مقدمة
بقلم جوزاف بو ملحم
كأنّه حبّ من العالم العلوي قد هبط إلى هذه الأرض.
الحبيبةُ كليةُ الاستحوذاية من غير أنانية متبعة، أو مخططة، أو مدروسة، أو حتى موجودة:
ناجى المعبودَ..
فأوحى له اسماً..
من وهجه يبتسمُ
هي "فافي" وجهٌ مصريٌّ
هيَ شمسٌ صاغتها الحِكمُ
حبّ عاش بين الكلمات، ونما على التويتر، وترعرع على الفايس بوك، فشهد له الإيمايل:
رسائُلها
فرحةٌ التقيتها وجهاً لوجه.
أملٌ
عائد بعد معاناة،
لذةٌ
لا يشعر بها إلآّ المتيمون.
حب أرفعُ من السقوط في الماديات، لا يلعب الجسدُ فيه دوراً. إنه منعتق من كل القيود، متفلّت من كل الضوابط:
أتمنى الجنونَ
كـ ميّ زيادة..
والموتَ وحيداً
كـ جبران خليل جبران..
شرط أن ألتقي "فافي"
مرّة ثانية.. ولو بالحلم.
هنا روحانيةٌ سماوية خارج إطار كلمات أهل الأرض، عليك إجهادُ نفسك لتقنع عقلك بأن هذا الجنون المتبادل هو بحق أرقى وألذ أنواع الجنون:
أنطونيو أعلنَ انكساره.
سلّمني دفاترَ غرامه.
هناك خربشاتٌ لم أفهمها
يفوحُ منها صوتُ عبد الوهّاب
رميتُ دفاتره في التاريخ
ورفعتُ راية كُتبَ عليها:
"مجنون فافي".
أقسمَ بالله أنه يحبّها أختاً نادرة، وأقسم بالله أنها مغرمة به أخاً مميزاً:
رنّمي يا بلابلَ لبنان:
مباركٌ الآتي باسم الربّ.
إصدحي يا حساسينَ أستراليا:
طلعَ الفجرُ علينا.
وافرحي يا أهرامات مصر..
لقد وجدتُ أختي.. "فافي".
بأمّ عيني رأيته يقبّل يدها بشدّة، فتذكّرت جبران وفيروز في قصيدة المحبة التي "لا تعرف عمقها إلا ساعة الفراق":
أما أنا.. فلقد التقيتُ "فافي"
أسبوعاً كاملاً..
وجهاً لوجه..
ابتسامة بابتسامة..
قصيدة بقصيدة..
وعندما رفعتْ يدها مودعةً
قبّلتُ تلك اليد.
ولكن، هل افترقا حقاً؟:
اليوم، أهدتني "فافي"
سطرين من الشعر،
أفنيتُ عمري لأحظى بمثلهما:
ـ "أنت غيمةٌ تُمطر شعراً
وأنا جِنيّة صغيرة تطير بين الشجر".
اليوم، أصبحتُ شاعراَ.
في السيّارة كان كلامه لي بالسرّ عنها.. وعلى موقعه "الغربة" كان كلامه علناً عنها..
التغطيات المصورة هي نجمتها.
مقالاتها، مقابلاتها، قصائدها، أخبار تحركاتها، إيمايلاتها، ملأت صفحات غربته الموقع، وانتشلته من جحيم غربة الحياة:
رحلتها القصيرة في أجوائي
عطّرت أجوائي.
كانت أطهرَ من قديسة..
وأشرفَ من زوجة.
كانت سيدةَ المكانِ والزمان..
لا يغبّر نعليها انفتاحٌ.
ولهذا أحببتها.
علوياً هو يحبّها كثيراً، ويدعو الناس الى محبّتها:
يا رجالَ العالم، يا شعراءَه الأفذاذ..
أحبّوا "فافي"
غازِلوها.. ارسلوا لها الورودَ..
دبّجوا لها قصائدَ الغرام..
ولا تخافوا لومةَ لائم..
إنها أختي..
وأنا أبصمُ لكم على بياض..
أما أرضياً فهو يغار عليها وعلى سمعتها.
يغار عليها حتى من حاله، فكان دائماً يأمرني مستجدياً أن أكون بصحبتهما!
وها هي "فافي" تشهد على ذلك:
طبعًا تذكرتُ..
الشقيقاتُ الثلاث
والتليفريك
ودوشةُ المُعجبين
وصندوقُ اللعب
وأنتَ
وجوزاف
وأنا
وحقيبتي الضائعة
وشالُ الحرير....
ويغارُ عليها من أصدقائه الكثيرين خوفاً من أن ينظر أحدُهم إليها نظرة أهل أرض.
ولا غروَ.. فهي الجميلة بكل تقاسيمها، الجذابة المقنعة في كل ما تكتب:
زحمةٌ قاتلةٌ يسببها المعجبونَ في حلقي،
أفتّش عن كلمةٍ أستدرجُها بها،
فإذا بهم يسبقونني إليها،
يجاهرون بها دون خوف.
حبُّهم لها مَلِكٌ تاجُه هرمٌ.
حبّي لها عبدٌ قيدُه قبرٌ.
هم الأقوى.. وأنا الأضعف.
فارثوا لحالي.
فتراه يتتبّع أخبارها بالدقائق واللحظات، ويسألُ ويستنبش عنها بالتفاصيل والدقائق:
.. وبعد مراجعةِ صفحتها على "الفايس بوك"
وجدتُ أن عددَ المجانين بها،
أكثر من دقّاتِ قلبي.
توقف قلبي عن النبضان
تضامناً معي.
أيها القراء والمتصفحّون، أنا هنا ما أردت أن أكتب مقدمة ديوان من شعر، أو كتاب مراسلة بين شاعرين، فغيري، من بين أصدقائهما، كثيرون أجدرُ وأكثر كفاءة وأرفع قامة.
حسبي فقط أني شاهدٌ بأمِّ العين على حبّ لا نظير له على هذه الأرض.
**
ـ1ـ
حين التقيتُ "فافي" أصبتُ بدهشة الأطفالٍ،
فَغَرتُ فمي، ورحتُ ألتهمُ وجهَها بناظري.
ولسانُ حالي يردّد: مستحيل.. مستحيل..
ـ2ـ
ستونَ سنة، وأنا أرسمُ شكلَ أختي..
أمشّط شعرها.. أورّد خدّيها.. أكحّل عينيها..
ألبسها الفستانَ الذي يعجبني،
الحذاءَ الذي لم تنتعلْه سندريلا.
أردتُها أن تكونَ الأجمل خَلقاً وخُلقاً
قلباً وعقلاً، حناناً وابتسامة
فإذا بي أقفُ أمام "فافي"..
ـ3ـ
والدي، كان يحلمُ بابنةٍ تزيّن شبّانَه الستة.
شرط أن تكون شاعرة.
فالشعرُ كان غذاءَه اليومي.
والدتي.. كانت تردّد على مسمعي:
لو رزقني الله بابنة لأسميتها "فرح".
وأطلّ الفرحُ مع "فافي".
ـ4ـ
راسلتها كثيراً.. مازحتها كثيراً..
وأهديتُها الشعرَ والأماكنَ..
كانت بعيدةً كأمل، وقريبةً كحلم..
وعندما تلقّحَ الأملُ بالحلم: وُلِدت "فافي".
ـ5ـ
كلّ ما فيها جميل: طلتُها، ابتسامتُها، حديثُها،
ثقافتُها، خفّةُ دمها وشاعريتُها.
باختصارٍ شديد.. إنها "الأختُ" التي رسمتُ.
ما من شيءٍ ناقص..
سوى الإعلانِ عن اسمها.
ـ6ـ
يا رجالَ العالم،
يا شعراءَه الأفذاذ.. أحبّوا "فافي"
غازِلوها.. ارسلوا لها الورودَ..
دبّجوا لها قصائدَ الغرام..
ولا تخافوا لومةَ لائم..
إنها أختي، وأنا أبصمُ لكم على بياض..
ـ7ـ
يا نساءَ الكون.. أحبِبْنَها، كرّمنَها،
إجعلنَها القدوةَ والنبراس..
هيَ لكُنّ الصوت إن بحّت أصواتكنَّ.
وهي لكُنَّ الأمل، إن صادروا آمالكنّ.
نادراً ما تجتمعُ الأمهاتُ بامرأة!
نادراً ما تنبتُ البطولةُ بطلة.
"فافي" هي "جان دارك" مصر.
ـ8ـ
أحبّك يا "فافي" نكايةً بكل أعدائك..
وإن لم يكن "للملائكة" أعداء؟
كوني الأخيّةَ لكل محروم،
البلسمَ لكل مظلوم.. الدمعةَ لكل أمٍّ ثكلى..
فلن أسمّيكِ "فرح" كما حلُمتْ أمي..
ولن أسميكِ "فافي" كما شاءَ أهلُك..
سأناديك، وليسمعِ الأصم: أختي..
ـ9ـ
رنّمي يا بلابلَ لبنان:
مباركٌ الآتي باسم الربّ.
إصدحي يا حساسينَ أستراليا:
طلعَ الفجرُ علينا.
وافرحي يا أهراماتِ مصرَ..
لقد وجدتُ أختي.. "فافي".
**
فافي
ـ1ـ
الشّعرُ يؤرّقه ألمُ
تبكيه الأحرفُ والقلمُ
داواهُ الطبُّ بأدويةٍ
لم تنفعْ مَن فيهِ سقَمُ
ـ2ـ
مسكينٌ.. كم عانَى وجعاً
ما زال يَضجُّ ويحتدمُ!
صحراءُ الهجرِ تحيطُ به
والعطشُ الكافرُ ينتقِمُ...
ـ3ـ
ناجى المعبودَ.. فأوحى له
إسماً.. من وهجِهِ يبتسمُ
هي "فافي" وجهٌ مصريٌّ
هيَ شمسٌ صاغتها الحِكمُ
ـ4ـ
هي مجدُ النيلِ.. ورونقُهُ
هيَ حرفٌ.. تشتاقهُ قممُ
هي بوحُ الحبّ.. مُمَوسقةٌ
يختالُ برفقتها النّغمُ
إن كان "طبيبٌ" لا يُشفي
ناداهُ إلى الحُبِّ.. الهَرَمُ
**
ألملمُ دمعي
ـ1ـ
كطفلةٍ بريئةٍ داعبها المساءْ
تصيحُ: "واااااو" مرّةً ويا إلهي مرتينِ
إنْ أنا أهديتُها الأماكنَ والشِّعرَ والهواءْ.
ـ2ـ
غنجُها التجاهليُّ يؤلمني
وكأنها لم تدركْ بعد أنني طوّبتُ لها أستراليا
بمَن فيها وما فيها.
ـ3ـ
ألم تخبرْها الحواسُّ الخمسُ
أن الجبالَ الزرقاء، والسهولَ الخضراء
انقلبتْ صحراءَ جافةً يومَ غادرَتْها..
وأنّى لها استرجاع اخضرارها
إلاّ بعد عودة "فافي"؟
ـ4ـ
قاسيةً كانت.. حين حملتْ حقائبها.. ورحلتْ
تاركةً وراءها حيوانات الكنغر
والكووالا والنعامات والدجاج والطيور
تلعق جراحاً لن تندمل.
ـ5ـ
الأمكنةُ التي أحبّتها
وقبّلت، من فرحِها، نعلَ حذائها..
لم يزرْها سائحٌ، ولم تلوّنْها ريشة.
ـ6ـ
قاسيةً كانت "فافي" يوم اعتقلت سؤالاً حزيناً
أبتْ أن تُطلِقَ سراحَه:
ماذا سيحدثُ للعيونِ المبللةِ
والقلوبِ الخافقةِ إنْ هي غابتْ؟
وكأن العيونَ والقلوب
لم تُنر قاموسَها الشعري؟.
ـ7ـ
إذا عادتْ "فافي"
سترمي أستراليا الحجزَ عليها!
مغادرتُها لها
تعارضتْ مع أبسط حقوق الانسان
وانتهكت الفقرةَ الأولى من قانون الشعر
والشعر لا يرحم.. لا يهادن..
متى استبدّ به الاشتياق.
ـ8ـ
محامي الدفاع يفتّش عن ممسكٍ ضدها..
هديتُه إلى مواقعِها الإلكترونية الكثيرة،
فلشتْ أمامه مقالاتها،
أسمعته جميع أحاديثها المتلفزة،
وبعد عناء وسهر سمعته يصيح:
وجدتُها.. وجدتها
ـ9ـ
المحامي يهمسُ في أذني
وأنا كأبي الهول صامتٌ:
وقعتْ المدّعى عليها في فخ كلامها
سنحجزها العمرَ كله.
أبشري يا استراليا.. رنّمي يا ببغاوات
واشمخي يا جبال!
ـ10ـ
المحامي يقترب مني أكثر،
يصفعني بعبارةٍ غجرية
قالتْها "فافي" دون وعي منها
نقلاً عن شاعرها شكسبير:
ـ "ما الضوءُ؟ إذا ما أمكنني رؤيةُ سيلفيا
ما الفرح؟ إذا لم تكن سيلفيا بالقرب مني"
ـ11ـ
المحامي يرقص طرباً
والأوراق تتطاير من حقيبته
وأنا ألملمُ دمعي.
**
مُقعدٌ في غربتي
ـ1ـ
إذا وهَبتْني القلبَ.. سأهبُها العمرَ،
وباقةً من قصائدَ مهجريّةٍ،
لم يكتبْها يَراعٌ، لم يحفظْها كتابٌ،
ولم تلتهمْها عين.
ـ2ـ
إذا وهبتني القلب..
سأغني لـ "فافي" موّالَ حبي القرويّ،
وأدوزنُ على أوتار غربتي
رنينَ ضحكتها الصاخبة.
ـ3ـ
أفٍ.. كم لضحكتها من سحرٍ لا يُقاوَم.
جميع السمفونيّات الخالدة، ضبطوا إيقاعَها
على صوتِ قهقهتها الساحرة..
فأشرق اللحنُ وتوجّعتُ أنا.
ـ4ـ
ذات ليلة.. شهدتْ عليها قطعُ البيتزا الهرمية..
صرختُ في أذنيها، كشاعر لسعه جمالُ امرأةٍ
على حين غفلة: كم أنت جميلة يا "فافي"!
حملتْ نظارتها المرمية على الطاولة
ودون أن تلتفتَ إليّ، أو تعيرَ تغزّلي اهتماماً،
أهدتها للأنف الشامخ، وللعينين الغجريتين.
وأهدتني الخجل..
ـ5ـ
غريب أمري مع فافي..
لا قلبُها لي.. ولا الابتسامة.. حتى ولا المكان..
فكيف أرتقي سلالمَ العشق
وأنا مُقعدٌ في غربتي.
**
طبيبتي النفسية
ـ1ـ
"فافي" هيَ مُنقذتي..
أقولها بدون مقدّمات أو خجل.
كنتُ بحاجة الى امرأة تحترمُني كرجلٍ،
تقرأني كشاعرٍ، تحبّني كإنسان،
فإذا بها تتجسّدُ أمامي كفرحةٍ طائشة.
ـ2ـ
هي هبةُ السماءِ إليّ..
جاءتْ من الغيب، لتمنحني الحقيقة.
رحلتها القصيرة في أجوائي، عطّرت أجوائي.
كانت أطهرَ من قديسة.. وأشرفَ من زوجة.
كانت سيدةَ المكانِ والزمان..
لا يُغبّر نعليها انفتاحٌ.
ولهذا أحببتها.
ـ3ـ
اعتبرتُ نفسي خبيرَ نساءٍ
فإذا بالنساء يحطمنني.
كرهت الجنس الآخر..
لم اعدْ أعترف به..
نونُ التأنيث، محوتُها من ذاكرتي
أشعارُ الغزل.. أقسمتُ ألا أعاقرَها..
طالبتُ المحلاتِ التجارية
بعدم استيراد العطر النسائيّ، لأنه سامٌّ.
وها هي "فافي" بأسبوعٍ يتيمٍ تدجّن كرهي..
وتنقذني كشاعر..
ـ4ـ
طبيبي النفسي لم يصدّق عينيه:
الشاعرُ يتغزّل بامرأة..
يقبّل يدَ السكرتيرة..
يمازحُ سيدة تنتظرُ دورها.
الشاعر.. لم تعدُ تخيفه الأسماءُ النسائية.
الشاعر.. يريدُ أن يلغي جميعَ مواعيده الطبيّة.
تطلّع بشهاداته المشنوقةِ
على الحائط وصاح:
ـ من هي؟
ـ فا..
ـ ما اسمُها؟
ـ في..
ـ من أين؟
ـ من كل مكان..
ـ ماذا تعمل؟
ـ شاعرة
برتبة طبيبة نفسية..
ـ أريد أن أراها حالاً
حالاً..
حالاً..
ـ5ـ
شزرته مشفقاً عليه..
قِسته من أعلى
إلى أسفل.
رأيتُ الكذبَ في عينيه،
الجشعَ في يديه..
خفتُ أن يسرقها مني!
ـ6ـ
غادرتُ عيادته..
حفرتُ اسمي على بابها الخارجي.
رميتُ ملفي في سلّة القمامة.
ورحتُ أرندح موالي اللبناني كبلبلٍ عاشق:
هيهات يا بو الزلف
عيني يا مولَيّا
"فافي".. يا أحلى شمس
غلّي بعينيّا
**
سراب
ـ1ـ
حبّي لـ "فافي".. سرابٌ بسراب..
أقتربُ منه فيتلاشى.
أحاول التقاطه، فيفرُّ من أمامي كأرنب خائف.
هو يحسن الكرّ والفرّ،
وأنا أحسن التقاطَ الخيبة.
ـ2ـ
متى يحالفني الحظ؟
متى أتخلّى عن حزن روميو ويأس قيس؟
متى أصبحُ بطلَ رواية
ينتهي فصلُها الأخير بانتصاري؟
أحلامٌ جميلةٌ تراودني
سرعان ما تتحطّم على جفنيّ لحظة استيقاظي.
ـ3ـ
من أنا كي تعشقني "فافي"؟
من أنا كي تحنو عليّ بنظرة؟
مهلاً.. مهلاً..
الوردةُ تعشق الشوك، الشمسُ تلازم الصحراء،
والنجمة تسامرُ الظلام!
ليتني كنت الشوكَ والصحراءَ والظلام..
كي ترميني بنظرةٍ تنهي عماي،
وترسم دربي؟.
ـ4ـ
السرابُ يتكاثف، يشتدّ رعونة وخشونة،
يحاول خنقي..
عبارتها المشجعة أنقذتني:
ـ "كن قوياً يا شاعري".
جمّعتُ قواي
ق + و + ا + ي
ولم أنتصر.
حبّي السرابيُّ خذلني.
**
جنيّة وغيمة
ـ1ـ
اليوم،
عند الساعة التاسعة صباحاً،
أهدتني "فافي"
غابة من الأشجار،
بعد أن طيّرتني غيمةً
في فضاءٍ،
مساحته
لا تتعدى مساحة قلبها.
ـ2ـ
اليوم،
بدأ اهتمامي بحكايا الجنيّات..
استعنت بـ"غوغل"
شاهدت آلاف الرسوم،
قرأت مئات القصص،
عاينت عشرات الأفلام،
ولم أجد أجمل
من
جنيّتي.
ـ3ـ
اليوم،
بدأت أمطر شعراً..
كنت جافاً كصحراء،
قاحلاً كوجه عابس،
ومشرذماً كأمَّة طائفيّة.
مطري أنعشَ الصحراءَ..
لوّنَ الوجوهَ الكالحة..
ووحّد الأمة..
مطري هو دمعةُ "فافي".
ـ4ـ
اليوم،
أهدتني "فافي"
سطرين من الشعر،
أفنيت عمري لأحظى بمثلهما:
ـ "أنت غيمةٌ تُمطر شعراً
وأنا جِنيّة صغيرة
تطير بين الشجر".
اليوم،
أصبحت
شاعراَ.
**
جبران ومَيّ وفافي
ـ1ـ
حين أفكّرُ بجبران خليل جبران
يجتاحني الحزن..
أحبَّ مي زيادة
ولم يرمِ شِباكَ بصره المشتاق
في بحيرةِ جمالها.
الرسائلُ التي حملت حبَّهما
عبر البحار،
كان لموزّع البريد
الفضلُ الأكبر
في حمايتِها من الضياع..
لولاهُ
لما عرفا الحب.
ـ2ـ
أما أنا..
فلقد التقيتُ "فافي"
أسبوعاً كاملاً..
وجهاً لوجه..
ابتسامة بابتسامة..
قصيدة بقصيدة..
وعندما رفعت يدها مودعةً
قبّلتُ
تلك
اليد.
ـ3ـ
تقولُ الحكاية،
ونادراً ما تكذب،
إن الجنون تملّك ميّ
لأنها لم تمتلك جبران..
كان بالنسبة لها
تمثالَ إلهٍ
يجب اقتناؤه.
لكن "بوسطن" الإمبريالية
سبقتها إليه،
حجزته في غرفةٍ باردة،
وأرسلته الى "بشري"
جثة هامدة.
ـ4ـ
مي لم يهمسْ جبرانُ بأذنها
كلمة واحدة..
"فافي" همستِ الكثير،
ولم تهمسْ شيئاً:
ـ خبّرني بالله عليك
من أي قبسة نور
خلقكَ الله؟
جبران مات حزيناً
أما أنا..
فسأموتُ
غيظاً.
ـ5ـ
أتمنى الجنونَ كمي زيادة..
والموتَ وحيداً
كجبران خليل جبران..
شرط ان ألتقي "فافي"
مرّة ثانية..
ولو بالحلم
ـ6ـ
ما أصعبَ أن يعيش الشاعرُ
في عصر المستحيلات.
ما أصعب أن يتعذّب الشعراءْ.
**
بريدها الالكتروني
ـ1ـ
الغربةُ التي عانيتها
لعقودٍ منَ الزمن،
تلاشتْ أمام استهتارها بي.
أكتبُ لها في اليوم عدّة رسائل..
ألهبُ بريدي الالكتروني..
وبريدُها
مومياءُ
محنطّة.
ـ2ـ
إذا تكارمتْ عليّ "فافي"..
تكتبُ جملة واحدة..
كلماتُها لا تتعدّى أوراقَ زهرة!
أمّا إذا تباخلتْ..
"فالهوتْ مايلْ دوتْ كومْ"
يصبحُ بارداً كالقطبِ الشماليّ،
يائساً كالقطبِ الجنوبي،
ومُضجراً
كيومي.
ـ3ـ
الرسائلُ التي تنعمُ بها عليّ
بحرصٍ شديد..
ذكّرتني ببخلاء الجاحظِ
أوقفتْهم أمامي
واحداً
واحداً
أهدتهم بخلَها..
وراحتْ تضحك.
ـ4ـ
آه.. لو تعلم
أن رسائلها القليلة،
هي كلّ ما أملك،
وما سوف أملك.
ـ5ـ
رسائلها فرحةٌ
التقيتها وجهاً لوجه.
أملٌ عائد بعد معاناة،
لذةٌ لا يشعر بها إلآّ الُمتيمون.
ـ6ـ
إذنْ.. سجّلوا اعترافي،
انشروه على الأسطح،
احفروه على صنوبر بيروت:
أنا مغرمٌ برسائل "فافي" الالكترونية.
**
بوذا
ـ1ـ
جميعُ الآلهة تعلم أن "فافي"
مجنونةُ تماثيل.
أخبرتُها عن تمثالٍ أملكه..
وبدون أيّ اهتمام تمتمت:
ـ ارسلْ لي صورته.
وصلتها الصورة..
صاحتْ:
ـ "يا إلهي!
هذا بوذا الحبيب
ارسلْه فوراً فوراُ فوراً"
هنا..
أركعتني الغيرة.
ـ2ـ
ندمتُ على ذكر التمثال،
وندمتُ أكثر على إرسال صورته..
ورحتُ أرندح، كالسكران، مثلاً
قرأته في مفكرة جدّي:
"لسانك حصانك
إن صنته صانك.”
حاولتُ أن أسترضيها بتمثالٍ
فإذا بها تعشقه
أكثر منّي.
شزرته بعينين غاضبتين وصحتُ:
حتى أنتَ.. يا بوذا.
ـ3ـ
صراخُها يصمّ أذنيّ..
نداءاتها المتكررة ألهبتْ بريدي
هي لم تهتم بي وبرسائلي من قبل
تمثالُ بوذا هو الذي غيّرَها،
وهو
الذي
جنّني.
ـ4ـ
صراخُ "فافي" تحوّلَ الى تهديد.
والويل
الويل
لمن لا يأخذ تهديدَها
بجدية وحنكة:
ـ بوذا لي،
فحذار حذار منذ اللحظة
أن يمسّه سوءٌ.
حافظ عليه
كما تحافظ على مقتنيات الغرباء
أعددتُ له مكاناً في مكتبة الآلهة
والأوثان
والدروع
والنياشين".
وأنا أيضاً..
أعددتُ له صندوقاً
من الورق المقوّى
كي لا ينكسرَ قلبُ "فافي".
ـ5ـ
تمثالُ بوذا
ما زال في مكتبي،
هيّأته للرحيل،
غسلته جيداً..
قبّلت يديه..
وطلبت منه أن ينقل اشتياقي إليها.
قطّب شفتيه،
ولم يتكلّم.
أعدتُه الى مكانه،
ورحتُ أرددُ كراهب حبيسٍ:
كم أنتَ محظوظ يا بوذا
وكم أنتَ تعيسٌ
يا شاعر.
ـ6ـ
فافي أجابتني،
أفحمتني،
دوّختني،
وبأقرب قلم مبْريٍّ.. طعنتني:
ـ سأتعلم ألا أكون تلقائيةً
حين الحديث إليك،
أقتلُ فِطرتي
أترقّبُ الكلماتِ
حين تترَى من مداد قلمي
قبل أن تركضَ صوبَ عينيك
أتربّصُ بأفكاري
قبل أن تغادر عقلي
إلى عقلك
أستعيدُ الرياضياتِ
وعلومَ الحساب
والهندسة
لأحسبَ حروفي بدقّة
وأقيسَ زواياها وأضلاعَها
وانحناءاتِ أقواسِها
قبل وصولها إلى حاسوبك
وأقرأ وقعَها في نفسك
قبل أن تلجَ مقلتيك
تلك ضريبةُ الحديث مع الشعراء
الكلام مع الشعراء خَطِرٌ
خطورةَ الوقوف
فوق فوهة بركان نشط
لهذا يقولُ الربُّ:
لا تُجرّبْ شاعراً!
مكتوبٌ.
في المرّة القادمة
سأقولُ لكَ:
ذاك بوذا
أحدُ أوثان الآسيويين المجانين
نصّبوه إلهًا
وما أعلنَ عن نفسه إلا زاهدًا
عبدوه،
فيما كان يبحثُ- مثلهم- عن الله
وضعوا أمامَه صحنًا
يملأونه كلَّ يومٍ بالتمر والسكر
وهم لا يدرون أنه صائمُ الدهر،
حائرون
ركضوا خلف حائرٍ
يجرجرون ذيلَ ثوبِه الرثّ
فنهض من جِلستِه الأبدية المنذورة
مزّق الثوبَ
ثم ركضَ معهم
نحو الله.
ذاك المسكينُ الذي تغارُ منه
لا يستحقُ إلا شفقةَ المُحبين
والشعراء
فلا تَغرْ منه
وامنحْه منديلا أبيضَ
ليجففَ السنواتِ
التي تتساقطُ فوق جبينه
في عُزلتِه.
طوبى للمجانين
وطوبى للأوثان
وطوبى للشعراء
والويلُ،
كلُّ الويلِ
لأصدقاء الشعراء.
القاهرة/ 2 فبراير 2013
ـ7ـ
الويل لي..
أنا.. أنا
"فافي" رمتني خارجَ الزمن
أجرّ أسمالَ شعري.
ألعنُ خيبتي وضياعي.
فبدلاَ من أن تضيئني في "أكتوبر" 2013
أرجعتني الى الوراء،
حبستني في ظلمة "فبراير" 2013
بعد أن ثوّرتها،
أغضبتها،
وأزعجت "بوذاها".
ما هَمّني..
طالما نلتُ اهتمامَ.. "فافي".
**
حاول
ـ1ـ
قاموسُ العشّاق
يحتوي على ملايين الكلمات المشجعة،
منها: حاولْ.
البارحة.. حاولت.
أرسلتُ لـ "فافي" قصيدة لا تُقاوَم،
فقاومت..
أخبرتها قصّةً لا تنسّى،
فنسيت.
الإحباطُ الذي اجتاحني
كان أقوى من إعصار كارولينا القاتل
ومع ذلك..
لم تشفقْ عليّ.
ـ2ـ
حاولْ..
ولا تيأس:
"فافي" تستقبلُ النهار،
وأنا أودّع منتصفَ الليل..
هي في كامل وعيها..
وأنا أتقلّب على جمر النعاس،
محاولاتي كلها باءتْ بالفشل.
أضفتُ الى قاموس العشاق
جملة بائسة:
حبي، فعلُ ماضٍ ناقص،
لم تعترفْ به أخواتُ كان.
حتى
ولا
"فافي"
ـ3ـ
حاولْ.. ولا تيأس:
الساعة ناهزت الثانية صباحاً..
والنعاسُ يتلاعب بناظريّ:
نمْ..
قمْ..
قمْ..
نمْ..
وأنا أردد على مسمع "فافي":
بيتزا حارّة..
فطير بالفلفل واللحم..
نظارات..
كم أنت جميلة..
فإذا بالشمس تدقّ على زجاج شباكي،
لتبشّرني بقدوم فجر جديد
تمنيت ألا ينبلج.
وإذا بها تتذكّر..
فصحتُ كعاشق مجنون:
هللويا..
أشرق الفرج.
ـ4ـ
ألم أقلْ لكم إنها بريئة كطفلة..
جميلة كزهرة..
ناضجة كقصيدة..
مُحبّة كـ نبيّ..
وحنونٌ كامرأة.
لماذا لم تصدّقوني؟
إقرأوا اعترافها بالذنب:
"تبًّا لي
نعم..
طبعًا..
البيتزا الحارة
والفطيرُ بالفلفل واللحم..
سيدني
وأوبرا هاوس
والكنغر واليمامات وأبوريجينال
ذوو البشرة المُلوّحة بالشمس
والفقر والأسمال البالية...
طبعًا تذكرت..
الشقيقات الثلاث
والتليفريك
ودوشة المُعجبين
وصندوق اللعب
وأنتَ
وجوزاف
وأنا
وحقيبتي الضائعة
وشالُ الحرير....
تذكرتُ الآن كلَّ شيء
كان الجوُّ بارداً،
وكنا عائدين من حفل الساسة
ذوي الياقات العالية
والأنوفِ الطويلة.
صح؟
وأنتَ- أيها المجنون
الذي يقطُرُ الشِّعرُ منه،
طلبتَ لنا بيتزا
تكفي قبيلة يثرب بأسرها
ونسيتَ أننا وفقط
ثلاثة شعراء صعاليك
ندورُ في أزقّة العاشقين
نُطعمُ اليمام
ونغنّي.
تذكرتُ الآن..
هل نسيتُ نظارتي فوق الطاولة الأسترالية؟
لا أجدُها هنا في مصرَ..
من فضلك
ابحثْ لي عنها
في المطعم اللبنانيّ،
وردّها إليّ
لكي أرى".
صحيح أنها بريئة
وجميلة
وناضجة
ومحبّة
وحنونة..
لكن "فافي" ليست أذكى مني!.
وضعتُ نظارتها على عينيّ
كي أرى ما ترى
وكي
لا ترى
أحداً
غيري.
**
حالة استنفار
ـ1ـ
أعيش،
منذ البارحة،
حالة استنفار..
صُفّارات الإنذار في مكتبي
أسمعتْ مَن به صممُ..
ساقاي تركضان لوحدهما،
وأنا جامدٌ في مكاني.
يا إلهي..
ما العمل؟
وقعتْ إحدى قصائدي
بين يديّ
"فافي"
ـ2ـ
الجريمة اِرتُكبتْ
عند الرابعة فجرا.
النعاسُ
يجرّ عينيّ إلى الفراش،
وأصابعي تقفز فوق أحرف "الكي بورد"
كـ هِرّة "فافي"..
أصابعي..
هي التي طيّرتِ القصيدة.
ـ3ـ
حاولتُ أن أوقفها..
شغّلت برنامج محاربة الجراثيم..
أطفأتُ الجهاز..
شغّلتُ الجهاز..
فإذا برسالة تأتيني منها..
وإذا بي
أقبّلُ
أصابعي!
ـ4ـ
سطرٌ واحدٌ فقط
خطَّته أناملُ "فافي"..
أهداني بساطَ الريح،
قنديلَ علاء الدين
مغارةَ علي بابا،
صوتَ أم كلثوم،
عودَ فريد الأطرش،
أوفَ وديع الصافي،
وسماءَ فيروز..
"فافي" تأمرني بغنجها القاتل:
"انشرها يا شاعر..
وعلّم الناس
كيف الحب
وكيف الشعر"
ـ5ـ
أطلبوا لي
سيارةَ
إسعاف.
**
رسالة
ـ1ـ
لأول مرة..
أرفع راية النصر..
وأمتطي حصاني كفارسٍ عربيّ
تنمردَ كالأبطال القدماء.
إنه
يومُ
انتصاري.
ـ2ـ
أجل..
لقد جندلت "فافي" برسالة واحدة
وربحت بالدمعة القاضية.
هل رأيتم أحداً
يربح بالدموع
غيرَ
الشعراء.
اسمعوها تعترف بهزيمتها:
"أشكرك..
على رسالتك التي أبكتني.
منذ دهور طوال
كنت بحاجة إلى البكاء.
البكاء صحة،
وعافية،
ودليلُ حياة.
أشكرك..
على كل دمعة طفرت من عينيّ
لأنها منحتني سنواتٍ إضافيةً
أحياها"
ـ3ـ
مسكينة "فافي"..
لقد منحتها عمري
ولم ترضَ به..
إذن..
دعوها تبكي..
ودعوني أتنعّم بسماع
صهيل
حصاني.
ـ4ـ
سجلي يا جبالَ كاتومبا
وافرحي يا أخواتها الثلاث.
ارقصي يا كناغر أستراليا
واصدحي يا طيورَ الباسيفيك.
لقد أبكيتها حقاً..
فبعد طول انتظار
أخذت بثأري من "فافي".
ـ5ـ
حسبتُ نفسي ضعيفاً
فإذا بها أضعفُ مني!
الآن،
الآن فقط..
أصبحنا متعادليْن
بعدد
دمعاتنا.
ـ6ـ
ما بي؟..
أشعر بالدوران والغثيان..
انتصاري عليها كان كاذباً..
شرارة من الندم تحرقني..
كلما فكرت بذبول عينيها.
ليتني كنتُ الفرح،
لتتطاير من شفتيْ "فافي"
عصافيرُ ابتساماتي..
ـ7ـ
أقسمتُ، يومَ التقيتها،
أن أهديها الكونَ
كي لا تضجرَها الأمكنة.
خطإي الأوحد
أنني كتبتُ رسالةً أبكتها..
أسفي المعتم
أنني لم أكسر القلمَ الذي خطّها..
أملي الأكبر..
أن تعيدَ "فافي" الرسالةَ إليّ،
كي أعلنَ انكساري.
**
حمامة الأوبرا هاوس
ـ1ـ
ذكّرتني "فافي"،
وهي تقفز من مكان
إلى مكان،
أمام دار الأوبرا في سيدني
بحمامة بيضاء،
لم يقلّم جناحيها الغرام.
ـ2ـ
كانت تتراكض كأنشودة مدرسية
على شفاه أطفال،
لم تغبّر مراويلهم
نظراتُ إعجاب..
أو عباراتُ غزل.
ـ3ـ
همّها الوحيد:
أن تجمع الأماكن السياحية
داخل كاميرتها الصغيرة..
لتنقل الدهشةَ والفرحَ إلى عينيها.
وحين راجعتْ صورَها..
اكتشفتْ خيانة الكاميرا لها..
وأدركتْ ان الأماكنَ السياحية
هي التي افتتنتْ بها،
وهي التي صوّرتها.
ـ4ـ
أما أنا..
فكنت أركضُ وراءها
كطفل ضيّع طريقه..
وليس له سوى ظلّها
كي يحتمي به.
ـ5ـ
"فافي" تركضُ..
وعيناي مثقلتان بغيرة قاتلة.
هل يعقل أن تغارَ العينان
من صورة جامدة؟
هل يعقل أن يتخلّى القلبُ عن نبضاته
ليستبدلَ بها وقعَ خطواتها؟
إذا كان للجنونِ فنونٌ
ها أنا أعلن جنوني.
**
سوشي
ـ1ـ
هل سمعتم بأكلة يابانية
إسمها "سوشي"؟
إنها الأكلةُ الوحيدةُ
التي أمقتها أنا،
وتعشقها "فافي"!
ـ2ـ
همستْ بأذني،
والطفولةُ البريئة تغلّفها
كهديّةٍ ثمينة:
ـ "سأظلّ آكُلُ "السوشي"
إلى أن أشبع..
وقد لا أشبع"..
فحسدتُ الشعبَ اليابانيَّ
على "سوشاه".
ـ3ـ
ـ "كُلْ معي..
ألا تحبّها؟
إنها لذيذة".
تطلعتُ بوجهها الناضجِ كبدر،
حدّقت بفمها المدوّرِ
كحبّة كرز.
وجدتُ أنّ سمكَ "السوشي"
هو الذي يأكلها.
ـ4ـ
حزنتُ عندما سافرتْ
دون أن تنفّذ رغبتها..
"السوشي" أمامي الآن
و"فافي" بعيدة.. بعيدة.
أنا أكرهه
وهي تحبّه..
يا إلهي..
ها أنا أنفّذ رغبتها..
طبقُ "السوشي" يقتربُ من فمي،
شربتُ نخبَها..
ورحتُ ألتهمُه بجشع بالغ.
"السوشي"
جمعني بـ "فافي".
**
وطني
ـ1ـ
"فافي" رائعة..
فكراً،
ولغة،
وأسلوباً،
هي شاعرة عظيمة.. وكفى
ـ2ـ
الآن فهمتُ سرّ اهتمامي الزائد بها
عندما نوّرتْ سيدني بطلّة..
ولا أجمل.
الآن أدركتُ سببَ اشتياقي القاتل لها
عندما ودّعتها بقبلة على يدها..
ولا أحنّ.
الآن عرفتُ لماذا الطيورُ لا تقع
إلا على أشكالها.
الشعراء،
يتنفسّون برئة واحدةٍ
فإن تألّمَ أحدهم،
تألّمَ الجميع.
ـ3ـ
ما أجمل "فافي" وهي تكتب..
انسيابُ حروفها،
مفرداتها،
عباراتها،
صورها،
كانسياب الحبّ في قلوب العشّاق.
ـ4ـ
البارحة، قرأت على قبر أمي
مقالها القصيدة:
"وجه أمي.."
حملته معي ورحتُ أقرأه لأمي..
تألّمتْ حين رأتني أبكي،
وتألّمتْ أكثر حين أخبرتها
أن "فافي" بكت أمّها
أكثر مما بكيتُها أنا،
ورحت ألومُ نفسي أمامها،
وأعتذرُ على تقاعسي في البكاء.
هدّأتْ من غضبي وهمستْ:
هي امرأة، يابنيّ، وأنتَ رجل.
هي يحق لها أن تبكي أكثر منك
لأنها أحنُّ منك.
قلبها أكبر من قلبك،
أنانيتها أقل من أنانيتك،
هي أمٌّ يا ولدي..
فهنئها على بكائها.. واصمتْ
فصمتُ الرجل يركّع جبلاً.
ـ5ـ
وبينما كنت أداوي ألمي
فاجأْتِني "فافي" بمقالها الرائع
"مراسلات أدباء مجانين"
فأنقلب الألمُ غبطة،
وهيصة،
ودبكة بعلبكية،
ورحتُ أركضُ كالمجنون،
أصعدُ الدرجَ
وأنزلُ الدرجَ
أدخلُ الحديقة
وأخرجُ من الحديقة
أجلسُ على مكتبي دقيقة
وأقفُ دقيقتين.
ماذا أصابني؟
لستُ أدري..
مقالها محا من عمري عشرَ سنوات
ورمى أمامي بورقة كُتبَ عليها:
إنتبه..
كلمتك لا تموت.
ـ6ـ
كم كنت محظوظاً
حين تعرّفت على "فافي"..
هي كانتْ في مصر
وكنتُ أنا في أستراليا
وبسبب اشتياقنا الشديد لبعضنا البعض
قررنا السكنَ في وطن واحد
اسمه "الكلمة".
وها هي تجبرُ الأمم المتحدة
على إعلانه
وطناً
للجميع
ـ7ـ
"فافي.."
أصبحتْ وطني.
**
عيناي
ـ1ـ
عندما داستْ "فافي"
ثرانا الأسترالي،
انقلبَ الثرى الى ثريا..
وتحوّلت الأزهارُ
والأشجارُ
أنجماً.
جميعُ كاميرات التصوير
أخفقتْ في التقاط صورة لها.
عينايَ فقط..
تمكنتا من حفرها
على الحدقتين.
وحجبها عن أعين الناس.
ـ2ـ
المئات
يتدافعون
ويدفعون
لالتقاط صورة تجمعهم بها..
وعندما يعاينون الصورة
يصرخون من هول المفاجأة:
أين
"فافي"؟
ـ3ـ
.. كي أطلق سراحها
استعانت "فافي"
بأشهر المنجّمين الأستراليين
أرسلت من ينوب عنها في المفاوضات
هددتني بلعنة الفراعنة..
أخيراً..
قررت أن ترشوني..
خصَّتني بلقاءين تلفزيونيين
وأكلتيْ بيتزا وسوشي
مرفقتين بوجبة سريعة
من مطعم ماكدونالد.
وكانت عيناي بعد كل لقاء
تتفنّن أكثر في حفر
تقاسيم وجهها المشرق..
وزيادة عدد قضبان سجنها.
ـ4ـ
اشتعلت حربٌ دبلوماسية
بين مصر وأستراليا.
تدخّل الإعلام العالمي في القضية..
صاحت الجماهيرُ بصوت كأنه الرعد:
يجب إطلاق سراح "فافي"
إذ ليس من حق أحدٍ
ولو كان شاعراً
أن يستأثر بصورتها.
ـ 5ـ
بكت "فافي"
حين أطلقتُ سراحَها..
ليس بسبب انتصارها عليّ..
بل لأنها أدركتْ
أن ثمنَ حريتها كان غالياً جداً.
...
لقد خسرتُ عينيّ.
**
مقلب
ـ1ـ
أردتُ أن أداعبَ "فافي"،
حضّرت لها مقلباً طفولياً
أغاظها..
كتبتْ على رمل الشاطىء بكعبِ حذائها:
ـ "لا أحبُّ تعقيد الأمور على هذا النحو!"
عقدتِ
المفاجأةُ
لساني!
ـ2ـ
حاولتُ أن أسترضيها،
جمّعتُ ملايين الكلمات الجميلة،
رميتها في الهواء،
علّه ينظمُ لها قصيدةً تسعدُها..
وما أن لامست كلماتي الأرضَ
حتى انحازتْ لـ "فافي":
ـ "لم يَدُر بخلدي
ما دار بخلدك،
ولم آخذ كلامك
على النحو الذي ظننت أنت أنه وصلني..
...
لا تخيّب ظني بك".
تجمّد
الهواءُ
في
رئتيّ.
ـ3ـ
الموجُ يداعبُ قدميها..
وأنا أغني كغراب مُحبط:
إني أغرق..
أغرق..
فإذا بها تتجاهلني
وتصيح كبطلة اسطورية،
لم يأتِ الزمانُ بمثلها:
ـ "أنا شخص فطري،
تلقائي،
أقول ما بقلبي دون حسابات".
عندئذ
بدأت
أغرق.
ـ4ـ
هاجمني الموج..
خافتْ "فافي" عليّ،
هدَّدتِ الموجَ بحذائها..
انتعلت الحذاءَ
ومشتْ..
وعندما ابتلعَ البحرُ موجَه،
قرأتُ على الرمل:
ـ "وصلتني المحبة".
**
العذراء
ـ1ـ
منذ ربع قرن..
خلّدني "العصامي" الجبيلي*
بجائزة تحمل اسمي،
ما كان ليؤسسها
لولا وجود مبدعين
يشرّفون الحرفَ والإنسانَ،
مثل "فافي"
ـ2ـ
المحزنُ حقاً
أن الجائزة الوحيدة
التي لم يوقعْها،
كانت جائزة "فافي".
رحلَ قبل شهور
وضاع منا توقيعه.
وقبل أن نجده لنلوّنَ فيه البراءة..
طارت "فافي"
ـ3ـ
شاعرة، أديبة، ومناضلة
بعظمة "فافي"
لن تكبرَ بجائزتي،
ولا بأية جائزة،
بل الجوائز هي التي تتشاوف بها.
وها هي من أرض الكنانة،
من أم الدنيا..
تحاول أن تمتحنَ ذكائي:
ـ إحذر أين وضعتُ
ميدالية الجائزة؟
بشرفي لن تقدرَ أن تخمّن.
لو خمنت..
سأعطيك مكافأة
وإن أخطأتَ
- كما أنا موقنةـ
ستأخذ صفراً من عشرة"
وغاب عن بال "فافي"
أنني أضع نظارةً
نسيتْها في مطعم البيتزا
كي أرى ما ترى.
خمّنتُ المكان بسهولة..
طنّت في أذني صيحتها:
ـ يا إلهي! كيف عرفت؟
ـ4ـ
تكريماً للجائزة
علّقتها "فافي"
على صدر تمثال أمّنا العذراء
سيدة العالمين..
ولم تدركْ أنني عرفتُ
ساعة استلامها لها
أن موضعها سيكونُ مقدّساً.
ـ5ـ
مكافأتها أدهشتني
أفرحتني..
أرسلت لي صورة
تحضنُ المجد والقداسة.
قبّلتها.. وشكرت "فافي".
**
مجنونة
ـ1ـ
"فافي" امرأة مجنونة!
هكذا رأيتها البارحة!
الأرقُ الفرعونيّ يتملّك عينيها..
ترفضُ أن تنام
وشعبها يتألّم..
تريد أن تحضنَ ثمانين مليوناً
كما حضنتْ طفليها.
تريدهم أن يحققوا الحلمَ الأجمل
فوهبتْهم أحلامَها.
أرادتهم أن يعيشوا بسلام
لأن المواطنَ بلا سلام..
كلاجىء بلا وطن.
دعتهم لأن يتمسكوا بكرامتهم.
فكرامة الوطن
من كرامة المواطن.
ـ2ـ
"فافي" امرأة مجنونة..
لا تفكّر براحتها،
بل براحة شعبها..
كنت أسألها عبر النت،
ـ كم الساعة عندك في القاهرة؟
ـ الواحدة صباحاُ..
ـ وما زلتِ مستيقظة؟
ـ وكيف لي أن أنام،
والمجرمون اعتدوا على أشقائي الأقباط..
وفجأة انقطع الحوار..
أين هي؟
ماذا أصابها؟
وصلتني منها رسالة موبيل تقول:
ـ أنا في طريقي لمستشفى الساحل
حيث يرقد ضحايا الإرهاب البشع
في انتظار قطرات دم
ليعيشوا.
المشفى لا دماء به..
وأنا ذاهبة لأمنحَ الجرحى الأبرياء دمي.
أود ان يختلط الدم المسلم والدم المسيحي
في جسد واحد
علّه ينتج الفرح
والمحبة
التي غابت عن سماء مصرَ طويلا
صلّ لي"..
فكيف لي أن أصلي
والجريمة قتلتني!
ـ3ـ
الساعة الثانية صباحاً..
و"فافي" المجنونة تقف في طابور الشرفاء.
تهب ما وهبها الله من دماء.
نساءُ المسؤولين يغططنَ في نوم عميق،
وهي تطردُ النومَ من عينيها
كي تغفو أعيُنُ المظلومين.
بربكم قولوا: مَن المجنون؟
أنا..
أم "فافي"
أم عالمنا الطائفي التعس؟
أترك الجوابَ لكم.
**
المجنونة عادت
ـ1ـ
هذا العنوان لم أكتبه أنا
"فافي" التي كتبته.
وكأنها تهزأ من صراخي المتواصل:
ـ مجنونة.. لا تذهبي الآن الى المستشفى
حيث الجرحى والقتلى..
الليلُ جاثمٌ،
وقد نخسرك..
انتظري انبلاجَ الفجر.
ـ لا أريد فجراً لا يبزغ من عيون المصريين
لا أريد شمساً لا تشرق من جباههم.
"فافي"
مجنونة حقاً.
ـ2ـ
حرائق سيدني التي شرّدت الكثيرين
حين التهمت، كتنين كاسر، بيوتهم،
وقضت على أحلامهم..
اشتعلت كلها في قلبي..
وأنا أنتظر خبراً من "فافي".
كيف تجرؤ هذه الأم الضعيفة
على مواجهة الموت بابتسامة؟.
إما أنها مجنونة كما وصفتُها
أو "محروسة"
كأرض الكنانة!.
ـ3ـ
الساعة الخامسة صباحاً..
دقّاتُ قلبي تتباطأ..
لم تعد بعد..
هل نامت؟
مستحيل..
هل أصابها مكروه؟
بالطبع لا..
محروسةٌ هي!
أين "فافي"؟
ـ المجنونة عادت..
الأبرياء على أسرّتهم يتأوهون
لكن بسمةً استقرّت على وجوههم
حين رأوني..
أحدهم ظلّ ممسكاً بيدي
يرفض أن يتركها..
وضعها فوق صدره
المُدثّر بالضمادات،
وأنابيب المحلول تخترق وريده.
اسمه راضي..
علمت بعد قليل من الطبيب
أن رصاصة اخترقت كليته،
ولتوّه خرج من العمليات،
كان يرمقني بين اليقظة
والنوم بتأثير البنج
ويقول لي من وراء الأنبوب في فمه:
"بحبك أوي"
قلتُ له:
سامحنا لما فعل السفهاءُ منا
فقال لي:
"أنتي بتعتذري"؟!
أنتِ ملاك"
تصور..
لماذا يقتلُ إنسانٌ إنساناً؟
بل كيف؟
بل بأي حقٍّ؟
هل هو الله؟
الله واهبُ الحياة، وهو وحده نازعُها؟
متى نصبح بشرا
قل لي؟
ـ4ـ
أبكاني راضي..
أبكتني "فافي"..
أبكتني مصر..
لم أعد قادراً على التنفّس،
أجيبوها أنتم.
**
يد دافئة
ـ1ـ
هل صعقكم تيارٌ كهربائيٌ
وأنتم في غفلةٍ من أمركم؟
هل انقضّت عليكم صاعقةٌ
وأنتم تتأمّلون جمالَ الطبيعة؟
كنتُ أتقدّمها بخطوةٍ
أو خطوتين..
أثناءَ زيارتِها الخاطفة لأصدقائها الكناغر
في إحدى الحدائق العامة.
هي تتكلّمُ وأنا أصغي،
وعينايَ تحدقان بالأزهار،
لأقارنَ من الأجمل:
"فافي" أم الورود؟!
ـ2ـ
فجأة..
حاول حجرٌ أرعن أن يوقعها،
مددت لها يدي..
أجفلني دفءُ يدها الصارخ..
سحبتُ يدي، وابتعدتُ..
وعندما تأملتُ كفّي
وجدتُ أصابعَها مرسومةً عليه.
ـ3ـ
مسكين أنت يا شاعر..
قولوها، ولا تخافوا..
فما قلته عن نفسي
يأبى الشعرُ أن يذكرَه..
ـ4ـ
لماذا سحبتُ يدي؟
لماذا ابتعدتُ؟
لماذا كنت ضعيفاً؟
سؤالٌ يشدّني من أذنيّ..
سؤالٌ يصفعني..
وسؤالٌ يتمتم بخبثٍ موجعٍ:
أنتَ مغفّل!
ـ5ـ
لم اغسلْ يدي اليسرى
منذ سافرَتْ "فافي"..
أصابعُها تورقُ الآن،
الزهر البنفسجي يتراقصُ بغنج
فوقَ مسامها..
كم هي محظوظة وسعيدة،
عكس اليد اليمنى
التي تعاني من اكتئابٍ وضجر.
**
ينبوع رحمة
ـ1ـ
إذا انطفأت الشمس
واشرأبّ الظلام.
لاتخافوا..
ستعلّق "فافي" ابتسامتها
قنديلاً في الفضاء.
ضعوا نظاراتكم السوداء
على عيونكم..
كي لا يعميكم نورُها.
ـ2ـ
إذا ضاقت الأرضُ بسكّانها
لا تفتّشوا عن كوكب آخر.
ستشرّع "فافي"
أبوابَ قلبها
لاستقبالكم..
هو أوسعُ من أرضٍ
وأجمل من جنّة.
ـ3ـ
إذا يئستم من عالمكم المضجر،
المملوء غدرًا وخيانة.
لا تدعوا الإحباط يكبّلكم.
آمنوا بقدرة "فافي"
على شفائكم.
كلامُها ينبوعُ رحمة
نهلتُ منه قبلكم
وشُفيت.
ـ4ـ
كلمتها المشرقة
لن تُكتب مرتين
البطنُ الذي أنجبها
لم ينجب امرأة سواها.
مصرُ التي أنبتتها
ضيّعت البذار.
نادرةٌ هي..
ثمينة هي..
لأنها..
"فافي"
**
يوم خرافي
ـ1ـ
أشعرُ أن الجبالَ
والسهولَ
والجسورَ
لم تعدْ تستهوي فافي.
فلقد أهديتُها كلّ الأماكن الساحرة
كي تتعلّق بها
وتبقى معي.
ولم تبقَ!
ـ2ـ
أهديتها دواويني الشعرية
الموشحة بأجمل قصائد الغزل.
قرأتِ القصائدَ
ولم تهتمّ بغزلي.
وقّعتُها لها بعبارات
تستمطرُ الدموعَ
ولم تعرْني اهتماماً..
حملتْ ابتسامتَها..
ورحلتْ.
ـ3ـ
شيء واحد لم تنتبهْ له:
تاريخُ الاهداءِ..
كان يوماً
لم يعرفْه التقويمُ الميلادي
ولم يحضنْه التقويمُ الهجري
ولم يمر إطلاقاً
على أعياد الناس..
إنه لها.. لها وحدها.. وليس لأحدٍ غيرها.
ـ4ـ
أجل.. أهديتُها يوماً إضافياً
لم تنله السنون من قبل،
ولم تنتبهْ له فافي.
رميتُه تحتَ توقيعي.
ـ5ـ
أردت أن أعرقلَ سفرَها.. أن أؤخّره..
أن أحبسَها في يوم خرافيّ
في 31 أيلول ـ سبتمبر
كي لا يُنقذها عابرُ سبيلٍ.
حبستُ نفسي.. وطارتْ فافي.
**
صفر مدوّر
ـ1ـ
ما من رسالة أرسلتها لـ "فافي"
إلا وذيّلتها بعبارة: إملإي مكانَ النقط:
(.......)
أحببتُ أن أهديها الله
فأحبّتْ
أن
تتجاهلني.
ـ2ـ
الكلمة سهلة يا "فافي"
يقولها الزوجُ لزوجته..
الحبيبُ لحبيبته..
الصديقُ لصديقته..
والأخُ لأخته..
لكنّ "فافي"
لم تكتبها !
ـ3ـ
أنت أمٌّ يا "فافي"..
والأم لا تحفظ من مفرداتنا العربية
إلا هذه الكلمة.
تطعمها لأطفالها مليونَ مرة في الدقيقة،
تغذيهم بها..
تنمّيهم بها..
قبل أن يتذوّقوا الخبزَ والحليب.
أعرفتِها الآن؟
أبو الهول أجاب،
وفافي ما زالتْ صامتة.
ـ4ـ
أجيبي يا "فافي"..
لأقدّمَ لك على صينية من ذهب
جسرَ سيدني الرائع.
أعجبتها الهدية..
ومع ذلك هددتني بالحجر:
ـ لو علمت حكومة سيدني
لأقامت الحجْرَ عليك
جسر سيدني مرة واحدة؟
يا أكرم من الطائي.
ضمّت الجسرَ الى مقتنياتها..
وضحكتْ عليّ!.
ـ5ـ
ما بها ترفض الله!
والله محبة..
سأهددها هذه المرة،
سأظلمها بشدة..
إن لم تكتبها
سأمنحها صفراً مدوراً
أكبر من الهرم الأكبر.
خافت "فافي" من "الصفر" فكتبتْ:
ـ أنتَ هدية السماء..
إجابة ذكية ولكنها خاطئة.
أعطيتها الصفر.
صاحت بلهجتها المصرية المحببة:
ـ ليه أخدت صفر؟
أول مرة أرسب!
ـ الجواب خطأ.. خطأ.. خطأ..
ـ هذا موضوع تعبيري
من حق الطالب أن يضع ما يراه مناسباً
من وجهة نظره الخاصة.
وأنا وضعت مكان النقط
ما يصفك بالنسبة لي.
حقي آخذ عشرة من عشرة.
أنت مدير امتحانات غير عادل.
أجل..
لقد كنت غير عادل..
غيّرتُ العلامة..
منحتها عشرة من عشرة
وطبعتُ "صفرها"
شامةً
على خدّي.
ـ6ـ
"فافي" لن تملأ الكلمة..
وصبري بدأ ينفد..
ألستم تحبّون "فافي"؟
ساعدوني إذن..
تعالوا نهديها المحبة..
قولوها معي بصوت واحد،
ولكن بلساني أنا:
أحبّكِ.
...
وااااو..
"فافي" منحتني
مئة
على
مئة.
**
كليوباترا
ـ1ـ
أعتذر منكم جميعاً..
لم أوفّق في وصف جمال "فافي"..
كل القصائد السابقة
سقطتْ فنياً أمام حسنها.
وصفي لها لم يكن دقيقاً...
خذلتني عيناي..
فسامحوني.
ـ2ـ
أمامي الآن مئاتُ الصور:
فافي تبتسمُ، تجادلُ، تعبسُ،
تفكّرُ، تحزنُ، تبكي..
تقاسيمُ وجهها لا تتغيّر
ماركة مسجلة.
جميلةٌ وهي تضحك،
فاتنةٌ وهي تبكي.
ـ3ـ
مَن تشبه "فافي"؟
حالياً،
لا تشبه أحداً،
هي الأجمل..
زنبقةٌ شقّت بتلتها،
فاحمرّت خدودُ الورد خجلاً.
عصفورة ريشها سنابلُ قمح..
لتطعمَ الفقراء خبزاً.
حوريةٌ
كسرتْ قالبَها ومشتْ
فاندلقتْ على قدميها
خوابي الغزل.
ـ4ـ
تاريخياً..
لم تأتِ الكتبُ بمثلها..
فتّشتُ قصورَ الملوك والأمراء
راجعتُ أسماءَ الأميرات الحسان
قرطاج..
أليسار..
أوجيني..
نفرتيتي..
وغيرهنّ.. وغيرهنّ.
يئستُ..
تعبتُ.
وفجأة صرختُ:
يا إلهي..
إنها تشبه كليوباترا.
"فافي" هي الوريثةُ الوحيدة
لجمال جدّتها!
الآن فهمتُ سرّ حب المصريين
لـ "فافي".
ـ5ـ
أنتم تعلمون أنني متيّمٌ بها..
ولا ثروة عندي سوى قلمي
وبيتين من الشعر.
وتعلمون أيضاً
أن لي منافساً
ثروته السيفُ والقصور.
جاء من بلاد بعيدة
ليسرقها مني..
بربكم قولوا:
من الأحقّ بقلبها
الغريب أم القريب؟
السيفُ
أم الشعر؟
ـ6ـ
هو في "الغيب"
وأنا في الغربة.
متشابهان في البعدِ عنها.
صوتي
أعلى من صوته،
إلقائي
أفضل من إلقائه،
سأخيفه بصوتي:
إذا كنت أنطونيو يا أنطونيو
فأنا شاعرُ الحب
والهوى
والجمال.
فدونك النزال.
ـ7ـ
أنطونيو أعلنَ انكسارَه.
سلّمني دفاترَ غرامه.
هناك خربشاتٌ لم أفهمْها
يفوحُ منها صوتُ عبد الوهّاب
رميتُ دفاترَه في التاريخ
ورفعتُ راية كُتبَ عليها:
"مجنون فافي"
**
ارثوا لحالي
ـ1ـ
الكلّ يعلمُ،
أنني "مجنونُ فافي".
أعلنتُ جنوني لحظةَ إزاحةِ الستار
عن لقائنا الأول.
وبعد مراجعةِ صفحتها على "الفايس بوك"
وجدتُ أن عددَ المجانين بها،
أكثرُ من دقّاتِ قلبي.
توقف قلبي عن النبضان
تضامناً معي.
ـ2ـ
عانيتُ شهراً كاملاً
كي أتلفّظ بكلمة: أحبّكِ.
طلعتْ من حنجرتي ضعيفةً،
مرتعدةً،
تتلطّى خلفَ حججٍ كثيرة
لدرجةٍ لم أسمعْها أنا،
فكيف تسمعها "فافي"؟!.
ـ3ـ
أنا خَجِلٌ وخائفٌ بحبّي لها،
والمعجبونَ يعلنونَه على السطوح.
إسمعوهم، وابكوا عليّ:
"أنا بَموت فيكي يا ستّ الكل"
"أنتِ شمس منورة قلبي"
"ربّنا يحميكي ليّا وحدي"
"أنتِ كلمة جميلة وأنا بعشق جمالك"
أنتِ، أنتِ، أنتِ..
فأين مكاني في قلبِ "فافي"؟
أنا فردٌ وهم جماعات!
أنا صفر وهم ملايين!
ـ4ـ
كذبَ من قال:
حبّ "الفايس بوك" مبتذل.
صدقَ القائل:
حبّهم لفافي صحيحٌ
وتلقائيٌّ، وجنونيٌّ.
حاولت أن أردَعَهم عنه،
فشلت.. كونَها أحبّتهم هي أيضاً.
ـ5ـ
زحمةٌ قاتلةٌ
يسببها المعجبونَ في حلقي،
أفتّش عن كلمةٍ أستدرجُها بها،
فإذا بهم يسبقونني إليها،
يجاهرون بها دون خوف.
حبُّهم لها
مَلِكٌ تاجُه هرمٌ.
حبّي لها
عبدٌ قيدُه قبرٌ.
هم الأقوى..
وأنا الأضعف.
فارثوا لحالي.
**
