ظلال

الغلاف للفنانة رندى بعيني
**

ظلال

أَمْشي.. وَخَلْفي تُستَباحُ ظِلالُ
بِخُطوطِها السَّوداءِ هامَ سُؤالُ:

أَتَنامُ عَيْنُ الشِّعرِ مِلْءَ جُفونِها
وَعَلى الرُّموشِ مَصائِبٌ تَخْتالُ؟

يَعْيا الْعَويلُ بِثَـغْرِنا، فَكَأَنَّـنا
مُنـذُ الْبِدايَـةِ لَفَّنا الْبِـلْبالُ

أَعْـمارُنا رَهْنٌ بِحِفْظِ مَـراكِزٍ
يَطْـغى بِـها مُسْتَرْئِسٌ دَجَّالُ

يَتَثاءَبُ الإِهْـمالُ في نَبَضاتِـنا
فَيُريـحُنا بِنُعاسِـهِ الإِهْمـالُ

نَغْفو.. كَأَنَّ الْفَجْرَ مِنْ أَعْدائِنا
والْكَدَّ وَهْمٌ مُرْعِبٌ وَوَبالُ

نَحنُ اجْتَرَرْنا باحْتِرافٍ صَمْتَنا
فَتَعَظَّمَتْ بِسُكوتِنا الأَفْعالُ

لَمْ يَسْمَعِ الإِنْتاجُ فينا، فَالْقِوَى
خارَتْ، وَخارَتْ مِثْلَها الآمالُ

نَشْقى، إذا افْتَرَشَ الْهَناءُ رُبوعَنا
وَنَئِنُّ إَنْ حَضَنَ الْيَمينَ شِمالُ

أَفْضالُنا لا تَنْتَهـي.. فَرَذيلَةٌ
تَنْأَى، وأُخْرى فَوْقَنا تَنْهالُ

طُهْرُ النِّساءِ حِكايَةٌ، إنْ تَرْوِها
تَضْحَكْ عَلَيْكَ أَسِرَّةٌ وَرِجالُ

في شَرْقِنا الْعَرَبِيِّ يَطْلَـعُ ثائِرٌ
كَيْ تَهْتَدِيْ بِشُعاعِهِ الأَجْيالُ

لكِنَّهُ، والخُبْثُ في خَطَواتِهِ،
يَسْبِي الضَّميرَ وَما اشْتَهَتْهُ عِيالُ

لا ثَوْرَةٌ في الشَّرْقِ أَشْرَقَ نورُها
إلاَّ احْتَواها في الدُّجَى مِكْيالُ

زُعَماؤنا، دَرْبُ الْخِيانَةِ دَرْبُهُمْ
لِيَقودَنا نَحْوَ الضَّلالِ ضَلالُ

إنْ صَمَّموا، فَالْغَدْرُ في تَصْميمِهِمْ
وَتَكَلَّموا، فَلُعابُهُمْ يَحْتـالُ

بِئْسَ الزَّمانُ زَمانُنا.. فَبِلادُنا
عِنْدَ الشَّدائِدِ عافَها الأَبْطالُ

يا شاعِراً صاغَ الإِلهُ حُروفَهُ
أَنِّبْ.. لِتَرْدَعَ شَعْبَكَ الأَقْوالُ

أَنْتَ الْقَوِيُّ عِبـارَةً وَعَزيمَةً
وإلَيْكَ يَرْنو في العَشِيَّةِ بالُ
**
يوسف

عَرَفتُه.. الصَّليبُ فوقَ صدرِه    
وحرفُه الأشمُّ تحتَ أمره

فقلتُ يا مشاعري ترنّمي
فلحنُه مُدَوْزنٌ كَشعرِه

وسطرُه كأنّهُ طريقُنا
ونحنُ نمشي في خُطُوطِ سطرِه

تأوَّهَ العراقُ مِنْ غيابِه
فَخِلْتُهُ المُصابَ مثلَ طَيْرِه

زوارقٌ تغتالُ نصفَ شعبِهِ
واللصُّ يغفو في زوايا قصرِه

بغدادُ تجري في العيونِ دمعةً      
لكنّها البركانُ عِنْد ذِكْرِه

أتى الحياةَ كاهناً وعالماً
وكاتباً.. مُباركاً في سيره

فإن حكى توقّفتْ عقاربٌ
وإن بكى.. فدمعُه بنثْرِه

يا مارَ ميلس صُنْتَهُ كيْ يرْتقي
مجدَ العلى مُرسْمَلاً بفكرِهِ

طوباكَ طوبى، من رئيسٍ منصفٍ  
مرجُ الزُّهورِ يَنْتشي من عطره

يا مارَ ميلسْ لمْ تسلْ عنْ سُؤْدَدٍ
أصبحتَ رمزاً، فَخْرُنا من فخرِهِ

أنتَ العظيمُ رِفْعَةً لمّاعةً 
يسوعُ قد أعطاكَ نورَ فجرِه

أَيوسُفٌ.. تدورُ في سمائه
نجومُنا، وبِئرُنا كبئره

ونحن لا نخونُه كإخوةٍ
فإسمُهُ يُضيءُ رغمَ قَهرِه

صلاتُه كقلبِه، كحبّه
كضحكةٍ تلوحُ فوقَ ثغرِه

يقالُ قد تكَفَّرتْ عقائدٌ
يا حَبّذا لو آمنوا بكُفْره

تخالُها كنائساً حُروفَهُ
عبيرُها يفوحُ مثلَ حِبْرِه

حتّى الشمُوعُ لا تنوصُ عندَهُ
حين اصطفتْ بغدادُ شمعَ دَيْرِهِ

أُحبُّه محبّةً لا تنحني
كوالدٍ.. أشُدّ أَزْرَ ظهره

لا لستُ أخشى الحاقدَ الثرثارَ إنْ    
غطَّى الجمالَ باسْودادِ مَكْرِهِ

أخشى عليه من غرورٍ طائشٍ      
أذلَّ كلَّ مَنْ رَمى في أسْرِه

من حقّه أن ينتشيْ معملقاً       
لِكيْ يدُوسَ فوقَ أَنْفِ هجرِه
**
يا رعاةَ الشعر

يا رُعاةَ الشِّعْرِ يا رَمْزَ الإباءْ
قدْ تَخَطَّيْتُمْ حُدُودَ الانْتِماءْ

بَرْلَمانٌ يُفْتَحُ الْيَومَ.. افْرَحي
يا حُروفي، لاحْتضانِ الشُّعَراءْ

إِنْ تَشاوَفْتُمْ.. فهذا يَوْمُكُمْ 
يا ضُيُوفَ المجدِ يا كَفَّ الْعَطاءْ

قَدْ نَقَرْتُمْ دَفَّ شِعرٍ زاجِلٍ
وَصَدَحْتُمْ.. آهِ ما أحْلى الْغِناءْ

قَبْلَ أَنْ تَأْتُوا إِلَيْنا.. دَمْعُنا
أَخْبَرَ الْمَعْمورَ أَنَّا تُعساءْ

تَغمُرُ الآلامُ شعباً طيّباً 
ضاحكاً رغمَ المآسي والبلاءْ
  
لا.. فَسِدْني عَلَّمَتْنا أن نَعِيْ
كَيْفَ نَمْحُو مِنْ مآقينا الْبُكاءْ

أَرْزُ رَبّي حِينْ دُسْتُم هَجْرَنا     
قالَ قَدْ أرْسَلْتُ لِلْهَجْرِ ضِياءْ

أنتمُ الأشرافُ يا صوتَ المدى
جِئْتُمُ الدُّنْيا فَجاءَ الشُّرَفاءْ

أَنْتَ "أَنْطُونٌ" تُناجي أُمَّتي
يا "سَعادِهْ".. زِدْت بالشعرِ النَّقاءْ

أمّتي تحيا حياةً صعبةً
لستُ أدري كيف يأتيها الهناءْ

لا وَفِيٌّ يَنْتَقيهِ خِلُّهُ
أَنْتَ "إِلْياسٌ خَليلُ" الأَوْفياءْ

عِشْتَ يا "جُورْجُ" النَّقِيبُ الْمُصْطَفى   
لا وربّي أنتَ شيخُ الرّؤساءْ

ردُّوا للأشعارِ أياماً خَلَتْ
أكثرُ الأشعارِ منْ صُنْعِ الغَباءْ

يَحْسِبون الشِّعْرَ حَكياً تافهاً
ثرثَراتٍ داخَ منها العُقلاء
قَد تكرَّمتُمْ.. فطوبى للبَها
إنَّ "باتي" إسْمُها صِنْوُ الْبَهاءْ

إِنْ رَجَعْتُمْ أَرْضَنا قُولوا لها:
هِيَ تَجْري في الشَّرايينِ دماءْ
**
محمد مهدي الجواهري

جِئْناكِ يا بَغْدادُ فَانْتَصِبي
كُرْمَى لِشَعْبٍ طَيِّبٍ وأبِيْ

يَكفيهِ منْ وَيلاتِه زمنٌ
إنْ قُلتُهُ يَجْتاحُني غَضَبي

جِئْناكِ بعدَ الضَّيْمِ منْ سَفَرٍ
كيْ نَغْرُسَ الأشعارَ بِالكتُبِ

ألْجَوهَرُ الخلاّبُ يحمِلُهُ
إسْمٌ تباهى العمرَ بالنّسَبِ

لا لَمْ يَمُتْ ما زالَ يَصْحَبُنا
مثلَ اصطِحابِ الْماءِ للسُّحُبِ

أخْشى فلولَ الغَدْرِ تحْجُبُهُ
هَلْ يُحْجَبُ الإبْداعُ؟ واعَجَبي!

سَمِعْتُ صَوتاً خِلْتُهُ نَغَماً 
فقلتُ: يا شَآمُ إنْطَربي

هذا أبي، من يَوْمِ ما سَمِعَتْ
أُذْنُ الليالي صَرْخَةَ الشُّهُبِ

"مَهْدِيْ"، وكان الربُّ يَحْفَظُهُ
رغْمَ الأذى مِنْ مُخْبِرٍ وَغَبي
يا أمَّةً يَقْتادُها وَثَنٌ
مِنْ رَحْمَةِ الديَّانِ إِقْتَرِبي

ما مِنْ شُعُوبٍ لَمْ تَذُقْ ألَماً
لكنَّها قامَتْ من اللّهَبِ

تاريخُها.. أَمْجادُهُ أدَبٌ
إلاّكَ يا تاريخَنا العرَبِي

شعبي.. وهل شعبي سوى غَنَمٍ
للذَّبْحِ، كالصّرصورِ مُرْتَعِبِ

إنْ أشْرَقَتْ شَمْسٌ على وَطَني
يَغتالُها الحُكّامُ بالكَذِبِ

لَوْ كانَ عِنْدي رِبْعُ مَقْدَرَةٍ
أَلْهَبْتُهُمْ بالنّارِ والْحَطَبِ

أنتَ العظيمُ يا "محمّدُ" هَلْ
أدُّق دقّاتٍ على الخشَبِ؟

لا لنْ أقيسَ قامَةً أَسَرَتْ
قلبي، وناختْ عندها قِبَبي

كنتَ البعيدَ عَنْ دِيارِكَ هلْ
تدري بأنّي حاملٌ تَعَبي؟

أنَّى اتجهتُ غربتي وجعٌ
يا حَبّذا لو جئتَ مُغْتَرَبي

ألْقابُنا.. يا ليتَها شُطبتْ
فالشعرُ ضاعَ اليومَ باللقبِ

أنتَ "الجواهِريُّ".. أنتَ هُنا
أغلى مِنَ الإلماسِ والذّهبِ
**
شعب واحد

نحنُ شعبٌ واحدٌ، للحقِّ عَسْكَرْ   
لا نَهابُ الموتَ، مَهْما المَوتُ زَمْجَرْ

لا وربّي، لمْ نزايدْ إنْ هَتَفْنا:     
نحنُ نَفديكِ، ونَهْوى الموتَ أكثرْ

هذه بيروتُ يا بغدادُ تبكي     
إمسَحي الدَّمْعاتِ إنَّ الدَّمْعَ أَحْمَرْ

إنْ بَكَيْتِ الْيَوْمَ نَبْكي كُلَّ يومٍ     
كُلُّ شِبْرٍ مِنْكِ يا بَغْدادُ جَوْهَرْ

شَعْبُكِ الانسانُ قدْ أَضْحَى شهيداً     
كَبِّري منْ أَجْلِه.. فاللهُ أَكْبَرْ

حينَ أديانُ السَّمواتِ نَعَتْهُ      
خِلتُ أَنَّ اللهَ في العَلْياءِ كَبّرْ

ماتَ شِعْري حينَ أَفْنَتْنا حُروبٌ    
أَخْبريني إنْ سَمِعْتِ الْقَبْرَ أَشْعَرْ

أَخْبريني إِنْ رَأيْتِ الْحَرْفَ يَشْكو    
إنّهُ حَرْفي.. على كفّي تَكَسَّرْ

إنّهُ صَوتي.. وَهَلْ للصَّوْتِ وَقْعٌ      
حينَ نُطْقِي.. مِثْلَ أَحْلامٍ تَبَخَّرْ

إنَّهُ قَلْبي، أيا قلبي، ارْحَميني       
أنْتِ يا بَغْدادُ بالْمَظْلُومِ أَخْبَرْ

إنَّهُ عُمْري.. أيا عُمْراً تَهاوَى      
كُلُّهُمْ عاشوا.. وَمَوْتي لا يُفَسَّرْ

زُمْرَةٌ غدَّارَةٌ تَجْتاحُ أَرْضي       
تُشْبِهُ الشّيْطانَ، بلْ بالشرِّ أَشْطَرْ

تَقْتُلُ الأطْفالَ، تَسْبي طاهِراتٍ     
إِنْ وَصَفْنا الطُّهرَ.. قُلْنا: هُنَّ أَطْهَرْ

كفَّرونا بعد إيمانٍ وتقوى        
وتناسَوْا أنَّهُمْ باللهِ أَكْفَرْ

لا تقولي: النّارُ تَجْتاحُ الرَّوابي      
سَوْفَ لنْ تَبْقَى لأنَّ العُشْبَ أخْضَرْ

سوفَ لنْ تبقى لأنَّ الْحقّ أَقْوى     
مِنْ خَبيثٍ نفسَهُ في النَّاسِ فجَّرْ

نينوى والموصلُ الغنّاءُ أضحتْ      
ثورةً، كي من جنون الحقدِ تَثْأرْ

صانَها جيشٌ عظيمٌ لا يُبالي        
قدْ أتاها الْيَومَ منصوراً مُظفّرْ

قد أتاها.. والزّغاريدُ اسْتجابتْ      
أُنْظري الشّيطانَ بالإيمانِ يُقْهَرْ

أُنْظُريهِ كالأفاعي السُّودِ يَلْوي
تَحْتَ أَقْدامٍ منَ الفُولاذ يُنْحَرْ

هالَنا التَّشْريدُ يا بغدادُ قومي       
كيْ تُعيدي طفلَكِ الْباكي الْمُهَجَّرْ
**
سيد الابطال

هذا "أديبٌ" سَيّدُ الأبْطالِ 
مَنْ مِثْلُهُ في الحَرْبِ والأهوالِ

إبنُ "البعينيْ" فَخْرُنا المُنْصانُ
مِنْ قرْيَةٍ فيها ثرى الأجيالِ

ها قدْ تَغنَّى باسْمِهِ لُبنانُ
حينَ افْتدى بالرّوح إسْتِقْلالي
**
مجدي بولس

مجدي، عظيمُ الْفَنِّ، وافَرحي     
يا مِصْرُ غَنِّي الْيَومَ وانْشَرِحي

أعْطَى كِبارَ الصَّوْتِ فانْطَرَبُوا    
يا أَعْيُنَ الْحُسّادِ إِنْدَبِحي

كُلثُومُ جاءَتْهُ كأُغْنِيَةٍ
تلْحينُها خَمْرٌ بِلا قَدحِ

والْماسُ يَجْري فَوْقَ أُنْمُلَةٍ     
أَفْنَتْ بِعَزْفٍ دَمْعَةَ التَّرَحِ

فالْجُرْحُ فِي أنغامهِ أملٌ      
يا روعةَ الأنغامِ إنْجرحي

والنّيلُ، نَهْرُ الْخَيْرِ يَعْشَقُهُ     
والرأسُ يعلو قامةَ البلحِ

يا "مجْدَنا" الآتي بِغُرْبَتِنا       
لَوِّنْ لَنا قَوْساً مِنَ الْقُزَحِ

سدِّدْ خُطى الفنّانِ في سَفَرٍ    
إِجْعَلْهُ نَجْماً غيرَ مُتَّشِحِ

ستُّ البَهاءِ نوتَةٌ صَدَحَتْ      
قُلْ: يا "بَهِيَّهْ" الْفَنَّ إِكْتَسِحي

الإسْمُ كَنْزٌ وَالْهَوَى وَتَرٌ   
فيا كنوزَ الْكَوْنِ إنْفَتِحي

أَبُولسٌ.. تَحْيا لأُمَّتِنا     
والشّعبُ يَبْكي سَطْوَةَ الشّبَحِ

أَوتارُكَ الْغَنّاءُ تُنْعِشُهُ     
أسْكُبْ عَلْيهِ غَيْمَةَ الْمَرَحِ

تَكْريمُكَ الغالي يُكَرِّمُنا     
أيا نياشينَ العُلى انْبَطحي

فالصّدرُ كالأهرامِ منبتُهُ    
على رُخامِ الصدر إنطرحي

مَجْدي.. وَهَلْ لِلْمَجْدِ مِنْ وَطَنٍ
يا ربَّةَ الأشْعارِ.. إمْتَدِحي
**
أبو الطيب المتنبي

يومُكَ الْيَوْمَ أَكيدُ
"مُتَنَبّي" وَتُجيدُ

يا أبا الطيّبِ مَهْلاً
ها هُنا الْكُفْرُ يَسُودُ

ها هُنا الْحَرْبُ تَمادَتْ
ها هُنا المَوْتُ العنيدُ

لَمْ نَعُدْ نَخْشى هِجاءً
عاثَ في الأرضِ الْعَبيدُ

نَحْنُ نَحْيا كُلَّ يَوْمٍ
دَمْعُنا للحُزْنِ عيدُ

لا وليدٌ جاءَ منّا
خافَ دُنْيانا الْوليدُ

قَدْ هَدَمْنا ما بَنَيْنا
بَيْنما الْغَرْبُ يُشيدُ

ظالِمٌ يَزْدادُ ظُلْماً
هكذا الشّرْقُ يُريدُ

أبْتَغي شَعْباً عظيماً 
لا تُدَمّيهِ السّدودُ

ليسَ يَخْشى من حدودٍ
وِحْدَةُ الأرضِ الْحُدُودُ

أَجْمَلُ الأَلْحانِ تَخْبُو
حينَ يُغْتالُ النَّشِيدُ

يا عظيماً نلتَ فَخْراً
أَنْت للشّعْرِ شَهيدُ

قَدْ وَجَدْناكَ قَوياً 
أَلْفَ كافورٍ تُبيدُ

قدْ قَرَأْناكَ حَكيماً
بِالْحِكاياتِ تَجُودُ

لا لَئيمٌ نالَ عزّاً 
لا بَخيلٌ يَسْتَفيدُ

إنْ طَواكَ الْمَوْتُ دَهْراً    
كلُّ ما قُلْتَ جَديدُ
**
مكة

يا مكّةَ الأقداسِ.. لا أدري أنا
هلْ في رحابِ اللهِ أم هذي الدُّنى

جئتُ الحِمى وَالدّمعُ أنهارٌ على
خَدَيَّ.. والأحلامُ تجتازُ المُنى

ما ان سجدتُ فوقَ أرضِ المصطفى
حتّى تباهى العُمرُ وانْسابَ الهَنا

أللهُ أكبرُ.. قلتُها مستبشراً
إنّي سألقى ذاتَ يومٍ ربَّنا

طافَ الحجيجُ البيضُ حولَ كعبةٍ
منزدانةٍ، لا تزدهي إلآّ بِنا

جئنا إليها كلُّ قلبٍ مَسْكنٌ
هيّا اسكني يا "قبلةً" في قلبِنا

مَنْ قالَ أنأى عنكِ يا بيتَ الهدى
لا لستُ أنأى.. إنّي باقٍ ها هنا
**
مجدي الحسيني

جاءَ "الْحُسيني" حاملاً وترا
كنّا، وكان الهجرُ منتظرا

سيدني.. وأطيارٌ مُلونةٌ
باحتْ بسرٍ كان مُستترا

مَنْ رافقَ الأمجادَ باتَ هُنا
يا مصرُ صارَ العقلُ مُنبهرا

عبدُ الحليم اليومَ في فرحٍ
مَن قالَ إنّ "العبدَ" قد قُبرا

ما من عظيمٍ فوقَه حجرٌ
إلاّ أزحنا بالوفا الحجرا

هذي "البهيَّة" كفُّها كَرَمٌ
فيها القوافي صاغتِ الدررا

والبرلمانُ.. الحُكْمُ في بلدٍ
منْ أجلِها بالوردِ قد نُثِرا

يا سيدَ الأنغامِ هذا أنا
لستُ أمام العزف مُقتدرا

الشّعرُ كالعُنقودِ خمرتُهُ
إعصرْ لنا.. فالكأسُ قد أمرا

مَنْ لا يداوي جرحَهُ نغمٌ 
مثلَ الذي بالماءِ قد سَكِرا

أنتَ الذي إن شئتَ تُفرحُنا
هلاّ أزلتَ الغمَّ والكدرا

وقعُ الغناءِ الفجِّ يُزعجنا
فيهِ نشازُ الطبلِ إنْ كُسِرا

فالضجّةُ الحمقاءُ تقتلُنا 
والسمعُ من إيقاعِها انفجرا

أهلاً بفنٍ خالدٍ أبداً
قلبي وقلبَ الناسِ قد أسَرا

مجدي.. إذا الأهرامُ شامخةٌ    
كنتمْ لها الألوانَ والصورا

والنيلُ يدري أين منبعُه
لا لنْ أغالي.. فيكَ قد كَبُرا

واللحنُ.. مِنْكَ اللحنُ مندهشٌ
أودعتَه الأكوانَ فانتشرا

والأورغُ.. أنتَ الأورغُ.. يا ملكاً 
أحييتَ فينا السمعَ والبصرا

خبّرْ متى عدتَ الديارَ بأنْ
فنَّ "العروبَة" ها هُنا انتصرا
**
رئيس الحزب

مثلَ النّعاجِ يقودُنا متحزّبُ
مترئسٌ، متغطرسٌ، متذبذبُ

إنّا نحيي كلَّ يومٍ لصَّنا
ذاكَ الذي شرفَ التحيّةِ يسلًبُ

هو كاذبٌ.. والغدرُ في أوصالهِ
حتّى شهيقُه من كلامِه أكذبُ

يختالُ مثلَ كَواسرٍ بريّةٍ
لكنّه، عندَ الهريبةِ، أرنبُ

لا يرتوي بالماء مهما يصطلي
غيرَ الدماءِ الحمرِ لا لا يشربُ

مثل الأميرِ مرفّهٌ في قصره
والفقرُ في أكواخنا يتعذّبُ

في عرسه كل الخلائق تنتشي
وبموتنا ما من شريفٍ يندبُ

فالشعبُ يدري أنه متخاذلٌ
فيه الشتائمُ والمصائبُ تُضربُ

لكنّ شعبي طيّبٌ متسامحٌ
والموتُ يأتي كي يُعاني الطيّبُ
**
الرباط

ها قد أتيتُ المغربَ الحلوَ انتشِ
يا شِعرُ وَامْرَحْ كالهواءِ المنعشِ

غازلتُ فيه مَدائناً محبوبةً
أخبرتُها سرّاً.. عيوني قدْ تشي

هذي "الرباطُ" حبُّ قلبٍ عاشقٍ
باللهِ عنّي يا "رباطُ" فتّشي

غنّيتُ مجدَك في المهاجرِ كلّها
سهّرتُك الأيامَ.. بالصدر افرشي

أحببتُ إسْمَكِ.. والحروفُ شواهدٌ
إنّي مددتُ الكفَّ حتى تنقشي

لا تنظري للوجهِ إنّي دامعٌ
هذي بشائرُ فرحتي لا تختشي

دارٌ وبيضاءٌ سحرني لونُها
عنْ أصْلها، يا شمسُ، بالنور انبشي

والفاسُ مثلَ الماسِ شعَّ بريقُها
والماسُ رمزُ العزِّ لا لنْ يرتشي

عرشٌ عليه المُلْكُ نَبْعُ فضيلةٍ
أعْدو إليهِ كالثَّرى المتعطّشِ
**
سعيد عقل

يا "عقلُ" أنتَ الحرفُ والكِلَمُ
لولاكَ لمْ تسمعْ بنا الأممُ

من دمعةِ العنقود صِغْت لنا
شعراً عظيماً هابَهُ الكرَمُ

يا "زحلُ" كنتِ الحلْمَ في سفر
طافَ الدّنى.. لمْ تتعَبِ القدمُ

هذا "سعيدٌ" صوتُه عبرٌ
يُصغي إليه من بهِ صممُ

أشعاره، آدابُه، جبلٌ
ترتادُه الأوزانُ والنغَمُ

قدموسُ ناجى الحرفَ فاحتضنتْ
أيدي الورى ما صاغتِ الحكمُ

كرّمتَه، أعطيتَهُ فرحاً
حتى تهاوتْ عنده القممُ

يا قدسُ، صاحتْ نجمةٌ سطعتْ
فيروزُ.. لمّا صفَّقَ الهرمُ

القدسُ ضاعتْ، شعبُنا غنمٌ
من خوفه قد يخجل الغنمُ

غنيتَ مكّةَ، أهلَها، فَسَمَتْ
فوق الثريا.. نورُها الحَرَمُ

قل لي: لماذا ينتهي وطنٌ
عاشتْ به الأمثالُ والقيمُ؟

لبنانُنا، يا "عقلُ"، أنت لهُ
دِرعٌ، لماذا يحكمُ الصنمُ؟

أنظر إليه.. وجهُه قرفٌ
وتثورُ في أحناكِهِ الحممُ

إنّا يئسنا من تشتّتِنا
قد لفّنا في الغربةِ السّأمُ

أنظرْ إلينا شيبُنا ندمٌ
رحماكَ.. قد لا ينفعُ الندمُ

لا لم تمتْ ما جئتَ من عدمٍ
حين احتواك استيقظ العدمُ

ما زلتَ حياً بيننا أبداً
يا أرزةً يحلو بها العلمُ
**
أديب البعيني

لست أدري كيف أشكو يا أديبُ
أدمتِ الدنيا جروحٌ لا تطيبُ

يا "بُعينيَّ" المدى لسنا سراباً
أو تراباً، أو رمالاً، كي يُذيبوا

نحنُ أبناءُ الصخورِ البيضِ حتماً
رأسُها من جنّة الخُلدِ قريبُ

نحنُ شعبٌ واحدٌ للهِ نجثو
كلُّنا، في موطني، جارٌ حبيبُ

لا دروزٌ، لا نصارى، لا شِقاقٌ
إسألِ الإسلامَ عنّا، قد يُجيبُ

أنتَ أعطيتَ البلادَ المجدَ دوماً
فاستقلّتْ، وانجلى عنها الغريبُ

غنّتِ الأرزاتُ للأبطالِ لحناً
أنتَ فيهِ الوقعُ والعزفُ العجيبُ

آهِ يا ابنَ الشوفِ، هل يكفيكَ شعري؟
أنتَ منّي، أنت روحي.. والنسيبُ
**
القدس

يا ديارَ القدسِ يا مهدَ الضياءْ
أخبريني كيف جاءَ الأنبياء؟

أنتِ للدنيا نعيمٌ مُشرقٌ
قُبلةٌ.. حينَ ابتهالُ الأتقياءْ

إنْ دعوتُ اللهَ.. أدعو خاشعاً
في ربوعِ الحقّ يختالُ الدُّعاءْ

مُدُنٌ تُبنى.. فيخبو نورُها
وتُعيدينَ تَواريخَ البقاءْ

إسمُكِ القدوسُ أضحى غُنوةً 
تتسامى فوقَ ثغرِ الأنقياءْ

آهِ يا ترنيمةَ القلبِ النقيْ
مغرمٌ فيك، وفي الصدرِ شقاءْ

قد مسحتُ الدمعَ عنْ خديَّ كيْ
لا تقولي إنني أهوى البكاءْ

أنا إبنُ القدسِ.. منْ مثلي أنا؟
يتغنّى بوجودي العظماءْ
**
صفوت 

صفوتْ.. إذا قالوا: اصطفى
إسمي أنا.. قلت: كفى

بالطِّبّ قد كان الدوا
بالحبّ، أعطاني الدفا

كم من "رياضٍ" أزهرتْ
كم من مريضٍ قد شفى

لولاه عمري صرخةٌ
كانتْ هنا مُستنزَفه

رافقته في غربةٍ
كانَ الصديقَ الأشرفا

خلٌّ وفيٌّ نادرٌ
لا ليس يأتينا الجفا

صفوتْ طبيبي.. سجّلوا
كي تدركوا معنى الوفا
**
زغلول الدامور

ما دُمْتَ أنت الوزنُ والشعرُ الأجلّ
لا لستُ أرضى بالكلامِ المرتجلْ

زغلولَنا.. لم يأتِ مثلَك مبدعٌ
غنّيتَ شعراً قد يغنّيه الأزل

كم شاعرٍ جاء ولم نأبهْ به
ما أن حكى حتى تثاءبَ أو أفلْ

ما أن حكى حتّى تأفَّفَ سمعُنا
والشّعرُ من أشعاره ذاقَ الخجلْ

إلاّك يا نجمَ المعنّى والدّجى
نُصغي إليكَ العمرَ لا نخشى الملل

دامورُنا، لبنانُنا، شطآنُنا
تبكي الرحيلَ المرَّ يا فخرَ الجبلْ

سيدني، إذا واسيتَها، يا "هاشمي"
تشكو أنينَ الآخِ.. قُلْ لي ما العملْ؟ْ

ها هم رفاقُ الدّربِ، أصحابُ الوفا 
يرمونَ فوقَ النعشِ آلافَ القبلْ

قمْ ودّعِ الأصحابَ، هذا جمعهُمْ
عندَ "البهيَّة" شِعرهُم دمْعُ المُقلْ

حُزنٌ أليمٌ.. لو سمعتَ أنينَهم
لبكيتَ مثل الطفل من فيضِ الزعلْ

إنْ تسألِ الأرزاتِ عن عصفورها
دلّتْ على "الزغلول" كي يُصغي الحجل

صفّارةٌ إنْ صفّرتْ يحلو لها
أن تسرقَ الأسماعَ، أو تُعطي العسلْ

فالصوتُ صوتٌ رائعٌ مُسْتلهَمٌ 
والشّعرُ مثلَ الدرِّ في بحر الأمل

إنّا نحبّك.. لو سئلنا مرةً
كنّا أجبنا دون تفكيرٍ: أجل

إنّا نحبّكَ شاعراً متألقاً 
والحبُّ عندَ الغائبينَ بلا زغلْ

إنّا نحبّك، لا تسل يا شاعري 
منذ التقينا دار في الجوّ الغزل

جوزيفُ.. قل لي كيف يأتيكَ الفنا
والمجدُ أنتَ.. وأنتَ زغلولُ الزجلْ
**
علي وأسمهان

هذا علي بزّي، أيا عيني، اسْرحي
في قلبه العمران أغنى مطرحي

يا أسمهان الأمّ هذي صرختي
أنتِ الأخيّةُ، يا أخيّةَ، إفرحي

قد كان دمعي فوق خدّي جمرةً
والخدُّ يشتاقُ الأسى أن تمسحي

آهٍ علي.. لو بحتُ بالحبّ النقي
لتناقلتْ صوتي جميعُ الأسطحِ

أنتَ الأخُ المحبُوبُ، بل أنت الوفا
منذ التقينا لم تزلْ بجوارحي
**
 نايفة ابو حمد 

يا "نايفه".. لمْ أشكُ من أحزاني
لكنّ حزناً واحداً أبكاني
ما كنتُ أدري أن موتَك موجعٌ
لو ما "البهيةُ" حزنُها أضناني
موت الأمومةِ نارُه لم تنطفءْ
والدمعُ أفنى مهجةَ الأبدانِ
شمسُ "البنيّةِ" يا إلهي أظلمتْ
قولي ليصغي خالقُ الأكوانِ:
إني الحنونةُ لن أجافي إبنتي
إنّي الأمومةُ أبعدوا أكفاني
**