النساء في بلدان وقبائل كثيرة ما زلن يطلقن لأثدائهن العنان دون خوف أو خجل، أو دون أن يقتص منهن القانون، ويحيلهن للمساءلة.
أخبرني أحد الكهنة أن سيدتنا مريم العذراء قد أظهرت ثديها للعلن، وهي ترضع طفلها سيدنا يسوع المسيح، وهي من هي في السموات والأرض. أنا لم أقرأ القصة، ولكني سمعتها وسجلتها في ذاكرتي، كما أن هناك معبداً للسيدة العذراء يحمل اسم (سيدة البزاز)، وكل من يعلم من القراء مكانه، أو شيئاً عنه، أو عن القصة التي ذكرت سابقاً، أن يطلعنا على معلوماته لأهميتها. وقد لا أذيع سراً إذا قلت أن ملايين النساء في بلداننا العربية يرضعن أطفالهن في الشوارع والساحات، كما أرضعتني أمي تماماً، غير عابئات بنظرات المارة، الذين نادراً ما يلتفتون إلى ثدي أم مرضعة.
وفي كتابه (عبقرية محمد) (ص 81)، يخبرنا عباس محمود العقّاد كيف أن نبينا العربي مس ثدي مرضعته، وهو رجل، احتراماً وتقديراً لها، دون أن يتهم بألف تهمة وتهمة، كما يحصل الآن. وإليكم ما كتب العقّاد: (وليس في سجل المودة الإنسانية أجمل ولا أكرم من حنانه على مرضعته حليمة، ومن حفاوته بها، وقد جاوز الأربعين، فيلقاها هاتفاً بها: أمي! أمي! ويفرش لها رداءه، ويمس ثديها بيده.. كأنه يذكر ما لذلك الثدي عليه من جميل).
إذن، فثدي المرأة ليس عورة، وإلا لما أظهرته السيدة العذراء، ولما مسه النبي محمد أمام الناس، ومن حقّها أن تظهره، إذا أرادت أن تظهره، شرط أن يتماشى مع القوانين المرعية في البلاد التي تعيش فيها.
لم أر طوال سكني في أستراليا امرأة تسير في الشارع مكشوفة الثديين، ولكنني رأيتها تتشمس على الشطوط البحرية عارية إلا من وريقة التين التي تغطي عورتها. وكلنا يعلم مدى الحرية المعطاة في أستراليا، ومع ذلك نجد أن الإنسان الحر لا يفرط بحريته، ولا يستعملها إلا في وقتها المناسب، ومكانها المناسب أيضاً.
بإمكان المرأة العربية أن ترتدي البكيني وتسبح، وبإمكانها أن ترضع أطفالها وتظهر ثدييها ساعة تشاء، كما بإمكانها أن تشمسهما على البحور، هي حرة بجسدها، طالما أنها لا تتحدى القانون بعريها، ولا تستبيح الأماكن العامة لذلك، أو تجبر الناس على الإشمئزاز من سلوكها، كأن تعري صدرها وتسير في الشارع شامخة الرأس، والناس من حولها يلتفون بمعاطفهم من شدة البرد، أو يوصلون أطفالهم إلى المدارس، أو يتأهبون للصلاة.
الحرية ذوق وتفهم ومعاملة وإدراك وإنسانية، فمن يجنح بحريته خارج نطاقها، كمن يقود سيارته وهو سكران، أو كمن يقود أعمى وعيناه مغمضتان، ففي كلتا الحالتين سيكون تصرفه غير محمود النتائج، لا بل مؤسفاًً للغاية.
للمرأة، كما للرجل، عورة واحدة، قدّسها الله تعالى حين أشركها بعملية الخلق، لأنها، شئنا أم أبينا، سبب وجودنا، لذلك وجب علينا احترامها، وعدم الإستهتار بها.. وإلا طعنا في الصميم موضع الخلق فينا، وهذه جريمة إنسانية يجب أن لا تحصل.
**
عورة المرأة العربية وقضايانا المصيرية
كنت وما زلت من أكثر المطالبين بحرية المرأة الشرقية، شرط أن لا تتنافى مع الآداب العامة، وأن لا تخدش الأعين والأسماع في آن واحد. والظاهر أن الكبت الجنسي عند المرأة في البلاد العربية المتزمتة، قد ألهب فيها نار الجنون والإنفلات متى انتقلت إلى البلدان الغربية، فراحت تتصرف كما يحلو لها، غير عابئة بسمعتها وسمعة عائلتها. وهذا ما حصل مع فنانة تشكيلية سورية خلعت ثيابها، من الحذاء حتى القبعة، وراحت تتمخطر في ساحة (واشنطن سكوير بارك)، أمام أعين الإعلاميين والناس، من أجل إيقاف رحى الحرب الدائرة في فلسطين والعراق. هكذا والله.
تصوروا أن مفاتن امرأة عربية ستوقف الحرب في فلسطين والعراق! وكل يوم يتعرى الآلاف في الغرب، دون أن ينظر إليهم أحد، أو كأنها أول من ابتكر ثورة العري من أجل ألف سبب وسبب، دون أن يتوصل أصحابها إلى نتيجة مشرفة، غير السجن أو الشهرة الإعلامية، كالذي كسر مزراب العين تماماً.
قديماً، استعانت امرأة عربية بمفاتنها من أجل إيقاف حرب داحس والغبراء، فامتنعت أختنا (بهيسة) عن زوجها (عوف)، وأبت أن يضاجعها ما لم يدفع فدية القتلى من كلا الجانبين، ويوقف تلك الحرب المضحكة، وهكذا صار.
أخاف أن تكون فنانتنا العربية، فعلت ما فعلت، من أجل الشهرة، دون أن تفكّر بقضايانا العربية، ولا بإيقاف الحروب، ولا بدفع فدية قتلى الجانبين، وما أكثر طلاب وطالبات الشهرة في الغرب، خاصة أميركا حاضنة هوليوود، عاصمة السينما العالمية.
وكون فنانتنا التشكيلية من تشكيلة عربية، وسورية بالذات، فقد اهتم بها الإعلام الغربي اهتماماً بالغاً، ليس إكراماً لعينيها، بل نكاية بعقليتنا المتخلفة، وبأمتنا العربية التعيسة، التي تدعي ما ليس فيها، وتتحجج بتخلفها من أجل الحفاظ على أخلاق أجيالها الطالعة، وليثبت للعالم أجمع أن أغلى ما نملك، كعرب، أصبح تحت الأضواء، ومكشوفاً للجميع، فلماذا التستر بالعفة، والإدعاء الفارغ بأن المرأة العربية أفضل، من ناحية التربية والأخلاق، من المرأة الغربية؟!.
هدف التعري كان سامياً، ولكن الطريقة التي حدث بها جاءت مبتذلة وسخيفة ووقحة، لا تنفع معها كل التبريرات، وأن الشخص العاري لا يمكنه أن يحارب بدون أسلحة. مع العلم أن أقوى الأسلحة على الإطلاق هي مفاتن المرأة، فلا نابليون تغلب على جوزافينه، ولا عنترنا المغوار على عبلته.
صحيح أن هناك مسابح (بلاجات) للعراة، ونوادي أيضاً، ولكنني لم أسمع بأحد منهم سخّر الحدائق العامة لعورته إلا واعتقلته الشرطة، وحققت معه لساعات، وأخذت بصمات أصابعه العشر، وصورته كاللصوص والقتلة ومنتهكي حرمات الآخرين، وها هي حرمة أخرى قد انتهكت في واشطن دون أن تتوقف الحروب، أو تتحرر فلسطين أو العراق.
قضية فلسطين يحلها أبناء فلسطين، وها قد بدأوا بحلها، أما حرب العراق فلن توقفها مفاتن امرأة، ولا مفاتننا جميعاً، إذا لم يتفق الشعب العراقي على دستور رائد، ووطن رائد، ومستقبل رائد.
كفى متاجرة بقضايانا المصيرية، فلقد تعبنا من العروبة، والسياسة، والكذب، والطائفية، والعنصرية، والإرهاب.. والعري التشكيلي أيضاً.
أخاف أن يقال يوماً أن بعض نسائنا قد ضربهن جنون البقر.
**
البسي البكيني.. وفوزي بالعرش
أيام زمان، يوم كنت في لبنان، سمعت نساء قريتي يزغردن، ولم نكن يومها نملك المال لننعم كباقي الناس برؤية التلفاز، وبمتابعة برامجه المصورة، فسألت إحداهن عن سبب فرحتها، فأجابتني بسخرية:
ـ أين تعيش يا شربل، لقد فازت إبنة بلدنا جورجينا رزق بتاج الجمال العالمي، فزغرد معنا إذا كنت تتقن الزغردة، وإلا أنظم لها قصيدة إعجاب وتهنئة؟.
ولشدة فرحي زغردت، فصمتت النساء حين سمعنني أزغرد، وكأنني تعديت على مصلحتهن، فدخلت كل واحدة منهن إلى بيتها، وانتهى الحفل بزغرودة شاب يافع.
وها أنا على استعداد أن أزغرد رجلاً بالغاً إذا فازت إبنة العراق (سارة مندلي) بلقب ملكة جمال إنكلترا، غير عابىء بما سيصيب النساء العراقيات من غيرة إذا سمعن زغاريد رجل أسترالي، تنافسهن بما هو من اختصاصهن، أي الزغردة، وتقطع المحيطات والبحار لتدغدغ آذانهن، وتنبئهن بفوز ابنتهن بعرش الجمال الإنكليزي، الذي هو في الوقت نفسه عرشنا في أستراليا، طالما أن الملكة أليزبيت ملكتنا، وصورتها لا تفارق دراهمنا.
وسارة، كما رأيتها في الصور المنشورة لها، أجمل من أن توصف، وأنعم من أن تتبودر، مرآتها الشمس، وكحلتها حفنة من تراب عراقها المقدس، فكيف لا تصبح ملكة، وما من ملكة بجمالها؟!.
ومن شروط مسابقات الجمال العالمية أن تسير المرشحات لنيل لقب ملكات الجمال بالبكيني أمام لجنة الحكم، بغية التأكد من مقاييسهن الجمالية، وهذا شيء طبيعي جداً، ولكن سارة، الفتاة المحافظة باعتدال، قد ترفض ارتداء البكيني، وتكتفي بالظهور بقميص (تي شيرت)، وهذا ما قد يؤخر حظها بالفوز، وما قد يهدم كل آمالنا برؤية ابنة بلد مجروح، سيداوي فوزها جراحه للحظات ويبتهج.
يا سارة مندلي.. أعين الكون عليك.. فلا تخافي لومة لائم، ولا تهتمي بانتقادات الجماعات المتشددة، ولا بسيل لعابها، ولا بفتاوى أناس لا يفتون إلا لتدمير كل ما هو جميل، ولا بثرثرات حفنة من المعقدين أخلاقياً وسلوكاً.. فنفذي شروط المسابقة بحذافيرها.. والبسي البكيني وفوزي بالتاج. فما من مرشحة أجمل منك، وما من مرشحة ترشحت لتحقيق هدف أسمى من هدفك، ألا وهو تسخير فوزها لصالح الضحايا في وطنها الأم، وحث الناس على التبرع لصالح الجمعيات التطوعية مثل جمعية أطفال الحرب.
قد يقولون لك: البارحة ثار شربل بعيني على فنانة تشكيلية تعرّت في واشنطن من ورقة التين، فالتعري السافر شيء، ولبس البكيني شيء آخر، فكم من الراقصات العربيات يتمايلن بالبكيني التي يتدلى فوقها ثوب شفاف، ونحن نصفق لهن، ونمنحهن التقدير والإحترام، لا بل نتمايل كما يتمايلن وأكثر.
سيقولون لك ولي: لا نريد دعماً وطنياً عن طريق العري، فأين العري في ارتداء ثياب البحر؟ إنتبهي إلى كلمة (ثياب)، ومعظم فتيات الأرض، بما فيهن العربيات، يذهبن إلى البحار هرباً من حرارة الصيف، دون أن يتقوّل عليهن أحد، أو أن يرشقهن بوردة.
بربك.. لا تترددي، إلبسي البكيني، كي لا يتهمك جاهل بالتزمت، وبأنك تسيرين (كفتاة إنكليزية) عكس ما يسير مجتمعك الجديد، وأنك غير مؤهلة لتمثيل الشعب الإنكليزي، بجميع فئاته، اليمينية واليسارية، الأرستقراطية والشعبية، فيحرمنا من لذة فوزك، نحن الذين لم نفز منذ سنوات إلا بالتفجيرات وفتاوى القتل والموت الحرام.
لقد دخلت مسابقة الجمال عن طيب خاطر، فالبسي البكيني عن طيب خاطر، فمن يعش في روما عليه أن يلبس كالرومان، ومن يتنافس على عرش الجمال عليه أن يلبس كباقي المتباريات، وهكذا يتزايد حظك بالفوز.. وتبدإين بدعم قضايا وطنك، وببلسمة جراح من ذاق ويلات الحرب والاستبداد والبطش كما ذقت، وذاقت عائلتك، وذاق شعبك.. وذقنا جميعاً.
أنت حرة بتصرفاتك، وأنا أحترم قرارك، أيا كان، شرط أن تفوزي بالتاج.. ففوزي كرمى لأعين شعبك، وأعيننا جميعاً.
**
لماذا تقتلون بناتكم؟
كوني نشأت في عائلة محرومة الأخت، رغم تضرعات أبي ونذوره الكثيرة، كي يرزقه الله بنتاً يكحّل عينيه برؤيتها، وتزيّن نصف دزينة من أبنائه، أرى من حقي أن أدافع عن كل ما يمت للأنثى بصلة، كالتاء المربوطة، ونون التأنيث وهي وهن والتي واللواتي وغيرها، لأنها لو وجدت هذه الأنثى في عائلتي لقدستها.
وكان، رحمه الله، يخبرنا أنه أخذ أمي إلى أحد الأديرة، فطلب منها الراهب أن تدور حول حجر في وسط الدير، فإذا علق فستانها بالحجر، فتلك علامة بأن المولود سيكون بنتاً لا محالة، وفجأة علق فستان المرحومة والدتي بالحجر، فصاح والدي من شدة الفرح: أشكرك يا رب، ها قد استجيب دعائي.. وراحت أمي تزغرد وترقص، ويرقص الجنين بداخلها. وعندما دقت ساعة الولادة، أطللت أنا برأسي، وضحكتي رطل، كما أخبرتني جدتي، حتى أنني لم أبكِ، رغم ضربي على قفاي عدة مرات، وبدلاً من أن يحزن والدي تمتم وهو يحملني: فلتكن مشيئتك يا رب، وليكن ابني مباركاً.
هذه القصة أوقعتني بجوع شديد إلى الأخت، ورحت أندب حظي وأتساءل: لماذا حرمت من هذه النعمة؟ ألا يحق لي أن أنادي أجمل مخلوقات الله، وأكثرهن حناناً بيا أختي.. فوالله والله لو كان عندي أخت لحملتها على كتفيّ، ونفذت لها جميع رغباتها، مقابل أن أسمع منها عبارة صغيرة: كيف حالك يا أخي؟
فكرت بحرماني هذا، وأنا أقرأ خبراً مفجعاً مفاده أن أباً في إحدى قرى صعيد مصر طعن بناته الصغيرات السبع بالسكاكين، فأردى سحر وفاطمة وزينب وإسراء، وجرح أميرة وإيمان وعائشة، وكلهن تحت سن الخامسة عشر، وفوق الثالثة.
ولكي يبرر الوالد فتكه المروع ببناته، راح يصيح بصوت عالٍ: أنا لا أحب البنات. وبدلاً من أن يهجر الدار كما فعل زميله الشهير بكره البنات (أبو حمزة العيني)، طرد زوجته من البيت لأنها لم تنجب له ذكراً.. فتأملوا! أبي يصلي ويصوم، ويزور الأديرة، من أجل أن يرزقه الله بنتاً، وأخونا (عبد الناصر) يذبح بناته السبع، لا لشيء، إلا لأنهن بنات.. فأين العدل.. بربكم قولوا؟
وقصة (أبي حمزة العيني) مشهورة في التاريخ العربي، فلقد ترك بيته لأن (أم حمزة) ولدت بنتاً، بعد أن أوصاها على (حمزة)، فجن جنونه، وما أكثر جنون الرجل العربي، وهجر زوجته، حتى أنه لم يرَ وجه ابنته المشرق الجميل، فما كان من زوجته (أم حمزة)، وهي الشاعرة القديرة، وصاحبة اللسان السليط، إلا أن شرشحته، وشرشحت معه كل رجل على شاكلته، فلقد أنطقها الله تعالى بهذه الأبيات الخالدة:
ما لأبي حمزة لا يأتينا
ظل في البيت الذي يلينا
غضبان ألاّ نلد البنينا
تا لله ما ذلك في أيدينا
ونحن كالأرض لزارعينا
ننبت ما قد زرعوه فينا
تصوروا كوناً بدون امرأة، وأطفالاً بدون أم، ورجلاً بدون زوجة، وقيساً بدون ليلى، وعنترة بدون عبلة، وروميو بدون جولييت.. ألا تضمحل الرجولة في هذا الكون، وينتفي الحب، وتتقيأ الطبيعة من منظر اللحى والشوارب والأصوات الخشنة المزعجة؟
عندما جاء الإسلام حرّم وأد البنات، أي أنه أعطاهن الحياة بكل ما فيها من مباهج وحرية، بعد أن سلبت منهن ودفنت بالرمال، وما من عائلة مسلمة، إلا ووهبت إحدى بناتها اسم (فاطمة) فلذة كبد نبينا العربي العظيم، وحبيبة قلبه بدون منازع. كما أن اسم السيّدة مريم العذراء، أم سيدنا المسيح، يطلق على معظم كنائس المسيحيين، وعلى العديد من فتياتهم والفتيات المسلمات أيضاً. فلماذا نكره بناتنا؟ ولماذا نحلل ذبحهن؟ ولماذا نعتبر المرأة شبحاً مرعباً وكل ما فيها جميل ومبارك؟
لو أنعم الله علي بمولودة أنثى، لانحنيت أمام سريرها، وقبلت جبينها، وأنشدت على مسمعها ما قاله رشدي المعلوف لكل امرأة على وجه الأرض، بنتاً كانت أم أختاً أم أماً أم زوجة:
ربي سألتك باسمهنّه
أن تفرش الدنيا لهن
بالورد إن سمحت يداك
وبالبنفسج بعدهنّ
حب الحياة بمنّتين
وحبهن بغير منّه
فلولاهن لم نرّ الحياة، ولولاهن لم ننعم بالأحضان الدافئة والحنان الغامر، ولولاهن لم نشعر بالسعادة الحقيقية، فكيف نكرههن، وكيف نقتلهن، وبدونهن نحن أصفار يتيمة لا يحسب لنا حساب؟.
فإلى زهرات صعيد مصر البريئات أقول: أبوكن لم يقتلكن، بل قتلكن المجتمع المتخلف الذي يعيش فيه، وجريمتكن، لا تقع عليه وحده، بل على كل من يعتبر المرأة أحط مخلوقات الله، يجب التخلص منها، رغم كونها الوحيدة التي ساواها به بعملية الخلق، وزرع جنة ثانية في أحشائها، ينمو بها الجنين وينعم. وكما قلت في البداية، فلقد حرمت من الأخت، ولكنني وجدتها فيكن يا حبيبات مصر، فأنتن أخواتي وأخوات كل إنسان حر شريف، فإن رفضكن والدكن، فقد قبلتكن الجنة وفتحت لاستقبالكن ذراعيها، فطبن بلقاء الوالد الأكبر، فبكنفه تتساوى مخلوقاته، ويندثر الظلم ويتلاشى.
**
تشارلز وكاميلا.. و(الملكة) دايانا
ما أن فكّ الأمير تشارلز (حزنه) على أم ولديه الأميرة دايانا، حتى بدأت وكالات الانباء العالمية تتناقل قصة حبّه الأسطوري للمطلقة ـ العشيقة كاميلا باركر بولز، التي سلبت قلبه قبل ثلاثين سنة، واتهمتها المرحومة دايانا بأنها وراء تحطيم حياتها الزوجية، كما اتهمته بأنه يريد التخلص منها ليخلو له الجو مع عشيقته المخضرمة.
وها هي الأيام تثبت أن تشارلز لـم يتوقّف عن حب كاميلا، حتى خلال زواجه من دايانا.. وأنه مزمع على الزواج منها في القريب العاجل، بغية تبرير وجودها الدائـم وسط العائلة المالكة، والذي اعتبره البعض غير لائق، لأن تراب الأميرة الراحلة لـم يجف بعد رغم مرور سنوات على وفاتها.
إذن، فكل الشائعات التي صمت الآذان صحيحة، مروراً بخبر قضاء كاميلا الليالي الطوال مع تشارلز في مقر إقامته الرسمي في قصر سانت جايمس، وانتهاء بما أعلنته صحيفة (الصن) اللندنية أن ترتيبات النوم في قصر سانت جايمس ستصدم أولئك الذين ما زالوا يرتدون ثياب الحداد على الأميرة دايانا. كما أن جودي ويد المختصة في شؤون العائلة المالكة، أقرّت في مجلة (هالو) بالحقيقة، وأن كاميلا هي المرأة التي يحبها تشالرز ولن يتخلّى عنها أبداً.
نحن لن نكفل الأمير البريطاني من ناحية التخلي عن كاميلا كما كفلته جودي ويد، فمن تخلى عن أم ولديه لن يرحم أية امرأة أخرى، كما أن تاريخه الحافل بالمغامرات يثبت لنا العكس، ومن منكم لـم يسمع بقصّته مع تلك الفتاة الاسترالية التي طالبته بالاعتراف (بطفلهما).. ذاك الذي أودعه في أحشائها عندما جامعها في إحدى جولاته الاسترالية.
الصحف الانكليزية التي كانت تشتري صورة دايانا بمليون دولار، بدأت تحث الأمير تشارلز على المضي قدماً في هذا الأمر (أي علاقته بكاميلا)، وتذكره بانه تخطى الخمسين من عمره والزمن يمر، (فلا تعطّل تمتعك بإقامة علاقة معلنة بكاميلا)!
ومع ذلك فإن 72 بالمئة من البريطانيين لا يريدونها أن تصبح زوجته، أو بالتحديد ملكة بريطانيا العتيدة، وهذا ما سيحصل بعد زواجه منها، لها تشارلز كرجل، أما لقب (ملكة) فسيبقى من نصيب الليدي دايانا إلى يوم الدينونة، شاء من شاء وأبى من أبى.
وبما أننا نتكلّم بلغة الاحصاء أحب أن أخبركم أن 41 بالمئة من البريطانيين لا يصدّقون الأخبار الرسمية للحادث الذي أودى بحياة أميرة ويلز في 31 آب 1997. ويعتقد 25 بالمئة منهم أن موت الاميرة دايانا جاء نتيجة مؤامرة مدبّرة ومدروسة للتخلص منها.
52 بالمئة يدعمون حصول رجل الاعمال محمد الفايد (والد دودي) على الجنسية البريطانية التي رفضتها وزارة الداخلية عدة مرات.
75 بالمئة يعتبرون ان العائلة المالكة أصبحت على صلة مع الشعب أكثر من السابق. والفضل في ذلك يعود للمرحومة دايانا التي أرعبت الملكية وهزت أركانها.
ولأن الشعب الانكليزي لا يتمسك بالماضي كما يتمسك به العرب، فلقد طالب ثلاثة ارباع البريطانيين أنه آن الأوان لوضع حد (لعبادة دايانا).. فدايانا يجب أن ترقد بسلام، وألف مبروك لأميرهم المغامر بزواج آخر، ولو كان على حساب ما يدفعونه من ضرائب، شرط أن يتنعموا بأخبار العائلة المالكة، وما أكثر فضائحها.
**
ليلة (الدخلة) في القاهرة
من المستحيل أن ينام نزلاء الفنادق الفخمة في القاهرة قبل منتصف الليل. فزفّة العروس ليلة (دخلتها) تبدأ عند الساعة العاشرة والنصف ليلاً، ولا تنتهي إلاّ قرابة الثانية عشرة.
صحيح أن الضجّة لا تصل إلى غرف النوم، ولكن النزلاء، وخاصة السيّاح الأجانب والعرب، ينزلون إلى البهو الكبير في الفندق لمعاينة أجمل عرس شاهدوه على الإطلاق.
ولا يعتقدن أحد من قرّاء (إيلاف) ان الأعراس في القاهرة تتمّ في عطلة الأسبوع فقط، كما يحصل في أستراليا والعديد من الدول الغربية، بل أن الأعراس المصرية تزيّن كل يوم من أيام الاسبوع.
ولأنني كثير الحشرية، قرّرت الإنتقال من فندق الشيرتون الذي أنزل به إلى فندق آخر لأرى إذا كانت الأعراس تدور فيه أيضاً، فاستمتعت هناك بأجمل عرس، قد لا يحصل للامراء، وعندما عدت إلى فندقي كانت الزفة على وشك الانتهاء، فمشيت وراء العروسين حتى باب المطعم.
هذه الأعراس الرائعة كنت عاينتها وتنعمت بها يوم دعيت إلى بغداد للإشتراك بمهرجانات المربد الشعرية عام 1987، فلقد كنت أترك ندوات الأدب والشعر لأحلّق مع الطبّال والزمّار وهما يعزفان أجمل الألحان أمام باب الفندق. كانت الزفّة تبدأ خارجاً، عكس زفّات القاهرة، وكانت الزغاريد تملأ الأجواء، وكان العراقيون يلهبون شوارعهم رقصاً، وكم أتمنى اليوم أن تعود تلك الأعراس، وتلك الزغاريد إلى منازل العراقيين الأحباء الذين فتحوا لي قلوبهم قبل بيوتهم، وغمروني بمحبّتهم خلال إقامتي القصيرة بينهم. وإن أنسى لا أنسى تصفيقهم الحار يوم ألقيت قصيدتي المربديّة (أرض العراق.. أتيتك)، التي طعّمت فصحاها الصارمة بالفلكلور اللبناني، وبتلك الهيهات التي ختموا بها معظم نشراتهم الإخبارية لمدّة أسبوع:
هيهات يا بو الزلف
عيني يا موليّا
بغداد هيَّ القلب
ولبنان عينيّا
فرقة (الزفة) المصرية تتألف من عشرين عازفاً على أقلّ تقدير، يصحبهم راقص أو راقصة، يصطفّون على جانبي الممشى المؤدي إلى المطعم. معظمهم يحملون الدفوف والدربكات، وواحد فقط يعزف على الزمّور البلدي.
معزوفاتهم معروفة، كثيراً ما نسمعها في الأفلام العربية، خاصة تلك التي تقول:
إتمخطري يا حلوه يا زينه
يا وردة حلوة في جنينة
وقد تتعجبّون إذا أخبرتكم أنهم يغنّون الأغنيات، رغم المسافات التي تفصلهم عن بعضهم البعض، بصوت واحد رائع وجميل!
تنزل العروس على درج الفندق، فيستقبلها عريسها، ويصحبها بخطوات بطيئة إلى حيث تصطف الفرقة. ويبدأ العزف والغناء. ويبدأ الرقص.. ويبدأ العرس.. وتبدأ قصّة جديدة من قصص ألف ليلة وليلة.. سرعان ما تنتهي، رغم بقائها في البال، واسترجاعها كل ليلة كما تسترجع الأحلام.
ولكي أرضي قريحتي المندهشة جداً جداً بالزغاريد والأغنيات والموسيقى، كوني لم أكتب كلمة زاحدة طوال إقامتي في القاهرة، كتبت على منديل ورقي هذه القصيدة:
لو لم أزرْ مصرَ
لمل تمكّنت من فهم جمالكِ.
النيل عيناكِ..
وضفّتاه شفتاكِ..
والنخيلُ شعرك..
والأهراماتُ ارتفاع العفّة فوق صدرك..
أما لؤلؤ ثغركِ،
فلقد وجدته يتراقص بإباءٍ على أفواه المصريين.
آه.. كم أنت جميلة يا ابنة مصر!
نصيحتي لزوّار القاهرة. لا تدفعوا قرشاً واحداً من أجل حضور حفلات الطرب.. فأعراس الساعة العاشرة والنصف ستغنيكم عن كل هذا.. ولوجه اللـه.
**
الزواج من دين آخر
إذا أحبتك فتاة من دين آخر، ووثقت بك، وطلقت عائلتها الثائرة لفعلتها (المشينة) لتتزوجك، وتهبك نفسها، تأكد من أنها بطلة، وأن عليك واجب إسعادها، وإهدائها القمر لو طلبته منك. فلو لم تكن الأفضل والأجمل والأكمل لما قفزت فوق الأسلاك الدينية الشائكة، ولما جازفت وسبحت ضد تيارات التخلف القاتلة لتصل إليك وتحضنك وتهمس بأذنيك: أحبك.
الزواج من دين آخر ليس سهلاً، كما يعتقد البعض، وخاصة أولئك الطارقين أبوابه دون دراسة أو اهتمام، فيغررون بالفتاة، ويستدرجونها بالوعود الكاذبة، وعندما تقع ضحية بفخ شهواتهم السادية، يكشفون عن وجوههم البشعة، ويبدأون باستعبادها، ومعاملتها كجارية وليس كزوجة وشريكة حياة ورفيقة درب، تارة يضربونها، وتارة يهددونها ويتوعدونها، وطوراً يشوهون وجهها الجميل، كما حدث لإحدى عارضات الأزياء اللبنانية، كي لا يغرم بها أحد في حال طلاقها منهم، دون أن يؤنبهم ضمير، أو تردعهم إنسانية، أو يخيفهم إيمان، فيسيئوا إلى الدين الذي إليه ينتسبون، وإلى الدين الذي صاهروه، وإلى كل الأزواج الشرفاء السعداء الملقحين بدين آخر.
قبل أن تقدم على خطوة جريئة كهذه، عليك أن تعيش حياة الفتاة التي ترغب الزواج منها بكل تفاصيلها، من الألف إلى الياء، وأن تتفهّم تفهماً راقياً وإنسانياً هذه الأشياء الثلاثة الهامة:
1ـ رغباتها:
طالما أنك اخترت الاقتران بفتاة من غير دينك، وجب عليك احترام رغباتها وتلبيتها، فإن عجزت عن واحدة منها، عدها بتنفيذها في وقت لاحق، واقنعها بأن لا شيء في الدنيا سيحول بينك وبين تنفيذ تلك الرغبة، عندئذ تشعر زوجتك بحبك وحنانك وتفهمك واندفاعك في خدمتها، وتدرك أن من اختارته زوجاً لها، رغم معارضة أهلها وتهديدهم لها، هو فارس أحلامها حقاً، وبطلها المفدى، وزوجها الحبيب الغالي، الذي ترخص حياتها كرمى لعينيه.
2ـ عاداتها:
عادات الفتاة تستمدها مع الزمن من عادات عائلتها الاجتماعية والدينية، ومغشوش من يعتقد أن عاداتنا الشرقية واحدة، يمكن التأقلم معها بسرعة، إذا كان الزوج والزوجة من بيئة واحدة، فلقد أثبتت التجارب أن لكل وطن عاداته، ولكل مدينة أو قرية أو دسكرة عاداتها، ولكل عائلة عاداتها أيضاً، حتى ضمن العائلة الواحدة نجد أن كل فرع منها يفرض عاداته الخاصة على أهل بيته، وما عليك، كقادم على الزواج من دين آخر، إلا دراسة عادات فتاتك، والتأقلم معها قبل الزواج، كي لا تنفر منها ومن عاداتها (السخيفة) بعد الزواج، ويقع المحظور.
3ـ إيمانها المختلف عن إيمانك:
كي تنجح في زواجك من فتاة من غير دينك، عليك أن تتفهم معتقداتها الدينية وأن تحترمها كاحترامك لمعتقداتك، فإذا كانت مسيحية ستردد على مسمعك عبارات لم تسمعها من قبل في بيتك، نحو: يا يسوع المصلوب، يا عذراء مريم، باسم الآب والإبن والروح القدس وغيرها. وإذا كانت مسلمة ستصيح إثر كل ازدراء أو إعجاب: يا محمد.. أو باسم الله الرحمن الرحيم، أو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. إلى آخره. وعليك أن لا تتأفف من ذلك، بل أن تشاطرها إعجابها أو خوفها بعبارات مستقاة من دينك، فيختلط الدينان في دين واحد، أسموه افتخاراً وتحبّباً (دين الحب).
ولا تنس أن تشاطر عائلتها الأفراح والأتراح، وأن تعايدها في أعيادها، لأنك أصبحت فرداً منها.. الأهل سينادونك بالابن الحبيب، والأخوة بالصهر الغالي، والأحفاد بزوج العمة أو الخالة، وتمحى من عقولهم طائفية تجرعوها مع الحليب، إذ أن محبتك لهم ستتغلب على رفضهم لك، كونك من دين آخر، وستربح عليها بالضربة القاضية، وتثبت أن الإنسان أخو الإنسان، شاء من شاء وأبى من أبى.
نصيحة أخيرة: إياك أن تغيّر دين زوجتك أو اسمها، اتركها كما أحببتها أيام العزوبية، لتشعرها أكثر باحترامك لها ولدين آبائها، وأن الله محبة، وبئس من يفرق بين خلائقه.
ما قلته للزوج ينطبق أيضاً على الزوجة، وإلاّ فليبقيا عازبين، أو فليتزوجا من دينهما، كي لا يسيئا إلى الله، وإلى من آمنوا بوحدة خلائقه وأديانه، ونجحوا بتنشئة عائلة إنسانية مشتركة تفخر البشرية بها، وتكون النواة لمجتمع متسامح مشرق كوجهه تعالى.
يقول المثل: من تزوج من ملّة غير ملته وقع في علة غير علته، ويقول الواقع المر الذي نعيشه: إذا لم تتلقح الأديان من بعضها البعض وتتصاهر، ستظل البشرية تلعق دمها، وتتلذذ به، وتعيش أيام جاهليتها. فإذا أقدمتم على خطوة رائدة كهذه كونوا لها. أجل.. كونوا لها.
**
زعماء أشاوس
لبنان، ومنذ بزوغ فجر استقلاله، يعيش تقلبات سياسية موجعة لدرجة قيل معها: كل عشر سنوات هناك حرب أهلية في لبنان. وما نراه اليوم هو امتداد لتلك التقلبات، لن يتغيّر ما لم يتغيّر نظام الحكم الطائفي، وتلتغى المحاصصة الطائفية، وتتلاشى الكانتونات الطائفية.
لبنان، كما نراه مقسم طائفياً، بشكل مقرف، فبمجرد أن تذكر اسم منطقة فيه حتى تنعتها طائفياً، لذلك نجد أن معظم سياسيينا لا يعملون من أجل مصلحة لبنان ككل، بل من أجل مصلحة مناطقهم الضيقة التي تعطيهم القوة والاستمرار.
فبكل الأسف أقول ان لبنان لن ينعم باستقراره، ما لم ينعم باستقلاله، فالتدخلات الأجنبية تتلاعب به كما تتلاعب الرياح بأوراق الأشجار الخريفية، والنعرات الطائفية تقض مضجعه إثر كل غياب شمس، وزعماؤه الأشاوس لا تهمهم سوى مراكزهم، والويل لمن يتطاول عليهم. إنهم جبنة الوطن المعفنة الفاسدة، وعلينا أن نلتهمها باستمرار..
جريمة اغتيال الحريري يجب أن لا تمر دون عقاب، كي لا تحصل جرائم أخرى، قد لا تصيب السياسيين بل أرباب القلم، كما حصل مع مي شدياق، وجبران تويني، وسمير قصير، وسليم اللوزي وغيرهم. ولكنها ليست السبب فيما يحصل بلبنان، لأن لبنان كما قلت سابقاً، مبني على بركان طائفي، ينفث حممه باستمرار، ولن يتمكن متمكن من إخماده ما لم نبنِ المواطن العلماني، الذي لا تهمه أولاً وأخيراً، سوى مصلحة وطنه لبنان.
كما أن اسرائيل ليست بحاجة إلى ذرائع كي تهاجم لبنان، فأرضه مباحة لها ولغيرها، وهنا الطامة الكبرى.. إذ كيف يقبل لبنان على انفراج سياسي وأمني واقتصادي واجتماعي، وكل من فيه، وكل من حوله، أعداء له، وإن اختلفت التسميات.
لقد قال أحدهم: إنقاذ لبنان لن يتم إلا بإعجوبة، وأعتقد أن هذه الأعجوبة لن تتم إلا بأيدي الشرفاء من أبنائه، فتعالوا نعمل بإخلاص من أجل إنقاذه. إنه وطننا الذي لا وطن لنا في الشرق إلاه. له نتطلع وبه نحلم، ومن أجله نشدو ونكتب وندمع.
**