الغلاف للفنانة رندى بعيني
**
كي لا ننسى إيليا أبو شديد
ـ1ـ
إيليا أبو شديد.. شاعرٌ من أرضي الّتِي أعبُد، عرفَ كيف يحوكَ من خُيوط العَنْكَبوت خَيْمَةً يَتَفَيّأ تَحْتَها الشعر. عرف كيف يَنْسُج في ليالي النار عباءاتٍ من الورد تستر بها القصيدةُ عَوْرَتَها.
ـ2ـ
حمل قناديلَ الثلجِ كما حَمَل ديوجين قِنْديلَه، ولكننا اهتدَيْنا بقناديلِ ثلجه وَلَمْ يهتدِ ديوجين بعد!
ـ3ـ
بناتُ العشرين طَرّزن حروفَه بحلماتِهِنَّ، مخافة أن تجوعَ الحروفُ ولا تجد من يُرْضِعَها.
ـ4ـ
كان الشاعرُ اللبناني الوحيدُ الذي غنّى لِجُرْحه المصلوب، وبدلاً من أن يبكي الجُرْحُ، راح يُصفّق طرباً.
ـ5ـ
صوتُ ماردِهِ هزَّ الكونَ، وما زال يهزُّه، غير عابىءٍ بدوراتِه ورياحِه وأنوائِه.. فالماردُ من لبنان، والصوتُ شهقةُ شاعرٍ فَذّ.
ـ6ـ
وكما ركِبَ قدموسُ البَحْرَ، ليزرعَ أبجديَّتَه على ألسنةِ القارات، هكذا امتطى البَحّار صهوةَ زَوْرقه ليزرعَ أشعارَهُ في قلوبِنا.
ـ7ـ
إنه ثورةٌ لـم يَعْتَرِها ندم.. إنه الشاعرُ الذي أمرَ الزمانَ أن يقفَ، فوقفَ ليحتضنَه ويرحل.
ـ8ـ
قصيدة (حياتي) أو (صوت الإنسان) أسمعها قبيل رحيله لصديقه الدكتور عصام حدّاد، وأوصاهُ أن يسمعَها للريح.. علّها تنقلها إلى الجهاتِ الاربع، وتعلِّقها على صدورِ الناس أزرارَ ورد.
ـ9ـ
صَدَرت عنه دراساتٌ عديدة، نذكر منها: "إيليا أبو شديد، شاعرُ المغامرة"، للباحث جان صَدَقَة. و"إيليا أبو شديد شاعرٌ عامي مبدع"، للدكتور جورج طَرَبَيه.. ولكنَّ الدراسةَ الأهم كانت حياته المليئة بالعطاءِ اللامحدود.
ـ10ـ
إيليا أبو شديد غَيّبَه الموتُ عن 64 عاماً، ولكن الشعرِ أحياه وأعادَه إلينا في اليومِ الثاني قَصيدةً ولا أَجْمل، سيُردِّدُها الناسُ، وستحرقُ قلوبَ العشّاق.
**
الى روح الشاعر رامز عبيد
ـ1ـ
حَجَرٌ آخَر مِنْ عِمارَةِ شِعْرِنا الْمَهْجَرِيِّ اقْتَلَعَتْهُ رِياحُ الْغُرْبَةِ، وَتَلاعَبَتْ بِهِ كَوُرَيْقَةٍ خَريفِيَّةِ الْمَلامِحِ وَالنَّظَراتِ. سُنْبُلَةٌ أُخْرَى اقْتُطِفَتْ مِنْ حُقُولِنا الْمُثْقَلَةِ بِالتَّعَبِ، دُونَ أَنْ يَرِفَّ لِلْمَوْتِ جَفْنٌ.
ـ2ـ
رامز عبيد..
الشَّاعِرُ، عَرَفْتُهُ، اخْتَبَرْتُهُ، صاحَبْتُهُ، وَأَحْبَبْتُهُ. تَواضُعُهُ: احْتِرَامٌ وَتَأَدُّبٌ.. إِنْسانِيَّتُهُ: انْدِفَاعٌ وَخِدْمَةٌ.. وَشاعِرِيَّتُهُ خَلاّقَةٌ كَأَخْلاقِهِ، وَمُمَجَّدَةٌ كَالْبَيْتِ الَّذِي أَعْطاهُ الاسْمَ.
ـ3ـ
شاعِرٌ.. إِبْنُ شاعِرٍ. أَميرٌ.. إِبْنُ أَميرٍ. فَيا خَسارَةَ الْقَوافِي بِرَحيلِ النَّسْرِ الْمُهاجِرِ.. وَيا خَسارَةَ الأَحْلامِ الْمُعَتَّقَةِ في جِرارِ غُرْبَتِها.. كُلُّ شَيْءٍ تَوَقَّفَ عَنِ الدَّوَرانِ، ما عَدَا الْحُزْن.
ـ4ـ
وَقَفْتُ بِظِلِّهِ في عِدَّةِ أُمْسِيَاتٍ شِعْرِيَّة.. فَكانَ الْمُحَلِّقَ، وَكانَ الْمُبْدِعَ، وَكانَ النَّدَّ الْمِثالِيَّ. لَـمْ يَقُلْ أَنا.. لَـمْ يَتَبَجَّحْ.. رَغْـمَ اعْتِدادِهِ بِشِعْرِهِ. لَـمْ يَغْتَبْ أَحَداً.. رَغْـمَ رَوَاجِ عاداتِ الاغْتِيابِ وَالطَّعْنِ وَالثَّرْثَرَةِ في جالِيَتِنا.. كانَ مَتْرِيتيّاً حَقّاً.. وَلُبْنانِيّاً بِامْتِيازٍ.. فَهَنيئاً لِلْوَطَنِ بِرُفاتِهِ.
ـ5ـ
زُرْتُهُ عِدَّةَ مَرّاتٍ.. مالَحْتُهُ عِدّةَ مَرّاتٍ.. وَطالَبْتُهُ بِنَشْرِ ديوانِ أَبيهِ (الْمَلِكَ) عِدّةَ مَرّاتٍ. وَكانَ يُتَمْتِمُ: (بَعدْ بَكّير). أَجَلْ.. (بَعدْ بَكّير). فَرَحيلُكَ جاءَ مُبَكِّراً جِدّاً يا رامِز.. رَحيلُكَ اسْتَبَقَ أَحْلامَكَ وَأَحْلامَنا. حَرَمَنا مِنْ حُضورِكَ الْمُفْرِحِ، مِنْ رَنَّةِ ضِحْكَتِكَ الْمُمَوْسَقَةِ، الطَّالِعَةِ مِنْ صَدْرٍ ما عَرَفَ إلاّ الدِّفْءَ، وَمِنْ إِشْعاعِ عَيْنَيْكَ الْبَريئَتَيْنِ كَعُيونِ الْمَلائِكَة.
ـ6ـ
آهٍ.. كَمْ أَنا حَزِينٌ عَلَيْكَ.. وَكَمْ أَنا عاجِزٌ عَنِ التَّعْبيرِ عَنْ حُزْنِي. حُزْنِي مُحيطٌ.. وَأَنا قَطْرَةٌ. حُزْنِي إِعْصَارٌ.. وَأَنا مَرْكَبٌ صَغيرٌ لا يَقْوَى عَلَى الإبْحارِ. حُزْنِي مَرْثاةٌ عُبَيْدِيَّةٌ.. أَنَّى لي امْتِلاك قَوافِيها.
ـ7ـ
أَتَيْتَ الْغُرْبَةَ طِفْلاً، وَلَـمْ تَنْسَ أَنَّكَ شاعِرٌ. وَرِثْتَ الْقافِيَةَ عَنْ أَبيكَ وَأَجْدادِكَ، فَأَثْلَجْتَ صُدورَهُمْ بِإبْداعِكَ. عايَشْتَ اللُّغَةَ الإنْكِليزَيَّةَ مُنْذُ صِغَرِكَ، وَلَكِنَّ الْتِحامَكَ بِلُغَتِكَ الأُمِّ، بِلَهْجَتِكَ الْمُحَبَّبَةِ، وَبِتُراثِكَ الْعَظيمِ.. كانَ أَقْوَى مِنَ الالْتِحامِ، وَأَسْمَى مِنَ الْفَرْنَجَةِ. لَـمْ تَكُنْ إِلاَّ كَما أَرادَكَ الْوَطَنُ. وَلَـمْ تُفْرِحْ قَلْبَ أَحَدٍ كَما أَفْرَحْتَ قَلْبَهُ، فَاسْتَحَقَّ قامَتَكَ وَالتُّراب.
ـ8ـ
لِماذا يَنْطَفِىءُ الشُّعَراءُ الْمَهْجَرِيّونَ كَالشُّموعِ، دونَ أَنْ تَرْتَجَّ الأَرْضُ لِرَحيلِهِمْ؟! لِماذا يُغادِرُنا الكِبارُ، دونَ أَنْ نَشْعُرَ بِهِمْ، وَكَأَنَّهُم نَسائِـمُ رَبيعِيَّةٌ عادَتْ إِلى مُرْسَلِها؟! لِماذا نَحْنُ هامِشِيّونَ، سَرابِيّونَ، لا يَلْتَفِتُ إِلَيْنا أَحَدٌ، وَلا يَسْمَعُ وَقْعَ أَقْدامِنا أَحَدٌ؟ لِماذا؟.. لِماذا؟.. أَسْئِلَةٌ تَتَطايَرُ كَمَناديلِ الْمُوَدِّعينَ ساعاتِ الرَّحيلِ، وَلَكِنَّها أَكْبَرُ وَأَبْعَدُ وَأَوْسَعُ مِنْ أَجْوِبَتِنا.
ـ9ـ
لَقَدْ فَشِلْنا في حِمايَةِ بَعْضِنا الْبَعْض مِنَ الانْدِثارِ.. تَلَهَّيْنا بِالْحَرْتَقاتِ الصَّغيرَةِ، وَتَغاضَيْنا عَنْ احْتِضَانِ الْمَواسِمِ، وَجْنْيِ الثِّـمَار. مَواسِمُنا كَثيرَةٌ، وَالْحَصّادونَ مُتَناحِرُونَ! عَطاءاتُنا تَتَباهى على كُلِّ الْعَطاءاتِ، وَنَحْنُ نَسْخَرُ مِنْها، وَلا نَتْرُكُ باباً إِلاّ وَنوصِدُهُ بِوَجْهِها.
ـ10ـ
كانَ بَيْنَنا الْعُبَيْدِيّان يَعْقوب وَميشال. كانَ بَيْنَنا زَيْنُ الْحَسَن، مِخائيل قُرْبان، مُصْطَفى أَيُّوب، وَغَيْرُهُم. وَكانَ بَيْنَنا نَعيم خوري وَرامِز عُبَيْد. فَهَلْ مِنْ ثَرْوَةٍ أَدَبِيَّةٍ أَكْبَر مِنْ هَذِه الثَّرْوَة؟.. وَهَلْ مِنْ غِنىً يُضاهِي غِنَى الرَّاضي بِما مَنَّ اللَّـهُ عَلَيْه؟
ـ11ـ
فُقَراءُ نَحْنُ.. يَتَناتَشُنا الْخُبْثُ وَالإدِّعاءُ وَالتَّطاوُلُ. جُبَناءُ نَحْن.. نَتَّهِمُ الآخَرينَ زُوراً، نَخْتَلِقُ الأَعْذارَ، وَنَتَلَطّى خَلْفَ أَظافِرِنا الْحَبْلَى بِأَوْساخِها. أَرْقامٌ هَشَّةٌ نَحْنُ، نَتَراقَصُ فَوْقَ أَوْراقِ يانَصيبٍ، لا يَشْتَريها سِوى الْقَدَر.
ـ12ـ
يَرْحَلُ عَنْ مَنْفانا الْكِبارُ، وَيَبْقَى الأَلَـمُ. تَرْحَلُ الْكَلِمَةُ، وَتَبْقى صَفْحَتُنا تَئِنُّ مِنْ عُقْمِها. تَرْحَلُ أَنْتَ يا رامِز، وَنَبْقى نَحْنُ بِانْتِظارِ قَدَرٍ يُنْزِلُنا عَنْ ظَهْرِ الْغُرْبَةِ. أَمْثالُكَ قَلائِلُ.. فَلْتَبْكِكَ الْقَصيدَةُ.
**
الى روح الأب يوسف سعيد
ـ1ـ
عام 1987 تلقيتُ دعوةً للمشاركةِ بالمربد الشعريِّ الثامن في العراق، فكانت المرة الأولى
التي أعودُ بها الى وطني العربي الأكبر بعدَ غيابٍ طويل.
ـ2ـ
كنت خائفاً كطفلٍ صغيرٍيَمَّمَ وجهَهُ جِهَةَ الشرق ليبحثَ عن أبٍ أضاعَه يومَ رحل، وما كنت أعلمُ أنني سأجدُه في بغداد، كاهناً قديساً، وشاعراً محلقاً، وناقداً متواضعاً، وصديقاً قلَّ مثيلُه.
ـ3ـ
لقد وجدتُك يا أبتي، يا شاعري، ويا صديقي الأب الدكتور يوسف سعيد. عندها تلاشَتْ غربتي، واضمحلَّ خوفي، وأحسستُ أنّي وجدتُ الوطن.
ـ4ـ
يا وطنَ القداسة، لن تنطفىءَ شموعُك. يا وطنَ الشعر، ما أجملَ بيوتِك. يا وطنَ الصداقة، ما أوسعَ حدودِك. يا كاهنَ الرب، ظلِّلْني بأبُوّتِك، باركني بِيَراعِك، وسدِّد خُطايَ بقداستِك. لقد كنتَ الكلَّ في شخصٍ واحد، فأحبَّك الكلُّ وتباهوا بطَلَّتِك.
ـ5ـ
رحيلُك عنّا خسارةٌ لن تعوّضَ، ولكن مهما أحببناك لن نحبَّك قدرَ الداخلِ الى ملكوتِه السماوي، فاهنأ برفقة سيِّدِ المجد.. لأنَّك كنتَ المجد. وداعاً يا أبتي، وإلى اللقاء.
**
رحمك الله يا محمد الشرفي
ـ1ـ
رحمك الله يا صديقي الشاعر.. رحمك الله يا محمد الشرفي.. كنت البارحة أجمع رسائلك الخالدة في كتاب إلكتروني وورقي الى جانب رسائل نزار قباني وعبدالوهاب البياتي، ورفعت السعيد، والاب يوسف سعيد ورحت أبحث عن صورة لك عبر محرك البحث غوغل، فإذا بي أفاجأ بخبر رحيلك المحزن.
ـ2ـ
إنها صدمة مؤلمة حقاً.. ولكني لن أبكيك لأن أمثالك لا يموتون.. بل سأبكي نفسي في غربتي البعيدة، وأراجع بين دموعي ذكريات نزولك ضيفاً كريماً شهماً محباً في بيتي الذي زينته بطلتك واشعارك.
ـ3ـ
إلى أن نلتقي مرة ثانية في عالم غير هذا العالم التعيس.. سأظل أردد: أحبك يا صديقي.
**
لويس فليفل
حين غادر لبنان في 28 كانون الثاني من عام 1949، كانت الباخرة التي ركبها المهاجر اللبناني لويس فليفل أقرب ما تكون إلى مركب، ولم يخف، بل رسم إشارة الصليب على وجهه، وتطلع نحو السماء وقال: سلمتك نفسي. فوصل إلى أستراليا في 28 شباط من العام نفسه، وكانت محطته الاغترابية مدينة ملبورن في ولاية فيكتوريا الأسترالية.
هذا المهاجر الذي تزود برضا الأهل، أصبح في أواخر ستينيات القرن الماضي رئيساً للجامعة اللبنانية الثقافية، فرفعها لأعلى مستوى، لذلك اختاره لبنان قنصلاً فخرياً في أوائل سبعينيات القرن الماضي، ليغرس في كل بيت دخله أرزة لبنانية.
وإذا زرتم، في يوم من الأيام، مركز العجزة "سانت بول" التابع للراهبات الأنطونيات في ملبورن، ستجدون له تمثالاً يحكي عن سخاء يديه، وأن جناح "سانت لويس" ما كان ليكون لولا تبرعه بمبلغ طائل.
لويس فليفل.. اللبناني العصامي، لم يكن معروفاً فقط على صعيد لبنان والجالية، بل كان له نفوذ قوي داخل الحكومات الأسترالية، وكانت له الكلمة.
منذ عام، أي في التاسع من أيار 2019، غادرنا إلى حياة الأبدية، فبكته الغربة كما بكاه الوطن.
عرفته، لا بل أحببته، لكثرة ما كان يكلمني عنه ابن عمتي إيلي شعنين، الذي ربطته به صداقة قوية، وكنت الساكن في سيدني أتلقى أخباره المشرفة أولا بأول.
وراء كل رجل عظيم امرأة
هذا القول ينطبق تماماً على السيدة "كرمل البستاني فليفل"، التي أحبّها وتزوجها، فأعطته من حنانها الكثير، وجعلته من اسعد الرجال، لدرجة اعتبر معها نفسه من الرجال القلائل المحظوظين، فلقد كانت "بنت أصل" عرفت كيف تزرع الفرح في حياته.
ومنذ أيام أقامت له جناز السنة في كنيسة سيدة لبنان ـ ملبورن، فمنعتنا "الكورونا" من المشاركة به، وتقديم واجب العزاء، فعلمنا أن دموعها قد مثلتنا جميعاً في ذكراه السنوية.. أطال الله بعمرها:
لما لويس فليفل مات
ملبورن خسرت بو الهمّات
ع كفوفو مزروع الخير
ويا مين يزور الكرمات
تمثالو جوّات الدير
بيحكي عن أحلى البصمات
و"كرمل" مرتو متل الطير
ترندحلو أحلى النغمات
قنصل فخري جدّ السير
متلو ما بتعطي الإمّات
**
مات الأديب عصمت الأيّوبي
رسالة الكترونية قصيرة استلمتها من ابن أخته الصديق حسن ابراهيم تقول: مات خالي عصمت الأيّوبي، أعادت الألم الى صدري، ذلك الألم الذي عانيت منه الكثير، وأجبرني على الابتعاد عن الندوات الأدبية، والاجتماعية، والناس أجمع، خوفاً من أن يصطادني على حين بغتة، ويرميني أرضاً.
أجل، لقد تألمت طوال الليل، ورحت أبكي وأصلي، كي يرحمه الله، وكيف لا يرحمه وقد كان ملاكاً يسير بثوب انسان.
وقد يتعجّب البعض من عنوان مقالي "مات أبي وأخي وعمي وصديقي الكبير"، فدعوني أشرح لكم ببساطة متناهية:
لقد تعرّفت على الاستاذ عصمت الأيّوبي في إحدى مكتبات سيدني العربية، كنت وإياه نفتّش عن كتب نقرأها، فلقد كنا مولعين باقتناء الكتب، فاقترب مني وعرّفني بنفسه:
ـ عصمت الأيّوبي، مهاجر جديد من لبنان.
كان يتكلم وهو يقبلني ويغمرني بمحبة لم أشعر بها من قبل.. فأدركت للحال أن الله قد وهبني صديقاً كبيراً.
ومرّت الأيام، وتوطدت الصداقة، والزيارات العائلية، حتى أوقعني الحب في بيته، الذي عشت فيه لأكثر من 16 سنة، فوجدت العم أولاً، والأخ ثانياً، الى أن أدركت أن عصمت الأيوبي أكبر من صديق، وأعظم من عم، وأحن من أخ، فلقد كان بمثابة الوالد لي، وبتنا لا نفترق أبداً، الى أن ظلمنا القدر.
صحيح أنني ابتعدت عنه بالجسد، ولكنه بقي في قلبي، ينبض مع نبضات قلبي، وكنت أتجسس عليه عبر أصدقائنا المشتركين، خاصة وقد ودعته بعد أيام من خروجه من المستشفى.
ـ كيف حال عصمت؟ هل تحسنت صحته؟ إني أصلي له.
وكنت أرسل له القبلات مع ابن أخته حسن ابراهيم، وكنت أعلم أنه سيفرح بها.
فمن هو هذا العظيم من بلادي:
شاعر، ينسكب الخيال في كل بيت شعري يخطه قلمه.
معلّم، تتلمذت الأجيال عليه، فعلمها الاخلاص والتضحية والوفاء.
أديب، وناقد، واعلامي، ولغوي، ترك العديد من الكتب والمقالات السياسية والاجتماعية والنقدية، ولقد خصّني بالكثير منها في كتابه الرائع: على ضفاف الكارثة.
ولد في قرية "النخلة" الكورة، لبنان الشمالي.
له ثلاثة صبيان وبنت واحدة.
أنهى دراسته الثانوية في طرابلس، والتحق مدرساً بمدارس المقاصد الاسلامية في الشمال عام 1963.
سنة 1971، عيّن مدققاً لغوياً في جريدة "النهار" البيروتية، ونشر فيها العديد من المقالات والقصائد.
سنة 1977، ناقش أطروحته المعدة لنيل شهادة الكفاءة التعليمية في اللغة العربية وآدابها، بعد أن أنجز في سنة 1975 الاجازة التعليمية في الاختصاص المذكور.
سنة 1979، سافر بتزكية من دائرة الشؤون الثقافية الى سيراليون، حيث درّس في عدد من المدارس اللبنانية هناك، التي كان يسهر على ادارتها، يومذاك، سعادة السفير اللبناني الدكتور لطيف ابو الحسن.
سنة 1981، عينه السفير أبو الحسن مديراً لمدرسة اسسها في مدينة "بو".
وبعد تنقلات عديدة استقر أديبنا الكبير في أستراليا، فحاز على جائزة جبران العالمية، وجائزة شربل بعيني من معهد الابجدية في مدينة جبيل التاريخية. وزين الندوات الثقافية بطلاته المشرقة.
إنه، وباختصار شديد، صاحب أذكى عقل، وأكبر قلب، وأجمل ابتسامة. انه "أبو مصباح" الغالي دائماً وأبداً على قلبي.
رحمك الله أيها الأيوبي العظيم،
رحمك الله أيها الجبل الذي لن يتمكن الثرى من حجب شموخه،
رحمك الله أيها المفضل علي، وعلى الكثيرين من أمثالي،
وأنا على يقين من أن الجنة السماوية ما وجدت إلا لأمثالك، فنم قرير العين، وتأكد من أنني لن أنساك.
تعازي القلبية لعائلته، ولكل من تعرّفت عليه وغمرني بحنانه من عائلة الأيّوبي في الوطن والمهجر. فلقد كنتم أحبة كباراً، وخسارتنا واحدة.
**
فلينعم بك نعيم الآخرة
ـ1ـ
مَكْسُورَةٌ هِيَ الأَشْعَارُ كَقُلُوبِ مُحِبِّيكَ، وَكُلُّ الأَوْزَانِ الشِّعْرِيَّةِ مُنْتَفِضَةٌ وَثَائِرَةٌ، أَشْكَالُهَا الْهَنْدَسِيَّةُ تَغَيَّرَتْ رَغْمَ مُعَارَضَةِ الْخَلِيلِ وَاحْتِجَاجاتِهِ، صُرَاخُهَا يَصُمُّ الآذَانَ وَمَا مِنْ مُصْغٍ إِلَيْهَا.
إرْفَعْ يَرَاعَكَ عَلَماً تَتَبَنَّاهُ، أُنْصُبْ أَوْرَاقَكَ خِيَماً تَسْتَظِلُّهَا، إِرْمِ صَوْتَكَ نَهْراً تَرْتَوِي مِنْهُ.. مَا خَانَتْكَ الأَوْزَانُ يَوْماً، فَخُذْ بِيَدِهَا.
ـ2ـ
غِيَابُكَ أَذْهَلَ الْغُرْبَةَ، لَفَحَهَا بِوَجَعِ الإنْتِظَارِ، أَقْعَدَهَا عَنِ التَّفْكِيرِ، فَرْفَطَ نَظَرَاتِها الْعَطْشَى لِرُؤْيَتِكَ، وَسَمَّرَهَا عَلَى نَعْشِكَ الطَّاهِرِ زُهُوراً لا تَذْبُلُ.
ـ3ـ
غِيَابُكَ هَمٌّ جَدِيدٌ يُضَافُ إِلَى هُمُومِنَا الْحَيَاتِيَّةِ الْكَثِيرَةِ وَيَتَغَلَّبُ عَلَيَهَا! كَيْفَ سَنَنْهَضُ وَكَبْوَتُنَا مُوجِعَةٌ؟ كَيْفَ سَنُواصِلُ السَّيْرَ وَجَمِيعُ الدُّرُوبِ تَشْمَئِزُّ مِنْ وَقْعِ خطوَاتِنَا؟ حَتَّى زَغَارِيدُنَا بِتَحْرِيرِ الْجَنُوبِ، جَاءَتْ مَبْتُورَةً وَحَزِينَةً! أَيْنَ زَغْرَدَتُكَ بِالنَّصْرِ تُلْهِبُ السَّاحَاتِ وَتُبَلْسِمُ جِرَاحَ الْجَنُوبِيَّاتِ الثَّكَالَى؟ غِيَابُكَ يَا صَدِيقِي نَعِيم خوري، أَبْعَدُ مِنَ التَّبْرِيرِ وَأَصْعَبُ مِنَ الْقُبُولِ!
ـ4ـ
يَا أَيُّهَا الْغَرِيبُ عَنْ أَرْضِهِ، الْمَنْفِيُّ عَنْ مَرَابِعِ طُفُولَتِهِ، الْمَشْلُوحُ عَلَى مَرافِىءِ الأمَلِ! مَنْ مِثْلُكَ تَمَكَّنَ مِنْ مَحْوِ غُرْبَتِنَا؟! مَنْ مِثْلُكَ وَهبَنَا وَطَناً مِثَالِيّاً، تَتَطَلَّعُ إِلَيْهِ الشُّعُوبُ؟ بُيُوتُهُ أَبْيَاتُكَ الشِّعْرِيَّةُ.. نَاسُهُ، مَقَالاتُكَ النَّثْرِيَّةُ.. تُرَابُهُ حَفْنَةٌ مِنْ تُرَابِكَ الْخَالِدِ.. وَحَدَائِقُهُ ابْتِسَامَاتٌ كُنْتَ تَسْتَقْبِلُنَا بِهَا، وَتُوَزِّعُهَا عَلَيْنَا، كَأَحْلَى الْعَطَايَا، لَحْظَةَ الْوَدَاعِ. كُنْتَ نَعِيمَنَا فِي حَيَاتِكَ.. فَلْيَنْعَمْ بِكَ نَعِيمُ الآخِرَةِ.
**
ورحل "الباشا"
ـ1ـ
رسالة مؤلمة وصلتني هذا الصباح من السيدة وفاء ابنة الاديب الكبير محمد زهير الباشا تخبرني بها بوفاة هذا العملاق الأدبي النادر.
ـ2ـ
أجل لقد رحل حبيب القلب محمد زهير الباشا بعد أن زيّن الأدب العربي بأجمل المؤلفات، وقد خصّني بكتابين رائعين: "شربل بعيني ملاح يبحث عن الله" و"رسائل محمد زهير الباشا الى شربل بعيني".
ـ3ـ
كم كان كريماً على أصدقائه ومحبيه، وكم كان حنوناً على عائلته المترامية الأطراف.
ـ4ـ
محمد زهير الباشا هذا السوري الذي حمل وطنه على كتفيه وراح يجوب به الكون، مات خارج وطنه، مات في الولايات المتحدة الأميركية.
ـ5ـ
كان حلمه أن يعود الى وطنه الأم، كي يهب ترابه الجسدي لتربة أجداده، ولكن حلمه لم يتحقق، تماماً كأحلامنا نحن.. نغفو ثم نستفيق فتتبخر الأحلام.
ـ6ـ
فيا أخي "زهير" كما تحب أن أناديك، رحيلك أبكاني، لدرجة أحسست بعدها أنني أندب حالي، فخجلت من نفسي، لأن البكاء على العباقرة خطيئة، لا بل جريمة لا تغتفر.
ـ7ـ
من مثلك لا يموت، سيبقى أبد الدهر خالداً في المكتبات، تتناقل أدبه الألسن والعيون، وتحتضنه القلوب. نم قرير العين.. فاللقاء بيننا أصبح قريباً جداً.. فإلى اللقاء.
**
ماتت زنبقة مجدليا
ماتت لورانس الكحيل
ـ1ـ
يَوْمَ زُرْت لُبْنانَ، اسْتَقْبَلَتْني زَنْبَقَةُ مِجْدَلَيّا في رَوْضِها الْجَميلِ. صاحَتْ مِنَ الدَّاخِلِ: يا أَهْلا، فَحَمَلَني صَوْتُها إِلَى جَنَّةِ الأَهْلِ فِي لُبْنان، إِلى أحضَانِ مَنْ غَنَّيْتُهُمْ بِشِعْرِي، وَسَئِمْتُ ابْتِعادِي عَنْهُمْ. هَمَسَتْ الطيورُ فِي أُذُني: مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ: لُورانْس.. أُخْتُ فُولَمِين زَوْجَة ابْنِ عَمِّي الْياس، إنَّها فَتاةٌ رَائِعَة، إنَّها زَنْبَقَةُ مِجْدَلَيَّا.
ـ2ـ
عام 1969، دَخَلْتُ عَالَـمَ التَّمْثِيلِ والإِخْرَاجِ.. كانَ كُلّ شَيْءٍ يَسِيرِ كَدَقَّاتِ السَّاعَةِ، ما عَدَا افْتِقَارِي إِلَى بَطَلَةٍ مُثَقَّفَةٍ تَمَثِّلُ أَمامِي دَوْرَ زَوْجَتي الْمُسْتَرْجِلَة التي تَضْرِبُني، وَتَضْرِبُنِي، وَتَضْرِبُني طِوالَ مُدَّةِ ظُهُورِها على الْمَسْرَحِ. إنَّه دَوْرٌ صَعْبٌ لِلْغايَة، وَبَناتُ قَرْيَتي لَمْ يُمَثّلْنَ مِنْ قَبْل، فَمِنْ أَيْنَ لِي بِها؟ وَبَعْدَ تَفْكِيرٍ طَويلٍ، وَقَعَ اخْتِياري عَلَى أَجْملِ زَهَراتِ مِجْدَلَيَّا.. على لُورانْس ساسين الْكَحِيل.
ـ3ـ
كانَتْ صَبِيَّةً صَغِيرَةً، تَحْلُمُ النَّسَائِمُ بِمُداعَبَةِ شَعْرِها الأَسْودِ الطّويل. كانتْ جميلةً وَناعِمَةً كبراعِمِ الزَّهرِ الَّتي لَـمْ تَقْطِفْها يَدُ إِنْسانٍ. إِنَّها أصلُحُ ما تَكونُ لِتْمْثِيلِ دَوْرِ مَلاكٍ أَرْسَلَهُ اللَّه لإِنْقَاذِ بَنِي الْبَشَرِ. فَهَل سَتَنْجَحُ بِدَوْرِ امْرَأَةٍ مُسْتَرْجِلَة؟ هَذَا ما كانَ يؤَرِّقُنِي، وَيَقُضّ َمضْجَعِي. وَلَكِنْ، كما يقولُ المثَلُ الشَّعْبِيُّ: عِنْدَ الإِمْتِحان تُكْرَمُ لُورانس أَوْ تُهان.
ـ4ـ
وَما أَنْ اَطَلَّتْ "بِشُوْبَقِها"، وَصَاحَتْ بِصَوْتِها الأُنْثَوِيّ الْجَميل: إِمْشِ قُدَّامي إِلَى الْبَيْت. حَتَّى اشْرَأَبَّتْ مِئاتُ الأَعْناقِ، وَصَفَّقَتْ آلافُ الأَيْدي. لَقَد سَحَرت الجُمْهُورَ، وَوَزَّعَتْ عَلَيْهِ بَدَلَ "الإِسْتِرْجالِ" أُنُوثَةً، وَبَدَلَ "الْقُوَّةِ" حَناناً، وَأَحْسَسْتُ أَنْ ضَرَبات "شُوبَقِها" قَد انْقَلَبَتْ أزهاراً، وَأَنَّ دورَ "المَرْأَةِ الْمسْتَرْجِلَةِ" الَّذِي بَرَعَتْ بِهِ حَدَّ التَّقَمُّص، ما كانَتْ لِتَنْجَحَ بِهِ، لَوْلا حَنانُها الْغامِرُ، وَشَخْصِيَّتُها الفَذَّةُ، وَثَقافَتُها الْعالِيَةُ، وَإِطْلالَتُها الْمُفْرِحَةُ. كَانَتَ وَحِيدَةً فِي كُلِّ شَيءٍ، حتَّى بِقَدَاسَتِها!
ـ5ـ
أَرادَتْ لُورانس أَنْ تَسيرَ عَلَى خُطى السيِّد، أَنْ تَتَعَمَّدَ في نَهْرِ الأُرْدُن. أَنْ تَغْسلَ رِجْلَيْهَا بِمِياهِهِ الْمُقَدَّسَةِ، فَرَافَقَتْ "إذاعَة صَوْت الْمَحَبَّة" فِي رِحْلَتِها. الْمُؤمِنُونَ يُرَتِّلُونَ بِخُشُوعٍ، والْحَافِلاتُ تَرْقُصُ طَرَباً. الرِّحْلَةُ جمِيلَةٌ، والْقَيِّمُونَ عَلَيْها يُوزِّعونَ الْفَرَحَ كَما يُوزَّعُ البُونْبون في الأَعْياد. وَحْده الحَرّ كانَ شديداً، يُعَكِّرُ بِلَهِيبِه صَفَاوَةَ الرِّحْلَة. الشّمسُ تُرْسِلُ أَشِّعَتَّها الْمُحْرِقَةَ، والْهَواءُ يَلْفَحُ بِها أَبْدانَ الْمُسَافرينَ. عندئِذٍ بَدَأَتْ زَنْبَقَةُ مجدلَيَّا بِالذُّبُولِ، وَلَيَسْ أَمامَهَا من مُنْقِذٍ سِوَى نَهْر القَداسَةِ.
ـ6ـ
وَضَعَتْ قَدَمَيْها فِي الْماء، انْتَعَشَتْ قَليلاً.. ابْتَسَمَتْ، وَشَكَرَت الْفادي، فَإِذَا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ يُدَغْدِغُ مَسَامِعَها قائلاً: هَذِه هِيَ ابْنَتِي الْحبيبةُ الَّتي بِها سُرِرْتُ. لـم تُصَدِّق أُذُنَيْها، فَتَطلَّعَتْ إِلى السَّماء، فإِذَا بَجَوْقَةٍ من الْمَلائِكة تَرِفّ فَوْقَها، ثِيابُها بَيْضَاء، أَجْنِحَتُها بَيْضاء، وابْتِساماتُها لُؤلؤيَّةٌ كَثُلوجِ جِبالِنا الشَّمّاء. ما أَجْمَل الْمَلائِكَة، صاحَتْ لورانس، وَمَدَّت يَدَيْها لأَقَرَبِهِم إِلَيْها، فَإذا بِهِ يَحْمِلُها إلى غَيبُوبَةِ السَّعادَة.
ـ7ـ
هُناكَ تَراءَى لَها أَبُوها: مِشيَتُهُ لْـمْ تتغَيَّر، حَتَّى وَلا مَلامِحُهُ الْمِجْدِلاوِيَّةُ الْجَميلَة. أَبي، تَمْتَمَتْ بِخَوْفٍ شَديدٍ.. فَابْتَسَمَ لَها وَقالَ: آنَ أَوانُ لِقائِنا يا ابْنَتِي.. جَنَّتُنا السَّماوِيَّةُ جَميلَةٌ جِدّاً، كُلُّ ما فيها سَيَسْحرُكِ، إِنَّها السَّعادةُ الدَّائِمَةُ. تَعالَيْ لأُعَرِّفَكِ بِقِدِّيسيها، بِمَلائِكَتِها، بِأَهْلِها، وَبِأَقارِبِكِ: هَذَا هُوَ عَمُّكِ وَجيه.. وَذاكَ ابْنُ عَمَّتِكِ ميشال عيسى يَتَحَدَّثُ بِصَوْتٍ عالٍ مَعَ خالِكِ الياس وَابْنِهِ إدغار. أَمّا تِلْكَ الْمَرْأَةُ الْفاضِلَةُ فَهِيَ جَدَّتُكِ فولَمين. كَفَى.. كَفَى.. يا أَبِي، صاحَتْ لُورانْس، أَكادُ أَضْعَفُ أَمامَكَ، وَأَنْسى أُمّي.. هَلْ نَسيتَ أُمّي يا أَبِي؟.. إنَّها رَفيقَتِي، وَحَبيبتِي، وَتاجُ رَأْسي.. ماذَا سَيَحْدُثُ لَها إِنْ أَنا انْضَمَمْتُ إِلَيْكَ؟ قَلْبُها رَقيقٌ، وَدَمْعَتُها سَخِيَّةٌ.. "أَمَلين"، يا أَبي، سَتُذْبَحُ مِنَ الْوَريدِ إلى الْوَريدِ إِنْ أَنا فارَقْتُها. ثُمّ لا تَنْسَ أَنَّنِي بَعيدَةٌ عَنِ الْبَيْتِ، وَمَوْتِي فِي الْغُرْبَةِ سَيُذِيقُها مُرَّ الْعَلْقَمِ. إِرْحَمْ أُمّي يا أَبِي.. وَحَاوَلَتْ أَنْ تَسْحَبَ يَدَيْها مِنْ بَيْن يَدَيّ الْمَلاك. وَأَنْ تَعُودَ إلى عالَمِها الأرْضِيّ.. وَلَكِنَّ الْمَلاكَ رَماها في حِضْنِ أَبيها فَعانَقَتْهُ بِحَرارَةٍ وَهِي تَبْكي.
ـ8ـ
ماتَتْ زَنْبَقَةُ مِجْدَلَيَّا.. ماتَتْ لُورانْس.. فَجَنَّتْ إِذاعةُ "صَوْت الْمَحَبّة"، وَجَنَّ الرِّفاقُ وَالرَّفيقاتُ، وَجَنَّتْ مِياهُ نَهْرِ الأُرْدُن. كُلُّ السَّاعاتِ تَوَقَّفَتْ دَقَّاتُها، ما عَدَا دَقَّات قَلْبِ الْوَطَن.. مَنْ سَيَنْقُلُ الْخَبَرَ إِلَيْه؟ مَنْ سَيَتَجَرَّأُ وَيُخْبِرُ "أَملين" الأُمّ؟!
ـ9ـ
الصَّمْتُ يُخيِّمُ عَلَى مِجْدَلَيّا، رُؤوسُ أَبْنائِها مُخَفَّضَةٌ كَأَعْلامِ الدُّوَلِ. وَحْدها "أَملين" لَـمْ تَعْرِفْ بَعْد.. جُثَّةُ الزَّنْبَقَةِ حَطَّتْ فِي مَطارِ بَيْروت وَقَاماتُ الْمِجْدَلاوِيِّيَن أَيْضاً.. كُلُّهُمْ زَحَفُوا لاسْتِقْبالِها.. لِرَفْعِها فَوْقَ الْهاماتِ.. لِتَقْبيلِ جَبينِها الطَّاهِرِ، وَلِتَكْحيلِ أَعْيُنِهِم بِطَلَّتِها الْبَهِيّة.. وَ"أَمَلين" لَـمْ تَعْرِفْ بَعْد! طُرُقاتُ مِجْدَلَيّا مُضَاءَةٌ بِالشُّمُوعِ.. لَيْلُها انْقَلَبَ نَهاراً، فَالْعَرُوسُ آتِيَةٌ مِنَ الأُرْدُن وَكُلُّ عَذَارى الْقَرْيَةِ أَضَأْنَ مَصابيحَهُنَّ. وَمَعَ ذَلِكَ لَـمْ يَتَجَرَّأْ أَحَدٌ وَيُخْبِر "أَمَلين". يا رِجالَ الْقَرْيَةِ تَشَجَّعوا.. يا حُكَماءَ الْقَرْيَةِ تَشاوَرُوا، وَيا أُمَّهاتِ الْقَرْيَةِ خَفِّفْنَ لَوْعَةَ الأُمِّ الثَّكْلى. ها هِيَ جُثَّةُ لُورانْس تَدْخُلُ الْقَرْيَةَ.. ها هِيَ أُخْتُها فِيفْيان تَتَلاشى.. وها هِيَ أُمُّها "أَمَلين" تَقَعُ عَلَى الأرْضِ مُضَرَّجَةً بِدُموعِها.
ـ10ـ
مالبُورْن الَّتي عَرَفَتْها بَكَتْ.. البَيْتُ ضاقَ بِالْمُعَزّينَ وَفُولَمين أُخْتُها يَلُفُّها الذُّهولُ والذُّبولُ. سيدْنِي أَيْضاً تَفَجَّعَتْ.. بَيْتُ عَمِّها يُوسِف، وَدَيْرُ مار شَرْبِل وَحَّدَهُما الْحُزْنُ وَتَبَلَّلا بِدُموعِ الأَحْبابِ. كُلُّهم أَحَبُّوها يَوْمَ زارَتْهُمْ في غُرْبَتِهِمْ، وَكُلّهم بَكُوا شَبابَها الفَتّانَ. حَتّى كَنَدا اصْطَكَّتْ رِكْبَتَاها عِنْدَما اصْطَكَّتْ رُكَبُ أُخْتِها ماري وَأَخَوَيْها فيليب وطوني وباقي الأَهْل.. إِنَّها خَسارَةٌ لا تُعَوَّضُ.. فَهَلْ تُعَوَّضُ خَسارَةُ مِجْدَلَيّا لِزَنْبَقَتِها الرَّائِعَةِ الْجَميلة؟ وَهَل يُعَوَّضُ رَحيلُ مَنْ عَلَّمَتِ الأَجْيالَ الْحَرْفَ وَزَرَعَتْ في نُفُوسِهِمْ حُبَّ اللَّـهِ وَالْوَطَن؟ لورانْس الْكَحيلْ لَـمْ تَمُتْ.. إِنَّها تَعيشُ في قُلوبِنا.. فَطُوبَى لِمَنْ أَصْبَحَت الْقُلُوبُ جَنَّتَها، فَلَسَوْفَ تَحْتَضِنُها الدَّيْمُومَةُ، وَيُرافِقُها الْخُلُود.
**
الى روح الاعلامي نبيل طنّوس
ـ1ـ
خسرت الجالية العربية صوتاً إذاعياً معروفاً، خدم الحركة الاعلامية المهجرية سنوات طويلة، دون أن يتمكن المرض من ثنيه عن إتمام الرسالة التي اختاره الله لها.
ـ2ـ
وفجأة تعب الفارس من امتطاء جواد البث الاذاعي فترجل عنه، وودّع أهله وجاليته ورحل عن عمر يناهز الخامسة والسبعين.
ـ3ـ
نبيل طنّوس لم يشأ إلا أن يكون نبيل طنّوس.. بكل شفافية وتواضع. لذلك أحببته، ولذلك بكيته، ولذلك سيبقى خالداً.
ـ4ـ
رحمك الله يا صديقي وأعطانا القوة كي نكمل المسيرة بعدك.
**
الى روح الام جولييت العلم
ـ1ـ
جولييت العلم الأم الحنونة.. الأخت الوفية.. والسيّدة الفاضلة.. جمعت أوراق مجدها الأرضي، وقررت الرحيل..
ـ2ـ
كنت كلما التقيتها أسألها عن جوازات السفر التي منحتها إياها دول عديدة تفتخر بضمها الى رعاياها.. كيف لا.. وهي صاحبة أجمل صوت إذاعي شنّف آذان الملايين حول العالم فلقد عملت في إذاعة الـ بي بي سي اللندنية مدة ثلاثين سنة.. تركت خلالها الصوت الخلاب، والطلّة المشرقة.. والعمل الراقي.. والصداقة التي لا تفنى.
ـ3ـ
منذ أيام قرّرت هذه السيّدة العظيمة أن تستبدل كل جوازات السفر التي بحوزتها.. بجواز سفر واحد.. طالما تمنت الحصول عليه.. ألا وهو جواز سفرها الى الفردوس لإلهي، لتلتقي سيد المجد.. ذلك الجالس على عرشه السماوي بانتظار الطيبين من أبنائه.. وهل أطيب من قلب جولييت العلم. فهنيئاً للجنة بها..
**
الى روح الام سلوى المظلوم
ـ1ـ
الأم التي أعطت لبنان خيرة الأبناء والبنات رحلت عنا. الوالدة المهاجرة التي جعلت أستراليا تفتخر بلفذ أكبادها طوت صفحة اغترابها. سلوى المظلوم التي مرّت مرور القديسين على هذه الأرض أطفأت شمعتها الأخيرة. أم أخي وصديقي وحبيب قلبي سامي المظلوم ودّعت عيالها، الذين لا تغيب عنهم الشمس، لتلتقي بمن حلمت بلقياه مخلصها يسوع المسيح.
ـ2ـ
رحيل الأمهات مؤلم جداً.. حارق.. صاعق.. وقاتل. موتهن.. أكبر من الموت أصعب من النحيب وأعمق من العزاء فكيف يسمح الله برحيلهن؟ وما حكمته من ذلك؟ أخي سامي يعرف الجواب.. فيقول: "إن الأمهات لا يمتن بل نتكلّم معهن دائماً" وهذه حقيقة لمستها لمس اليد إذ أنني أكلّم والدتي، رحمها الله، كل يوم قد تقولون: أنت مجنون فأقول لكم أصبحنا اثنين: أنا وسامي وقد تجدون الملايين من المجانين الذين يكلّمون أمهاتهم الراحلات مثلنا.
فيا أخي سامي ويا آل المظلوم الكرام لكم منا كل الحب فسلوى سلوانا جميعاً وأمنا جميعاً فاقبلوا تعازينا
**
الى روح الأم نزيهة حرب
ـ1ـ
أنور حرب الذي غنّى الأمومة بكلمات شنّفت آذان الكون.. ها هو اليوم يبكي "ميمته" كما لم تبكِ الخنساء أخاها. والدته، رحمها الله، تاجرت بوزناتها الإلهية فأعطت الاعلام سيداً كأنور والشعر فارساً كألبير والكون عائلة ولا أجمل. فهينئاً للجنة بها، وهنيئاً لحضن السيدة العذراء بأم عرفت كيف تحضن أطفالها كيف ترضعهم الشموخ كي يشمخ بهم لبنان، وتنحني لعنفوانهم الغربة. وها هي كفرزينا تجمع أزهار حقولها لترشها زهرة زهرة على أقدام مَنْ أنارت قناديل الآخرين بزيت محبتها.
ـ2ـ
فيا أخي أنور.. لا حرفي كحرفك.. ولا كلمتي ككلمتك.. ولا محبتي كمحبتك.. فسامحني إذا أعلنت عجزي عن اختيار الكلمات التي أعزيك بها.. فخذ مني هذه القبلة على جبينك المشرق وهذا المثل الشعبي: من خلف ما مات.. وكيف تموت أم ابنها أنور!
**
الى روح الجار موسى انيسة
ـ1ـ
عام 1924 أطلّ موسى إلى الحياة من أبوين تقيين هما المرحومان أنطونيوس ووديعة أنيسه.
كان والده يومذاك من أشهر نجاري لبنان، فلقد أتقن مهنة القديس يوسف النجّار ربّ العائلة المقدسة، ليؤسس هو أيضاً في بلدة مجدليا ـ قضاء زغرتا عائلة مقدسة،
ـ2ـ
كان فقيدنا الغالي موسى وحيدأ بين ثلاث بنات هنّ ماري وحوّا وتراز.
وكبر موسى، ولمع نجمه، فأتقن عدّة لغات عالمية، ليصبح المترجم لكل من يقصده، فلا يرد طلباً لأحد على الاطلاق، دون أن يتقاضى أجراً عن ذلك. وبسبب اتقانه للغة الانكليزية حصل على وظيفة محترمة في شركة آي بي سي للبترول، فكان الموظف الأمين النشيط إلى أن تقاعد كلياً عن العمل.
ـ3ـ
وما أن تأسست بلدية مجدليا حتى انتخب بإجماع أهالي قريته عضواً فيها، بعد أن كان عضواً اختيارياً أيضاً. أحب الطبيعة وأحبته لدرجة لم يفارق حديقته الغنّاء المثمرة إلا عندما زارنا في أستراليا مرتين لتفقّد إبنيْه طوني وكرلوس وعيالهما وباقي الأهل. فأعجب كثيراً، باخضرار هذه البلاد
وبنظامها، وأطلق عليها لقب "الجنائن المعلّقة".
ـ4ـ
موسى أنيسه، إبن مجدليا البار، كان المثل الأعلى لكل من عرفه، فلقد كان رحمه الله والداً حنوناً، وأخاً مخلصاً، وجاراً كريماً، وصديقاً وفياً، تاجر بوزناته فربح أضعاف الأضعاف.
ـ5ـ
ذات يوم تناول عشاءه وشرب فنجان قهوته وذهب إلى فراشه لينام دون أي عارض صحي، ولكن الله ناداه ليدخل فرح سيّده.. كيف لا، وهو الانسان التقي الورع المحب. رحم الله.
**
الى روح الشابة فانيسا مسلّم
ـ1ـ
ما أصعب أن تذبل الزهرة قبل أوانها.. ما أصعب أن يودّع (حوش الأمراء) أميرته الصغيرة.
ما أصعب أن يخسر العنقود الزحلاوي أنضر حبّاته. فانيسا مسلم لم يخسرها لبنان فقط، بل خسرها الانتشار اللبناني أجمع.
ـ2ـ
وفي سيدني أستراليا تأوّهت قلوب المغتربين ألماً حين سمعت تأوّه خالتها المحامية بهية أبو حمد. ولكن مهما أحببنا الزهرة فانيسا، لن نحبّها قدر محبّة السيّد المسيح.. لن نحبّها قدر محبّة السيدة العذراء.. فمن عاشت ملاكاً على هذه الآرض ستتوّج ملاكاً في السماء.
ـ3ـ
فانعمي يا ابنة الأرز بجنّة نحلم بها عديد الثواني. ونحن في (الغربة) آلمنا مصابك كثيراً.. لدرجة عجزنا معها عن البوح بما يعتمل في الصدر من ألم. فاقبلي أيتها الخالة المحامية بهية أبو حمد تعزيتنا.. واقبلوا أيها الأهل محبتنا،
أينما كنتم، وأنّى حللتم. أما أنت يا زهرة لبنان، يا فانيسا الأميرة، فلك الصلاة.. أجل لك صلاتنا. رحمك الله.. لأنك أهل لرحمته.
**
الى روح الشاعر حنا عبيد
ـ1ـ
خسر الشعر الزجلي المهجري في أستراليا أحد أبرز عمالقته، فلقد بكت الغربة عندما انحنت القصيدة لتقبل الثرى لحظة أغمض رئيس جوقة بلابل المهجر الشاعر حنا عبيد عينيه، مودعاً عائلته وأقرباءه وأصحابه و(متريته) بابتسامة لم تغب عن ثغره يوماً طوال رحلته المشرقة مع الحياة.
ـ2ـ
وفقيدنا الغالي (حنّون) هو شقيق أمير الزجل المرحوم يعقوب عبيد من بلدة متريت الكورة ـ لبنان الشمالي. أي أنه ابن بيت شعري، خلّد الحرف، فخلدته القصائد.
ـ3ـ
منذ مدة سألت ابن أخته الشاعر جورج منصور عنه، فوجه له تحية شعرية في لقاء تلفزيوني أجريته معه وكأن الشعر على علم مسبق بالكارثة التي ستحل به من جراء رحيل رئيس جوقة بلابله المؤلم.
ـ4ـ
حنا عبيد شاعر من بلادي حمل لبنان في قلبه، غناه بلسانه، وأهداه شعره، فلم يلتفت له الوطن، لذلك أهدى ثراه لأستراليا. فطوبى لها به.
**
الى روح الشاعر
عبد الفتّاح حمدي
ـ1ـ
يا أخي الكبير.. يا هرماً مصرياً شامخاً في بلاد الاغتراب.. يا بحة الناي وزقزقة الكمان في أغنياتك الجميلة.. يا ابتسامة مشرقة تلاقي بها أصدقاءك قبل الترحيب بهم..
ـ2ـ
سنفتقدك يا عبد الفتّاح حمدي.. سنفتقد الإخلاص المتجسد فيك.. سنفتقد لهجتك المصرية المحببة.. عشت كبيراً يا صديقي ومتّ كبيراً..
ـ3ـ
سأتذكرك ما حييت.. فصوتك الذي حمل إليّ البهجة والتقدير في غربتي هذه.. سيظل هادراً في تلفزيون وراديو ومجلة الغربة.. سأستمع إليه كل صباح لأقول لك والدمعة في عينيّ: صباح الخير يا صديقي الشاعر. ألا رحمك الله يا شاعر الهرم في بلاد أبعد ما تكون عن أهراماتك. لن أقول وداعاً، فمثلك لا يموت.
**
الى روح الشاعر
عقل سليمان مخايل
ـ1ـ
عقل مخايل.. شلح آخر من أرزة ادبنا المهجري تقصفه رياح الغربة، وتدفنه خارج تراب قريته الأم بحويتا.
ـ2ـ
كان ابن قصيدة "مخايلية" رائعة، نسبة الى عائلة "مخايل".. كتبها الأب، وغناها الأبناء فأجادوا جميعاً، ورحب بهم الابداع فرداً فرداً.
ـ3ـ
عقل مخايل.. ترك بصماته الشعرية على دفتر شعرنا الاغترابي، فكلّما قلّبت صفحة وجدت له قصيدة، رباعية، ردة قرّادي بيت معنى.. انه الموجود بيننا دائماً وأبداً لأنه أعطى بصدق فخلدته الكلمة.
ـ4ـ
الوداع يا صديقي الشاعر أيها البحويتي الساهر كأب حنون. الغامر كأخ معطاء. الدافىء كإبن مطيع. الخالد ككل شاعر أعطى دون منّة. رحمك الله..
**
الى روح الصديق
بطرس عنداري
ـ1ـ
خسرت الجالية اللبنانية أحد أبرز وجوهها الاعلامية في أستراليا، الاستاذ بطرس عنداري، الذي ترك بصماته الذهبية على صفحات إعلامنا المهجري.
ـ2ـ
نصف قرن من الزمن مرّ على اغترابه، لا بل أكثر من نصف قرن، ولم يتعب قلمه من العطاء، فراح يمد مجلته المفضلة (الغربة) بأجمل مقالاته التي لاقت استحسان كل من اطلع عليها.
ـ3ـ
بطرس عنداري الذي أوجد جريدة النهار المهجرية كان نهاراً بحد ذاته لن يقدر الموت، مهما كان عتياً، من حجب شمسه المشعة، أو من محو حرف واحد خطه بليل أرقه لينير ظلمات الكون أجمع.
ـ4ـ
بطرس عنداري غاب عنا بالجسد، ولكنه باقٍ إلى الابد بإرثه الاعلامي والثقافي. لقد عرفته إعلامياً مبدعاً، وسياسياً محلقاً، فأعجبت بجرأته ونضارة قلمه.
ـ5ـ
كان صديقاُ للجميع، فأحبه الجميع. وقد لا أغالي إذا قلت أن سنديانة متريتية هوت مرتين: يوم هاجر بطرس، ويوم مات. فإلى عائلته أقدم تعازي القلبية، وإلى متريت أقول: اجعلي ذكره خالداً.. انه ابنك البار.
ـ6ـ
وكم كنت محظوظاً حين وافق صديقي وأخي ورفيقي وحبيبي بطرس عنداري على لقائي تلفزيونياً، فكان لي أجمل لقاء أثبت فيه للعالم أجمع كم كان هذا المتريتي المهاجر جريئاً وصريحاً.
ـ7ـ
رحمك الله يا أبا زياد.. أيها الحي الباقي في القلوب والضمائر.
**
الى روح المربي
اغناطيوس بعيني
ـ1ـ
ودعت بلدة مجدليا الشمالية أستاذها الكبير اغناطيوس بعيني.. ذاك الذي تتلمذت على يديه أجيال واجيال غرس في قلوبها حب المعرفة وخدمة المجتمع.
ـ2ـ
وفقيدنا الغالي هو أحد الأعمدة الأساسية التي انبنى عليها البيت المجدلاوي، لذلك أحدث سقوطه المفاجىء هزة حزن فجّرت دموع المقيمين والمغتربين من أبناء البلدة.
ـ3ـ
خسارة مجدليا لابنها البار اغناطيوس لا تعوّض، وفقدان عائلة بعيني لأحد أهم أركانها مصيبة كبرى. ولكن، ما باليد حيلة، وما علينا سوى الانصياع لارادة الخالق تعالى.
ـ4ـ
رحمك الله أيها المربي الكبير، فلقد بكتك ساحات مجدليا وتاقت الى لقياك جارتك السيدة، تلك التي أهديتها القلب، فأهدتك الملكوت.
**
الى روح المرحوم
بطرس البحري
ـ1ـ
كم كنت أحبك يا قريبي بطرس البحري وكم كنت أشتاق لطلتك عندما كنت تزورنا يومياً لارتشاف فنجان قهوتك الصباحية. من يوم مرضك، وانقطاعك عن زيارتنا لم نعد نشمّ رائحة القهوة في بيتنا. لا بل توقّفنا عن شرائها.
ـ2ـ
أما لماذا أحبك بهذه الدرجة فلسبب لا يعرفه إلا أنت.. أتذكر يوم مجيئي الى أستراليا هارباً من كلاب الاستخبارات اللبنانية وقد منّ عليّ أحد مكاتب السفر بتذكرة لم أدفع ثمنها، لعدم توفّر المال في جيبي، بل اكتفى صاحبه بوعد قطعته على نفسي أن أرسل له ثمن التذكرة حال وصولي الى أستراليا. وعندما وصلت، وجدت أن من الصعوبة تحقيق وعدي للرجل الفاضل، فأصبت باكتئاب شديد.. ولسان حالي يردد: من أين لي المال؟ وحدك يا غالي انتبهت لما أنا فيه، فهمست في أذني: ما بك يا "أبا نيع" وكان هذا اسم الدلع الذي كنت تناديني به دائماً. فقلت لك، وكنت في سيارتك وقتئذ: سفّرني رجل لا أعرفه ولم يقبض ثمن تذكرة السفر إلا بعد وصولي الى أستراليا. فسألتني عن كمية المبلغ. فقلت: مئتا دولار. وأذكر كيف اتجهت بسيارتك مسرعاً نحو بيتك وقلت لي: هذا هو المبلغ.. وعندما رفضت أن آخذه منك، لأنك لن تسترده مني، صرخت بي: اصعد الى السيارة. فإذا بك تدخلني الى مصرف في منطقة ريجينس بارك وتقول لمديره: أريد مئتي دولار حالاً. وسيدفعها بالتقسيط قريبي هذا. وهكذا/ كان. ولمن لا يفهم بعملات أيام زمان، كان بإمكانك أن تشتري بمئتيْ دولار، سيارة جديدة.
ـ3ـ
فضلك يا ابن خالتي بطرس سيلازمني ما حييت.. ولكنني سأعيده لك متى التقينا في الملكوت السماوي.
**
الى روح المرحوم
حنا ابي خطار
ـ1ـ
مجدليا ضيعتي خسرت من جديد إبناً كبيراً.. اسمه حنّا أبي خطّار. هذا الوالد المغترب الذي حوّل الغربة وطناً وجعلنا نتغلّب عليها بمحبته النادرة، واندفاعه المفرح لخدمة أهل قريته خاصة ووطنه عامة.
ـ2ـ
وها أنا أخبركم عن محبته لي، يوم وصلت الى أستراليا، كنت حزيناً ويائساً فإذا بعائلة أبي خطّار تحضنني، حنا وكمال ويوسف.. وخاصة أخي ورفيق غربتي ألبير ابن الفقيد الغالي. فكانوا يسألونني: ماذا تحب أن تأكل؟ ما هي الحلويات التي تشتهيها كي تحضّرها لك أم ألبير؟ كان هذا منذ 45 سنة يوم لم يكن هناك محلات للحلويات أو للمأكولات اللبنانية. وكان رحمه الله يعاملني كما يعامل ابنه ألبير وكان يهمس في أذني: "لا تقول بيّك بعيد.. حسبني متل بيّك". فيا والدي حنا.. كل الناس يخسرون أباً واحداً أما أنا، فلقد خسرت اليوم أبي الثاني فإذا بكيتك لا تلمني.. فلقد تمكنت بعطفك وحنانك أن تمسح دمعة اغترابي فمن سيمسح دمعة حزني عليك..
**
الى روح المونسنيور
ميشال بو ملحم
ـ1ـ
توفي كاهن الرب المونسنيور ميشال بو ملحم، ابن بلدة عيمار الشمالية، بعد أن خدم في كنائسنا لسنوات طويلة، زرع خلالها الايمان والتقوى في نفوس أبناء الطائفة المارونية، لا بل الجالية ككل.
ـ2ـ
لقد كان، رحمه الله، مضحياً من أجل الجميع. فما كان ليأخذ بل ليعطي، فيسراه لم تدرِ يوماً بما وهبت يمناه.
ـ3ـ
عرفته كاهناً تقياً، قادراً على إدخال السعادة الى قلبك، والايمان الى نفسك، وروحك، بحديثه اللاهوتي المقنع.
ـ4ـ
عرفته صديقاً مخلصاً، يوزّع محبته الغامرة تماماً كما يوزّع بركته المقدسة على المصلين.
ـ5ـ
على أيامه.. نفذت مشاريع كنسية كثيرة في لبنان واستراليا.
ـ6ـ
وها هي بلدته عيمار، تتأهب لاستقباله، بعد طول غياب انتظار، ولسان حالها يردد: تعال إلي أيها الابن المقدس، فبدموعي سأغسل جثمانك.. وبترابي الذهبي سأحضنه الى الابد.
ـ7ـ
رحمك الله يا أبتي القديس وأنا على يقين تام من أن الملكوت ما وجد إلا لأمثالك.
**
الى روح الوالد وليم ناصيف
ـ1ـ
وليم ناصيف، الوالد الكفرصاروني الحنون، شقيق أعز الناس على قلبي ايلي ناصيف، عانى من المرض الخبيث مدة طويلة، رفض خلالها الخضوع للعلاج، فحمل أخوه "إيلي" تقاريره الطبيّة، وكنت برفقته، ورماها في حضن أشهر أخصائي بأمراض السرطان البروفسور فيليب سالم.. الذي أصر على خضوع المرحوم للعلاج.
ـ2ـ
ولكن وليم أبى ذلك.. ليس خوفاً من الألم، وهو المتألم دائماً، بل حباً بلقاء سيد الارض والسموات يسوع المسيح. كان يسمعه يناديه: تعال إليّ ايها الابن المؤمن، الناصع كثلوج بلادك، الطاهر كتراب كفرصارون، تعالى إليّ.. ايها الوالد المثالي الذي تاجر بوزناتي وربح الملكوت، بعد أن أعطى العالم خير عائلة مقدسة.
ـ3ـ
.. ولقد التقيت وليم مرات عديدة خاصة أيام كنت أقدّم بها حفلات جمعية كفرصارون الخيرية، فلقد وجدته مندفعاً كشلال، نقياً كقلب طفل، ومحباً كوالد.. وكان يسألني طوال الحفلة: هل أنت مبسوط؟ وكنت أتطلع به وأتمتم في سريّ: طوبى لكفرصارون بابن شريف كوليم. وأراني مجبراً الآن أن أردد علناً: طوبى للسماء بزائر شهم قديس كوليم ناصيف. رحمك الله يا صديقي الغالي.. وسنلتقي.. لا محال.
**
الى روح الصديق
موريس الشدياق
ـ1ـ
أجل، لقد رحل من بيننا صاحب النكتة المرتجلة، والقلب الطيّب المرح. بقي عازباً، لأنه نذر نفسه للصلاة والتعبد.. وأمضى حياته بفرح أهداه لكل من عرفه أو صاحبه في الوطن والغربة.
ـ2ـ
كان يسألني كلما التقاني: أتعرف ما هو أسرع الأشياء في أستراليا؟ فأجيبه: لا.. ما هو؟ فيضحك ويقول: الدولار، ما أن يدخل الى جيبك حتى يطير منها.
ـ3ـ
وقال لي مرة: "باتا" في لبنان من أجود الأحذية، ولكنهم في أستراليا يمرحونه على الخبز. وكان، رحمه، ينتقل من موضوع جميل الى موضوع أجمل.
ـ4ـ
تعلّمت منه كيف أطعّم مقالاتي بالفكاهة، كي لا تضجر القارىء. لأنني لم أضجر مرة واحدة من حديثه المرح الجذاب.
ـ5ـ
موريس الشدياق، هو أفضل من نجالس، وأصدق من نصاحب، وأعز من نخسر.. ولقد خسرناه اليوم.. فهل تنفعنا الدموع؟
**
الى روح الصديق نعيم ناصيف
ـ1ـ
نعيم ناصيف، صاحب الابتسامة المشرقة كشمس كفرصارون، حمل أعماله الصالحة ورحل، إلى أين؟ إلى المكان الذي يحمل اسمه.. النعيم.
ـ2ـ
عرفته عن طريق أخيه الحبيب ايلي.. كان يرافقه كظله، حتى لتحتار أيهما ايلي وايهما نعيم. كانا القدوة الأخوية النادرة في زمن طغت فيه المادة على كل شيء. إلا على محبتهما لبعضهما البعض.. وللآخرين.
ـ3ـ
كفرصارون ستفتقد "نعيمها، ستبكيه بكاء الأم على ولدها، فلقد غاب عنها بالجسد، وعاشت معه بالروح. خدمها بعينيه، كما يقول المثل. فصح فيه القول المقدس: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت.
ـ4ـ
سأفتقدك يا صديقي.. سأفتقد سلامك الحميم الذي كنت تسبقني اليه دائماً.
ـ كيف حالك يا أخي شربل؟
أتريد جواباً صريحاً يا نعيم؟
ـ صحتي ليست جيدة، فلقد فاجأني موتك.. وأحسست أن كل ما في الأرض زائل. إلا وجودك في قلبي، وقلوب محبيك.
ـ5ـ
لن أترحم عليك.. لأنني واثق من أن الله يحبك. فهنيئاً للنعيم بك، وهنيئاً لك بنعيمه السماوي.
**
ميشال زخور الوالد القديس
ـ1ـ
صباح الثاني من آذار جاء مثقلاً بالحزن، فلقد أخبرني ابن خالتي جوزيف زخور بوفاة والده ميشال، وأنه سيترك كندا في الحال ليكون قرب أمه، وعائلته. فأحسست أن فسحة الكون قد ضاقت، وأن الاغتراب أبعدني عن أناس زينوا طفولتي بالمحبة والقدوة الصالحة.
ـ2ـ
ميشال زخور.. زوج خالتي عاقله، آخر حبّة في عنقود الرجال الأقرباء. وأحبّهم الى قلبي، فلقد كان يأتينا كل أحد تقريباً، رغم بعد المسافة بين بعبدا ومجدليا، ليجمع عائلتيْ الأختين معاً: بترونله وعاقله. وقد نجحت خطته، لأن ما زرعه من حب بيننا وبين أبنائه وبناته، لن تقوى عليه أعاصير الحياة.
ـ3ـ
مجنون من يعتقد أنني أبالغ لو قلت: ميشال زخور قديس، أجل: قديس، ومن يعرف سيرة حياته، سيعلن قداسته حتماً. لماذا؟ لأنه كان الوالد المثالي، التقي، النقي، العطوف، المحب، المؤمن بإنسانيته، التي قرّبته أكثر فأكثر من ربّه. أف، ما أقسى الموت عندما يسرق من بيننا أناساً عظماء مثله.
ـ4ـ
سأفتقدك يا زوج خالتي.. يا حبيب قلبي.. وسأحسدك في آن واحد، لأنك سبقتني الى حضن العذراء مريم، الى زنبقة مار يوسف، الى صليب المسيح، الى جنة الملاك ميخائيل، الذي تحمل اسمه. أحسدك، لأتك عرفت كيف تتاجر بالوزنات، بينما أنا ما زلت أتخبّط في غربتي، علّني ألتقط السراب.
ـ5ـ
نم قرير العين، وهنيئاً للجنة بك.
**
الى روح الوالد علي مراد
يا أخي عبّاس علي مراد قد نكون من أرباب الكلمة، نتلاعب بها كيفما نشاء، نأمرها فتأتمر، ولكنها تتمرّد علينا في المصائب، تتساقط من بين أناملنا كحبّات رمل.. وها أنا أعلن عجزي عن إيجاد كلمات أقدر أن أعزيك بها بفقدان الوالد الحبيب علي.. فاعذرني أرجوك لأنني ذقت قبلك لوعة فراق من تفارق.. وما زلت أبكيه كالخنساء. فاقبل مني.. دمعتي
**
أبي
ـ1ـ
لو لم يكن البكاءُ خطيئةً لبكيتُكَ أبدَ الدّهر. فما من حنانٍ ضاهى حنانَك. وما من أبوّةٍ كأبوّتكَ فلقد كنت الواحدَ الأحدَ بكل شيء كاملاً متكاملاً كالحب مشرقاً كالابتسامة وناضجاً كثمار الجنّة ولكم كنت سعيداً بوجودك ويائساً بغيابك.
ـ2ـ
قداستُك شهد لها الملكوت، فارحمني يا أبي، واغمرني بحنانك، فأنت قادر على كل شيء.. كل شيء..
**
الى روح الام
لوسيا الكحيل عيسى
ـ1ـ
لوسيا الكحيل عيسى، إسم لن أنساه ما حييت، وكيف أنسى الأم الطاهرة التي حضنتني منذ صغري، كما حضنت ابنها المرحوم ميشال، فلقد كنا صديقين حميمين لا نفترق الا ساعات النوم، لا بل كنّا ننام في أكثر الاوقات معاً، كي لا نفترق أبداً، لولا غربتي، ورحيله الى دنيا الخلود وهو في عز شبابه.
ـ2ـ
وقد لا أغالي اذا قلت أن بيت الياس عيسى زوجها المرحوم، كان بيتنا جميعاً، وكنّا نقصده كل ليلة لحضور البرامج التلفزيونية، يوم لم يكن في مجدليا إلا أربع تلفزيونات لا غير. والويل لنا إذا لم نأتِ الى السهرة، فكانت لوسيا، رحمها الله، تقيم الدنيا، ولا تقعدها، إلا بعد أن نجد لها عذراً يقنعها.
ـ3ـ
وأذكر يوم زرتها في لبنان بعد ثلاثين سنة من الهجرة، كيف استقبلتني بالاحضان وهي تصرخ:
ـ لقد رأيتك مرة ثانية قبل الرحيل الأبدي. إني أرى في وجهك يا شربل وجه ابني المرحوم ميشال.. فلقد كنتما أخوين عزيزين، لا الغربة فرقتكما ولا الموت.
ـ4ـ
السبت القادم، 10/12/2016، سيجتمع أبناء بلدة مجدليا للصلاة عن روحها الطاهرة عند الساعة السابعة مساء في كنيسة مار شربل بانشبول، يتقدمهم أخوها يوسف الكحيل وعائلته والاهل والاقرباء من سيدني وملبورن.
غداً السبت، سأرسل لها قبلة عبر البحار، وهمسة صغيرة أقول فيها: أحبك يا أم ميشال.. سلمي على من غاب منا، وخاصة ابنك ميشال، وأخي مرسال.. الى أن نلتفي.
**
الى روح الام ماري انيسة
ـ1ـ
لن أخبركم عن الألم الذي انتابني لحظة سمعت بوفاة أمي الثانية ماري أنيسة. لقد عشنا معاً سنوات طويلة، الباب على الباب، لدرجة أن جيرتنا أصبحت مضرب مثل. كانت تعطف علينا مثلما كانت تعطف على أولادها. تحرسنا من كل شر، تزنرنا بصلاتها، وتمنحنا بركتها عند بزوغ كل فجر.
ـ2ـ
ماري أنيسه الأم، لن تتكرر، لا بالحنان، ولا بالامومة، ولا بالاخلاص، ولا بالتضحية، ولا بالمحبة، أنها الأم المثالية وكفى. ولقد خسرتها مجدليا.. وخسرناها جميعاً أينما كنا في بقاع الأرض.. محبتها تتفاعل معنا وتمدنا بالقوة.
ـ3ـ
رحمك الله يا أم الكل.. وأسكنك ملكوته السماوي، وألهم عائلتك وأبناءك وبناتك والاحفاد وكل من عرفك الصبر والسلوان.
ـ4ـ
ويا عزيزتي فابيولا اقبلي تعزيتي القلبية وانقليها الى كل فرد من افراد العائلة في لبنان، ونحن هنا سنكون الى جانب أخويك طوني وكارلوس وعائلتهما، يوم الثلاثاء القادم في قداس عن روحها الطاهرة في كتيسة مار شربل عند الساعة السادسة مساء. هي لا تحتاج للصلاة، لانها قمة التقوى ولكننا سنصلي من أجل راحة نفسها. رحمها الله.
**
الى روح الصهر
أنطوان نجم زيادة
ـ1ـ
ما أبشع اليوم الذي تستيقظ به لتقرأ خبراً مفجعاً. ما أصعب اللحظات التي تكرج بها عيناك على كلمات النعوة دون أن تصدق ما تقرأ.
ـ2ـ
هذا ما حصل معي اليوم، وأنا أقرأ خبر وفاة زوج ابنة خالتي جوزيت، رب العائلة وجسر البيت وحبيب الكل، الوالد الحنون انطوان نجم زيادة.
ـ3ـ
قالوا عني أنني أمتلك بحراً من المفردات، فإذا بالبحر يجف. قالوا انني سيد القوافي فإذا بالقوافي تتطاير، وتصبح سراباً بسراب. كيف لي أن أعزي ابنة خالتي برحيل رفيق دربها وحامي بناتها؟ كيف لي أن أعزي بناته ماريا وتانيا وسارة وكلارا وهنّ غنّوجاته وزهراته ومواسم جناه؟ كيف لي أن أعزي أهله، آل زيادة الكرام، وقد خسروا نجمهم الساطع؟ وأخيراً كيف لي أن أعزي خالتي عاقلة بوفاة صهرها الابن؟
ـ4ـ
لقد عرفته عبر الفايس بوك، فحرمني الموت من أن ألتقيه وجهاً لوجه، وهذه كانت أمنيتي.
ـ5ـ
نم قرير العين يا صهرنا الغالي، فملكوت السماء ما وجد إلا لأمثالك من الناس الصالحين. هنيئاً لك لقاء أمنا مريم العذراء التي أطلقت اسم ابنتك على اسمها المقدس لتفيض القداسة في بيتك الطاهر.
ـ5ـ
فيا ابنة خالتي جوزيت، كفكفي الدمع، كي لا تزعجي حبيب قلبك أثناء رحيله إلى مكان أفضل بكثير من المكان الذي نعيش به نحن البشر.
ـ6ـ
تعازي القلبية أقدمها لكم جميعاً باسم كل فرد من أفراد عائلة خالتك بترونله، كبيرها وصغيرها، فمصابكم أصابنا في الصميم. كيف لا ونحن أقرب الأقرباء لبعضنا البعض.
أنطوان نجم زيادة.. رحلت بالجسد ولكنك باقٍ في قلوبنا جميعاً.
**