قصائد ريفية

 
ديوان "قصائد ريفية" بصوت الشاعر شربل بعيني

**
الغلاف للفنانة رندى بعيني
**
كتبتها قبل الهجرة عام 1970 ونشرت في الصحف البيروتية
**

عودة القطيع

أُمَّاهُ..
أُمَّاه..
هَيِّئِي الْمَاءَ الْبَارِدَ،
وَاسْكُبِي الْحَسَاءَ،
فَالشَّمْسُ اضْمَحَلَّتْ 
خَلْفَ الأُفُقِ الْبَحْرِيِّ،
وَالنَّسْمَةُ الْعَلِيلَةُ أَحْدَثَتْ بِي 
شِبْهَ قُشَعْرِيرَةٍ،
وَثُغَاءُ الْخِرَافِ يَنْسَابُ إِلَى أُذُنَيَّ
انْسِيَابَ الضَّوْءِ 
مِنْ طَاقَةِ كُوخِنَا الظَّلِيلِ.
أُمَّاه..
هَلُمِّي لِنَرْكُضَ مَعاً 
إِلَى الْمُنْعَطَفِ الْغَرْبِيِّ
حَيْثُ نَتَلَقَّفُ بِأَحْضَانِنَا 
أَخِي الْعَائِدَ مَعَ الْقَطِيعِ.
**
اليوم الأخير

كَيْفَمَا الْتَفَتُّ أَرَى الضَّبَابَ يَتَكَاثَفُ
وَيَتَعَالَى، كَالْوَهْمِ، نَحْوَ السُّؤْدَدِ،
وَالْوَادِي الْمَلآنَ بِخَابِياتِ الْبُخَار
سَوْفَ يَفْرَغُ بَعْدَ قَلِيلٍ،
وَالأَكَمَةَ الْمَكْسُوَّةَ بِجَنَائِنِ التُّفَّاحِ
سَتَغِيبُ كَالشَّمْسِ عَنِ الْبَصَائِرِ!
فَلِكُلِّ شَيْءٍ ظَاهِرٍ حِجَابٌ يَسْتَتِرُ وَرَاءَهُ،
وَلِكُلِّ جَبَلٍ شَامِخٍ وَادٍ
يَكْفِي لاحْتِضَانِهِ فِي الْيَوْمِ الأَخِير.
**
البحر الأزرق

أَمْسِ،
كُنْتِ هُنَا يَا حَبِيبَتِي،
ما الَّذِي أَبْعَدَكِ عَنِّي،
وَأَنْتِ الضَّوْءُ لِعَيْنَيَّ الزَّائِغَتَيْنِ؟
قُولِي..
هَلْ خَلْفَ الأُفُقِ أُفُقٌ آخَر؟
وَالْبَحْرُ الأَزْرَقُ،
هَلْ غَزَتْهُ مَرَاكِبُ الزَّهْرِ؟
وَهَلْ طَافَتْ عَلَى وَجْهِهِ
بَطَّاتُ الْمَوْسَمِ الْحَالِي؟
عَمَايَ جَعَلَنِي كَثِيرَ الْفُضُولِ،
فَاعْذُرِينِي.
**
غروب الشّمس

مَنْ يَوَدُّ رُؤْيَةَ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ
الْمُضَمَّخِ بِالْغَيْمِ الْهَائِمِ،
فَلْيَنْتَظِرْ غُرُوبَ الشَّمْسِ؟
هُنَاكَ، فَوْقَ الْبَحْرِ،
يُشْنَقُ الضَّوْءُ،
وَتَنْتَهِي أُسْطُورَةُ النَّهَارِ،
لِتَبْتَدِىءَ مَلْحَمَةُ اللَّيْلِ الْمُبْهَمِ،
الْحَاضِنَةُ الرُّعْبَ وَالْجَمَالَ،
الْمَكْتُوبَةُ بِرَذَاذِ النَّدَى
عَلَى وُرَيْقَاتِ الْحَوْرِ وَالزَّيْتُونِ،
الْمَنْشُورَةُ كَالنَّجْمِ السَّاجِدِ لِلْقَمَر.
**
أتربتي العطشى

غَرِيبَةٌ..
وَرَوْضِي يَعْرِفُكِ،
وَأَتْرِبَتِي الْعَطْشَى.
كَلِّمِينِي عَنْكِ،
خَبِّرِينِي أَشْيَاءَ تَافِهَةً
كَالنَّاسِ الْعَاطِلِينَ الْمُتَوَاطِئِينَ
مَعَ الْكَسَلِ وَالْخُمُولِ.
قُولِي إِنَّكِ سِرْوَالِي
وَجَوْرَبِي..
قُولِي إِنَّكِ أَنَا.. وَكَفَى.
**
حفيد الشمس

الْعَرْبَجِيُّ الْمُتَنَقِّلُ مِنْ دَسْكَرَةٍ
إِلَى دَسْكَرَةٍ،
أُصِيبَ بِضَرْبَةِ شَمْسٍ،
وَلَكِنَّهُ أَبَى التَّوَقُّفَ عَنْ عَمَلِهِ
الْمَجْبُولِ بِالْبَرِيقِ
وَالْحَرَارَةِ،
مَخَافَةَ أَنْ يُقَالَ عَنْهُ:
حَفِيدُ الشَّمْسِ خَافَ جَدَّتَهُ!
**
زهرة الغاردينيا

الرَّوْضُ يَبْكِي..
الرَّوْضُ يَبْكِي..
فَزَهْرَةُ الْغَارْدِينْيَا ذَبُلَتْ،
وَجَفَّ الْمَاءُ فِي عُرُوقِهَا.
لِمَاذَا؟..
لِمَاذَا رَبِّي..
وَالْجَمَالُ هُوَ أَنْتَ،
وَالسَّحَابَةُ الْمَشْحُونَةُ بِالْمَطَرِ،
تَنْتَظِرُ إِشَارَةً مِنْكَ؟!
تَبَخَّرِي، قُلْ،
وَاهْطُلِي،
لِتَعُودَ الْحَيَاةُ إِلَى الزَّهْرَةِ.
**
آلهة الجمال

سنْدِيَانَتِي هَذِهِ،
لَهَا مِنَ الْعُمْرِ أَرْذَلُهُ!!
تَظَلَّلَتْهَا إِفْرُودِيتُ إِلَهَةُ الْجَمَالِ،
وَتَبَوْدَرَتْ بِرَمَادِ فُرُوعِهَا.
هِيَ لَكِ، يَا حَبِيبَتِي،
تِلْكَ الْوُرَيْقَاتُ الْمَصْرُورَةُ،
فَاحْرُقِيهَا،
وَاسْحَقِيهَا،
وَتَكَحَّلِي بِرَمَادِهَا،
لأُحِبَّكِ أَكْثَر..
**
البيادر

ما أَجْمَلَ الْبَيَادِرَ!
عَرَقُ فَلاَّحٍ، وَجَنَى مَوْسَمٍ،
هِيَ الْبَيَادِرُ.
مَحَطُّ أَنْظَارِ الطَّيْرِ،
وَدَبْدَبَاتُ جَحَافِلِ النَّمْلِ،
هِيَ الْبَيَادِرُ.
صُرَاخُ أَطْفَالٍ عَابِثِينَ بِالْقَمْحِ،
وَدَرْدَشَاتُ عُشَّاقٍ هَائِمِينَ،
هِيَ الْبَيَادِرُ.
عَلَفُ مَاعِزٍ وَدَوَاب،
وَغَلَّةُ فَلاَّحٍ أَسْمَرَ أَعْطَى لِيَأْخُذَ،
هِيَ الْبَيَادِرُ.
**
السّرب الطائر

مَسَاءَ الْخَيْرِ يَا جَدَّة..
مَا لِي أَراكِ وَالذُّرَةَ فِي عِرَاكٍ؟
السِّرْبُ الطَّائِرُ!
مَا بِهِ؟!
هَكَذَا فَقَطْ؟!
سَطَا عَلَى الْحَبِّ أَثْنَاءَ نَوْمِكِ؟!
مِسْكِينَةٌ أَنْتِ يَا جَدَّة..
فَلَوْ كُنْتِ تُطْعِمِينَ الطَّيْرَ
لَمَا كَانَ يُؤذِيكِ..
فَالطَّيْرُ كَالطَّبَقَةِ الْفَقِيرَةِ عِنْدَنَا،
كُلَّمَا جَاعَ، اشْتَدَّ خَطَرُهُ أَكْثَر.
**
الجبل الأكبر

..وَصَعِدْتُ الْجَبَلَ الأَكْبَرَ 
بِقَدَمَيْنِ عَارِيَتَيْنِ،
دُونَ خَوْفٍ أَوْ رِعْدَةٍ،
وَالشَّوْكُ الْمُشْرَئِبُّ بِفُضُولٍ
يَلْسَعُنِي بِأَلْسِنَتِهِ الْحَادَّةِ،
وَلَـمْ أَحْفِلْ بِهِ..
كُنْتُ أَتَطَلَّعُ إِلَى الْقِمَّةِ،
وَالْقِمَّةُ عَالِقَةٌ بِالْفَلَكِ الضَّائِعِ.
مَنْ يَسْتَرْخِصْ ذَاتَهُ يَشْقَ.
**
يوم ممطر

الْيَوْمَ..
هَتَنَتِ السَّمَاءُ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْبَغِي،
لِذَلِكَ تَرَانِي قَابِعاً قُرْبَ النَّارِ،
أُشَنِّفُ أُذُنَيَّ بِزَمْزَمَتِهَا الْمُمَوْسَقَةِ
كَزَفْزَفَةِ الرِّيحِ الآتِيَةِ 
مِنْ خَلْفِ الشِّعَافِ الْبَعِيدَةِ،
وَسَفِيرُ الشَّجَرِ يَتَطَايَرُ فِي الْفَضَاءِ،
وَيُجَرِّحُ بِأَنِينِهِ بَدَنَ الْمَطَرِ وَيُدْمِيهِ.
**
الفرح الدّائـم

أَبْرِىءْ سَقَمِي..
خَلِّصْنِي مِنْ خُيُوطِ الْمَلَلِ الْمُتَرَبِّصِ بِي.
فَرُقَادِي يُثِيرُنِي فِي غُرْبَتِي،
يَهُدُّ كِيَانِي،
يُشَوِّهُ وَجْهَ أَحْلامِي،
وَيَقْطَعُ أَنْفَاسِي بِنَشِيجِ أَشْوَاقِي.
ظَلِّلْنِي بِفَرَحِكَ الدَّائِـمِ يَا وَطَنِي.
**
طلسم الحياة

لِمَاذَا لا نَشْعُرُ بِالدِّفْءِ
مَا لَـمْ تُشْرِقِ الشَّمْسُ،
أَوْ نُضْرِمِ النَّارَ؟!
هَلْ أَنَّ فِي أَجْسَادِنَا ثَلْجاً؟!
لِمَاذَا لا نَشْعُرُ بِالإِرْتِوَاءِ
مَا لَـمْ نَعُبَّ الْمَاءَ عَبّاً؟!
هَلْ أَنَّ فِي أَجْوَافِنَا صَحْرَاء؟!
وَلِمَاذَا لا يَعْشَقُ بَعْضُنَا بَعْضاً
مَا لَـمْ تُحَدِّقِ الْعُيُونُ بِالْعُيُونِ،
وَتَرْتَعِشْ فِي الصُّدُورِ قُلُوبٌ؟!
هَلْ أَنَّ فِي ذَوَاتِنَا مِرْآةً؟!
**
حرجي الشّمالي

إِحْمِلْنِي أَيُّهَا الضَّوْءُ إِلَى رُبُوعِ بِلادِي،
فَأَنْتَ أَسْرَعُ مِنَ الصَّوْتِ،
وَأَخَفُّ مِنَ الْهَوَاءِ.
مُشْتَاقٌ أَنَا لِتِلْكَ الأَرْضِ الطَّيِّبَةِ،
الَّتِي زَرَعْتُهَا بِأَشْجَارِ الزَّيْتُونِ الْخَضْرَاءِ.
قُلْ لِي، بِرَبِّكَ،
هَلْ شَاهَدْتَ حُرْجِيَ الشِّمَالِيَّ؟!
وَهَلْ أَعْطَيْتَ الْحَمَامَ بَعْضَ أَغْصَانِهِ؟!
أَنْتَ أَنَانِيٌّ أَيُّهَا الضَّوْءُ،
لأَنَّكَ تَسْتَأْثِرُ بِالسَّلامِ لِوَحْدِكَ.
**
مطلّقة

رَأَيْتُهَا،
قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ،
تَرْكُضُ نَحْوَ مَحَطَّةِ الْقِطَارِ 
لاهِثَةً خَائِفَةً.
اسْتَوْقَفْتُهَا،
وَسَأَلْتُهَا عَنِ اسْمِهَا،
فَأَجَابَتْ: مُنْذُ تَرَكْتُ بِلادِي، 
فَارَقَنِي اسْمِي،
فَفِي كُلِّ مَصْنَعٍ دَخَلْتُهُ،
كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَيَّ اسْماً جَدِيداً،
وَمَعَ الأَيَّامِ..
لَـمْ يَبْقَ لِي غَيْرُ اسْمٍ وَاحِدٍ،
أَخْجَلُ مِنْهُ خَجَلِي مِنْ نَفْسِي:
مُطَلَّقَةٌ!
**
زحلاويّ

جَارِي..
رَجُلٌ زَحْلاَوِيٌّ عَجُوزٌ،
تَقْدِرُ، إِذَا أَرَدْتَ،
أَنْ تَقْرَأَ فِي عَيْنَيْهِ مَلْحَمَةَ شَعْبٍ!
عَائِلَتُهُ هُنَا: تَهُزُّ الأَرْضَ،
كَمَا يَقُولُونَ،
وَتَمْتَلِكُ الأَحْلامَ وَالْيَقَظَةَ!
وَعَائِلَتُهُ هُنَاكَ: قَبْوٌ،
وَعِشْرُونَ رَأْساً مِنَ الْمَاعِزِ،
وَشَجَرَةُ خَرُّوبٍ وَارِفَةُ الظِّلالِ..
وَمَعَ ذَلِكَ تَرَاهُ يَهْتِفُ كُلَّ يَوْمٍ:
"أَيْنَ مِنْ عَيْنَيَّ هَاتِيكَ الرَّوَابِي؟!"
**
الحمامة الجذلى

غَسِّلِي رِجْلَيْكِ بِالطِّيبِ
يَا حَمَامَةَ الْغَابَةِ الْجَذْلَى،
فَالصَّعْتَرُ فَاحَ،
وَأَخْفَى عَبِيرَهُ فِي قُمْقُمٍ سِحْرِيٍّ
مَرْصُودٍ عَلَى جِذْعِ لَوْزَةٍ.
هَاتِي مِنْ بَهَائِكِ حَفْنَةً
لأَغْزُوَ بِهَا الطَّبِيعَةَ،
وَأَدُوسَ الرِّيَاضَ.
هَاتِي مِنْ جَدَائِلِكِ شَعْرَةً،
لأَخِيطَ بِهَا ثَوْباً
تَنْتَحِرُ عِنْدَ أَذْيَالِهِ الْوُرُودُ!
**
الأرجوحة

مَنْ يَرْكَبُ الأُرْجُوحَةَ؟
أُرْجُوحَتِي عِقْدُ سَوْسَنٍ مُطَعَّمٌ بِالْلازُوَرْدِ.
وَرِثْتُهَا عَنْ بَبَّغَاء عَجُوزٍ،
شَحِيحِ النَّظَرِ،
فَاقِدِ النُّطْقِ.
أُرْجُوحَتِي..
تَصِلُ الأَرْضَ بِالسَّمَاءِ،
وَالشَّمْسَ بِالْقَمَرِ،
وَالْجَمِيعَ الْجَمِيعَ بِلُبْنَانَ.
**
لبّ أنان

يَا عُقَابَ الأَرْضِ الطَّيِّبَةِ
سَاعِدْنِي..
أَنَا مَلِكَةُ الثَّلْجِ الشَّائِبِ،
تَرَمَّلْتُ مُذْ كَانَ الْخَلْقُ.
أَنْقِذْنِي مِنْ غُرْبَةِ التَّعَبِ وَالْقُنُوطِ.
طِرْ بِي إِلَى أَرْضِ الأَبَدِ،
إِلَى حَيْثُ سَكَنَتْ "دِدِتَّا"..
إِلَى "لُبِّ أَنَانَ"..
فَهُنَاكَ الدَّيْمُومَةُ تَرْقُدُ.
**
أوف.. أوف

قِفْ أَيُّهَا الْعَرْبَجِيُّ..
هَا قَدْ وَصَلْنَا.
مَرْحَى أَيَّتُهَا الْقَرْيَةُ الرَّبِيعِيَّةُ.. مَرْحَى.
فَالشَّوْقُ الَّذِي يُبَرِّحُنِي قَادِرٌ عَلَى قَتْلِي!
كَيْفَ حَالُ السُّنُونُوَّاتِ،
وَالْقِرْمِيدِ،
وَالْهِضَابِ؟
حَبِيبَتِي لَـمْ تَأتِ مَعِي،
وَلَكِنِّي حَمَلْتُ صُورَتَهَا.
أَشْعُرُ أَنِّي غَرِيبٌ..
أَيْنَ النَّاسُ؟!
الْوَحْدَةُ شَكٌّ، وَيْلِي مِنْهَا.
لِـمَ لا أُجَرِّبُ الْغِنَاءَ؟
"أُوفْ.. أُوفْ كَمْ أَنا مُزْعِجٌ!".
لِـمَ لا أُجَرِّبُ الْعَزْفَ؟
الْكَمَان.. هَا هُوَ..
"تَمْ.. تَمْ.. تَمْ.."
الْكَوْنُ بَدَأَ يَتَمَايَلُ.
الْكَمَانُ هُوَ أَنَا..
مَعَ الْعِلْمِ أَنَّنِي أُفَضِّلُ لَوْ أَكُونُ أُرْغُناً!
**
خريفي

خَلَعَ الرَّبِيعُ عَبَاءَتَهُ وَمَشَى،
بَعْدَ أَنْ دَفَنَ بَقَايَاهُ فِي قَعْرِ ذَاتِه.
كُلُّ الْمُرُوجِ تَأَوَّهَتْ،
وَتَأَهَّبَتْ لِلسَّيْلِ الْجَارِفِ
الآتِي مِنْ مُحِيطَاتِ الْغَيْمِ الأَسْوَدِ.
خَيِّمِي عَلَيَّ..
فَخَرِيفِي يَتَلاعَبُ بِي،
يُثِيرُ أَعْصَابِي،
وَيَجُرُّنِي نَحْوَ الْمَجْهُولِ.
مُدِّي يَدَيْكِ وَأنْقِذِينِي.
**
لا تتشاءموا

إذَا مَرَّ السَّحَابُ يَوْماً،
وَلَـمْ تُمْطِرِ السَّمَاءُ،
فَلا تَتَشَاءَمُوا..
لأنَّ الْمَطَرَ يَزُورُنَا سَاعَةَ يَنْفَعُ.
عَجِبْتُ لِفَلاَّحٍ زَرَعَ أَرْضاً مُجْدِبَةً
في فَصْلِ الصَّيْفِ،
وَراحَ يَنْتَظِرُ نُمُوَّ الزَّرْعِ،
وَلَمَّا طَالَ بِهِ الإِنْتِظَارُ،
سَجَدَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَرَاحَ يُصَلِّي
وَيَضْرَعُ لِلرَّبِّ،
وَالْحَبُّ مَا يَزَالُ رَاقِداً تَحْتَ التُّرَابِ
يَنْعَمُ بِالدِّفْءِ،
لَوْلا حُشْرِيَّةُ الْخَرِيفِ
وَرَذَاذُ مَطَرِهِ الْمُنْعِشِ!
عِنْدَئِذٍ تَمْتَمَ الْفَلاَّحُ مُبْتَهِجاً:
هَا قَد اسْتُجِيبَ دُعَائِي!
**
صفحة عمري

أُنَاوِىءُ حَنِينِي وَأَنْطَوِي أَلَماً..
تَحُوُّلٌ مُفَاجِىءٌ يُسَمِّرُنِي بِغُرْبَتِي،
يَشُدُّنِي إِلَيْهَا..
عَلَّنِي أُدَاوِي، بِقَطَرَاتٍ مِنْ حُرِّيَتِهَا،
هُبُوبَ الشَّرِّ،
وَتَمَايُلَ الأَهْوَاءِ فِي وَطَنِي.
طَأْ، قَلَمِي، صَفْحَةَ عُمْرِي.
فِ حَقِّي عَلَيْكَ،
وَارْسُمْ رُجُوعِي ثَوْرَةً تَبْنِي.
**
زهر الأنوثة

..وَحِينَ تَسَرْبَلْتِ زَهْرَ الأُنُوثَةِ،
تَعَلَّقَ رَوْضِي بِأَذْيَالِ ثَوْبِكِ
وَتَطَيَّبَ!
يَا الرَّاسِمَةُ عَلَى أَوْرَاقِي.. وَجْهَكِ،
السَّابِحَةُ فِي بَحْرِ حَنِينِي،
الطَّالِعَةُ كَالْحُلْمِ مِنْ أَرَقِي الطَّوِيلِ.
عَلَى أَبْوَابِكِ يَحْلُو انْتِظَارِي.
**
هفوة

تَتَجَزَّئِينَ أَمَامِي تَجَزُّؤَ الأَحْلامِ
عَلَى أَعْتَابِ يَقْظَتِي.
ائْتِمَانُكِ سِرِّي..
هَفْوَةٌ لا تُغْتَفَرُ!
أَوْقَعَنِي بِهَا انْبِهَارِي بِسِحْرِ عَيْنَيْكِ،
بِإِشْرَاقَةِ شَفَتَيْكِ،
بِتَوَثُّبِ الْفَرَحِ الْغَامِرِ طَلَّتَكِ.
ائْتِمَانُكِ سِرِّي..
سِرٌّ لَـنْ أَبُوحَ بِهِ!
**
شمس بلادي

غَابَتْ شَمْسُ بِلادِي
بَعْدَمَا شَوَّهَ اللَّيْلُ وَجْهَهَا،
وَقَصَّ جَدَائِلَ شَعْرِهَا الذَّهَبِيِّ الطَّوِيلِ!
غَداً..
تُشْرِقُ الشَّمْسُ مِنْ جَدِيدٍ،
وَتُرْخِي بَهْجَتَهَا عَلَى الْعُيُونِ الْبَائِسَةِ،
وَتُدْفِىءُ الْقُبُورَ الْمُثْقَلَةَ بِثِمَارِنَا.
انْتَظِرْنَا أَيُّهَا الضَّوْءُ..
فَالسُّنُونَ الَّتِي أَبْعَدَتْنَا عَنْكَ،
لَنْ تَمْنَعَنَا مِنَ اللِّحَاقِ بِكَ
وَالانْدِمَاجِ بِشُعَاعِكَ
**
الثقة بالنفس

يَشْزُرُونَنِي بِخُبْثٍ..
يُشَكِّكُونَ بِي وَبِأَعْمَالِي..
يُطْلِقُونَ حَوْلِي الشَّائِعَاتِ،
وَيُثِيرُونَ غَضَبَ الأَمْوَاجِ 
وَزَوْرَقِي مُبْحِرٌ!
سَارِيَتُهُ مُسْتَقِيمَةٌ..
أَشْرِعَتُهُ مَتِينَةٌ.
وَأَخْشَابُهُ مَقْطُوعَةٌ 
مِنْ شَجَرَةِ الثِّقَةِ بِالنَّفْسِ،
الَّتِي لا تَقْتَلِعُهَا رِيَاحُ الثَّرْثَرَةِ،
وَلا تُحَطِّمُ أَفْنَانَهَا أَنْوَاءُ الرَّذِيلَةِ.
زَوْرَقِي..
سَيَصِلُ بِإِذْنِ اللَّـهِ،
لأَنَّنِي عَلَى مَوْعِدٍ مَعَ التَّارِيخِ.
**
حسّادي

لَقَدْ كَثُرَ حُسَّادِي أَيَّتُهَا الْوَرْدَةُ..
وَأَنَا وَحِيدٌ مِثْلَكِ،
يَغْتَالُنِي النَّحْلُ بَعْدَ امْتِصَاصِ رَحِيقِي!
كَمْ هِيَ مُقْرِفَةٌ الْحَيَاةُ
عِنْدَمَا تَحْضُنِينَ الْفَرَاشَاتِ 
بِوُرَيْقَاتِكِ الرَّيَّانِةِ،
وَرَائِحَةُ أَفْوَاهِهَا تَتَلَصَّصُ عَبْرَ اللُّهَاثِ
لِتَسْرُقَ بَهْجَتَكِ!
لَقَدْ أَعْطَيْتُهُمْ جَمِيعَ مَا أَمْلِكُ،
وَمَعَ ذَلِكَ تَرَيْنَهُمْ يَطْمَعُونَ بِوُجُودِي!
**
غيمة ربيعيّة

أَيّتُهَا الطِّفْلَةُ الْمُلَقَّحَةُ ضِدَّ الْحُزْنِ،
الطَّالِعَةُ مِنْ ضَحِكَاتِ الْوِدْيَانِ
وَوَشْوَشَاتِ السَّوَاقِي،
أَعِيرِينِي خُصْلَةً مِنْ شَعْرِكِ الْحَرِيرِيِّ
لأُمَرْجِحَ الْفَرَاشَاتِ،
وَأُغِيظَ السَّنَابِلَ.
أَعْطِينِيهَا..
لأُطَيِّرَهَا بِالرِّيحِ غَيْمَةً رَبِيعِيَّةً،
تُبَاهِي بِلَوْنِهَا النَّاصِعِ الْبَيَاضِ
بُقَعَ الثَّلْجِ الرَّاقِدَةَ بِأَمَانٍ
عَلَى صُخُورِ قِرْنَتِنَا السَّوْدَاءِ.
حَنَانُكِ..
يُشَجِّعُنِي عَلَى طَلَبِ الْمَزِيدِ،
فَهَلاَّ تَحَنَّنْتِ عَلَيَّ؟!
**
أحراج الصّنوبر

كُلَّمَا اشْتَدَّ الْحَرُّ،
فَزِعْتُ إِلَى أَحْرَاجِ الصَّنَوْبَرِ
الرَّابِضَةِ فَوْقَ الرَّابِيَةِ الْخَضْرَاء.
لِي هُنَاكَ عِرْزَالٌ
وَفِرَاشٌ مِنَ الْقَشِّ.
أَنْسَى ذَاتِيَ الْمَلِيئَةَ بِالْخَطَايَا،
وَأَسْرَحُ مَعَ الْلاوَعْيِ،
وَأَغْرَقُ بِالصَّمْتِ،
كُلَّمَا دَخَلْتُ حَرَمَ الْجَمَالِ هَذَا،
وَشَمَمْتُ رَائِحَةَ الصَّنَوْبَرِ.
**
الواوي الغريب

الْوَاوِي الْغَرِيبُ الشَّكْلِ
هَجَرَ كَرْمَ الْعِنَبِ بَعْدَ قِطَافِهِ.
إِنَّهُ لَيُذَكِّرُنِي بِرَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الأُمَّ
لِجَفَافِ بَشَرَتِهَا!
آه لَوْ يَدْرِي هَذَا الرَّجُلُ
أَنَّ مَاءَ الْحَيَاةِ الْمُتَلأْلِىءَ
فِي عُيُونِ أَبْنَائِهِ،
كَافٍ لِجَعْلِهَا حُورِيَّةً
وَتَاجَ رَأْسٍ!
**
الدرب المضاء

سَمِعْتُهَا تَقُولُ لِوَحِيدِهَا الْمُسَافِرِ
إِلَى دِيَارِ الْغُرْبَةِ:
سِرْ يَا بُنَيَّ عَلَى بَرَكَةِ اللَّـهِ،
وَاتَّخِذْ لَكَ دَرْباً مُضَاءً
لِئَلاَّ تَنْتَابَكَ الْهَوَاجِسُ،
وَيُقْلِقَكَ الْغُمُوضُ.
وَتَحَلَّ بِالصَّبْرِ وَالْقَنَاعَةِ،
وَلا تَتَسَاءَلْ أَبَداً 
إِلى أَيْنَ يُوصِلُكَ هَذَا الدَّرْبُ،
طَالَمَا أَنَّ بِمَقْدُورِكَ الْمَسِيرَ عَلَيْهِ؟
**
طهر الورد

تَغَلْغَلِي بِجُمِّ الْوَرْدِ يَا أَصَابِعِي..
وَلا تَخْشَيْ خَرْبَشَةَ الشَّوْكِ الْمُؤلِمَةَ
وَوَشْمَهُ الدَّامِيَ،
وَانْتَقِي لِلْحَبِيبَةِ زِرّاً،
لَـمْ تَلْفَحْهُ عَيْنٌ بِبَصَرِهَا،
وَلَـمْ تَسْتَحْلِهِ نَحْلَةٌ.
فَطُهْرُ الْوَرْدِ يُضَاهِي،
فِي بَعْضِ الأَحَايِينِ،
أَرِيجَهُ!
**
معموديّة الحبّ

تَلاصَقْنَا، أَنَا وَحَبِيبَتِي،
بُغْيَةَ الإِعْتِمَادِ بِالطَّلِّ،
حَتَّى أَدْرَكَنَا الْهَزِيعُ الثَّانِي مِنَ اللَّيْلِ،
وَانْقَطَعَ الْخُفَّاشُ عَنِ التَّحْلِيقِ 
فَوْقَ رُؤُوسِنَا،
وَمُؤَانَسَتِنَا.
بَكَتْ هِيَ..
فَرُحْتُ أَحُثُّهَا عَلَى الْبُكَاءِ بَكَثْرَةٍ،
لأَنَّنِي افْتُتِنْتُ بِانْبِلاجِ الصُّبْحِ 
فِي عَيْنَيْهَا!
**
تراب

غَرِيبٌ تُرَابُكِ الْمُنْهَمِرُ مِنْ عَيْنَيَّ مَطَراً،
يَرْوِي سُوَيْعَاتِ النُّعَاسِ 
لِتَفِيضَ بِالصَّخَبِ الآتِي.
خُذِ الرُّقَادَ وَهَبْنِي نِعْمَةَ الإِنْتِظَارِ.
إِقْطِفْ أَحْلامِي،
وَاتْرُكْ لِي شَغَفَ الشَّوْقِ 
الْمُتَأَجِّجَ فِي دَمِي.
مَصِيري يَتَقَوْقَعُ في غُرْبَتِي،
يَغْتَالُ تَأَمُّلِي
وَفَرَحَ الأَطْفَالِ السَّاكِنَ أَعْمَاقي!.
**
صبيّ الأرز

هَبْنِي الأَمانَ يَا صَبِيَّ الأَرْزِ
لأَتَفَيَّأَ تَحْتَ ظِلالِكَ.
مَحْمُومَةٌ أَنا..
فَهَلاَّ دَاوَيْتَنِي وَأَشْفَقْتَ عَلَيَّ.
هَلاَّ أَسْقَيْتَنِي جُرْعَةً مِنْ ماءِ الْبَخُورِ
الْجَاري فِي أَحْشَاءِ جَبَلِكَ.
رُحْمَاكَ، نَسِّمْ..
نَسِّمْ قَلِيلاً لأَنْتَعِشَ..
يا بَدْءَ الْكَوْنِ وَنِهَايَتَهُ.
**
الظلمة الموحشة

قِفْ..
قِفْ يَا نَهَارِي.
فَالظُّلْمَةُ مُوحِشَةٌ،
وَمَصَابيحُ اللَّيْلِ هَجَرَتِ السَّمَاءَ
بَعْدَمَا شَحَّ بِهَا الزَّيْتُ،
وَانْقَطَعَ الْعَالَـمُ عَنِ الصَّلاةِ.
صَلُّوا لِنَنْعَمَ بِالضَّوْءِ..
فَأَطْفَالُنَا مُشْتَاقُونَ لِهَمَسَاتِ النَّجْمِ،
وَوَشْوَشَاتِ الْكَوَاكِبِ،
أَثْنَاءَ سَهَرَاتِهِمِ الْحَالِمَةِ.
لِـمَ انْقَطَعْنَا عَنِ الإِبْتِهالِ وَالتَّرَاتِيلِ؟
أَلِنَسْتَزِيدَ بِالْحُرُوبِ؟
أَمْ لِنَنْعَمَ بِالسُّكُوتِ
وَنُصَابَ بِالْبَلاهَةِ؟!.
**
لا ترحلي

يَقُولُونَ إِنَّ الْغُرْبَةَ قَاحِلَةٌ
كَصَحْرَاءَ يُخَاصِمُهَا الرَّبِيعُ..
وَلَكِنَّ غُرْبَتِي أَزْهَرَتْ
وَعَطَّرَتْ بِعَبِيرِهَا الْفَوَّاحِ
زَوَايايَ النَّتِنَةَ الْبَارِدَةَ،
وَبَدَأْتُ أَشْعُرُ بِدِفْءِ الرَّبِيعِ،
وَبِهُطُولِ اخْضِرَارِهِ
عَلَى الْمُرُوجِ الْبَعِيدَةِ.
قُدُومِكِ إِلَيَّ..
كَانَ رَبِيعاً بِحَدِّ ذَاتِهِ،
فَلا تَرْحَلِي.
**
كفني

قَدَرِي.. أَنْ أَبْقَى فِي غُرْبَتِي،
أَخِيطُ بِنَاظِرَيَّ كَفَناً شَاحِباً
أُخَيِّرُهُ بِيْنَ تُرَابٍ وَآخَرَ!
كَفَنِي.. يَتُوقُ لِتُرَابِي،
وَوَطَنِي بَعِيدٌ وَمُعْتَقَلٌ
لَقَّحَهُ شَعْبِي بِخُمُولِهِ وَخُنُوعِهِ،
فَصَادَرَهُ اللُّصُوصُ.
**
ذكرى

مَهْمَا بَعُدْتِ..
وَابْتَلَعَتِ الْمَسَافَاتُ آثارَ قَدَمَيْكِ،
فَلَسَوْفَ تَبْقِينَ فِي الْعَيْنَيْنِ صُورَةً،
وَعَلَى الشَّفَتَيْنِ لَحْنَاً وَابْتِسَامِةً،
تَتَتَلْمَذُ عَلَيْهِمَا ثُغُورُ الْفَتَيَاتِ.
لَقَدْ كَبُرَ الْقَلْبُ فِيكِ،
فَاحْمِلِيهِ ذِكْرى إِلَى الرُّبُوعِ..
هُوَ كُلُّ مَا أَمْلِكُ فِي غُرْبَتِي!.
**
منحدرات

جَمِيعُ الْمُنْحَدَرَاتِ الَّتِي أَمَامِي،
تَنَازَعَتْهَا السُّيُولُ الْحَاقِدَةُ،
بَعْدَ أَنْ سَلَخَتْ عَنْ أَبْدَانِهَا 
بَشَرَتْهَا التُّرَابِيَّةَ،
وَصَلَّعَتْ عِظَامَهَا الصَّخْرِيَّةَ 
أَمَامَ عَيْنِ الشَّمْسِ.
لَـمْ يَكُنْ لِلْمُنْحَدَرَاتِ وَقْتٌ لِلْبُكَاءِ،
أَوْ لِلتَّأَفُّفِ،
لأَنَّ دَيْمُومَةَ الْحَيَاةِ كَانَتْ تَدْفَعُهَا بِشِدَّةٍ
إِلَى خَلْقِ بَشَرَةٍ جَدِيدَةٍ،
يَقْدِرُ أَنْ يَفْتَرِشَهَا الرَّبِيعُ بَعْدَ أَسَابِيعَ.
**
أشيائي

هَاجَتِ الأَشْيَاءُ يَا كُلَّ أَشْيَائِي،
يَا احْتِمَائِي مِنْ بَرْدِ الشَّيْخُوخَةِ..
شَرِبَ الْوَجَعُ دَمِي،
وَاشْرَأَبَّتْ أَضْلُعِي لِتَرَى وَجْهَكِ الْمُنْتَظَرَ.
كِبَرِي يُضَاجِعُ شَهْوَتِي،
وَأَنْتِ لَـمْ تَأْتِي بَعْدُ..
لَـمْ تُلَقِّحِي ثَمْرَةَ أَحْشَائِكِ بِنُضُوجِي.
يَا طِفْلَتِي الْمَمْشُوقَةَ كَالنَّخِيلِ،
الصَّافِيَةَ كَعَيْنِ النَّسْرِ،
هَبِينِي شَفَتَيْكِ..
لأَسْتَوْدِعَهُمَا نِيرانِي.
**
عزوبيّتنا

عِنْدَما انْهَمَرَ شَعْرُكِ الْفَحْمِيُّ 
عَلَى صَدْرِي
اخْضَوْضَرَتِ الْحُقُولُ،
وَانْتَشَتِ الطُّيُورُ
وَأَنْشَدَتْنَا بَهْجَتَهَا.
بَيْنَمَا الْفَلاَّحُونَ يَحْصُدُونَ 
سَنَابِلَ قَمْحِهِمِ الصَّفْرَاءَ،
لَيَصُوغُوا مِنْ ذَهَبِهَا الْخَالِصِ أُسْوَاراً
وَخَاتَمَيْ زَوَاجٍ،
نَحْبِسُ فِيهِمَا عُزُوبِيَّتَنَا.
**
ثرثارة

الْكَلِمَاتُ الَّتِي تَتَلَفَّظِينَ بِهَا 
غَالِيَّةُ الثَّـمَنِ،
فَلا الشُّعَرَاءُ أَتَوْا بِمِثْلِهَا،
وَلا الْفَلاسِفَةُ..
كَالسِّحْرِ تَسْرِي إِلَى أُذُنَيَّ،
تَجْعَلُنِي أَرْتَعِشُ،
أَنْتَعِشُ..
وَالْفَرَحُ يَقْرَعُ أَبْوَابِي.
أُحِبُّكِ،
عَكْسَ جَمِيعِ الاصْطِلاحَاتِ وَالأَذْوَاقِ،
... ثَرْثَارَةً!
**
وريقة خريفية

خَفِّفِي مِنْ عَوِيلِكِ أَيَّتُهَا الرِّيحُ،
فَلَقَدْ جَرَّحْتِ أُذُنَيَّ،
وَمَلأتِهِمَا بِغُبَارِ وَحْشَتِكِ،
وَأَنَا ضَعِيفٌ أَمَامَكِ،
تَتَلاعَبِينَ بِي
كَوُرَيْقَةٍ خَرِيفِيَّةِ الْمَلامِحِ
غَزَا الْيَبَاسُ عُرُوقَهَا،
فَثَكَلَتْهَا الشَّجَرَةُ!
**
اللعنة العظمى

وَاسُوا الأُمَّ الْحَزِينَةَ،
بَلْسِمُوا جِرَاحَهَا،
قُصُّوا عَلَيْهَا حِكَايَاتِ الأَبْطَالِ،
الَّذِينَ يَحْتَضِنُ الْخُلُودُ أَسْمَاءَهُمْ.
أَخْبِرُوهَا أَنَّ ابْنَهَا الشَّهِيدَ لَيْسَ وَحِيداً..
فَلَقَدْ آخَاهُ الْمَجْدُ،
وَأَنْجَبَتْ مِنْهُ الشَّهَادَةُ.
قُولُوا لَهَا أَيَّ شَيْءٍ يُرِيحُهَا،
وَيُعِيدُ الابْتِسَامَةَ لِثَغْرِهَا الْقُرْمُزِيِّ الْجَمِيلِ،
فَاللَّعْنَةُ الْعُظْمَى،
يَفْرُزُهَا دَائِماً حُزْنُ الأُمَّهَاتِ.
**
أديب

دَعِ الأُمُورَ تَأْخُذْ مَجْرَاهَا..
فَالأَشْيَاءُ الَّتِي صَنَعْتَهَا
تَتَعَطَّرُ الرَّوْعَةُ بِقَطَرَاتِ نَدَاهَا.
لا الْغَيْرَةُ تَطْمُسُهَا،
وَلا ثَرْثَرَاتُ الْخَانِعِينَ.
يَا سَاكِنَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ اشْرَئِبَّ..
يَا مَالِكَ السَّعَادَةِ وَالإِبْدَاعِ تَفَجَّرْ..
يَرَاعُكَ تَهَابُهُ السَّلاطِينُ،
وَتَخُرُّ أَمَامَهُ الْحُرُوفُ سَاجِدَةً.
كُنِ الْوَاحِدَ الأَحَدَ،
لِتَكُنْ عَظَمَتُكَ مِنَ عَظَمَةِ اللَّـه.
**
إنسان

كُلَّمَا تَطَايَرَتْ وُرَيْقَةٌ مِنْ شَجَرَةٍ
بَعْدَ نُمُوٍّ وَاخْضِرَارٍ.. أَبْكِي.
لأَنَّنِي أَرَى الإِنْسَانَ فِيهَا،
بِكُلِّ حَنَانِهِ وَضُعْفِهِ،
بِكُلِّ عُنْفُوانِهِ وَجَبَرُوتِهِ.
أَرَاهُ مُسْتَسْلِماً كَالْهِرِّ،
وَمُتَسَلِّطاً كَالطَّاغُوتِ.
يَعْتَدُّ بِنَفْسِه،
يَشْمَخُ،
يَتَأَلَّهُ،
وَفِي لَحْظَةٍ خَاطِفَةٍ يَذْوِي.
وُرَيْقَةُ الشَّجَرَةِ والإِنْسَانُ 
يُثِيرَانِ شَفَقَتِي!
**
دم الأزل

.. وَشَرِبْتُ مِنْ دَمِ الأَزَلِ كُؤوساً
سَكِرْتُ بَعْدَهَا،
وَرُحْتُ أَضْحَكُ.
النَّعِيمُ.. دُسْتُهُ بِقَدَمَيَّ،
وَشَوَّهْتُ وَجْهَهُ بِالسُّكْرِ.
غَفَوْتُ عَلَى حَجَرٍ،
يُقَالُ إِنَّهُ نَيْزَكٌ..
شَمَمْتُ رَائِحَتَهُ: عَنْبَرٌ!
ذُقْتُهُ،
فَمَا وَجَدْتُ لَهُ طَعْماً!
وَعِنْدَمَا اسْتَيْقَظْتُ،
وَجَدْتُ رَأْسِي عَلَى زَنْدِ حَبِيبَتِي.
أَنَا، مَا هَمَّنِي مَنْ أَكُونُ
طَالَمَا أَنِّي لا أَدْرِي كَيْفَ أَعِيشُ!
أَبْرُقُ.. ثُـمَّ أَخْتَفِي.
أَرْعُدُ..
وَأَصْمُتُ كَالْحُزْنِ.
سَحَابَةٌ مِنَ الضَّيَاعِ تَلُفُّنِي!!
**
غيوم دكناء

غُيُومٌ دَكْنَاءُ تَتَلَبَّدُ فِي أَجْوَائِنَا،
وَتَشْرَبُ مِنْ مِيَاهِنَا،
دُونَ أَنْ نَدْرِي.
الْحُزْنُ،
كَالْخَطِيئَةِ، يَأْتِي وَيَرْحَلُ سَاعَةَ يَشَاءُ.
هَنِيئاً لأَطْفَالِنَا الصِّغَارِ،
فَالْبَسْمَةُ تُعَشِّشُ وَتَلِدُ فِرَاخَهَا 
عَلَى أَفْوَاهِهِمْ.
هَنِيئاً لَهُمْ..
لأَنَّهُمْ رَمْزُ السَّعَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ.
**
رعشة الحبّ

لَـمْ أَكُنْ أَدْرِي أَنَّ لِلْحُبِّ رِعْشَةً كَهَذِهِ!
شُكْراً..
فَفَضْلُكِ عَلَيَّ وَبَعْضُ آثَارٍ.
لَيْلَةٌ وَاحِدَةٌ مُقْمِرَةٌ صَافِيَةٌ 
كَصَفَاءِ وَجْهِكِ،
كَانَتْ كَفِيلَةً بِإِرْجَاعِي إِلَى الضَّيَاعِ.
كَمْ هُوَ حُلْوٌ الضَّيَاعُ مَعَكِ،
وَلَذَّتُهُ كَمْ تَفُوقُ لَذَّةَ الْخَمْرَةِ الْمُعَتَّقَةِ
وَأَنَا أُعَاقِرُهَا.
لَـمْ أَكُنْ أَدْرِي..
فَشُكْراً لَكِ عَلَى كُلِّ هَذَا،
وَخُصُوصاً أُمْسِيَةَ نَيْسَانِ الْوَرْدِيَّةَ..
فَلَنْ أَنْسَاهَا.
**
تساؤلات

مَاذَا أَفْعَلُ الْيَوْمَ؟!
أَأَفْلَحُ الْجُنَيْنَةَ الصَّغِيرَةَ؟
أَأُقَلِّمُ بَعْضَ الأَغْصَانِ الفُضُولِيَّةِ؟
أَأَصْطَادُ الطُّيُورَ
وَهَذَا عَيْبٌ وَجَرِيمَةٌ؟
أَمْ أَتَسَلَّقُ الْهَضْبَةَ الْمُعَنَّقَةَ 
فَوْقَ الشَّلاَّلِ؟
كَمْ يَبْتَئِسُ الْمَرْءُ 
عِنْدَمَا لا يَفْعَلُ شَيْئاً،
وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى فِعْلِ كُلِّ شَيءٍ!
**
إبن الطبيعة

مَعَّازُ الْقَرْيَةِ نَبِيٌّ أَنَا مِنْ أَتْبَاعِهِ.
مَزَامِيرَ يَنْفُخُ مِنْ شَبَّابَتِهِ،
وَآيَاتٌ تَتَهَادَى فَوْقَ لُهَاثِهِ.
هَلُمُّوا يَا أَنْقِيَاءَ الْقُلُوبِ
نَسْتَقِ مِنْ يَنَابِيعِ خَلاصِهِ.
إِبْنُ الطَّبِيعَةِ هُوَ،
وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُ أَحْيَا النُّفُوسَ.
**
خبثاء

تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْخُبَثَاءِ
لأُرِيحَكُمْ مِنْ خُبْثِكُمْ،
مِنْ لَوْثَةِ النَّذَالَةِ،
الَّتِي تَجْتَاحُ قُلُوبَكُمُ السَّكْرَانَةَ 
بِخَمْرِ الْحَسَدِ
وَالضَّغِينَةِ.
تَعَالَوْا إِلَيَّ..
لأُرِيَنَّكُمْ نَمْلَةً تَجْنِي مَؤُونَةً،
وَنَحْلَةً تَفْرُزُ عَسَلاً،
بَعْدَ أَنْ أَرْضَعَتْهَا الزَّهْرَةُ رَحِيقَ بَتَلَتِهَا.
تَعَالَوْا إِلَيَّ..
فَحُضْنِي وَاسِعٌ، وَبَالِي طَوِيلٌ.
**
عيناك

كُلُّ الأَشْيَاءِ تَشُدُّنِي إِلَى الْوَرَاءِ
إِلاَّ عَيْنَاكِ اللَّتَانِ تَزْخَرَانِ 
بِطَاقَاتٍ لا تُحْصَى.
فَمِنْ شَمْسِهِمَا أَسْتَمِدُّ نُورِي،
وَأَمَامَ مِرْآتِهِمَا أُشَذِّبُ ذَاتِي،
وَعَلَى شَاطِئِهِمَا أَغْسِلُ فُضُولِي
وَأَنَانِيَّتِي،
وَفَوْقَ أَمْوَاجِهِمَا
أَتَأَرْجَحُ كَطِفْلٍ صَغِيرٍ
لا يَحْسُبُ لِلْغَدِ حِسَابَا.
حَدِّقِي بِي..
كُلَّمَا أَحْسَسْتِ بِضُعْفِي.
**
مرابع الشّمس

تَعَالَيْ نَرْكُضْ صَوْبَ مَرَابِعِ الشَّمْسِ،
حَيْثُ الظِّلالُ تَنْدَثِرُ
مُخَلِّفَةً وَرَاءَهَا خُيُوطاً مِنْ ضَبَابٍ.
تَعَالَيْ نُعَانِقِ الْقِرْنَةَ السَّوْدَاءَ،
وَنَحْفُرِ اسْمَيْنَا عَلَى جُذُوعِ صُخُورِهَا
الْمُثْقَلَةِ بِالْعُنْفُوَانِ وَالْمَجْدِ.
يَا أَيَّتُهَا الْبِدَايَةُ..
هُنَاكَ.. هُنَاكَ فَقَطْ،
سَأَنْزِفُ نِهَايَتِي.
**
عابر سبيل

اللَّوْزَةُ الَّتِي زَرَعَهَا جَدِّي قُرْبَ بَيْتِنَا
ما زَالَتْ تُطْعِمُنَا بِسَخَاءٍ،
كَمَا لَوْ أَنَّ زَارِعَهَا حَيٌّ يُرْزَقُ!
وَهَكَذَا أَيْضاً حَالُ شَجَرَةِ الْكَرَزِ
الَّتِي غَرَسَهَا وَالِدِي عِنْدَ مَدْخَلِ الْحَدِيقَةِ!
مَاذَا تُرِيدُنِي أَنْ أَزْرَعَ لَكَ يَا بُنَيَّ؟!
فَمِنْ حَقِّكَ أَنْ تَأْكُلَ،
وَمِنْ حَقِّي أَنْ أَطْمَئِنَّ
وَأَرْتَاحَ
قُبَيْلَ الرَّحِيلِ.
**
الإنتظار

وَانْتَظَرْتُ قُدُومَ الضَّوْءِ
عَلَى أَجْنِحَةِ السَّرَابِ ،
كُنْتُ وَلْهَاناً!
كُنْتُ افْتَكَرْتُ أَنَّ ضَوْءَ عَيْنَيْكِ
سَرِيعُ الطَّيَرَانِ كَالْحُبِّ!
آه.. كَمْ أَنَا بَائِسٌ ..
فَالرَّبِيعُ الْحَالِيُّ عَلَى وَشَكِ الإِنْقِضَاءِ .
أَسْرِعْ ..
أَسْرِعْ ..
فَالإِنْتِظَارُ يُدَمِّرُ كِيَانِي ،
أَيُّهَا الضَّوْءُ الْمُثْقَلُ بِالتَّعَبِ .
**
المستنقع

غَاصَتْ رِجْلايَ بِالْوَحْلِ ،
خُذْ بِيَدِي يَا بُنَيَّ ،
سَاعِدْنِي عَلَى اجْتِيَازِ طَرِيقِي بِأَمَانٍ .
وَلَكِنْ حَذَارِ أَنْ تَسِيرَ فَوْقَ الْبُقَعِ 
الْمُغَطَّاةِ بِالْعُشْبِ ،
الرَّابِضَةِ كَسُلَحْفَاةٍ عَجُوزٍ
فَتَحْتَ بِسَاطِهَا الْهَادِىءِ
يَرْقُدُ مُسْتَنْقَعٌ قَاتِلٌ .
**
ابتسمي

لا شَيْءَ يَرْوِي غَلِيلِي كَالإِبْتِسَامَةِ .
إِبْتَسِمِي.. 
وَخُذِي النَّجْمَ وَالْقَمَرَ ،
وَشَالاً مَغْزُولاً مِنْ غُيَيْمَاتِ الصَّبَاحِ ،
وَكَالْوَرْدَةِ السَّكْرَانَةِ بِالنَّدَى كُونِي ..
وَبِالنَّسِيمِ ،
لأَحْضُنَكِ بِرِمْشِي وَأَرْحَلَ ..
**
انهمار الضّوء

أَتُصَدِّقُونَ أَنَّنِي رَأَيْتُ انْهِمَارَ الضَّوْءِ
مِنْ خِلالِ قَطَرَاتِ دَمْعٍ ؟!
كَانَ هَذَا ..
يَوْمَ انْغِمَاسِ اللَّيْلِ فِي الْحُقُولِ ،
وَابْتِعَادِهِ عَنْ شُرُفَاتِ الْمَنَازِلِ الْوَاطِئَةِ .
هَنِيئاً لأَمْثَالِي مِنَ النَّاسِ ،
فَهُمُ الْوَحِيدُونَ الْقَادِرُونَ 
عَلَى شِرَاءِ السَّعَادَةِ
.. وَبَيْعِهَا!
**
الوجوه الخبيثة

عِنْدَمَا انْحَنَتِ الشَّمْسُ لِلْعَتْمَةِ،
خِلْتُ الْوُجُودَ اضْمَحَلَّ،
وَطَائِرَ الْحُبِّ عَضَّهُ الْبَرْدُ 
فِي الأَقَالِيمِ الشِّمَالِيَّةِ.
أُفٍّ!
 كَمْ لِلسَّوَادِ مِنْ ضَرَرٍ
رَغْمَ سُكُونِهِ،
وَطَمْسِهِ لِمَعَالِـمِ الْوُجُوهِ الْخَبِيثَةِ 
الَّتِي أَلْتَقِيهَا،
كُلَّمَا انْدَلَقَ فِي الْوَادِي شُعَاعٌ.
**
مجدليّا

حُبِّي يَزْدَهِي بِكِ يَا أَرْضَ الآبَاءِ 
وَالأَجْدَادِ
يا مِجْدَلَيَّا..
يا قَرْيَتِي الْمُمَجَّدَةَ أَبَدَ الدَّهْرِ
بِأَحْلامِ بَنِيكِ الْيَقْظَى،
الْمَكْتُوبَةَ بِعَرَقِ جَبِينِهِمْ رَاحَةً لَهُمْ،
الْمَرْسُومَةَ فِي صَحَارَى غُرْبَتِهِمْ
وَاحَاتٍ تُنْعِشُ وَتُظَلِّلُ.
خَبَّأْتُ بِاللَّهْفَةِ عَيْنَيَّ
لأُعَرِّيَهُمَا لَحْظَةَ التَّجَسُّدِ أَمَامَكِ!
**
أنت بعيني

هُناكَ في مَزْرَعَةِ الشُّوفَ
بنَى أجدادي الأوائلُ
صرحاً مِنَ الْمَجْدِ
فلقد وَزّعوا أبناءَهم
على الْكَوْنِ أجْمَعْ
أرادوا أن يَكونوا الأرقَى عائلياً..
الأسمى دينياً..
والأعظم إنسانياً..
فَجَمَعوا الطوائفَ كلّها
في عائلةٍ واحدةٍ
لدرجةٍ صارَ المرءُ منّا يهتف 
عندَ لقاءِ أخيهِ:
أنتَ بعيني!
**
حكاية القمر

تَعَالَيْ لأُخْبِرَكِ حِكَايَةَ الْقَمَرِ،
هذَا الرَّفِيقِ السَّمِيرِ
وَالْحَبِيبِ الدَّائِمِ.
الْقَمَرُ يَا قَمَرِي:
قَلْبُ "سَمُوسِ" الْعَاشِقِ،
الَّذِي لَعَنَتْهُ الآلِهَةُ،
فَتَنَاثَرَتْ أَجْزَاؤهُ فِي الْفَضَاءِ الْوَاسِعِ،
وَاسْتَحَالَتْ أَنْجُماً،
مَطَراً،
وَصَحْواً.
أَمَّا قَلْبُهُ،
فَبَقِيَ مَكَانَهُ،
مُشِعّاً بِحُبِّ "بْرِيسْكَا" حَتَّى الآنَ!!
أَرَأَيْتِ مَا فَائِدَةُ الْحُبِّ
يَا قَمَرِي؟!
**
شَاعر القرية

يَعْرِفُنِي الْجَمِيعُ..
يَعْرِفُنِي الْجَمِيعُ..
النَّاسُ،
وَالزَّهْرُ،
وَالْهَوَاءُ،
وَالسُّنُونُوَةُ الْعَجُوزُ
الَّتِي رَبَّيْتُهَا مِنْ خَمْسِ سَنَوَاتٍ وَنَيِّفٍ
وَبَيْتِيَ الْمَغْرُوسُ قُرْبَ السَّاقِيَةِ 
الْمُسْتَقِلَّةِ عَنِ النَّهْرِ،
إِنْ جَاءَهُ زَائِرٌ يَخَالُهُ مَهْجُوراً،
لِكَثْرَةِ مَا يُحِيطُ بِهِ مِنَ الْعُلَّيْقِ 
وَالْقُنْدُوْلِ،
وَلَيْسَ فِي الْقَرْيَةِ شَاعِرٌ غَيْرِي
**
يقظتي المنشودة

تَغْتَالُنِي الْخَلْوَاتُ في صَوْمَعَتِي،
وَأَيَّامِي السَّحَابِيَّةُ الْمَزَاجِ
تَمُرُّ مُثْقَلَةً بِالْهُمُومِ
وَبِالآلامِ.
أَنْقِذْنِي أَيُّهَا الْمَارِدُ،
ثَبِّتِ الأَرْضَ تَحْتَ قَدَمَيَّ،
وَدَعْنِي أَجْتَزْ مَسَافَاتِ الْحُلْمِ،
لأَصِلَ يَقَظَتِي الْمَنْشُودَةَ.
**
أمي

أَيَّتُهَا الصَّلاةُ الْمُقَدَّسَةُ،
الَّتي أَتْلُوها دَائِماً،
فِي الْيَقَظَةِ وَالْحُلمِ
أَيَّتُها الرَّسُولَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّـهِ،
لِتُتَلْمِذِي الأُمَمَ،
وَتُعِدِّي الأَجْيالَ الصَّالِحَةَ.
كَمْ مَرَّةٍ، في حُضْنِكِ الدَّافىءِ،
بَنَيْتُ عُرُوشاً مِنَ الْخَيَالِ؟!
كَمْ مَرَّةٍ، تَسَلَّقْتُ يَدَيْكِ لأَصِلَ جَبْهَتَكِ،
وَأَطْبَعَ عَلَيْهَا قُبْلَةً،
عَلَّنِي أَرُدُّ وَلَوْ بَعْضاً مِنْ تِلْكَ الْقُبُلاتِ،
الَّتي كُنْتِ تُمْطِرِينَني بِها؟
لَقَدْ كَبُرْتُ، وَكَبُرَ مَعِي حُبُّكِ،
فَأَنْتِ بِحَدِّ ذَاتِكِ حُبٌّ، صَلاةٌ وَقَداسَةٌ.
أَوَ لَمْ يَقُلْ أَحَدُ الْفَلاسِفَةِ:
الدُّنْيا أُمٌّ.
**
المعلم

يا سَيِّدَ الأَسْيادِ،
وَمُعَلِّمَ الأَجْيالِ،
وَواضِعَ التِّيجانِ
عَلَى رُؤوسِ أَرْفَعِ مُلُوكِ الأَرْضِ مَقاماً.
شُعُورُنا نَحْوَكَ لأَكْبَرُ 
مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ،
وَمَحَبَّتُنا لَكَ لا تُوصَفُ.
قُدْمُوسُ، رَبُّ الْكَلِمَةِ،
عِنْدَما خَطَّ أَوَّلَ حَرْفٍ
عَلَى بَصِيصِ قِنْديلٍ منَ الزَّيْتِ،
كانَ يَعْلَمُ، تَماماً، 
أَنَّ هَذَا الْحَرْفَ الصَّغِيرَ
سَيَنْقَلِبُ شَمْسَاً مُشِعَّةً، تُنِيرُ الْكَوْنَ كُلَّهُ
فَعَلَيْكَ، إِذَنْ، تَقَعُ مَسْؤولِيَّاتٌ جَمَّةٌ
أَلاَ وَهِيَ
تَنْشِئَةُ الْجِيلِ الصَّاعِدِ
وَتَوْجِيهُهُ تَوْجِيهاً صَحِيحاً
وَتَثْقِيفُهُ ثَقَافَةً تَلِيقُ بِعَظَمَةِ 
وَرُقِيِّ الشُّعُوبِ كافَّةً
أَنْتَ وَالنُّورُ تَوْأَمانِ
فَكِلاكُما تُنِيرانِ أَمامَنا سُبُلَ الْحَيَاةِ.
**
صلاتي

دَقَّتِ السَّاعَةُ الْوَاحِدَةُ 
بَعْدَ مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ
وَأَنا ما زِلْتُ رَاكِعاً أُصَلِّي
وَدُمُوعي تَنْسَابُ عَلَى وَجْنَتَيَّ بِبُطْءٍ
وَهِيَ تَتَلأْلأُ عَلَى ضَوْءِ الشُّمُوعِ
الَّتي تَذُوبُ لِكَي تُنِيرَ ظُلْمَةَ الآخَرينَ
رَكَعْتُ أُصَلِّي
وَالرِّياحُ تَعْصِفُ
تَثُورُ فِي الْخَارِجِ
وَالأَمْطارُ الشَّديدَةُ تَدُقُّ
عَلى زُجاجِ شُبَّاكِيَ الأَخْضَر
وَكَأَنَّها تُريدُ الدُّخُولَ
كَيْ تُشَارِكَني صَلاتي
الشَّمْعَةُ تَذُوبُ
وَأَنا اُصَلِّي
وَخُيُوطُ الْفَجْرِ 
تَتَسَلَّلُ عَبْرَ وُرَيْقاتِ الأَشْجارِ
وَصَوْتُ الأَطْيارِ بَدَأَ يَتَصاعَدُ 
مِنَ الأَوْكارِ
وَسُطُوحِ الْقِرْميدِ الأَحْمَرِ
الشَّمْعَةُ ذَابَتْ
وَلَكِنَّ الصَّباحَ قَدْ أَشْرَقْ.
**
فرص الدَّهر

فُرَصُ الدَّهرِ
تأتي، دائِماً، مَعَ بُزوغِ الْفَجْرِ
وَها هُوَ القَهْرُ يَتَدَخَّلُ في شُؤوني،
يُريدُني أن أشاركَهُ الخَوْفَ
الْمَرَضَ،
وَعَدَمَ الاستقرار!
أَنا سعيدٌ ، يا قَهْرُ،
وَكَلّ الدورُب قَطَعتُها بابتسامةٍ..
فلا تَدَعْ صدى صوتِكَ يُخيفُني..
حَبيبتي،
رَسَمَتْ استقراري قَناعةً،
أَوْدَعتها عُيوني.
**
ملاك

قَبْلَ أنْ تَقُولي كلمةً
كُنْتِ الملاكَ
وَكانَ حُبُّك سَمائي.
خُذي مِفتاحَ قَلْبي
وادخُلي خِيامي خَيْمَةً خَيْمة
لأستقبلك بَطلة
ترتجّ الكتبُ من خَطَواتِها.
ها أنا أمُدُّ يَدي
دَعي قَصائدك تنتظرني
وَكُلَّ دَواوين الشُّعراء
مؤلـمٌ ضَياعي بدونِك
خُذي بِيَدي
وارسُميني ابتسامةً.
**
طينة واحدة

.. وَهَلْ نَحْنُ مِن طينةٍ واحدة
وَالكُلُّ يُغَنّي عَلَى لَيْلاهْ؟!
آهْ يا با آهْ
تَوَقّفْ أَيُّها الحَكَمُ النَّبيلُ تَوَقَّفْ
فالنّاسُ لا يُحِبُّونَ الأحكامَ المعلَّبَةَ
كَأَعْضائهم النحيلةِ،
المسروقةِ من خَزائنِ الفقرِ الأصفرِ
لتجميل أجساد الأغنياء وإعادةِ صياغَتِها.
شَغِّلْ عَينَيْكَ، أيُّها الحَكَمُ، نَبِّهْ أَصابِعَكَ..
واسمَحْ لكل المتبارين بالرَّفسِ
ولن يَطالَكَ سوءٌ..
فالمتفرجون يتمسَّكون بحقِّ المِتْعَةِ..
وإلاَّ أُلْغِيَتِ الدَّورةُ..
مَتِّعْهُمْ.. كَي لا يتَحوَّلَ كَلامُكَ ناراً..
وَطينتُكَ غُباراً..
بَشِّرهُم، أنَّ عُقولَهُم واحدة،
وَطينَتَهُم أصناف!
**