قصائد ديوان أوزان بصوت الشاعر شربل بعيني
بيروتُ يا بَيْروتُ.. لا تَتَرَدَّدِي
قولي: أحبُّكَ.. كَيْ يُعانِقَني غَدي
لَوْ تَعْلَمينَ كَمْ يُؤَرّقُني النَّوى
لَفَتَحْتِ حُضْنَكِ واخْتَزَلْتِ تَشَرُّدي
أَمْضَيْتُ عُمْرِي كالرياحِ مُشَرَّداً
لكنَّ وجْهَكِ كانَ دَوْماً مَقْصَدي
واعَدْتِنِي!.. ما زِلْتُ أَنْتَظِرُ اللِّقا
وَتَتُوقُ نَفْسِي لاحْتِضانِ الفَرْقَدِ
تَحْنُو إلى لَمْسِ النُّجومِ أناملي
هَلْ فِي الفَضاءِ يَكونُ أَوَّلُ مَوْعِدِ؟
منذُ احْتَرَفْتُ النُّطْقَ أنتِ قصيدتي
هَيَّا انْشُدي.. ما الشّعرُ إن لَمْ تُنشِدي؟
شَعَّتْ فُنُونُكِ كالشُّموسِ تَأَلُّقاً
هُمْ قَلّدوكي.. وأنتِ لَمْ تَتَقَلّدي
نامتْ حروفي واستفاقَتْ أَنْجُماً
يا دُرَّةَ الإبداعِ.. إِسْمُكِ سُؤدَدي
كلُّ الْمَدائِنِ ضيّعَتْ عِنْوانَها
إلاّكِ يا بيروتُ.. يا وَشْمَ الْيَدِ
الدّينُ عندَكِ رَحْمَةٌ ومَحَبَّةٌ
مَنْ ذا يلُومُ إذا اتَّخَذْتُكِ مَعْبَدي؟
سَجَدَتْ مدائنُ لِلطّغاةِ تَمَلُّقاً
إلاّ لربّ الكونِ.. لا لَمْ تَسْجُدي
أخْفَتْ تَواريخُ الشّعوبِ نُصوصَها
لَمّا رأتْ فيكِ احْتِفالَ تَمَجُّدي
إنّي أُحِبُّكِ.. منذُ أَشْرَقَ مَبْسَمي:
كُنْتِ الغرامَ وكانَ حُبُّكِ سيِّدي
**
القدس
يا ديارَ القدسِ يا مهدَ الضياءْ
أخبريني كيف جاءَ الأنبياء؟
أنتِ للدنيا نعيمٌ مُشرقٌ
قُبلةٌ.. حينَ ابتهالُ الأتقياءْ
إنْ دعوتُ اللهَ.. أدعو خاشعاً
في ربوعِ الحقّ يختالُ الدُّعاءْ
مُدُنٌ تُبنى.. فيخبو نورُها
وتُعيدينَ تَواريخَ البقاءْ
منذ أجيالٍ.. وأنتِ المرتجى
يا رجائي.. كيفَ يأتيكِ الفناءْ؟!
إسمُكِ القدوسُ أضحى غنوةً
تتسامى فوقَ ثغرِ الأنقياءْ
ليس يشفي الطبُّ إنْ حلَّ البلا
لمسةٌ منكِ.. فيأتينا الدواءْ
آهِ يا ترنيمةً القلبِ النقيْ
مغرمٌ فيك، وفي الصدرِ شقاءْ
إن تكلّمتُ.. كلامي موجعٌ:
كيفَ أصبحْنا شعوباً تُعساء؟
كانت الأمجادُ ترنو حولنا
فتخاصمنا خصامَ البلهاءْ
قد مسحتُ الدمعَ عنْ خديَّ كيْ
لا تقولي إنني أهوى البكاءْ
أنا إبنُ القدسِ.. منْ مثلي أنا؟
يتغنّى بوجودي العظماءْ
**
بغداد
بَغْدادُ أنْتِ حَبيبتِي.. لا تَخْجَلي
منذُ الوُجُودِ، خُلِقْتِ يا بَغْدادُ لي
أحْبَبْتُ وَجْهَكِ.. وَالْغَرامُ حِكايَةٌ
مِثْلَ الدِّماءِ تَدَفَّقَتْ بِمَفاصِلي
لَوَّنْتُ بِالشَّفَقِ الْجَميل شَوارِعاً
خِلْتُ الشَّوارِعَ أمْسَكَتْ بِأنامِلي
كَمْ مِنْ قَصائدِ حُبِّنا غَنّى الْهَوَا
وَتَشامَخَتْ فَوْقَ الرُّبوعِ مَنازِلي
قَسَماً بِحُبِّكِ.. إنْ تَكَحَّلَ مَوْطِنٌ
إلا بِدَمْعِ الْعَيْنِ لَنْ تَتَكَحَّلي
لا لَسْتُ أَنْسى يَوْمَ جِئْتُكِ مُغْرَماً
وَتَراقَصَتْ قُرْبَ الفُراتِ جَداوِلي
وَتَهامَسَتْ أَمْواجُ دِجْلَةَ: ها أنا
ماءُ السَّعادَةِ.. غُبَّنِي بِتَمَهُّلِ
أَوْدَعْتُ فيكِ طُفولَةً يَحْلو لَها
أن تَسْتَبيحَ عَواطِفي وَتَأَمُّلي
إسْمِي على شَفَةِ الصباحِ كَتَبْتُهُ
إبْنُ العراقِ أنا.. أنا.. إنْ تَسْأَلِي
مَهْما ابْتَعَدْتُ.. لَنْ أُطيلَ تَشَرُّدي
فَتَأَلّقي، وَتَزَيّنِي، وتَدَلَّلِي
إِنِّي أُصَدِّقُ بَيْتَ شِعْرٍ رائِعِ:
"ما الْحُبُّ إلاّ لِلْحَبيبِ الأوَّلِ"
**
يا مصر
يا مصرُ أنتِ الأُمُّ.. يا أُمّي اسْمَعي
منْ كثْرَة الأشواق ضاقتْ أضلـُعي
ما كلُّ هذا النيلِ نهرٌ واحدٌ
فلقد وهبتُ النيلَ مَجْرى أدْمُعي
لو باحتِ الأهْرامُ بالحبِّ النقيْ
لعَلِمْتِ أنَّ القلبَ لمْ يرحلْ معي
إبنُ المَهاجرِ غارقٌ في حزنِهِ
منذُ احتضنتُ الأرضَ غابَ توجُّعي
شَعَّتْ على ثغـْر الأحبّةِ بَسْمَةٌ
خِلْتُ النجومَ تـساقطتْ بتـَسَرُّعِ
يا أمَّ دُنيا.. هل صحيحٌ ما أرى؟
هل تسمعُ البلدانُ صوتَ تضرّعي؟
مدّي اليدينِ إلى الحبيبِ ترفـُّقاً
من ليسَ يأتي المجدَ.. ليْسَ بمُبْدعِ
ها قد سكبْتُ الحبَّ عِطْرَ قصيدةٍ
فتنعّمي بالحُبِّ، ثمَّ تدلّعي..
الشمسُ غابتْ والعروبةُ أظلمتْ
من أين يأتي النورُ إن لمْ تسطعي؟
أنتِ القوِيّةُ.. إنْ تطفـَّلَ حاقدٌ
فالنّسرُ يحمي الأرضَ كي تتربَّعي
يا مصرُ أنتِ الحرفُ والفنُّ معاً
ألحانـُكِ الغنّاءُ أغنتْ مسمعي
كلُّ البلابلِ في ربوعكِ أنشدَتْ
والكونُ يُصغي في الجهاتِ الأربعِ
إنّي أحبّكِ.. قلتُها متشرّداً
واليومَ جئتُ أقولُها بتخشّعِ
كوني كما أنتِ احْتِضانَ أُمومَةٍ
مَنْ يجمعُ الأبناءَ.. إن لمْ تجمَعي؟
**
عمّان
حُيّيتِ يا عَمّانُ.. يا نَغَمي
يا أَجْمَلَ الأَسْماءِ فَوْقَ فَمي
أَهْدَيْتُكِ الأَشْعارَ ساجِدَةً
مِنْ كلّ بيتٍ يَرْتَوي قلمي
الشّوقُ أضْنَى مُهْجَتي زَمَناً
خِلْتُ النَّوى يَقْتاتُ من سَأمِي
أَغْفُو على أملِ الرُّجوعِ.. متى
أَصْحو هُنا.. مُسْتَنْهِضاً هِمَمي؟
شمسُ الصباحِ أَغاظها نَدَمٌ
لمّا فَلَشْتُ أَمامَها ندَمي
يا أُرْدُنَ الأَحْبابِ هاتِ يداً
كالسّحرِ تَمْحُو غُرْبَةَ الأَلَـمِ
أشبالُكَ.. الأَمْجادُ تَعْرِفُهُمْ
أسماؤهُمْ أَرْقَى منَ الْكِلَمِ
النّارُ لا تَقْوَى على بَطَلٍ
أَقوى من الإرهابِ والعَدَمِ
صارتْ حُبَيْباتُ النَّدَى لَهَباً
حِينَ افْتَدى أَوْطانَه بِدَمِ
هذا حبيبي.. قالَها وَبَكى
ما هَمَّني إِنْ مُتُّ يا عَلَمي
أَبْغِيكَ مَجْداً مُفْرِحاً أَبَداً
تَخْتالُ بينَ الزَّهْرِ والْقِمَمِ
الشّعبُ شَعْبِي.. والشّهيدُ أنا
عرشُ الثُّريّا مُنْتَهى حُلـُمي
عزْمي شديدٌ، واثِقٌ، وغدي
قدْ حَطَّمَ الآهاتِ بالحِمَمِ
إِبْنُ الْعُروبَةِ وجهُهُ مطرٌ
لَنْ تَغْلِبَ الإيمانَ يا صَنَمي
خَبِّرْ.. أنا آتٍ إلى مُدُنٍ
أَحْبَبْتُها.. أَوْدَعْتُها قِيَمِي
آتٍ إلى عَمّانَ مِنْ تَعَبي
قولي: هَلا.. يا زينة الأُمَمِ
**
مزرعة الشوف
هذي الربوعُ الخضرُ "مزرعتي"
أعطتْ حياتي إسمَ عائلتي
"الشّوفُ" فيها مغرمٌ وأنا
أهدي إليها شمعَ أدعيتي
ما همّني دينٌ ولا وطنٌ
تجري دماها ضمنَ أوردتي
الأهلُ أهلي والحبيبُ ثرىً
رشّ الثّريّا فوق أوديتي
ساحاتها، وسهولها سكني
والماء يجري عبر أقنيتي
لا، لم أجاملْ حين قلتُ لها:
لن أرتدي ألوانَ أقنعتي
هذا أنا، يا شوفُ، هل ندمٌ
يكفي، لأنصبَ فيكَ أقبيتي
آتٍ كما الأطفالُ من سفرٍ
متلهّفاً، والريحُ أشرعتي
إنّي "بُعَيْنِيُّ" الهوى أبداً
أودعت فيها قدسَ أتربتي
يا "مجدليا" سجّلي فرحي
إلاّ لها لم تعلُ قبّعتي
**
عراقية
إذا كانت شعوبُ الضّادِ أُميّه
ستغزوها مَطبّاتٌ جُنونيّه
وتنمو فوق أعناقٍ وأبدانٍ
فقاقيعٌ وأدرانٌ خُرافيّه
علينا أن نُداويها ونَحميها
فكلُّ العارِ أن تبْقى سَرابيّه
وكلُّ العارِ أن تحيا بأخلاقٍ
جنونٌ أن نُسمّيها تراثيه
أيا أرضاً هجرناها زرافاتٍ
محونا الإسمَ كي نُلغي العروبيّه
سئِمْناها، كشفناها، رفضناها،
لمسناها، وجدناها لُعابيّه
تركناها، ولم يبقَ سوى باغٍ
وقطعانٌ من الإهمالِ مَنسيّه
عصاه تُلهِبُ الأكتافَ ضرْباتٍ
وصرخاتٍ.. لكيْ تحمي الحراميّه
أسالَ الدمعَ كي يمحُو مذلاّتٍ
ويُخفِي لُعبَةً بالسرِّ دينيّه
فأصبحنا ألاعيباً بأسماءٍ
مسيحيه، وسنيّه، وشيعيّه
رمانا في جيوبِ الغشّ دولاراً
ليبتاعَ الوزاراتِ السياسيّه
وأفتى أن يُذيقَ الشّعبَ آلاماً
جُنُوبيَّ المآقي أم شِماليّا
أنا المنبوذُ يا أرضي، فهل تحنو
على الأرزاتِ أنسامٌ إلهيّه؟
وهل تبكي على إنسانِنا عينٌ
وقد أضحتْ نيرانُ الحربِ شاميه؟
فَكَمْ في النيلِ دمعٌ من مآقينا
وَكَمْ في الحَلْقِ آهاتٌ فُراتيه؟
نزفنا هجْرنا فنّاً وآداباً
وعاداتٍ وصفناها بشرقيّه
تعبنا كي يظلَّ الفكرُ مسؤولاً
عن الشّعبِ الذي دُنياهُ مَسْبيّه
عنِ الشعبِ الذي بالسّجنِ مَرمِيٌّ
كما الأحكامُ بالأوحالِ مَرميّه
هنا الإعلامُ يُعطينا بلا غدْرٍ
ليغدُو الشعرُ أبياتاً عِصاميه
هنا الإعلامُ يُعطينا إضاءاتٍ
ليبقى العقلُ بالأخلاقِ مُضويّا
هنا الإعلامُ يُعطينا مساحاتٍ
مِنَ الحُرِيَّةِ البيضاءِ.. حُريَّه
يَطيرُ الحرفُ في عَليائه نَسراً
إذا ضمَّتْهُ أوراقٌ ربيعيَّه
شمُوعُ العيدِ أقلامي وأحْلامي
فهلْ تُهدَى من الأحْلامِ عيديّه؟
وهلْ يرنو إلى الأوتار قيثارٌ
ولحنُ العيدِ بالأوطانِ ناريّا؟
مُوَفَّقْ.. لا تقُلْ: شمْعاتُها عشرٌ
فمنْ أعْمارنا نُعْطي "العراقيه"
أعيدُ الإسمَ، عنْ قصْدٍ، لكيْ أشدو:
عراقيّه، عراقيّه، عراقيّه
**
حبيبي من مصر
إعزف حبيبي، لا تخف من جمعنا
فالنايُ توّاقٌ إلى صوتي أنا
إشتقتُ للعزفِ الجميلِ المنتقى
مثل الدراري منْ عطايا فننا
من رنّة الأنغام لمّا أنتشي
قد تنشي من رقصتي هذي الدنى
من أين جئت اليومَ يا حُبّي؟.. فهلْ
جئتم إلينا، مُغرماً، من مِصْرِنا؟
أمْ هلْ حملتم من ثراها حِفنةً
كي يمزُجوها في ثرى أجسادِنا
قل لي إذا اشتاقتْ لنا أهرامُنا
قل لي إذا أخبرتَها عن حبّنا
والنيلُ هل وشوشتَه عن إبنة
في قلبها من مائه نبعُ الهنا
مِصرُ العطايا زهرةٌ فوّاحةٌ
من أرضها الخضراء كم يحلو الجَنى
تعطي كأنَّ الكفَّ كرْمٌ مذهلٌ
فوق الغصونِ الخضرِ أثمارُ المُنى
بستانُها قصرٌ، ولكن من شذا
أزهارُه فاحتْ ليحلو هجرُنا
أفضالُها قد ننحني من ثقلِها
لكنّها عند العطايا فخرُنا
إعزفْ لنا، خلِّ الدُّنى، مجنونةً
خلفَ الجنونِ الحلوِ نُخفي حزنَنا
إعزف لنا لحنَ الخلودِ الأطرشيْ
إعزفْ لعبدٍ أو أعِدْ كلثومَنا
أرزاتُنا عملاقةٌ فوق الربى
من فيئها خذْ لحنَنا والميجانا
أهلاً بكم.. في هجرِنا قد لا ترى
غيرَ القلوبِ البيضِ تحيي مجدَنا
مهما ابتعدتم، يا حبيبي، لا تخفْ
أنتمْ هنا، في قلبنا، أنتم هنا
**
سلطان باشا
عندَ البطولةِ ردّدي
إسمَ العظيمِ وغرّدي
يا أمّةً يحلو لها
صوتَ الرّدى.. وتشرّدي
حيي بشعرك فارساً
طردَ العدى بمهندِ
أعلى الجبال تضمّه
للأرض غنّي وانشدي
أحنت فرنسا رأسها
حين التقتْ بموحّدِ
لا لست أنسى صرخةً
فيها لهيبُ تمجّدي:
لنْ يبقى غازٍ بيننا
يا أرضَ أجدادي اشْهدي
سلطانُ باشا مجدهُ
دخلَ الزمان بسؤددِ
من مثلُهُ صانَ الحمى
لتشعَّ شمسٌ في غدي
يا أجملَ الأسماءِ قلْ
منْ شلّ أعصابَ اليدِ؟
منْ شرّدَ الشعبَ الذي
أوصلتَهُ للفرقدِ؟
إني أنادي "أطرشاً"
كي تستجيبَ معابدي
فالكفرُ اضحى سيداً
واللهُ وحدَه سيّدي
**
الى أمي
أيا أمّاهُ.. ما بَرِحَ الرّحيلُ
يُدّمرُني.. أنا قلبي عليلُ
أعيشُ الهجرَ سَكراناً بدمعي
ظلامُ الليلِ أرّقه الْعويلُ
أجلْ أشتاقُ للحُبّ المُصفَّى
لضحْكةِ ثغرِكِ الجذلى أميلُ
أريدُ الزّندَ يغمرُني بعطفٍ
وَدِفْءَ الصّدرِ غَفْواتي يُطيلُ
لقدْ كُنْتِ الحياةَ لكلّ طفلٍ
رعيلٌ يَنْزوي.. يأتي رعيلُ
شعوبُ الأرضِ قدْ أهدتكِ مجداً
شبيهُ الأمّ، يا أمي، قليلُ
رأيتُ الناسَ تفتخرُ بطولٍ
وطولُك، كم تَمنّاه النخيلُ
حبيبُ الزّهرِ إنْ أعطوْهُ إسْماً
فزهرُ الأمّ للدنيا خليلُ
إذا قلتُ الإلهَ.. أقولُ أمّي
فعندي حبُّها ربٌّ جليلُ
وعندي حُضنُها جنّاتُ خُلْدٍ
لماذا الهجرُ، يا ربّي، طويلُ؟
أعِدْني.. لا تُطِلّْ فيَّ اشْتياقاً
جميلٌ قربُها منّي.. جميلُ
**
لا لم تمتْ
لا لمْ تمُتْ.. فالإسمُ حيّ بيننا
متشامخٌ.. يجتازُ كلَّ الأمكنه
شعّتْ بـ "سدني" نخبةٌ مختارةٌ
أعطتْكَ أمجادَ المدى والأزمنه
"عبدُ الوهَابِ" حبيبُها في غربةٍ
أهدَتكَ قلباً أخضراً كي تسكنا
من غيرُك الأجيالُ تروي شعرَهُ
كي يغمرَ الحرفُ الجميلُ الأعينا؟
فحّت بقربكَ ألسُنٌ مسمومةٌ
فلَجَمْتَ بالخُلُقِ الرفيعِ الألسُنا
وأذاقَك الحسّادُ ظلماً موجعاً
فهَزَمْتَهم.. وكشفتَ وجهَ المَلعنه
مرضى.. ولكن مَنْ يُداوي خبثَهُمْ؟
كفرتْ بهم شمسُ العقولِ المؤمنه
كلٌ يريدُ الأوّليّةَ مركزاً
يبغي امتطاءَ شعوبِنا كالأحْصِنه
يتسابقُ المغرورُ نحو مناصبٍ
من كثرةِ الأطماعِ صارتْ مُنتنه
يُعطيكَ سِناً.. إنْ رفعتَ لِواءَهُ
وإذا رفضتَ.. فمنه تأتي الشيطنه
يا "ابْنَ البيَاتيْ".. لا تسلْ عن مُمكنٍ
أشعارُكَ العصماءُ ليست مُمكنه
أنت العظيمُ المبدعُ الشّهمُ القويْ
إن لمْ تصدّق صرختي.. أنظرْ هنا
جاؤوا إليكَ اليومَ باركْ جمعَهم
متحررينَ كما النوايا المُعْلَنه
حدّقْ بهم.. قممُ الجبالِ جباهُهُمْ
والجبهةُ الشمّاءُ تأبى الهَيْمَنه
مثلَ اليتامى جئتُ أبكي صاحباً
يا دمعةَ الأشعارِ كوني محزنه
إني على جمرِ المحبّةِ أكتوي
هذا أنا.. هل زلتَ تذكرُ من أنا؟
**
بغداد الاعلام
بغدادُ أنتِ الحرفُ والقلمُ
رُحماكِ.. كيف اجتاحكِ الألمُ؟
كلُّ الحروبِ السّودِ إندثرتْ
لو لمْ تعودي ضاعتِ الأممُ
ها أنتِ عدتِ اليومَ شامخةً
لا كانتِ الأهوالُ والحممُ
يا درّةَ النهرينِ هل وطنٌ
إلاكِ يخشى إسمَه العدمُ؟
نورُ الصحافةِ منْ تفنُّننا
والشعرُ والآدابُ والحِكمُ
والعزفُ لولانا بلا وترٍ
والصوتُ لا يرنو له النّغمُ
تاريخُنا ما زالَ مرجعَنا
منهُ اغتنينا واغتنى القِدمُ
"جمعيّةُ النّهضَهْ" بمهجرنا
تسمو بها الأعمالُ والكِلَمُ
جمعيّةٌ شمّاءُ في بلدٍ
مثلَ النّدى ترتادُه النّعمُ
هذا أنا معْ "نهضةٍ" كبرتْ
جئنا، لعلَّ الثغرَ يبتسمُ
نحن الحيارى بعدُنا سقمٌ
من نظرةٍ قد ينتهي السّقمُ
منْ مثلنا غنّاكِ في سفرٍ
من شعرنا قد ينطقُ الصّنمُ
واللهِ يا بغدادُ أنتِ معي
حين التقيتُكِ عافني السّأَمُ
لا تحزني يأتيكِ من فَرَجٍ
خيرٌ كثيرٌ، قالتِ الدِّيَمُ
بغدادُ للإعلامِ! وافرحي
منّا إلينا عادتِ القِيَمُ
أنتِ الثّقافةُ يا مدينتَنا
علّي.. ليعلُو فوقَك العلمُ
**
أَديب غريب
تَغْفو.. وَفِي الْعَيْنَيْنِ طَيْرٌ أَزْرَقُ
بِرِياشِهِ الْمَلْساءِ بَدْرٌ مُشْرِقُ
يَخْتالُ في نَبَضاتِهِ فَرَحُ الدُّجَى
وَعَلَى مَسامِعِهِ الْمَدائِحُ تُهْرَقُ
بِجَمالِهِ، ما صاغَ رَبُّكَ طائِراً
وَبِحُبِّهِ بَوْحُ الزَّمانِ مُعَلَّقُ
هَذا الْغَريبُ الْمُستَنيرُ بِفِكْرِهِ
شِعْرٌ يُضَمِّخُهُ الشَّذا والزَّنْبَقُ
أَحْبابُهُ، عُدَّ الدَّقائِقَ وَاسْتَرِحْ
فَتَرَى الْمَطارِحَ بِالْغَريبِ تُحَدِّقُ
لا تَحْسَبَنَّ الْهَجْرَ يَرْفَعُ قَدْرَهُ
فالأَرْضُ وَقْعَ حُروفِهِ تَتَعَشَّقُ
قَبْلَ ارْتِحالٍ كَمْ تَمَنَّتْهُ الرُّبَى
مَطَراً.. وَحُلْماً أَخْضَراً يَتَفَتَّقُ
هَمَسَتْ بِهِ وَقَدِ انْتَشَتْ أَطْرافُهُ:
عُدْ يا حَبيبي، فَالنَّدى لا يُحْرَقُ
ما هَمَّهُ.. نَزَفَ الإباءَ قَصيدَةً
وَعَلى مَعانِيهِ تَعَمْلَقَ بَيْرَقُ
أَحْلامُهُ وِسْعُ الْمَدى ، وَحَنينُهُ
أَلَمٌ يُعَشِّشُ بِالْحَشَا وَتَحَرُّقُ
وَهَبَ الْهَناءَ خُصومَهُ.. فَتَهامَسوا
وَتَآمَروا وَتَوَعَّدوا وَتَمَزَّقوا
لا شَيْءَ يَدْفَعُهُمْ إلى رَكْبِ الرَّدَى
لَوْ ما الرَّذيلَةُ أَوْمَأَتْ كَيْ يَخْلُقوا
مَنْ قالَ: يُنْقِذُهُمْ صَباحُ طُفولَةٍ
مِنْ غِيِّهِمْ، وَشُموسُهُمْ لا تُشْرِقُ؟
جالوا.. فَأَفْنوا زَرْعَنا وَعِيالَنا
وَبِزِقِّنا خَلَّ الزَّعامَةِ عَتَّقوا
وَلَقَدْ شَعَرْتُ بِحُبِّهِ وَحَنانِهِ
يا حَبَّذا لَوْ مِنْ هَواهُ تَنَشَّقوا
كانوا الفَضيلَةَ، دونَ قَصْدٍ، مارَسوا
وَتَلَقَّحوا بِالْحُبِّ، ثُمَّ تَذَوَّقوا
لَيْسَتْ بِأَيَّامٍ تُقاسُ حَياتُنا
وَمَعَ الصَّباحِ بِعُمْرِنا نَتَصَدَّقُ
شُعَراؤنا، أُدَباؤنا، نُقَّادُنا
غَزَلوا الْبَراءَةَ مشْلَحاً وَتَنَمَّقوا
رَدُّوا الْقَصائِدَ لِلْمَضارِبِ، هَمُّهُمْ
أَنْ لا يُفَرِّطَ بِالأَصالَةِ أَحْمَقُ
مِجْذافُهُمْ كَفٌّ تُرَوِّضُ هَجْرَهُمْ
وَعَلَى أَصابِعِهِم تَرَنَّحَ زَوْرَقُ
يا ابْنَ العُروبَةِ لا تَسَلْ فَعُيونُهُمْ
تَزْدادُ سِحْراً عِنْدَما تَتَأَرَّقُ
فَاكْتُبْ، أَديبـي، لا تَخَفْ أُرْجوزَةً
سَئِمَ الْمَغيبُ سَماعَها والْمَشْرِقُ
أَنْشِدْ، أَعانَكَ خالِقي، في غُرْبَةٍ
فَلَعَلَّكَ الإنسانَ فيها تُعْتِقُ.
**
دعوة أم
هَذِي يَدِي مَدَدْتُهَا كَدَعْوَتِي
لِتَعْبُرُوا مِنْ حُزْنِكُمْ لِفَرْحَتِي
ضَاقَتْ دُروبُ الْعُمْرِ مِنْ تِرْحالِكُمْ
وَالْهَجْرُ يُخْفِي دَمْعَكُمْ فِي مُقْلَتِي
أَفْلاذَ قَلْبِي.. لا تُذِيقُوني النَّوَى
مَنْ غَيْرُكُمْ تَزْدانُ فِيهِ صَحْوَتي!؟
أَلَمْ تَرَوْا شَيْبِي يُعادي مَفْرِقِي
وَالْخَدَّ تُرْدِيهِ شَظايا دَمْعَتي؟
أَلَمْ تَرَوْا سَيْرِي بَطِيئاً مُتْعَباً
وَالصَّدْرَ يَعْلُو حِينَ تَعْلُو أَنَّتِي؟
عُودُوا لِحِضْنٍ لَنْ تُلاقُوا مِثْلَهُ
إلاَّ إِذَا جِئْتُمْ رُبُوعَ جَنَّتِي
حُلْمِي الْوَحِيدُ أَنْ أَرَى أَطْفَالَكُمْ
وَأَنْ تَضِجَّ بِالصُّرَاخِ خَيْمَتِي
كُلُّ الْصُّراخِ الْمُسْتَحَبِّ صَامِتٌ
وَالصَّمْتُ وَهْمٌ قَدْ يُطِيلُ صَرْخَتِي
يَغْتاظُ بَيْتِي مِنْ غُبارِ بُعْدِهِمْ
وَتَنْزَوِي مِنْ دُونِهِمْ مَحَبَّتِي
أَطْفَالُكُمْ رُوحي وَآمالُ غَدِي
وَبَهْجَتِي إِنْ تَمْتَمُوا: يَا جَدَّتِي
لا تَحْرِمُوني مِنْ عَطايا خالِقِي
لا تَحْبِسُوني في مَرايا وِحْشَتِي
هُمْ أَيْمَنِي وَأَيْسَري وَالْمُرْتَجَى
وَهُمْ عُيُوني وَارْتِياحُ نَظْرَتي
رُسُومُهُمْ أَنَمْتُها عَلَى يَدي
لِتَرْتَوِي مِنْ عِطْرِهِمْ وِسَادَتي
وَتَزْدهِي بِظِلِّهِمْ شَراشِفِي
وَتَنْتَشِي أَنامِلِي وَقُبْلَتِي
ما هَمَّني.. إِنْ أَرَّقَتْنِي صُورَةٌ
فَاللـهُ يَغْفُو فِي زَوايا غُرْفَتِي
**
نجمة الشعر
مَجْدُ أَمْسِي.. هَلْ سَيَنْسَاهُ غَدِي؟!
لَيْسَ يَنْسى الْهَجْرُ ما أَعْطَتْ يدي
لَيْتَنِي كُنْتُ نُجُوماً فِي الْفَضا
يَتَباهَى بِشُعاعي بَلَدِي
نَجْمَةُ الشِّعْرِ إِذَا ضَيَّعْتَها
قَدْ تُلاقيها بِحُضْنِ الْفَرْقَدِ
لَيْتَنِي كُنْتُ حَريراً ناعماً
كَيْ أَغيظَنَّ غُرورَ الْمِبْرَدِ
فِي رُبَى لُبْنانَ رَوَّضْتُ الْمَدَى
بَعْدَما خَطَّتْ ثُلُوجِي مَوْرِدِي
وَبِظِلِّ الأَرْزِ عانَقْتُ الْهَنا
وَتَرَكْتُ الصَّخْرَ يَبْنِي مَقْعَدِي
يَتَدَلَّى الْخَيْرُ مِنْ عِرْزالِنا
وَيَؤُمُّ الطَّيْرُ أبْهَى مَعْبَدِ
حِكَمٌ لا تَنْتَهِي عَايَشْتُها
إِيهِ ما أغنى لِسانَ الْوالِدِ:
إِنْ تَعِشْ دُنْياكَ لَمْ تَنْعَمْ بِها
شَتَمَتْ مَلْقاكَ طُولَ الأَبَدِ
قِيل فِي النَّارِ انْصهارٌ دائِمٌ
لَيْتَ هذا في الصَّقيعِ الْبارِدِ
كُلُّ شِعْرٍ لا يُوَعِّي عصرَهُ
صارَ جَمْراً فِي زَوايا الْمَوْقِدِ
قَدْ يُشِعُّ الْحَرْفُ فِي زَنْزانَةٍ
تُصْبِحُ الْقَصْرَ لِفِكْرٍ خالِدِ
مَنْ يُصَلِّي خَائِفاً مِنْ رَبِّهِ
لَيْسَ أَتْقَى مِنْ مُحِبٍّ مُلْحِدِ
مُعْطَياتُ الْحُبِّ نَصْرٌ مُفْرِحٌ
أَيُّ ذُلٍّ في فُؤادِ الْحاقِدِ؟
حاسِدِي.. لَنْ يَقْتَنِي مَجْدَ الْعُلَى
أَرذل الأعمار عمر الحاسدِ
لن يُقالَ الهرُّ أَضْحَى أسداً
وَلَوِ اخْتالَ بِجِلْدِ الأَسَدِ
كَمْ شَريفٍ خِلْتَهُ أُمْثُولَةً
كانَ ذِئباً خَلْفَ بابٍ مُوصَدِ
جَسَدُ الأُنْثَى إِذَا عَرَّيْتَهُ
لَنْ تَرَى فِيهِ جَمالَ الْجَسَدِ
وَطَنِي.. لَنْ أَشْتَكي طُولَ الضَّنَى
رَغْمَ بُعْدِي، لَمْ أَزَلْ فِي مَرْقَدِي
قَدْ حَمَلْتُ الأَرْضَ فِي شِعْرِي وَفِي
بُؤبُؤ الْعَيْنِ الْغَرِيبِ الْمُجْهَدِ
غُرْبَتِي.. نَارُ اشْتِياقٍ مُؤلِمٍ
وَرُجُوعِي.. بَوْحُ أَحْلَى مَوْعِدِ
**
ماذا دهاك؟
مَاذَا دَهَاكَ الْيَوْمَ يَا وَطَنِي
تَحْيَا زَماناً خارجَ الزَّمَنِ؟!
أَطْفِىءْ مَعِي حِقْداً يَنُزُّ دَماً
كَيْ أَطْرُدَ الشَّيْطانَ مِنْ عَدَنِي
شَيْطانُ أَرْضِي تاجِرٌ جَشِعٌ
يَخْتَالُ فِي سَـحائِبِ التُّتُنِ
أَوْزانُهُ، ما هَمُّ، ناقِصَةٌ
زَانَ الْغِنَى، وَالدِّينَ لَمْ يَزِنِ
دُولارُهُ جُوعُ الْفَقِيرِ بِهِ
تَبّاً لَهُ مِنْ تاجِرٍ بَطِنِ
عَلَّقْتُ قلْبِي في الدُّجَى قَمَراً
مُسْتَعْرِباً، أَوْدَعْتُهُ شَجَنِي
وَاحْتَكَّ شِعْرِي بِالرِّياحِ فَها
جَتْ تَنْفُخُ النِّيرانَ فِي مِحَنِي
جُبْتُ الْفَيَافِي قُبْلَتِي جَبَلٌ
تَصْبُو إِلَيْهِ سُرْعَةُ السُّفُنِ
عَمَّرْتُ فَوْق الْمَوْجِ دَسْكَرَةً
حَنَّتْ إِلَيْها زَهْرَةُ الْمُدُنِ
لا أَبْتَغِي مِنْ حاضِري أَمَلاً
إِنْ لَمْ أُسَمِّرْ فِي الرُّبَى سَكَنِي
آمَنْتُ.. آمِنْ مِثْلِي يا وَطَناً
حُكَّامُهُ مِنْ مُتْحَفٍ وَثَنِي
أَلرَّبُّ مِلْءُ الضَّوْءِ.. وَيْحَهُمُو
غَرْقَى بِبَحْرِ الْكُفْرِ وَالْعَفَنِ
شَعْبُ الْوَرَى أَثْمانُهُ ذَهَبٌ
لكِنَّ شَعْبِي فَاقِدُ الثَّمَنِ
عَيْنِي رَأَتْكَ الْوِلْفَ.. لا عَجَبٌ
إِذَا هَوَتْكَ وَانْتَشَتْ أُذُنِي
أَحْبَبْتُكَ الْعُمْرَيْنِ.. هَلْ وَلَهٌ
أهْداكَ عُمْراً جالَ فِي الْبَدَنِ؟
صَانَتْهُ رُوحِي مُنْذُ تَنْشِئَتِي
ماذَا دَهاكَ الْحُبَّ لَمْ تَصُنِ؟!
خُذ عُمْريَ الْباقِي فلا وطنٌ
يَحْلُو.. وَلمْ يَحْضُنْ ثَرَى كَفَنِي
**
يوم رحلينا
إِنْ يَأْتِ، يا أُخْتاهُ، يَوْمُ رَحِيلِنَا
عَنْ هَذِهِ الأَرْضِ الَّتي هَنِئَتْ بِنَا
لا تَجْزَعِي، ما هَذِهِ الدُّنْيَا لَنَا
نَحْنُ السَّماءُ رُبُوعُنَا، مَرْجُ السَّنَا
قَدْ كُنْتِ "كَوْناً" فِي بِدَايَةِ لَفْظَةٍ
وَرَبِيعَ دَيْرٍ طَاهِرٍ، حُلْوِ الْجَنَى
"مَدْلينُ"، إِنْ فَارَقْتِها يَوماً، أَتَتْ
تَشْكُو الْفِرَاقَ، وَأَسْتَغِيثُ بِها أَنَا
"مَدْلينُ" أُخْتُكِ، أَوْ رَفِيقَةُ رِحْلَةٍ
هَلْ يُسْكِرُ الْعُصْفُورَ غَيْرُ الْمَيْجانَا؟
أَعْطَيْتِنِي فِي غُرْبَتِي قُدْسِيَّةً
فَغَزَلْتُ مِنْ قُدْسِيَّتِي أَحْلَى دُنَى
وَنَذَرْتُ نَفْسِي لِلْقَدَاسَةِ شَاعِراً
كُونِي وَسِيطِي يَوْمَ نَلْقَى رَبَّنَا
قَسَماً إِذَا هَزَّ الرَّحِيلُ شِرَاعَهُ
سَيُدَوِّنُ التَّارِيخُ: مَرُّوا مِنْ هُنَا!
**
جبران
يوم فوزي بجائزة جبران العالمية 1987
يوم فوزي بجائزة جبران العالمية 1987
ـ1ـ
جُبْرانُ.. يا جُبْرانُ ما بِكَ صامِتٌ
وَالثَّرْثَراتُ تُخَدِّرُ الأَسْماعا
وَالأَرْضُ يَذْبَحُها الْفُجورُ، كَأنَّهُ
بِدَمِ البَراءَةِ يُسْكِرُ الأَتْباعا
لَمْ يَبْقَ فينا سَيِّدٌ في رِزْقِهِ
فَلاَّحُنا هَجَرَ الْكُرومَ.. وَباعا
والْحَرْفُ وَسَّخَهُ الرُّعاعُ .. فَلَنْ تَرَى
حَرْفاً كَحَرْفِكَ مُشْرِقاً لَمَّاعا
ـ2ـ
جُبْرانُ.. إِنْ لَـمْ تُعْطِنِي مِنْ وَهْجِهِ
وَهْجاً، فَلَنْ تَعْتادَني الأَنْوارُ
هَذَا السَّفِيرُ الْحاضِنُ الشَّعْبَ، انْتَبِهْ
إِنَّ "اللَّطِيفَ" بِلُطْفِهِ فَوَّارُ
فَانْظُرْ إِلَيَهِ جالِساً فِي سُؤْدَدٍ
كُلُّ الْمَمالِكِ قُرْبَهُ تَنْهارُ
هُوَ فَخْرُنا وَحَبيبُنا وَسَفيرُنا
إِنْ أَشْرَقَتْ يَدُهُ اسْتَفاقَ نَهارُ
ـ3ـ
"عَطَّارُنا.. سَمَرُ" الْكِتابَةِ وَحْدها
تَخْتالُ إِنْ قَرَأَ الْخُلُودُ كِتابَا
فَهيَ الأُخَيَّةُ، لَوْ حُرِمْتُ أُخَيَّةً
وَهيَ الأُمُومَةُ تَسْكُبُ الأَطْيابَا
وَهيَ الأَبِيَّةُ إِنْ تَطاوَلَتِ الأَنا
وَهيَ الشَّرِيفَةُ تَسْحرُ الأَلْبابَا
وَالْفِكْرُ، بَعْدَكَ، مُتْعَبٌ فِي سَيْرِهِ
لَوْ لَـمْ يُضمِّخْ حِبْرُها الآدابَا
ـ4ـ
"نُعْمانُ حَرْبُ" الْحاتَمِيُّ مَحَبَّةً
وَتَأَلُّقاً وَتَوَدُّداً وَنِضَالا
قَدْ رَاحَ يَجْمَعُ مِنْ حُقُولِ حُروفِنا
قَمْحاً يُلَقِّحُ فِي الْعُقُولِ غِلالا
نَامَتْ سُوَيْداءُ الْعُيُونِ عَلَى غَدٍ
أَنْوارُهُ حَمَلَتْ لَنا "أُنْجالا"
تِلْكَ الأَديبَةُ فِي مَهاجِرِنا، إِذَا
قَالَتْ.. قُلُوبٌ تَنْشُرُ الأَقْوالا
ـ5ـ
أَلشِّعْرُ.. ما لَمْ تَحْتَضِنْهُ رَوابِطٌ
أَضْحى لِكافورِ الزَّعامَةِ كاتِبا
وَتَبَلْبَلَتْ أَفْكارُهُ وَتَضارَبَتْ
وَتَسَلَّقوهُ مَآرِباً وَمَناصِبا
فَالشِّعْرُ، مُنْذُ البَدْءِ، ثَوْرَةُ أُمَّةٍ
جاءَتْ لِتُذْكِي في النُّفوسِ مَطالِبا
والشِّعْرُ، ما بالشِّعْرِ مِنْ مُتَخَلِّدٍ،
إلاَّ إذا قَتَلَ الطُّغاةُ.. مَواهِبَه.
ـ6ـ
لا.. لَسْتُ أَطْمَعُ بِالْجَوائِزِ، إِنَّها
عِنْدَ التَّنافُسِ فِتْنَةٌ وَغُرورُ
وَأَنا اعْتَنَقْتُكَ يَوْمَ أَوْرَقَ سُنْبُلي
وَتَعَتَّقَتْ في "أُورْفِليسَ" نُذورُ
ما كُلُّ هذا الطّيبِ مِنْ أَزْهارِنا
حَتَّى وَلا الأَنْوارُ وَالْبَخُّورُ
أَلدَّرْبُ دَرْبُكَ.. إِنْ تَفَحَّصتَ الْخُطى
كُنَّا عَلى خَطْوِ "النَّبِيِّ" نَسيرُ
ـ7ـ
صَدِّقْ، أَيا جُبرانُ: مُطْلَقُ شَاعِرٍ
يَجْتَرُّهُ فَكُّ الْغَباءِ.. يَزولُ
إِنَّا بِأَرْضِ الْهَجْرِ نُلْهِبُ شِعْرَنا
لِتَموتَ في أَرْضِ الجُدودِ فُلولُ
وَلَقَدْ كَتَبْتُ قَصيدَةً عَنْ مَوْطِنٍ
سَيُزَغْرِدُ الأَحْبابُ حِينَ أَقولُ:
لُبْنانُ، في الآفاقِ، شَيَّدَ مَسْكَناً
غَنّتْه "سدني" واصْطَفَتْهُ عُقولُ
**
دمشق
هذي دمشقُ الحبُّ والأَلَقُ
فيها يَهيمُ الوردُ والحَبَقُ
أحبَبْتُها من يَوْمِ ما وُجِدَتْ
حُلْماً جَميلاً هابَهُ الأرَقُ
أهديْتُها الأشْعارَ مِنْ كُتُبٍ
فيها الدُّنَى أجْدادُنا سَبَقوا
يا شامُ.. لم أعْشَقْ سِوَى وَطَنٍ
سُكّانُهُ الأمْجَادُ لَوْ نَطَقُوا
إنّا خُلِقْنا لِلْوَرَى أَمَلاً
نَعْدُو لِيَعْدُو خَلْفَنا الأُفُقُ
قدْ أطفأوا الفانوسَ في فَرَحٍ
والوَهْجَ من أعْيادِنا سَرَقوا
أنتِ النجومُ البيضُ في غسقٍ
لولاكِ، لا، لَم يَنْجَلِ الْغَسَقُ
والشَّمْسُ أنْتِ الشَّامُ يا بَلَدي
مَنْ قالَ إِنَّ الشَّمْسَ تَحْتَرِقُ
أَلْبَحْرُ حُبُّكِ، والحَبيبُ أنا
وَلَكَمْ غَرِقْتُ وَعافَني الغَرَقُ
**
دبي
صارَتْ دُبَيُّ الْحُلْمَ في زَمَنِي
هَلْ تَظْهَرُ الأحْلامُ لِلْعَلَنِ؟
هَذي الإمارَةُ مِنْ روائِعِنا
أحَبَبْتُها، أسمَيْتُها وَطَني
أَلرَّملُ تِبْرٌ، والهواءُ شذاً
وَلَقَدْ بَنَيْتُ مِنَ الشَّذا سَكنِي
جنّاتُ خُلْدٍ داسَها بَشَرٌ
ساروا بِصَمْتٍ رَحْمَةَ الْبَدَنِ
لا لَنْ أُسَمّيهِمْ مَخَافَةَ أَنْ
تَتنافَسَ الأمْجادُ في "عَدَني"
أَوْ أَنْ يَصِيرَ الطَّيْرُ مُرْتَبِكاً
بَيْنَ الزُّهورِ وَخُضْرَةِ الْفَنَنِ
هَذِي دُبَيُّ اللـهُ يَحْرُسُها
ويُعينُها في أَصْعَبِ الْمِحَنِ
أَلْمَوْجُ عَاتٍ والشِّراعُ أنا
مَنْ غَيْرُها.. تَشْتاقُها سُفُني؟
غَنَّيْتُ إِسْمَكِ يا دُبَيُّ كما
يَحْلُو لِحَرْفِ الضَّادِ وَالأُذُنِ
النَّجْمُ أَنْتِ، وَأَنْتِ قُبْلَتُنا
فَتَشَاوَفِي يا دُرَّةَ الْمُدُنِ
**
تونس
أَوْدَعْتُكِ الْقَلْبَ.. احْرُسِي
قَلْبِي.. فإنّي تُونِسي
يا تونِسُ الخضراءُ لَنْ
أَنْسَى احْتِفالَ النَّرْجِسِ
قَدْ كانَ يَغْزِلُ بِالشَّذا
ثَوْبَ الْبَهاءِ لِتَلْبِسِي
صُنْتِ الْبِلادَ بِعِزَّةٍ
وَرَفَضْتِ أَنْ تَتَسَيَّسي
أَلشَّعبُ عِنْدَكِ طاقَةٌ
جبّارَةٌ.. فَتَحَمَّسِي
مُدّي لَهُ أَيْدِي الْهَنَا
لَوْلاهُ لَنْ تَتَنَفَّسِي
يُعْطِيكِ مِنْ عَرَقِ الشَّقا
خَيْراتِه، كَيْ تَأْنَسِي
لَنْ تَحْتَسِي غَيْرَ الْوَفا
والْمَجْدِ، لُطْفاً إِحْتَسِي!
مَنْ مِثْلُ شَعْبٍ طاهِرٍ
يَحْمِي دِيارَ الْمَقْدِسِ؟
صِرْتِ الْعِبادَةَ والتُّقَى
مَنْ قالَ لَنْ تَتَقَدَّسِي؟
تُونِسْ.. إذا غارَتْ دُنَى
أَرْجُوكِ.. لا تَتَوَجَّسِي
آن الأوانُ حَبيبَتِي
بِالْحُبِّ أَنْ تَتَغَطْرَسِي
إَنْتِ الأميرةُ والْمُنَى
والْعَرْشُ قَلْبِي.. فَاجْلِسِي
لا لَنْ يُحِبَّكِ عاشِقٌ
مِثْلِي.. فَهذا مِحْبَسِي
**
عهد التميمي
عهد التميمي أصبحت أملا
بنتُ النشامى هزّت الجبلا
قلبي أنا بالهجر منتفضٌ
بالنار صغتُ الشّعرَ والجُمَلا
شعبُ العروبةِ عابَه فزعٌ
لمّا رآها إنطوى خجلا
كفٌ على وجهِ العدو دوى
كالرعد، كالبركان قد نزلا
مسجونةٌ، والسجنُ مرتجفٌ
من خوفه أن تُصبحَ المثلا
ما من رئيسٍ هزّه ألمٌ
ما من مليكٍ قال أو فعلا
أمجادُهم بالكذبِ قد رفعوا
كسرى أنو شروانَ قد رحلا
من أجلِ أموالٍ مدنَّسةٍ
خانوا شعوباً.. مارسوا الدجلا
عشنا الليالي فوقنا كسلٌ
عهدُ التميمي داستِ الكسلا
جاندركُ قالوا.. سيفُها وجعٌ
والترسُ دمعٌ شيّبَ المُقلا
والإسمُ صارَ اليومَ بيرقَنا
في كلّ قطرٍ قد سما وعلا
صيحاتُها زادتْ توجّعَنا
لكنّها لم تعرفِ الوجلا
والدّمعُ باسَ الخدَّ في عجلٍ
ما منْ دموعٍ تسبقُ العجلا
لكنّ دمعَ "العهد" منتظرٌ
كي يستقيْ من خدّها العسلا
لا لن تقولوا: وجهُها قمرٌ
ما همّها بدرٌ وإنْ كمُلا
فالشمسُ غارتْ من توهُّجها
والشعرُ غنّى إسمَها غزلا
والقدسُ قالت: هذه فرحي
مثلَ "التميمي" لم أجدْ رجلا
أوصافُنا يا "عهدُ" ناقصةٌ
إلا إذا نادتْكِ: يا بطله
**
زمني
كلُّ الدروب فوقَها محنُ
أنّى ذهبنا شبّتِ الفتنُ
فالقتلُ صار اليومَ هاجسَنا
تحلو به الأعمالُ والمهنُ
كم من قبورٍ أصبحتْ مدناً
لمّا نفتْ سكانّها المدنُ
أخلاقنا، أفكارنا، يبستْ
مثل الذي قد لفّه العفنُ
ها والدٌ دمعاتُه غضبٌ
يمشي فيمشي خلفه الكفنُ
حتى حليبُ الأم مكتئبٌ
من حقدنا قد بزّه اللبنُ
يا حبّذا لو ينتهي زمني
حتى أرى ما يتركُ الزمنُ
**
رفعت عبيد
طالَ انتظاري كي أناجيكا
والشّعرَ، كلَّ الشّعرِ أُهديكا
يا "رفعتَ" الأسماءِ في وطنٍ
بالروح حرفُ الضادِ يَفديكا
أنت "العبيديْ" موسماً وجنىً
كلُّ المواسمِ أزهرتْ فيكا
في برلمانِ الحقّ قد سطعتْ
"شمسُ البهاء" كي تحييكا
من مثلُها، نبراسُها أبداً:
كَرّمْ.. فإنَّ اللهَ يُجْزيكا
بعضُ الليالي زارها قمرٌ
والشمسُ شعّتْ في لياليكا
سيدني إذا أنطقتَها أدباً
أجيالُها غنّتْ قوافيكا
واللهِ، لم تبخلْ على أحدٍ
كلّ العطايا من أياديكا
إنْ تسألِ الأهرامَ عن نسبٍ
مصرُ العظيمةُ من أهاليكا
يختالُ "نيلُ" المجدِ في فرحٍ
قمْ لاقِه، قد جاءَ يسقيكا
حتى العروبةُ في مهاجرنا
يا والدي صارتْ تناديكا
لاقيتنا بالنورِ في سفرٍ
واليومَ جئنا كي نلاقيكا
في صدرنا قلبٌ وأوردةٌ
إنْ شئتَ هذا القلبَ نُعطيكا
علّمتنا، أهديتنا درراً
مهما فعلنا لن "نكافيكا"
**
علمي
حيّيتَ يا علمي
في هيئةِ الأممِ
تزهو بأرزتنا
تعلو إلى القممِ
فالأحمرُ الباكي
لوّنته بدمي
والأبيضُ الشاكي
قدّسته بفمي
أرضي وإنْ بعدتْ
تشتاقها قدمي
أعدو.. فيسبقني
قبرٌ من العدمِ
أجدادُنا زرعوا
مجداً من القِدَمِ
واليومَ يا وطني
يغتالني سقمي
قد جئتُ مغترباً
خوفاً من الصنمِ
يجتاحني حلُمٌ
أوّاهُ من حُلُمي
في الليلِ مفخرةٌ
وفي غدٍ ألمي
**
رمضان.. شهري أنا
إنّي أرى الإنسانَ في رمضانِي
مستعوذاً باللـهِ من شيطانِ
إن صامَ شهراً، فالصيامُ فريضةٌ
أو حجَّ بيتاً.. شعَّ بالغفرانِ
ما همّهُ جوعٌ إذا الجوعُ غزا
يقتاتُ بالصلواتِ والإيمانِ
يعطي الفقيرَ زكاةَ عمرٍ طاهرٍ
ليفوحَ في الدنيا شذا الإحسانِ
يا خالقَ الأكوانِ هذي أمتي
تمشي بعكس الخلقِ والأكوانِ
هذي العروبةُ أنهكتها حروبُها
لم تُحسنِ التفسيرَ بالأديانِ
فالطائفيُّ الذئبويُّ لسانُه
يعوي، فيغدو الشرُّ كالطوفانِ
إنْ كنتَ للتقوى، فبالتقوى أنا
قد أغلبُ الشيطانَ يا ديّاني
ما الفرقُ بيني وبينَ أهلٍ آمنوا
إنجيلُهم للّـه كالقرآنِ
ما الفرقُ بيني وبينَ جارٍ مخلصٍ
قد شرّفَ الإنسانَ بالإنسانِ
ما الفرقُ بيني وبين كلِّ خليقةٍ
إنْ لم أحاكِ لسانَهم بلساني
إن كان نسليْ نسلَ آدمَ ويحهم
كيف الخصامُ ونحن كالإخوانِ
شهري أنا.. شهرُ المحبّةِ والتُّقى
في نوره لم يختلفْ إثنانِ
شهرٌ كأنَّ اللهَ فيه مجسّدٌ
هذي شهادةُ مؤمنٍ نصراني
**
احمد الياسري
لو تنظمين الشعر يا سَنَدي
لعشقتِ شعراً خالدَ الأبدِ
إبنُ العراقِ "الياسريُّ" شدا
في غربتي للحبِّ.. للبلدِ
قولي له ما شئتِ من أدبٍ
في حومةِ الآدابِ كالأسدِ
أعطى الحروف المجدَ عن كبرٍ
لا ينحني في لجَّةِ العُقَدِ
فالشعر عند "الياسريِّ" غدا
بحراً، بدون الرملِ والزبدِ
متواضعٌ، لكنّه أبداً
مثل الندى مستبشراً بغدِ
يا "أحمدَ" الأعراقِ أنت هنا
كالصخرِ، تحمي الحرفَ، منْ بَدَدِ
أخشى، أجل أخشى عليكَ أنا
يغتابُكَ االثرثارُ بالحسدِ
**
أسمهان
يا "أسمهانُ".. الصّوتُ قد أحياكِ
أنتِ الأميرةُ والشّذا دنياكِ
"آمالُ فهدٍ" من جبال العُرْبِ هلْ
بالإسم قلبُ الشرقِ قد ناداكِ
فالإسمُ فخرٌ للدنى يا نجمةً
شعّتْ هنا.. شكراً لمنْ أسماكِ
فقتِ الخلائقَ نغمةً سحريّةً
كانتْ كشدو الطير في الأفلاكِ
ما "الأطرشُ" المحبوبُ إلاّ كُنيةٌ
لمعتْ.. كلمعِ الضوءِ في الأسلاكِ
هذا "فريدٌ أطرشيٌّ" فخرُه
من روعة الألحان قد سوّاكِ
فيينا.. وهل للأنسِ فيها ليلةٌ
لو لم تمنِّ العمرَ في لقياكِ
حتّى الطيورُ تهامستْ في جنّةٍ
قالت لربّ الكونِ ما أحلاكِ
كلُّ القلوبِ تبدّلتْ أهواؤها
لمّا أمرتِ القلبَ أن يهواكِ
ها مصرُ قد أعطتْكِ مهداً دافئاً
والنّيلُ بالأمجادِ قد غطّاكِ
لا لم تموتي في حنايا تُرعةٍ
فالماءُ بالأحضانِ قد لاقاكِ
عندَ "البهيّةِ" قد جمعنا شملَنا
أفراحُنا.. لا لمْ تكن لولاكِ
لم ننسَ نوتاتِ الأغاني.. خوفُنا
في زحمةِ الأعمال أن ننساكِ
والصوتُ يشدو رغم بعدِ مسافة
إنّا بسيدني قد رفعنا لواكِ
كم من شعوبٍ قد زوت في لحدها
تفنى.. ويبقى خالداً ذكراكِ
**
رحماك ربّي
رحماك ربّي إنني
قدّام عرشك أنحني
مترسملاً في غربةٍ
بالحب.. والعيش الهني
لا لست أبغي ثروةً
حلمي بعطفك أغتني
عمري بدونك كذبةٌ
مدّ اليدين وضمّني
**
مارسيل خليفة
مَرْسيلُ أنتَ الفنُّ والشعرُ أنا
خذْ من بيوتِ الشعرِ وابنِ الموطِنا
أنتَ العظيمُ الفذُّ.. أنتَ المُبتدا
إنْ سِرْتَ سارتْ خلفَ منكَ الأزمنه
فالعودُ لولا عزفُك الحلوُ الشجيْ
أضحى ديكوراً في زوايا الأمكنه
إعزفْ بِهجرٍ.. رقِّصِ الأوتارَ.. مَنْ
مثل "الخليفَه" قدْ يُداوي جُرْحَنا
كلُّ الأناشيدِ التي غنّيتَها
عاشتْ بنا.. حتى امتلكنا حلمَنا
لو جارتِ الأيّامُ فنُّكَ ملجأٌ
لو ضاع منّا الصوتُ تبقى صوتَنا
إنّي أَحنُّ لخبزِ أمي دائماً
لكنّه الطاغوتُ يسبي قمحَنا
لا، لا تخف، أنشدْ، فأنت المرتجى
من أمّهاتِ اللحنِ يأتي خبزُنا
أمشي ولكنْ قامتي لمْ تنتصبْ
فالجسمُ بعد الهجرِ أحناهُ الضنى
لولاكَ ضيَّعنا طريقاً للحمى
فالدربُ يا "مرسيلُ" محّاها الفنا
إنّا هجرنا الأرضَ مثلَ سفينةٍ
أنظرْ إلينا قد ملأنا بحرَنا
عمشيتُ يا عمشيتُ كوني نوتةً
كي تفرحَ النوتاتُ منذُ المِيْجَنا
أهديتِنا إبناً حبيباً رائداً
غنّى لنبقى.. حتى يبقى أرزُنا
لُبْنانُ.. ما لُبنانُ إلا جنّةٌ
إنْ نرمِها بالنارِ.. يغضَبْ ربُّنا
القدسُ ضاعتْ.. لا تسلْ عن "قُبلةٍ"
ما من زعيمٍ أرّقتْه قدسُنا
غنّيتَها.. أوّاهُ لو أخفيتَها
باللحنِ بالأنغام كي تبقى لنا
يا ليتَهم أضنوا عدوّي مرةً
حتّى أبوسَ الرأسَ من أعرابِنا
لكنّهم بالكذب قد غطّوا المدى
والكذبُ ملحٌ.. آهِ من أملاحِنا
إفرحْ.. بعيدِ الحب أنتَ مكرّمٌ
فالحبُّ بالهجرانِ من عاداتِنا
هذا "السِّناتورُ" الأشمُّ الألمعيْ
في برلمانِ الحقِّ أضحى فخرَنا
شوكتْ يضحّي.. مَن يضحّي مثلَهُ؟
إبنُ الجنوبِ "المُسْلِماني" إبنُنا
أهديكَ يا "مرسيلُ" دنيا منْ شَذاً
أدخلْ.. فما أبهاكَ لو تبقى هنا
جئتُم إلينا كي تُزيلوا غربةً
شكراً لكم.. ها قد سكنتم قلبَنا
**
آه يا شعبي
آهِ يا شعبي الحبيبْ
حينَ يَغْزوكَ النَّحيبْ
تَنْحَني الأجْسادُ فينا
وَيُوافينا المَغيبْ
هل تَضيعُ القدسُ مِنَّا
ليسَ فينا من مُجيبْ؟
قُبْلَةُ الأقداسِ كانَتْ
مِنْ هلالٍ أَو صَليبْ
هَضْبَةُ الجولانِ ليسَتْ
خيمةً تأوي الغريبْ
هَذهِ الأرْضُ الْحَبيبَه
كيفَ نَرْضاها تَسيبْ؟
لا رئيسٌ قالَ كُفُّوا
مِنْ بعيدٍ أوْ قريبْ؟
مَنْ يُعيدُ الحقَّ قولوا؟
حَقُّنا إِرْثٌ عجيبْ
**
صفوت
إلى طبيبي الخاص الدكتور صفوت رياض
صفوتْ.. إذا قالوا: اصطفى
إسمي أنا.. قلت: كفى
بالطِّبّ قد كان الدوا
بالحبّ، أعطاني الدفا
كم من "رياضٍ" أزهرتْ
كم من مريضٍ قد شفى
لولاه عمري صرخةٌ
كانتْ هنا مُستنزَفه
رافقته في غربةٍ
كانَ الصديقَ الأشرفا
خلٌّ وفيٌّ نادرٌ
لا ليس يأتينا الجفا
صفوتْ طبيبي.. سجّلوا
كي تدركوا معنى الوفا
**
علي وأسمهان
الى أعز اثنين على قلبي الدكتور علي بزّي وزوجته أسمهان
هذا علي بزّي، أيا عيني، اسْرحي
في قلبه العمران أغنى مطرحي
يا أسمهان الأمّ هذي صرختي
أنتِ الأخيّةُ، يا أخيّةَ، إفرحي
قد كان دمعي فوق خدّي جمرةً
والخدُّ يشتاقُ الأسى أن تمسحي
آهٍ علي.. لو بحتُ بالحبّ النقي
لتناقلتْ صوتي جميعُ الأسطحِ
أنتَ الأخُ المحبُوبُ، بل أنت الوفا
منذ التقينا لم تزلْ بجوارحي
**
صفوت
إلى طبيبي الخاص الدكتور صفوت رياض
صفوتْ.. إذا قالوا: اصطفى
إسمي أنا.. قلت: كفى
بالطِّبّ قد كان الدوا
بالحبّ، أعطاني الدفا
كم من "رياضٍ" أزهرتْ
كم من مريضٍ قد شفى
لولاه عمري صرخةٌ
كانتْ هنا مُستنزَفه
رافقته في غربةٍ
كانَ الصديقَ الأشرفا
خلٌّ وفيٌّ نادرٌ
لا ليس يأتينا الجفا
صفوتْ طبيبي.. سجّلوا
كي تدركوا معنى الوفا
**
علي وأسمهان
الى أعز اثنين على قلبي الدكتور علي بزّي وزوجته أسمهان
هذا علي بزّي، أيا عيني، اسْرحي
في قلبه العمران أغنى مطرحي
يا أسمهان الأمّ هذي صرختي
أنتِ الأخيّةُ، يا أخيّةَ، إفرحي
قد كان دمعي فوق خدّي جمرةً
والخدُّ يشتاقُ الأسى أن تمسحي
آهٍ علي.. لو بحتُ بالحبّ النقي
لتناقلتْ صوتي جميعُ الأسطحِ
أنتَ الأخُ المحبُوبُ، بل أنت الوفا
منذ التقينا لم تزلْ بجوارحي
**
فريد الاطرش
ـ1ـ
أأقولُ عنكَ الأطرشا
والسمعُ فيكَ قد وشى
والعودُ أضحى نوتةً
منْ عزفِه الكونُ انتشى
انتَ "الفريدُ" بصوته
كنغمةٍ مزركشه
أهديتنا اللحنَ الذي
ضوّى الليالي الموحشه
ـ2ـ
فالفنُّ أضحى سلعةً
معروضةً للفرفشه
فهلْ وجدتَ سارقاً
منْ فنّنا قد اختشى
أوْ مطرباً آهاتُهُ
صيحاتُهُ كالخربشه
انتَ العظيمُ الفذُّ في
عصرٍ غزتْهُ الكنفشه
ـ3ـ
يأتي "الربيعُ" اللحنُ منْ
أوتارِ عودٍ منعشه
والغصنُ من ليمونةٍ
جابَ الدُّنى لمّا مشى
والهمسةُ الأولى أتتْ
تحيي فؤادي والحشا
نحنُ ابتهالُ غربةٍ
مَنسيّةٍ.. مهمّشه
جئنا لفنٍّ "أطرشيْ"
أشعارُنا كي نفرُشا
ـ4ـ
كمْ شاعرٍ أو مطرِبٍ
كُرمى الجمالِ قد ارتشى
أهديكَ من شعري إذا
غنّيتَ لحناً مدهشا
أنشدْ لنا.. علِّ الغِنا
قدْ لا نحبُّ الوشوشه
**